الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى ابن عباس وغيره مفادها أن دور الجاهلية الذي سبق البعثة دوران الأول هو الذي كان ما بين زمن نوح وإدريس أو قبل عيسى عليهم السلام والثاني هو ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
ويبدو لنا أن هذا التقسيم غير مستقيم مع الواقع. من حيث إن بروز النساء العربيات وإظهار محاسنهن للرجال كان معروفا ممارسا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وقد نهى نساء النبي عن ذلك الذي وصف بتبرّج الجاهلية الأولى. وهو ما لا يدخل في نطاق الدور المسمى في التقسيم بالجاهلية الأولى. وعلى كل حال فالجملة القرآنية أسلوبية فيما يتبادر لنا هدفت إلى النهي عن التبرّج الذي كان السابقون يعرفونه ويمارسونه قبل البعثة. لأن ذلك لا ينبغي للمؤمنات وبخاصة لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
تعليق على ما روي من أحاديث في صدد تعبير أَهْلَ الْبَيْتِ
ومع أن دلالة الآيات صريحة كل الصراحة في كون تعبير أَهْلَ الْبَيْتِ في الآية [33] هو كناية عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللائي هن موضوع الخطاب فيها وراجع إليهن فقد رويت بعض أحاديث تدخل في شمولها غير نساء النبي بل ويخرج بعضها نساء النبي من شمولها. منها حديث رواه مسلم والترمذي عن أم سلمة أم المؤمنين جاء فيه: «نزلت الآية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) في بيتي فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا فجلّلهم بكساء وعليّ خلف ظهره ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقلت: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: أنت على مكانك وأنت إلى خير» «1» . ومنها حديث عن عائشة أم المؤمنين رواه مسلم والترمذي جاء فيه: «خرج النبي غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ثمّ جاء الحسين
(1) التاج، ج 3 ص 308- 309.
فأدخله ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ثمّ جاء عليّ فأدخله ثمّ قال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) » «1» . ومنها حديث رواه مسلم عن الحصين عن زيد بن أرقم جاء فيه فيما جاء: «أنّ النبيّ قال: أذكّركم في أهل بيتي أذكّركم في أهل بيتي أذكّركم في أهل بيتي. فسأل الحصين زيدا: ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم من الصدقة بعده وهم آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. وفي رواية قال الحصين من أهل بيته، نساؤه؟ قال زيد: لا وأيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا من الصدقة بعده» «2» . وإلى هذا فهناك أحاديث أخرى عن النبي رواها المفسرون في سياق تفسير الآية لم ترد في الكتب الخمسة، منها حديث أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك جاء فيه:«أن النبيّ كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول الصلاة يا أهل البيت إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا» «3» . ومنها حديث عن عائشة جوابا على سؤال سألتها أم مجمع عن أحبّ الناس إلى رسول الله فقالت: «لقد رأيت رسول الله جمع عليا وفاطمة وحسنا وحسينا بثوب ثمّ قال اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. فقلت: يا رسول الله أنا من أهلك؟ قال: تنحي فإنك إلى خير» «4» . ومنها حديث عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نزلت هذه الآية فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة» «5» . ومنها حديث عن سعد قال:
«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي عليه بالآية أخذ عليا وابنيه وفاطمة وأدخلهم
(1) التاج، ج 3 ص 308- 309.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
انظر تفسير الطبرسي وابن كثير والطبري والبغوي.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
المصدر نفسه.
في ثوبه ثم قال: ربّ هؤلاء أهلي وأهل بيتي» «1» .
ونقف أمام هذه الأحاديث- وبخاصة أمام ما يخرج نساء النبي صلى الله عليه وسلم من مدلول تعبير أهل البيت ومنها والذي يتمسك به الشيعة تمسكا شديدا- موقف الحيرة بل التحفظ والتوقف إزاء دلالة الآيات الصريحة وسياقها. ولا سيما إن الآية التي جاءت بعد الجملة هي استمرار للخطاب الموجه إلى نساء النبي بحيث لا يمكن أن يصرف التعبير في هذا المقام إلى غيرهن. هذا فضلا عن أن تعبير أهل البيت قد ورد في آيات أخرى كناية عن الزوجة. منها آيات سورة هود هذه في سياق قصة إبراهيم: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
(73)
وآية سورة النمل هذه:
إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)«2» ، بل لقد روى الشيخان والترمذي حديثا في سياق الآية [52] من هذه السورة سوف نورده بعد، جاء فيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يمرّ على حجرات زوجاته فيقول السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله «3» . ولقد روى ابن كثير عن عكرمة أحد كبار علماء التابعين أنه كان يقول إن هذه الجملة قد نزلت في نساء النبي خاصة ومن شاء باهلته بذلك. ولقد قال ابن كثير معلقا على الجملة إنها نصّ في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا لأنهن سبب نزولها وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا، إما وحده على قول عكرمة أو مع غيره على الصحيح. ولقد
(1) انظر تفسير الطبرسي وابن كثير والطبري والبغوي.
(2)
ومثل هذه الآية آيتان في سورة طه وهي [10] وفي سورة القصص وهي [29] .
(3)
انظر التاج فصل التفسير ج 4 ص 187. وفي هذا الحديث انسجام نبوي مع الخطاب القرآني الذي يصف نساء النبيّ بأنهن أهل البيت ويمكن أن يقال والحالة هذه إذا صحت الأحاديث السابقة فيكون قصد النبي توكيد اللحمة العصبية الدنيوية بينه وبين أولاده وأحفاده ويكون في الحديث توفيق بين موقفي النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.