المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدّمة

- ‌سورة الفاتحة

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 50]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 62]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 83]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 86]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 99 الى 100]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 105]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 109]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 113]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 114]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 118]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 121]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 134]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 145 الى 150]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 187]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 189]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 207]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 213]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 248 الى 249]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 253]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 256]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 258]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 262]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 265]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 274]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 283]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 284]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 285 الى 286]

- ‌الفهرس

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247]

لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ ولكن الفئة القليلة المؤمنة منهم استطاعت أن تنتصر على كل عقبة في طريقها، وأن تقاتل أعداءها بشجاعة وصبر واعتماد على الله، فكانت النتيجة أن انتصرت الفئة القليلة المؤمنة بقيادة طالوت على الفئة الكثيرة الكافرة بقيادة جالوت. هذا تلخيص لتلك القصة العامرة بالعظات، ولعل من الخير قبل أن نبدأ في تفسير آياتها أن نقرأها بتدبر وتأمل كما صورها القرآن بأسلوبه البليغ المؤثر.

قال- تعالى-:

[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَاّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَاّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247)

وقوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إلخ استئناف ثان بعد قوله قبل ذلك: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وقد سيق هذا الاستئناف مساق الاستدلال لقوله- تعالى-: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حتى تتشجع النفوس على الجهاد، وتهون عليها المصاعب في سبيل حياة العزة والكرامة.

ص: 563

والْمَلَإِ الأشراف من الناس. وهو اسم للجماعة لا واحد له من لفظه. وإنما سمى الأشراف بذلك لأن هيبتهم تملأ الصدور، أو لأنهم يتمالؤون أى يتعاونون في شئونهم. وأصل الباب الاجتماع بما لا يحتمل المزيد.

والمعنى: كما سبق أن بينا في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا. قد علمت أيها العاقل حال أولئك القوم من بنى إسرائيل الذين كانوا بعد وفاة موسى- عليه السلام إذ قالوا لنبي لهم أقم لنا أميرا لكي نقاتل معه في سبيل الله. ومن لم يعلم فها نحن أولاء نعلمه بحالهم فعليه أن يعتبر ويتعظ.

فقوله: مِنْ بَعْدِ مُوسى بيان للزمن الذي كان يعيش فيه أولئك الملأ من بنى إسرائيل والمراد بالنبي الذي قالوا له ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ على الراجح- «شمويل بن حنة» وكان السبب في طلبهم هذا من نبيهم أن العمالقة أتباع جالوت كانوا قد أخرجوهم من ديارهم، وأنزلوا بهم هزائم شديدة، فطلبوا منه ذلك لكي يستردوا مجدهم الضائع، وعزهم المسلوب، على يد هذا القائد المختار من جهة نبيهم.

وفي الإتيان بلفظ هذا النبي بصيغة التنكير إشارة إلى أن محل العبرة ليس هو شخص النبي وإنما المقصود معرفة حال أولئك القوم، وما جرى لهم مع نبيهم من أحداث من شأنها أن تدعو إلى الاعتبار والاتعاظ. وهذه طريقة القرآن في سرد القصص لا يهتم بالأشخاص والأزمان إلا بالقدر الذي يستدعيه المقام. أما الاهتمام الأكبر فيجعله لما اشتملت عليه القصة من وجوه العظات والعبر.

ويبدو أنه كان يتوجس منهم خيفة لأنه أعرف بطبيعتهم، فنراه يقول لهم كما حكى القرآن عنه: قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا.

فالاستفهام للتقرير والتحذير. أى إنى أتوقع عدم قتالكم إذا فرض عليكم القتال، فراجعوا أنفسكم وقوتكم قبل أن تطلبوا هذا الطلب، لأنه إذا فرض عليكم ثم نكصتم على أعقابكم فإن عاقبتكم ستكون شرا لا شك في ذلك.

وعسى هنا بمعنى التوقع والمقاربة، والجملة استئناف بيانى.

قال صاحب الكشاف والمعنى: هل قاربتم ألا تقاتلوا؟ يعنى هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون؟ أراد أن يقول: عسيتم ألا تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال فأدخل هَلْ مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن وأنه

ص: 564

صائب في توقعه. وخبر عَسَيْتُمْ: «ألا تقاتلوا» والشرط فاصل بينهما» «1» .

ثم حكى القرآن ردهم على نبيهم فقال: قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا.

