المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدّمة

- ‌سورة الفاتحة

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 50]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 62]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 83]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 86]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 99 الى 100]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 105]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 109]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 113]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 114]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 118]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 121]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 134]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 145 الى 150]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 187]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 189]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 207]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 213]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 248 الى 249]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 253]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 256]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 258]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 262]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 265]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 274]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 283]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 284]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 285 الى 286]

- ‌الفهرس

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]

وبهذا تكون الآيات الكريمة قد بينت للناس حكما آخر من أحكامها السامية، يتعلق بالوصية في الأموال، وفي هذا الحكم دعوة إلى التراحم والتكافل، وغرس لأواصر المودة والمحبة بين الأبناء والآباء وبين الأقارب بعضهم مع بعض.

وبعد أن تحدثت السورة الكريمة عن القصاص وعن الوصية أتبعتهما بالحديث عن عبادة عظيمة من العبادات التي جعلها الله- تعالى- ركنا من أركان الإسلام وهي صوم رمضان، فقال- سبحانه-:

[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)

الصيام مصدر صام كالقيام مصدر قام، وهو في اللغة: الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال، فيقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام ومنه قوله- تعالى- مخبرا عن مريم: إِنِّي

ص: 379

نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً

أى: سكوتا عن الكلام. وصوم الريح ركودها وإمساكها عن الهبوب.

وتقول العرب: صام النهار وصامت الشمس عند قيام الظهيرة لأنها كالممسكة عن الحركة.

أما الصيام في عرف الشرع فهو- كما يقول الآلوسى- إمساك عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص في زمان مخصوص ممن هو على صفات مخصوصة.

وقد فرض الله- تعالى- على المسلمين صيام شهر رمضان في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة، وعده النبي صلى الله عليه وسلم أحد أركان الإسلام الخمسة، فقد روى البخاري- بسنده- عن ابن عمر- رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.

وأل في الصيام للعهد الذهني، فقد كان العرب يعرفون الصوم، فقد جاء في الصحيحين عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش والجاهلية» .

والتشبيه في قوله- تعالى-: كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ راجع إلى أصل إيجاب الصوم وفريضته. أى: أن عبادة الصوم كانت مكتوبة ومفروضة على الأمم السابقة، ولكن بكيفية لا يعلمها إلا الله، إذ لم يرد نص صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا فيه كيف كان صيام الأمم السابقة على الأمة الإسلامية.

وقيل إن التشبيه راجع إلى وقت الصوم وقدره، فقد روى عن مجاهد أنه قال: كتب الله- عز وجل صوم شهر رمضان على كل أمة.

وهذا القول ليس له دليل، ولذا قال القاضي أبو بكر بن العربي: المقطوع به أن التشبيه في الفرضية خاصة، وسائر الوجوه مجرد احتمال.

ولفظ «كما» في قوله- تعالى-: كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ في موضع نصب على المصدر، أى: فرض عليكم الصيام فرضا كالذي فرض على الذين من قبلكم.

ومن فوائد هذا التشبيه، الاهتمام بهذه العبادة والتنويه بشأنها إذ شرعها- سبحانه- لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم ولأتباع الرسل الذين سبقوه في الدعوة إلى توحيد الله، وهذا مما يقتضى وفرة ثوابها، ودوام صلاحها.

كذلك من فوائده تسهيل هذه العبادة على المسلمين لأن الشيء الشاق تخف مشقته على الإنسان عند ما يعلم أن غيره قد أداه من قبله.

والفائدة الثالثة من هذا التشبيه إثارة العزائم والهمم للنهوض بهذه العبادة، حتى لا يكونوا

ص: 380

مقصرين في أدائها، بل يجب عليهم أن يؤدوها بقوة تفوق من سبقهم لأن الأمة الإسلامية قد وصفها سبحانه بأنها خير أمة أخرجت للناس وهذه الخيرية تقتضي منهم النشاط فيما كلفهم الله بأدائه من عبادات.

وقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ جملة تعليلية جيء بها لبيان حكمة مشروعية الصيام فكأنه- سبحانه- يقول لعباده المؤمنين: فرضنا عليكم الصيام كما فرضناه على الذين من قبلكم، لعلكم بأدائكم لهذه الفريضة تنالون درجة التقوى والخشية من الله، وبذلك تكونون ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه. ولا شك أن هذه الفريضة ترتفع بصاحبها إلى أعلى عليين متى أداها بآدابها وشروطها، ويكفى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال في شأن الصوم:«الصوم جنة» «1» أى:

وقاية. إذ في الصوم وقاية من الوقوع في المعاصي، ووقاية من عذاب الآخرة، ووقاية من العلل والأمراض الناشئة عن الإفراط في تناول بعض الأطعمة والأشربة.

