المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 283] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدّمة

- ‌سورة الفاتحة

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 50]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 62]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 83]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 86]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 99 الى 100]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 105]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 109]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 113]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 114]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 118]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 121]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 134]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 145 الى 150]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 187]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 189]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 207]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 213]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 248 الى 249]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 253]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 256]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 258]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 262]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 265]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 274]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 283]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 284]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 285 الى 286]

- ‌الفهرس

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 283]

أمر دنياكم وما يصلح لكم أمر دينكم متى اتقيتموه واستجبتم له، وهو- سبحانه- بكل شيء عليم لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

وبعد: فهذه هي آية الدين التي هي أطول آية في القرآن، تقرؤها فتراها قد اشتملت على أدق التشريعات، وأحكم التوجيهات، وأنجع الإرشادات التي تهدى إلى حفظ الحقوق وضبطها وتوثيقها بمختلف الوسائل.

تقرؤها فترى الدقة العجيبة في الصياغة بأن وضع كل لفظ في مكانه المناسب، وترى الطلاوة في التعبير، والعذوبة في الألفاظ بحيث لا تطغى دقة الصياغة على جمال العرض.

وترى الوفاء الكامل، لكل الجوانب التشريعية والاحتراس التام من كل المؤثرات التي قد تؤثر على سلامة التعاقد، والإرشاد الجامع إلى كل ما يضمن وصول الحق والعدل إلى جميع الأطراف بدون محاباة أو غبن.

وترى قبل ذلك وبعد ذلك كيف يسوق القرآن تشريعاته بطريقة تغرس في النفوس الخوف من الله- تعالى- والمراقبة له، والاستجابة لأوامره، لا كطريقة البشر في قوانينهم التي صاغوها في قوالب صماء من الألفاظ لا تشعر معها بتأثير في النفس، ولا باهتزاز في القلب.

ولو لم يكن في شريعة الله سوى هذا التأثير الذي تشعر به النفوس النقية الصافية عند تدبرها لكفاها ذلك دليلا على سموها وفضلها وعلى أنها من صنع الله- تعالى- ولو أن المسلمين أخذوا بها وبتوجيهاتها في سائر شئونهم لظفروا بالسعادتين: الدينية والدنيوية.

ثم بين- سبحانه- ما يحب على المسلمين فعله إذا لم يتمكنوا من كتابة ديونهم بأن كانوا مسافرين وليس معهم كاتب فقال- تعالى-:

[سورة البقرة (2) : آية 283]

وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)

الرهان: جمع رهن بمعنى مرهون من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول وقرأ ابن كثير وأبو عمر فرهن مقبوضة وأصل الرهن في كلام العرب يدل على الحبس قال- تعالى-:

ص: 652

كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. ومعنى الرهن: أن يوضع شيء يناسب قيمة الدين من متاع المدين بيد الدائن توثقة له في دينه، ليستطيع أن يستوفى حقه من هذا الشيء المرهون عند تعذر الدفع.

والمعنى: وإن كنتم. أيها المؤمنون- مسافرين وتداينتم بدين إلى أجل مسمى، ولم تجدوا كاتبا يكتب لكم ديونكم، أو لم تتيسر لكم أسباب الكتابة لأى سبب من الأسباب، فإنه في هذه الحالة يقوم مقام الكتابة رهان مقبوضة يقبضها صاحب الدين ضمانا لحقه عند تعذر أخذه من الغريم.

وفي التعبير بقوله: عَلى سَفَرٍ استعارة تبعية حيث شبه تمكنهم في السفر بتمكن الراكب من مركوبه. وفيه كذلك إشارة إلى اضطراب الحال، لأن حال المسافر يغلب عليها التنقل وعدم الاستقرار.

وجملة وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً معطوفة على فعل الشرط، أى: وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا، كاتبا فتكون في محل جزم تقديرا. ويجوز أن تكون الواو للحال والجملة بعدها في محل نصب على الحال.

وقوله: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: فالذي يستوثق به رهان مقبوضة.

أو مبتدأ محذوف الخبر والتقدير: فعليكم رهان مقبوضة.

ومن الأحكام التي أخذها الفقهاء من هذه الآية الكريمة: أن تعليق الرهان على السفر ليس لكون السفر شرطا في صحة الرهان، فإن التعامل بالرهان مشروع في حالتي السفر والحضر، وإنما علق هنا على السفر لأنه مظنة تعسر الكتابة لما فيه من التنقل وعدم الاستقرار. وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير رهنها قوتا لأهله» «1» .

ومن الواضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ما رهن درعه لليهودي كان مقيما ولم يكن مسافرا.

قال القرطبي: ولم يرو عن أحد منع الرهن في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود متمسكين بالآية، ولا حجة فيها لهم، لأن هذا الكلام وإن خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال. وليس كون الرهن في الآية في السفر مما يحظر في غيره» «2» .

كذلك أخذ بعض الفقهاء من قوله: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ أن الرهن لا يتم إلا بالقبض، فإذا افترق المتعاقدان من غير قبض كان الرهن غير صحيح بنص الآية وهذا مذهب الأحناف

(1) تفسير ابن كثير ج 1 ص 337.

(2)

تفسير القرطبي ج 3 ص 407.

ص: 653

والشافعية، ويرى المالكية والحنابلة أن الرهن يتم من غير القبض، لأن القبض حكم من أحكامه، فمن حق الدائن بعد تمام عقد الرهن أن يطالب بقبض العين المرهونة، فالقبض حكم من أحكام العقد، وليس ركنا من أركانه ولا شرطا لتمامه.

