الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياة الكريمة عند الله فضلا عما له عند الناس من كرامة وحسن ذكر فليس من موجب للخوف من الجهاد ولا للجزع من نتائجه مهما كانت.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 172 الى 174]
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)
. في هذه الآيات: تنويه بالذين استجابوا إلى الله ورسوله رغم ما نالهم من جراح وتعب ولم يبالوا بما قاله لهم الناس من أن الأعداء قد جمعوا لهم بل زادهم إيمانا بالله وتمسكا به واعتمادا عليه وهتفوا قائلين حسبنا الله ونعم الوكيل. ولقد عادوا دون أن يمسّهم سوء بفضل الله ونعمته وبركة ما كان منهم من صبر وجرأة وإيمان واعتماد على الله. وقد نالوا فوق ذلك رضوان الله ذي الفضل العظيم. وإن للذين أحسنوا من المسلمين واتقوا الأجر العظيم عند الله.
تعليق على الآية الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) والآيتين اللتين بعدها
وقد روى المفسرون روايتين «1» في صدد نزول الآيات: أولاهما ما أوردناه قبل من تفكير قريش في الكرة بقصد استئصال المسلمين، وببلوغ الخبر للنبي صلى الله عليه وسلم ومسارعته للخروج على رأس فريق من أصحابه وبلوغهم حمراء الأسد حيث وجدوا قريشا قد انصرفوا «2» . وثانيتهما أن أبا سفيان قائد قريش هتف متواعدا مع
(1) انظر تفسير الآيات في الطبري والطبرسي وابن كثير والخازن.
(2)
هذه الرواية رواها البخاري في هذا النص: (قالت عائشة لعروة بن الزبير يا ابن أختي لما أصاب نبي الله ما أصابه يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعين رجلا كان من بينهم أبو بكر والزبير) . التاج، ج 4 ص 77 وقد يكون في الحديث التباس أو اقتضاب.
النبي والمسلمين ليوم آخر يلتقون فيه في بدر في السنة المقبلة، وأجابه المسلمون بأمر النبي بالموافقة وهذا مما اعتاده العرب في حروبهم فلما جاء الموعد خرج النبي على رأس فريق من أصحابه حتى بلغ بدرا فلم يجدوا قريشا وشهدوا سوق بدر وكان لهم فيها ربح تجاري عظيم وعادوا ولم يلقوا كيدا أو سوءا. وابن سعد يذكر وقوع الغزوتين وأسبابهما التي ذكرها المفسرون «1» .
وروح الآيات وفحواها يلهمان أنها في صدد مشهد جهادي فور وقعة أحد وما زالت مرارة الوقعة وجراحها شديدة الأثر في المسلمين. وهذا مما يتوافق مع الرواية الأولى ومع الآيات أكثر وإن كان هذا لا يمنع أن تكون قريش قد هتفوا بموعد بدر للسنة القابلة حينما انصرفوا من أحد ثم فكروا في الكرّة.
والمتبادر أن الآيات لم تنزل لحدتها، وليست منفصلة عن سابقاتها. وكلمة الَّذِينَ متصلة نظما بكلمة الْمُؤْمِنِينَ التي كانت خاتمة الآيات السابقة وأن السلسلة كلها نزلت دفعة واحدة عقب أحداث وقعة أحد ومشاهدها. وكل ما هناك أن هذه الآيات احتوت التنويه باستجابة المؤمنين لدعوة النبي وخروجهم معه رغم ما أصابهم من قرح. وهو ما جعل الرواة يروون أنها نزلت في ذلك.
والآيات تحتوي صورة رائعة لاستغراق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته والجهاد في سبيلها وعمق إيمان العصبة المخلصة التي كانت حوله في الله وشدة اعتمادها عليه وصبرها وتفانيها وقوة روحها واستغراقها في تأييد النبي وطاعته وعدم مبالاتها بما كان ينالها من بلاء وأذى في سبيل الله وإعلاء كلمته. وبخاصة في الحالة التي نزلت فيها حيث استجابوا وخرجوا إلى عدو يزيد عدده عليهم أضعافا كثيرة ويفوقهم في الوسائل وقد انتصر عليهم ونالهم منه أذى شديد،
(1) ابن سعد ج 3 ص 90- 91 و 100- 102.
وكانت جراحهم دامية وأجسادهم متعبة بما فيهم رسول الله الذي كان مجروحا في وجهه مشجوجا في جبهته مكسورة رباعيته مكلومة شفته السفلى متوهنا منكبه الأيمن من ضربة أصابته وركبتاه مشجوجتان «1» . ويزيد في روعة الصورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يندب على ما روته الروايات إلّا الذين شهدوا معركة أحد وقاتلوا فيها ولم ينهزموا. وقد روي أن عددهم كانوا سبعين «2» . ومما رواه المفسرون «3» من روائع هذه الصورة أن رجلين من الأنصار كانا جريحين فلما أذّن مؤذن النبي بالخروج قالا لبعضهما أتفوتنا غزوة مع رسول الله ولم يكن لهما دابة يركبانها فخرجا مع ذلك. وكان أحدهما أشدّ جراحا من الآخر فكان أخوه يحمله من حين إلى آخر حتى بلغا ركب النبي! ومن ذلك أن شابا استشهد أبوه في المعركة ولم يكن شهدها بنفسه لأن أباه آلى عليه أن يتخلف إلى جانب سبع أخوات له فجاء إلى النبي وطلب منه الإذن بالانضمام إليه بعد أن أخبره بعذره الذي منعه من شهود المعركة! وفي كل هذا عظيم الأسوة والتلقين لكل مسلم في كل ظرف ومكان.
ولقد روى البخاري عن ابن عباس قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار. وقالها محمّد حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم» «4» . حيث ينطوي في الحديث إيذان بأن هذه الجملة مما كان يرددها أنبياء الله حين يحزبهم أمر من الأمور فيستمدون بذلك من الله قوة وروحا.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم
(1) هذه رواية ابن سعد ج 3 ص 90- 91.
(2)
انظر تفسير الطبري والخازن.
(3)
انظر تفسير الطبري.
(4)
التاج ج 4 ص 88. [.....]