الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وما بعدها إلى الآية [49]
والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا كما هو المتبادر. وقد روى المفسرون روايات متنوعة الصيغ متفقة المدى في صدد الآية [48] ومن أكثر ما توافقوا عليه منها أن قريشا تحسبت من بني كنانة وكان بينهم وبينهم عداء وكانوا في طريقهم وأن إبليس تجسّم لهم في صورة أحد أشرافهم «سراقة بن مالك» فقال لهم: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه وجعل يحرضهم ويقوي من عزائمهم فكان ذلك مما جعلهم يسرعون إلى الخروج لإنقاذ القافلة.
ومما جاء في الرواية أنه كان معهم في المعركة فلما رأى من المسلمين ما رأى من استبسال وعزيمة وما استولى عليهم من روحانية انتزع يده من يد رفيق له وفرّ لا يلوي على شيء قائلا ما ذكرته الآيات «1» . والذي نلاحظه على هذه الرواية أن في القرآن نصا صريحا بأن الناس لا يرون إبليس وقبيله وهو ما جاء في هذه الآية من سورة الأعراف: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [27] ، وليست الرواية المروية ذات سند قوي. ولذلك نقول إما أن تكون الآية قد عنت أحد صناديد الكفار وشياطينهم ممن كان أشدهم تثبيتا للقلوب وتسديدا للعزائم ثم كان من الناكصين المنهزمين. والقرآن أطلق كلمة الشيطان على الإنس أيضا كما جاء في آية سورة الأنعام هذه وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [112] ، وإما أن تكون احتوت تصويرا معنويا للحال لتقرر أن الكفار بخروجهم مزهوين معتدّين بأنفسهم إنما انساقوا لتزيين الشيطان ووساوسه فوردوا مورد الهلاك استهدافا لتوكيد التحذير والدعوة إلى التأسي من
(1) انظر ابن هشام ج 2 ص 250 وتفسير الآيات في الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والزمخشري والطبرسي.
جهة ولتشديد التنديد والتشنيع من جهة أخرى للخلاف والنزاع والبطر، ولقد روى الطبرسي عن الحسن البصري أن ما جاء عن الشيطان إنما كان على سبيل الوسوسة وأن الشيطان لم يتمثل في صورة إنسان وهو المعقول فيما نرى.
ويتبادر لنا أن الآيات انطوت على قصد المقارنة أيضا، فالكفار خرجوا بتزيين الشيطان وكان معتمدهم وجارهم فأخزاهم الله على ما كانوا عليه من كثرة عدد وعدد وزهو وبطر واعتداد بالنفس، والمسلمون خرجوا بإلهام الله متوكلين عليه فنصرهم على ما كانوا عليه من قلة عدد وعدد أثارت عجب المنافقين ومرضى القلوب وحملتهم على الغمز والاستخفاف بهم وتوقع الهزيمة لهم.
وروى المفسرون في صدد الآية [47] أن أبا سفيان أرسل إلى جيش مكة يقترح عليه العودة وقد نجت القافلة فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم عليه ثلاثا ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا بعدها أبدا، وهو ما عبرت الآية عنه بتعبير بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ فكان ذلك من أسباب الاشتباك الفعلي «1» .
وروى المفسرون في صدد الآية [49] روايات عديدة منها أنها عنت جماعة من أهل مكة تكلموا بالإسلام وخرجوا مع المشركين يوم بدر. فلما رأوا قلة المسلمين قالوا غرّ هؤلاء دينهم، ومنها أن بعض رجال من قريش خرجوا مع الجيش على ارتياب فلما رأوا قلة المؤمنين قالوا ذلك. ومنها أن جماعة من أهل مكة كانوا مسلمين حبسهم أهلهم عن الهجرة وأخرجوهم معهم قهرا إلى بدر فلما رأوا قلة المسلمين ارتدوا وقالوا ذلك القول. ولسنا نرى هذه الروايات مستقيمة مع الظروف، لأنه لم يكن يوجد في مكة بعد الهجرة من يصح أن يوصف بالنفاق ومرض القلب اللذين كان يوصف بهما الذين كانوا يتظاهرون بالإسلام من أهل المدينة. والأوجه أن يكون هذا القول صدر عن هؤلاء حينما رأوا عدد المسلمين الذين خرجوا إلى بدر قليلا وهم يعرفون كثرة قريش وقوتهم. وقد احتوت الآية
(1) ابن هشام ج 2 ص 257- 258، وتفسير الآية في ابن كثير والبغوي والطبري والخازن.