وقوله: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ تفريع على أحكام الديون السابقة، وحض على أداء الأمانة وعلى حسن المعاملة.

أى: فإن أمن الدائن المدين واعتمد على ذمته ووفائه ولم يوثق الدين بالكتابة والشهود والرهن، فعلى المدين أن يكون عند حسن ظن الدائن به بأن يؤدى ما عليه من ديون في الموعد المحدد بدون تسويف أو مماطلة، وعليه كذلك أن يتقى الله ربه في رعاية حقوق غيره فلا يجحدها ولا يتأخر في أدائها لأن الله العليم بكل شيء سيحاسب كل إنسان بما قدمت يداه.

وعبر- سبحانه- بقوله: فَإِنْ أَمِنَ دون أو أودع، للإشارة إلى الجانب الذي اعتمد عليه الدائن في المدين وهو خلق الأمانة، فهو لا يرى فيه إلا جانبا مأمونا لا يتوقع منه شرا أو خيانة، وللتنبيه إلى أن صفة الأمانة والوفاء من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون جميعا حتى ينالوا السعادة في دينهم ودنياهم، عبر بقوله: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ ولم يقل فليؤد المدين لحضه: على الأداء بأحسن أسلوب، لأنه ما دام الدائن قد ائتمنه على ما أعطاه من ديون، فعلى هذا الذي اؤتمن وهو المدين أن يكون عند حسن الظن به وأن يرد إليه حقه في موعده مع شكره على حسن ظنه به.

وقوله: أَمانَتَهُ أى دينه. والضمير يصح أن يعود إلى الدائن باعتباره مالك الدين، وإلى المدين باعتبار أن الدين عليه، وفي إضافتها- أى الأمانة- إلى المدين إشعار له بأنها عبء في ذمته يجب أن يؤديه حتى يتخلص من تكاليفه، إذ الأمانة عبء ثقيل عند العقلاء الذين يشعرون بالمسئولية نحو أنفسهم ونحو غيرهم.

وجمع- سبحانه- بين صفتي الألوهية والربوبية في قوله: وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ للمبالغة في التحذير من الخيانة والمماطلة فإنهما يغضبان الله- تعالى- الذي خلق الإنسان ورباه وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة، ولإشعار هذا المدين بأن التقوى هي الوثيقة الكبرى التي لا تعدلها وثيقة أخرى من كتابة أو شهادة أو رهان.

وبذلك نرى لونا من ألوان التدرج الحكيم في شريعة الله- تعالى- فأنت ترى أن الله- تعالى- قد بين قبل ذلك أن الكتابة في الديون والإشهاد عليها مطلوبان، فإن تعذرت الكتابة والشهادة لسبب من الأسباب فإنه يترخص حينئذ بالرهن المقبوض.

ص: 654

فإن تعذر على المدين المحتاج أن يدفع للدائن رهنا يكون الاعتماد على الأمانة التي هي صفة من صفات الصادقين.

فيا له من تشريع حكيم، بين للناس ما يصلح شأنهم في دينهم وفي دنياهم.

ثم أمر الله تعالى- عباده بأن يؤدوا الشهادة على وجهها وألا يكتموها فقال- تعالى-:

وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ. أى: وعليكم- أيها المؤمنون- ألا تمتنعوا عن أدائها إذا دعيتم إليها وألا تخفوها فإن الذي يخفيها ويمتنع عن أدائها يكون معاقبا من الله- تعالى- بسبب ارتكابه لما نهى عنه.

وقد أسند- سبحانه- الإثم إلى القلب خاصة مع أن الإثم يسند إلى الشخص، لأن الإثم في كتمان الشهادة عمل القلب لا عمل الجوارح، ولأن القلب أساس كل خير وكل شر، ففي الحديث الشريف: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» .

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا اقتصر على قوله فَإِنَّهُ آثِمٌ وما فائدة ذكر القلب والجملة هي الآثمة لا القلب وحده؟ قلت: كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها. فلما كان إثما مقترنا بالقلب أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد: هذا مما أبصرته عيني، ووعاه قلبي. ولأن القلب هو رئيس الأعضاء فكأنه قيل: ومن يكتمها فقد تمكن الإثم من أصل نفسه، وملك أشرف مكان فيه: ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام التي تتعلق باللسان فقط. وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه، واللسان ترجمان عنه. ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح، وهي لها كالأصول التي تتشعب عنها. ألا ترى أن أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر. وهما من أفعال القلوب فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب.

وقوله: آثِمٌ خبر إن وقَلْبُهُ رفع بآثم على الفاعلية كأنه قيل: فإنه يأثم قلبه. ويجوز أن يرتفع قلبه بالابتداء. وآثم خبر مقدم. والجملة خبر إن والضمير للشأن» «1» .

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ أى: والله- تعالى- عليم بكل أعمالكم وأقوالكم وسائر شئونكم وسيجازى المحسنين إحسانا، والمسيئين سوءا فعليكم أيها المؤمنون أن تستجيبوا لأوامر الله، وأن تجتنبوا ما نهاكم عنه حتى تكونوا من السعداء.

فالجملة الكريمة تذييل قصد به الوعد الحسن للمؤمنين الصادقين، والوعيد الشديد للعصاة

(1) تفسير الكشاف ج 1 صفحة 329.

ص: 655