الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعضها واردة وفيها تلقين متساوق مع التلقين القرآني كما هو المتبادر.
[سورة الأحزاب (33) : آية 59]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)
. (1) الجلباب: قيل إنه الملاءة التي تشتمل بها المرأة وقيل إنه المقنعة التي تغطي المرأة بها جبهتها ورأسها وقيل إنه الخمار الذي تستر به شقوق ثيابها.
في هذه الآية خطاب موجّه للنبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيه بالإيعاز إلى أزواجه وبناته وسائر نساء المؤمنين بضمّ جلابيبهن على أجسامهن حتى يعرفن بهذا الزيّ فلا يؤذين ببذيء الكلام.
تعليق على الآية يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)
وقد روى المفسرون «1» أن الفساق كانوا يتعرضون للنساء في الليل حين يذهبن لحاجاتهن بدون تفريق بين الحرائر والإماء والعفيفات وغير العفيفات وأن الآية نزلت لجعل زيّ خاصّ لحرائر المؤمنات يميزهن عن غيرهن حتى يسلمن من التعرض والأذى. ومنهم من قال إن الفساق كانوا إذا رأوا المرأة متجلببة كفوا عنها وقالوا إنها حرة. فأمرت الآية نساء المؤمنين بعدم إهمال الجلباب. وقد روى البغوي في سياق الآية عن أنس قال: «مرّت بعمر بن الخطاب جارية مقنّعة فعلاها بالدرة وقال يا لكاع أتتشبهين بالحرائر ألقي القناع» والروايات ليست في الصحاح ولكنها متسقة مع مضمون الآية وروحها كما هو المتبادر.
وتبدو الآية لأول وهلة مستقلة. غير أن من الممكن أن يلمح شيء من
(1) انظر تفسير الآية في الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وابن كثير.
الاتصال بينها وبين الآية السابقة لها التي نبهت على عظم إثم الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات، وبينها وبين الآية التالية لها التي احتوت إنذارا قاصما للمنافقين ومرضى القلوب والمرجفين في المدينة. وهذا الاتصال الذي نبهنا إليه في شرح الآيات السابقة يؤيد ما قلناه إن هذه الفئة هي التي كان يقع منها ما يؤذي الله ورسوله والمؤمنين والمؤمنات. والإيعاز كما هو واضح قد تناول زوجات النبي وبناته وسائر نساء المؤمنين. ونصّ الآية يفيد أن جميعهن كنّ يخرجن وتقع أعين الناس عليهن.
وفي هذا قرينة أخرى على أن الحجاب الذي ذكر في الآية [53] ليس النقاب.
وعلى أن الأمر بقرار نساء النبي الوارد في الآية [33] ليس مطلقا وباتا. والنصّ يؤيد كذلك ما قلناه في سياق الآيات [28- 34] من أن ما في هذه الآيات من أوامر وتنبيهات هو خاصّ بنساء النبي. ففي ذلك المقام اقتصر الكلام عليهن. ولما اقتضت الحكمة تعليم جميع المؤمنات إطلاقا ذكرن في جملتهن في هذا المقام.
وقد اختلف القول في الجلباب ومفهوم إدنائه. وأوجه الأقوال في الجلباب هو الملاءة أو العباءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار. أما الإدناء فمن المفسرين من قال إنه تغطية الرأس والوجه. ومنهم من قال إنه ليس تغطية تامة للوجه وإنما هو تغطية جزئية بحيث يكشف عن العيون أو عين واحدة أو يغطي شقا من الوجه. وعلى كل حال فجملة يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ لا تفيد أن اتخاذ المؤمنات للجلباب شرعا إسلاميا جديدا وإن الذي تفيده هو أن اتخاذ النساء للجلباب كان زيّا ممارسا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرت بإدنائه كتعليم بزيّ خاص يعرف به المؤمنات ويفرّق به بين الحرائر والعواهر. ليمتنع بذلك أذى الفسقة والفجار عنهن.
وصيغة الآية تشريعية مستمرة الشمول من دون ريب. غير أن الذي يتبادر لنا من روحها وظرف نزولها أن شمول التشريع فيها قياسي أكثر منه شكليا. أي أنه يوجب على المؤمنات زيّا أو مظهرا خاصا يميزهن عن العواهر ويمنع عنهن أذى الفساق دون التقيد بنفس الشكل الذي كان جاريا وقت نزول الآية.