وقوله: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أى: معينات بالعد أو قليلات، لأن القليل يسهل عده فيعد والكثير يؤخذ جزافا.

والمراد بهذه الأيام المعدودات شهر رمضان عند جمهور العلماء.

قالوا: وتقريره أنه- تعالى- قال أولا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ وهذا محتمل ليوم ويومين ثم بينه بقوله أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فزال بعض الاحتمال ثم بينه بقوله: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فعلى هذا الترتيب يمكن جعل الأيام المعدودات بعينها شهر رمضان، وإذا أمكن ذلك فلا وجه لحمله على غيره «2» .

وإنما عبر عن رمضان بأيام وهي جمع قلة ووصف بمعدودات وهي جمع قلة- أيضا- تهوينا لأمره على المكلفين، وإشعارا لهم بأن الله- تعالى- ما فرض عليهم إلا ما هو في وسعهم وقدرتهم.

وقيل: إن المراد بالأيام المعدودات غير رمضان، وذكروا أن المراد بها ثلاثة أيام من كل شهر وهي الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر مضافا إليها يوم عاشوراء. ثم نسخ ذلك بوجوب صوم شهر رمضان.

والمعتمد بين المحققين من العلماء هو القول الأول، لأنه- كما قال الإمام الرازي- لا وجه لحمله على غيره، والقول بالنسخ زيادة لا دليل عليها.

(1) قطعة من حديث رواه البخاري في كتاب الصوم ج 3 ص 31.

(2)

تفسير الرازي ج 5 ص 78. [.....]

ص: 381

وقوله: أَيَّاماً منصوب على الظرفية، أو بفعل مضمر مقدر أى: صوموا أياما. وقوله:

فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ زيادة بيان ليسر شريعة الإسلام بعد أن أخبرهم- سبحانه- بأن الصوم المفروض عليهم إنما هو أيام معدودات، وتعجيل بتطمين نفوس السامعين لئلا يظنوا وجوب الصوم عليهم في كل حال.

والمرض: الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان، بأن يصاب بانحراف في جسده يجعله في حالة وجع أو اضطراب بدني.

قال القرطبي: وللمريض حالتان:

إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر واجبا.

الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة فهذا يستحب له الفطر.. فالفطر مباح في كل مرض إلا المرض اليسير الذي لا كلفة معه في الصيام «1» .

وقوله: أَوْ عَلى سَفَرٍ قال الآلوسى معناه: أو راكب سفر مستعل عليه متمكن منه، بأن اشتغل به قبل الفجر، ففيه إيماء إلى أن من سافر في أثناء اليوم لم يفطر. واستدل بإطلاق السفر على أن السفر القصير وسفر المعصية مرخص للإفطار. وأكثر العلماء على تقييده بالمباح وبما يلزمه العسر غالبا وهو السفر إلى المسافة المقدرة في الشرع» «2» .

والعدة فعلة من العد، وهي بمعنى المعدود، كالطحن بمعنى المطحون ومنه عدة المرأة.

والمعنى: لقد فرضنا عليكم الصوم أيها المؤمنون، وجعلناه كما الشأن في كل ما شرعناه متسما باليسر لا بالعسر، ومن مظاهر ذلك أننا فرضنا عليكم صوم أيام معدودات وهي أيام شهر رمضان، ولم نفرض عليكم صوم الدهر. وأننا شرعنا لمن كان مريضا مرضا يضره الصوم أو يعسر معه، أو كان على سفر يشق عليه معه الصوم، شرعنا له أن يفطر وأن يصوم بدل الأيام التي أفطرها أياما آخر مساوية لها في العدد.

قال الإمام الرازي: قال القفال: انظروا إلى عجيب ما نبه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف، إذ أنه بين في أول الآية أن لهذه الأمة في هذا التكليف أسوة بالأمم المتقدمة، والغرض منه ما ذكرناه من أن الأمور الشاقة إذا عمت خفت. ثم ثانيا بين وجه الحكمة في إيجاب الصوم وهو أنه سبب لحصول التقوى فلو لم يفرض الصوم لفات هذا المقصود الشريف، ثم بين ثالثا أنه مختص بأيام معدودة فإنه لو جعله أبدا أو أكثر الأوقات لحصلت المشقة العظيمة. ثم بين

(1) تفسير القرطبي ج 2 ص 276 بتصرف وتلخيص.

(2)

تفسير الآلوسى ج 2 ص 58.

ص: 382

رابعا: أنه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن لكونه أشرف الشهور بسبب هذه الفضيلة. ثم بين خامسا: إزالة المشقة في إلزامه فأباح تأخيره لمن شق عليه من المسافرين والمرضى إلى أن يصيروا إلى الرفاهية والسكون. فهو- سبحانه- راعى في إيجاب الصوم هذه الوجوه من الرحمة فله الحمد على نعمه كثيرا» «1» .

