الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنايات
مدخل
…
كتاب الجنايات:
"وهي: التعدي على البدن بما يوجب قصاصا أو مالا" وأجمعوا على تحريم القتل بغير حق، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ
…
} الآية1 وحديث ابن مسعود مرفوعا: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة" متفق عليه. فمن قتل مسلما متعمدا فسق، وأمره إلى الله تعالى، وتوبته مقبولة عند أكثر العلم، لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2.
"والقتل ثلاثة أقسام:" عمد، وشبه عمد، وخطأ، هذا تقسيم أكثر أهل العلم، وهو مروي عن عمر وعلي. وأنكر مالك شبه العمد، وجعله من قسم العمد، قال في الشرح: ولنا قوله، صلى الله عليه وسلم، "ألا إن دية الخطإ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا: مائة من الإبل: منها أربعون في بطونها أولادها" رواه أبو داود.
"أحدهما: العمد العدوان، ويختص القصاص به" فلا يثبت في غيره
1 النساء من الآية/ 92.
2 النساء من الآية/ 48.
"أو الدية فالولي مخير" لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية 1 وقال النبي، صلى الله عليه وسلم:"من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل، وإما أن يفدي" متفق عليه فإن اختار القود فله أخذ الدية والصلح على أكثر منها. قال الموفق: لا أعلم فيه خلافا. وليست هذه الدية هي الواجبة بالقتل بل بدل عن القصاص، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا:"من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي: ثلاثون حقة وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل" 2 رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، وروي أن هدبة بن خشرم قتل قتيلا فبذل سعيد بن العاص والحسن والحسين لابن المقتول سبع ديات ليعفو عنه، فأبى ذلك وقتله.
وإن عفا مطلقا فلم يقيد بقصاص، ولا دية فله الدية، لانصراف العفو إلى القصاص دون الدية، لأنه المطلوب الأعظم في باب القود، فتبقى الدية على أصلها.
1 البقرة من الآية/ 178.
2 الحقة: بكسر الحاء وتشديد القاف والجمع حقاق: وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. والجذعة: بفتح الجيم والدال: وهي التي أتى عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة. والخلفة بكسر اللام: الحاملة.
وكلمة: العقل في الأصل: القتل. والصحيح ما أثبتناه. والمراد بالعقل هنا: الدنة، ولما كان القاتل يجمعها ويعقلها بفناء أولياء المقتول.... منه سميت عقلا.
"وعفوه مجانا أفضل" لقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 1 وفي الحديث الصحيح "وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا"
"وهو: أن يقصد الجاني من يعلمه آدميا معصوما فيقتله بما يغلب علي الظن موته به" محددا كان أو غيره، فلا قصاص إن لم يقصد القتل، أو قصده بما لا يقتل غالبا.
"فلو تعمد جماعة قتل واحد قتلوا جميعا إن صلح فعل كل واحد منهم للقتل، وإن جرح واحد منهم جرحا والآخر مائة" لإجماع الصحابة. وروى سعيد بن المسيب عن عمر أنه قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا وعن علي أنه قتل ثلاثة قتلوا رجلا وعن ابن عباس أنه قتل جماعة قتلوا واحدا ولم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعا. ولأن فعل كل واحد لو انفرد لوجب به القصاص، ولأن القتل عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت له على الجماعة، كحد القذف. ويفارق الدية فإنها تتبعض، والقصاص لا يتبعض. وإن ترتبت الجناية كأن قطع أحدهما يده، ثم ذبحه الآخر فعلى الأول ما على قاطع اليد منفردة، والثاني هو القاتل، لأنه قطع سراية القطع، كما لو اندمل القطع، ثم قتله. وإن كان قطع اليد آخر فالأول هو القاتل، ولا ضمان على قاطع اليد، لأنه صار في حكم الميت، ولا حكم لكلامه في وصيته ولا غيرها. وإن أجافه جائفة يتحقق الموت منها، إلا أن الحياة فيه مستقرة، ثم ذبحه آخر فالقاتل الثاني، لأن حكم الحياة باق، كما لو قتل مريضا مأيوسا منه. ولهذا
1 البقرة من الآية/ 237.
أوصى عمر بعد ما أيس منه فقبلت الصحابة عهده، وأجمعوا على قبول وصاياه. وإن ألقى رجلا من شاهق، فتلقاه آخر بسيف فقده قبل وقوعه: فالقصاص عليه، لأنه مباشر للإتلاف، فانقطع حكم المتسبب، كالحافر مع الدافع. قاله في الكافي.
"ومن قطع أو بط سلعة خطوة من مكلف بلا إذنه، أو من غير مكلف بلا إذن وليه فمات فعليه القود" لتعديه بذلك بغير إذنه.
"الثاني: شبه العمد" ويسمى خطأ العمد، وعمد الخطإ لاجتماع الخطأ. والعمد فيه، لأنه عمد الفعل، وأخطأ في القتل. قاله في المغني.
"وهو: أن يقصده بجناية لا تقتل غالبا ولم يجرحه بها" كمن ضرب شخصا في غير مقتل بسوط، أو عصا، أو حجر صغير، أو لكزه بيده، أو صاح بعاقل اغتفله، ونحو ذلك فمات، فلا قود عليه، والدية على العاقلة في قول أكثر أهل العلم. قاله في الشرح، لقوله، صلى الله عليه وسلم "ألا إن في قتيل خطإ العمد قتيل السوط والعصا: مائة من الإبل" رواه أبو داود وحديث أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فقضى النبي، صلى الله عليه وسلم، أن دية جنينها عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه. ويحمل الحجر على الصغير، والعصا على ما دون عمود الفسطاط جمعا بين الأخبار، لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المرأة التي ضربت ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها وجنينها: قضى في الجنين بغرة، وقضى بالدية على عاقلتها1 رواه أحمد ومسلم. قال
1 الغرة: بضم الغين وتشديد الراء وفتحها. أصلها: البياض في وجه الفرس وهي هنا: العبد أو الأمة: كأنه عبر بالغرة عن الجسم كله.
في الشرح: والعاقلة لا تحمل العمد فدل على أنها التي تتخذها العرب لبيوتها وفيها دقه.
"فإن جرحه، ولو جرحا صغيرا قتل به" لأن له مورا وسراية في البدن. وفي البدن مقاتل خفية، أشبه ما لو غرزه في مقتل. قاله في الكافي. ولأن الظاهر موته به.
"الثالث: الخطأ. وهو: أن يفعل ما يجوز له فعله من دق، أو رمي صيد، أو نحوه" كهدف وغرض فيقتل إنسانا.
"أو" رمى من يظنه
"مباح الدم" كحربي ومرتد وزان محصن:
"فيبين آدميا معصوما" لم يقصده بالقتل فيقتله. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن قتل الخطأ أن يرمي شيئا فيصيب غيره. انتهى. وعمد الصغير والمجنون كخطأ المكلف، لأنه لا قصد لهما. قال في الشرح: ولا خلاف أنه لا قصاص على صبي، ومجنون، ومن زال عقله بسبب يعذر فيه.
"ففي القسمين الأخيرين" وهما: شبه العمد والخطأ
"الكفارة على القاتل والدية على عاقلته" لقوله تعالى: {
…
وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ
…
} 1 وللأحاديث السابقة. قال في الشرح: ولا قصاص في شيء من هذا، لأن الله لم يذكره.
"ومن قال لإنسان: اقتلني أو اجرحني، فقتله أو جرحه: لم يلزمه شيء"
1 النساء من الآية/ 92.