الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة» «1» . ويفيد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في الآية منطلقا عاما للمسلمين أيضا بقطع النظر عن كونها في صدد المشركين.
ومنها حديث عزاه ابن كثير إلى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله عز وجل» . وفي هذا الحديث دعم لما قلناه من اعتبار النبي صلى الله عليه وسلم الآية منطلقا عاما للمسلمين والله أعلم. والتطمين والتبشير من الحكمة الملموحة في الأحاديث. وفي القرآن آيات كثيرة بالأمر بالاستغفار. وقد علقنا على ذلك وأوردنا طائفة من الأحاديث في سياق تفسير سورة المزمل فنكتفي بهذا التنبيه.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 40]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
.
تعليق على الآية قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) والآيتين التاليتين لها
عبارة الآيات واضحة ولا يروي المفسرون رواية خاصة بنزولها والمتبادر أنها متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا ومعقبة على نتائج نصر المسلمين في وقعة بدر كما هو المتبادر. وفيها إشعار بما أثاره هذا النصر في المسلمين من عزة وقوة.
وفيها مع ذلك دعوة فيها تسامح وتسام، حيث يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة كفار قريش بعد أن انتصر عليهم إلى الانتهاء من موقف العناد والعداء والجحود فيغفر الله لهم كل ما سلف منهم، ويوكل أمرهم إلى الله العليم البصير في أمورهم ومقاصدهم ثم
(1) التاج، ج 4 ص 109.
فيها إيعاز للمؤمنين فإن الكفار إذا أبوا إلا الاستمرار على ذلك الموقف الباغي فعليهم قتالهم باستمرار إلى أن لا يكون في الأرض فتنة ويكون الدين كله لله وليعلموا أن الله مولاهم وناصرهم عليهم وهو نعم المولى ونعم النصير.
وفي أسلوب الإنذار والإعلان والدعوة تلقين قرآني جليل رائع ومستمر المدى: فكل ما ينبغي أن يطلبه المسلمون من أعدائهم الذين يقاتلونهم حينما يقابلونهم بالمثل أن يرعووا عن غيّهم وبغيهم وأن يسيروا في طريق الحق الذي فيه خيرهم ومصلحتهم فإذا فعلوا هذا سقط عنهم كل إثم ارتكبوه وصاروا من المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. وفي إحدى آيات سورة التوبة يأتي هذا المعنى أصرح حيث جاء فيها: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) .
ولقد قال المفسرون في صدد الآيات [38- 40] وفي صدد كلمة (الفتنة) بعض ما قالوه في صدد آيات البقرة [191- 193] التي تكاد تكون تكرارا لها، ولقد علقنا على آيات البقرة بما فيه الكفاية فلا نرى حاجة إلى التكرار والزيادة.
ومن الجدير بالتنبيه أن الآية قد أمرت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما أمرتهم به بعد أن انتصروا على الكفار حيث ينطوي في هذا بالإضافة إلى ما قلناه من تسامح وتسام اتساق مع الهدف الجوهري القرآني وهو حملهم على الارعواء والاهتداء بنور الله والسير في طريق الحقّ الذي هو مصلحتهم.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثين وصفهما بالصحيح جاء في أحدهما: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر» وجاء في ثانيهما: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام يجبّ ما قبله والتوبة تجبّ ما قبلها» . والحديث الأول من مرويات مسلم «1» . وفي الحديثين تساوق مع التلقين القرآني كما هو المتبادر.
(1) انظر التاج، ج 4 ص 110.