الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتدبير كلمة مسموعة لما قتل الذين قتلوا منهم ولما كانت الهزيمة التي حلّت بهم.
6-
وتنبيه لهؤلاء خاصة بأن عليهم أن يعلموا أن الأمر كله لله وأن الطاعة له وحده وأن موت من مات إنما كان بالأجل الذي ليس فيه تقدم ولا تأخر وأن الناس لو ظلوا في بيوتهم ولم يخرجوا إلى المعركة لما كان من معدى عن خروج الذين قتلوا بأي حال وسبب حتى يموتوا في الأماكن التي قتلوا فيها وأن الله عليم بكل ما يدور في صدورهم. وأنه قضى بما قضى ليختبر ما في هذه الصدور حتى يظهر ويعرف الناس بعضهم بعضا على حقائقهم وليطهر قلوب المؤمنين وينقيها.
تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) وما بعدها لغاية الآية [154] وما فيها من مشاهد وقعة أحد
وقد روى المفسرون «1» أن الآية [149] نزلت في المنافقين الذين قالوا للمؤمنين ارجعوا إلى إخوانكم أو ارجعوا إلى دينهم أو كفّوا عن القتال. وأن الآية [151] نزلت في قريش الذين توقفوا في الطريق ولاموا أنفسهم على تركهم المسلمين دون أن يستأصلوهم مع أنهم لم يبق منهم إلّا الشريد ثم عزموا على الكرة فألقى الله الرعب في قلوبهم وجعلهم ينكصون عن عزيمتهم.
والمتبادر أن الآيات وحدة مترابطة وأنها استمرار للسياق السابق وقد نزلت جميعها مع جميع الآيات الأخرى بعد انتهاء المعركة.
وهذا لا ينفي أن يكون للرواية الأولى أصل ما وأن يكون بعض كفار قريش
(1) انظر تفسير الطبرسي والخازن.
أو بعض منافقي المدينة أو عزوا إلى أقاربهم من المخلصين بالانقضاض من حول النبي، وقد ألمّ بهم ما ألمّ من هزيمة ومصيبة فاحتوت الآية الأولى إشارة إلى ذلك وتحذيرا من الاستماع إلى الكفار وما في ذلك من خسران في معرض ما احتوته الآيات من تطمينات وتنبيهات. وكذلك يقال بالنسبة للرواية الثانية أيضا. ولقد روينا قبل أن قريشا ندموا على الرجوع قبل استئصال المسلمين وفكروا في الكرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك ندب المسلمين إلى الخروج للقائهم ووصل إلى مكان اسمه حمراء الأسد فوجد المشركين قد انصرفوا «1» . وكان ذلك رعبا وخوفا حينما بلغهم أن النبي هو الذي سارع إليهم على رأس المسلمين رغم ما أصابهم بدلا من أن يخافوا من كرّتهم.
ولقد احتوت الآيات بعض مشاهد المعركة وهي متوافقة إجمالا مع ما ذكرته الروايات ورويناه في سياق تفسير الآيات [137- 142] وهو ليس بقصد السرد القصصي وإنما بقصد العتاب والتأنيب للذين انهزموا وتذمروا وجزعوا وعصوا أمر رسول الله وتنازعوا وتخاذلوا بعد أن كان الله قد حقّق لهم وعده ونصرهم في الجولة الأولى ثم بقصد تحذيرهم من طاعة الكفار وتصديقهم.
ولقد أوّل المؤولون جملة يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ بمعنى أنهم ظنوا كظنّ المشركين أن الله لن ينصر رسوله خلافا لما وعده به من النصر لأن النبي في قلّة والمشركين في كثرة. وهو في محلّه.
ولقد روى المفسرون في سياق جملة ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ حديثا عن أبي طلحة رواه البخاري والترمذي أيضا جاء فيه:
«كنت ممن تغشّاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا. يسقط وآخذه.
ويسقط وآخذه. وزاد الترمذي والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم همّ إلّا أنفسهم. أجبن قوم وأرغبه وأخذله للحقّ» «2» . وحديثا آخر عن أبي طلحة رواه
(1) انظر تفسير الطبري للآية.
(2)
. التاج ج 4 ص 75 و 76. [.....]
الترمذي جاء فيه: «رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلّا يميد تحت حجفته من النعاس فذلك قول الله ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ» » .
ونحن نتوقف في التسليم بأن الطائفة الأخرى هم المنافقون على ما جاء في الزيادة التي يرويها الترمذي في الحديث الأول برغم أن جمهور المفسرين أخذوا بذلك. وتوقفنا هو استلهام من روح الآيات ومضمونها. ونرجح أنهم فئة من المخلصين الذين اشتدت عليهم المصيبة والجزع. وربما كانوا ممن استشهد أقاربهم في الوقعة. ويؤيد توقفنا وترجيحنا أن الروايات ذكرت أن المنافقين انسحبوا ولم يشهدوا المعركة على ما ذكرناه قبل. وقد أيدت هذا الآيات [167 و 168] التي تأتي بعد قليل بقوة أكثر من الرواية لأنها حكت دعوة المنافقين إلى القتال وعدم تلبيتهم وقولهم لو نعلم قتالا لا تبعناكم. وهناك دليل آخر على كون هذه الفئة هي من غير المنافقين وهو منطو في الآيات [156- 159] التي تأتي بعد قليل أيضا. ولعل الآية الأولى من الآيات التي نحن في صددها أي [149] التي فيها تحذير للمؤمنين من طاعة الكفار والاستماع إليهم تصحّ أن تكون دليلا آخر على ذلك أيضا. وفي جملة يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ أيضا قرينة أخرى. فلو كانوا منافقين لما عوتبوا على ظنهم بالله غير الحق لأن هذا من ديدنهم.
وواضح أن الآيات كسابقاتها بسبيل معالجة الحالة المريرة التي نتجت عن هزيمة أحد. وما أصاب المسلمين فيها من خسائر في الأرواح والجراحات بما فيها من تطمين وتنبيه وتأديب ثم من تحذير من المنافقين والكفار والغلوّ من اليأس أو الانحراف إلى ما لا يليق بالمؤمن المخلص تجاه الله عز وجل.
ومع خصوصيتها الزمنية فإن فيها تلقينا مستمر المدى لكل مسلم في كل موقف مماثل وبخاصة في وجوب عدم الاستماع إلى وساوس الكفار والمنافقين الذين يغتنمون فرصة الظروف والحالات التي يكون المسلمون فيها أمام مواقف
(1) التاج، ج 4 ص 75 و 76. والحجفة: محركة آلة من آلات الحرب.