أى قال الملأ من بنى إسرائيل على سبيل الإنكار والتعجب مما قاله نبيهم: وأى صارف يصرفنا عن القتال وحالنا كما ترى؟ إننا قد أخرجنا من ديارنا وحيل بيننا وبين أبنائنا وفلذات قلوبنا فكيف لا نقاتل مع أن الدواعي موجودة، والبواعث متوفرة، والأسباب مهيئة؟ فأنت تراهم في إجابتهم هذه يستنكرون ما توقعه نبيهم منهم، ويجزمون بأن الطريق الوحيد لعزتهم إنما هو القتال وأن هذا الأمر لا مراجعة فيه ولا جدال. وهكذا شأن الجبناء والمغرورين في كل زمان ومكان يرحبون بالمعارك قبل قدومها فإذا ما جد الجد كذبت أعمالهم أقوالهم، وأعطوا أدبارهم لأعدائهم! ثم حكى القرآن أن نبيهم كان صادقا فيما توقعه منهم من جبن وكذب، وأنهم قوم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم فقال- تعالى-: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ.

أى: فحين فرض عليهم القتال بعد أن الحوا في طلبه، أعرضوا عنه، ونفروا منه إلا عددا قليلا منهم فإنه ثبت على الحق، ووفى بعهده.

قال الآلوسى: وقوله إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهم الذين جاوزوا النهر وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر عدة أهل بدر على ما أخرجه البخاري عن البراء- رضي الله عنه والقلة إضافية فلا يرد وصف هذا العدد أحيانا بأنه جم غفير «2» .

ثم ختم الله- تعالى- الآية بقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لإفادة الوعيد الشديد لهؤلاء الذين نقضوا عهودهم، ونكصوا عن القتال عند ما فرض عليهم، ولكل من يفعل فعلهم، وسار على طريقهم.

أى: والله- تعالى- عليم بالظالمين الذين يظلمون أنفسهم وأمتهم بترك الجهاد، وبترك ما أمرهم الله به بعد أن عاهدوه على عدم الترك.

ثم بين القرآن ما أخبرهم به نبيهم ليحملهم على الطاعة والامتثال فقال- تعالى-: وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً.

أى وقال لهم بعد أن أوحى إليه بما يوحى: إن الله- تعالى- وهو العليم الخبير بأحوال عباده

(1) تفسير الكشاف ج 1 صفحة 291.

(2)

تفسير الآلوسى ج 2 صفحة 166.

ص: 565

قد بعث لكم ومن أجل مصلحتكم طالوت ليكون ملكا عليكم، وقائدا لكم في قتالكم لأعدائكم، فأطيعوه واتبعوا ما يأمركم به.

وطالُوتَ اسم أعجمى قيل هو المسمى في التوراة باسم «شاول» وقيل إن هذا الاسم لقب له من الطول كملكوت من الملك، لأن طالوت كان طويلا جسيما.

ولقد كان الذي يقتضيه العقل أن يطيعوا أمر نبيهم، ولكنهم لجوا في جدالهم وطغيانهم وقالوا لنبيهم معترضين على من اختاره الله قائدا لهم. أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ.

أَنَّى أداة استفهام بمعنى كيف، والاستفهام هنا للتعجب من جعل طالوت ملكا عليهم.

أى قالوا لنبيهم منكرين ومتعجبين من اختيار طالوت ملكا عليهم: كيف يكون له الملك علينا والحال أننا أحق بالملك منه لأننا أشرف منه نسبا، إذ منا من هو نسل الملوك أما طالوت فليس من نسلهم، وفضلا عن ذلك فهو لا يملك من المال ما يملكه بعضنا فكيف يكون هذا الشخص ملكا علينا؟

فأنت تراهم لانعدام المقاييس الصحيحة عندهم ظنوا أن المؤهلات الحقيقة لاستحقاق الملك والقيادة إنما تكون بالنسب وكثرة المال أما الكفاءة العقلية، والقوة البدنية، والقدرة الشخصية فلا قيمة لها عندهم لانطماس بصيرتهم، وسوء تفكيرهم.

قال بعضهم: «وسبب هذا الاستبعاد أن النبوة كانت مخصوصة بسبط معين من أسباط بنى إسرائيل وهو سبط لاوى بن يعقوب، وسبط المملكة بسبط يهوذا، ولم يكن طالوت من أحد هذين السبطين بل من ولد بنيامين. والواو في قوله: وَنَحْنُ أَحَقُّ للحال، والواو الثانية في قوله: وَلَمْ يُؤْتَ عاطفة جامعة للجملتين في الحكم «1» .

ثم حكى القرآن ما رد به نبيهم عليهم فقال: قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ، وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.

أى قال لهم نبيهم مدللا على أحقية طالوت بالقيادة: إن الله- تعالى- اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ أى اختاره وفضله عليكم واختياره يجب أن يقابل بالإذعان والتسليم. وثانيا: وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ

أى أن الله- تعالى- منحه سعة في العلم والمعرفة والعقل والإحكام في التفكير المستقيم لم يمنحها لكم، وثالثا: في الْجِسْمِ بأن أعطاه جسما قويا ضخما مهيبا. وهذه الصفات ما وجدت في شخص إلا وكان أهلا للقيادة والريادة وفضلا عن كل ذلك فمالك الملك هو الذي

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 1 ص 201.

ص: 566