هذا، وقد نص الفقهاء على أن الإفطار مشروع على سبيل الرخصة للمريض والمسافر، وهما بالخيار في ذلك إن شاءا أفطرا وإن شاءا صاما، إلا أن أكثر الفقهاء قالوا: الصوم أفضل لمن قوى عليه.

والذي نراه أن الله- تعالى- قد أباح الفطر في رمضان بسبب المرض أو السفر، لأن كلا منهما مظنة المشقة والحرج. والحكم الشرعي يوجد حيث توجد مظنته وينتفى حيث تنتفى.

وعلى المسلّم أن يقدر حال نفسه، فإذا أيقن أو غلب على ظنه أن مرضه أو سفره ليس في الصوم معه مشقة أو عسر صام عملا بقوله- تعالى-: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ. وإذا أيقن أو غلب على ظنه أن مرضه أو سفره يجعل الصوم شاقا عليه أفطر عملا بقوله- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فالمسألة ترجع إلى ضمير الفرد ودينه واستفتاء قلبه.

والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صام في السفر وأفطر، وخير بعض أصحابه بين الصوم والفطر. فقد روى البخاري ومسلّم عن أبى الدرداء- رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم «وفي إحدى روايتي مسلّم- في شهر رمضان-، في يوم حار، حتى ليضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحه» .

وروى الإمام مسلّم في صحيحه عن قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدري فسألته عن الصوم في السفر فقال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة. فمنا من صام ومنا من أفطر. ثم نزلنا منزلا آخر فقال: إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا. وكانت عزمة فأفطرنا. ثم قال: ولقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر.

وروى الشيخان عن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

وهناك مسألة أخرى تعرض لها الفقهاء بالحديث وهي مسألة قضاء الأيام التي أفطرها

(1) تفسير الفخر الرازي ج 5 ص 80.

ص: 383

المريض أو المسافر هل يقضيها متتابعة أو متفرقة وهل يقضيها على الفور أو على التراخي؟

وجمهور الفقهاء على أن للمفطر في رمضان بسبب المرض أو السفر أن يقضى ما أفطره متتابعا أو متفرقا لأن قوله- تعالى-: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. دل على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان، لأن اللفظ- كما قال القرطبي- مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض.

وله كذلك أن يقضى ما عليه على الفور أو على التراخي على حسب ما يتيسر له. ففي الصحيحين عن عائشة- رضي الله عنها قالت: يكون علىّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا نص وزيادة بيان للآية» .

ويرى داود الظاهري أن على المفطر في رمضان بسبب المرض أو السفر أن يشرع في قضاء ما أفطره في اليوم الثاني من شوال المعاقب له، وأن يتابع أيام القضاء.

والمعتمد بين العلماء هو قول الجمهور لقوة أدلته التي سبق بيانها.

وقوله- تعالى-: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ بيان لحكم آخر من أحكام الشريعة فيما يتعلق بصوم رمضان يتجلى فيه تيسير الله على عباده فيما شرع لهم من عبادات.

ومعنى يُطِيقُونَهُ يقدرون عليه ويتحملونه بمشقة وتعب، لأن الطاقة اسم للقدرة على الشيء مع الشدة والمشقة، والوسع اسم للقدرة على الشيء على جهة السهولة.

قال الراغب: والطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة، وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء، ومنه رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ أى ما يصعب علينا مزاولته، وليس معناه:«لا تحملنا ما لا قدرة لنا به» «1» .

والعرب لا تقول فلان أطاق الشيء إلا إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف بحيث يتحمله بمشقة وعسر. فلا يقال- مثلا- فلان يطيق حمل نواة أو ريشة أو عشرة دراهم من حديد، وإنما يقال: هو يطيق حمل قنطارين من الحديد أو حمل الأمتعة الثقيلة.

وللعلماء أقوال في المراد بقوله- تعالى-: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ أشهرها:

1-

إن هذا راجع إلى المقيم الصحيح خيره الله- تعالى- بين الصوم وبين الفداء، وكان ذلك في بدء الإسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعودوه فاشتد عليهم، فرخص لهم في الإقطار والفدية، ثم نسخ ذلك وأوجب الله عليهم الصوم.

ويشهد لهذا القول ما جاء في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت هذه الآية

(1) مفردات القرآن ص 312 للراغب الأصفهاني.

ص: 384

«وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين» كان من أراد أن يفطر ويفتدى، حتى نزلت الآية بعدها فنسختها.

وفي رواية للإمام مسلّم من طريق آخر عن سلمة- أيضا- قال: كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى أنزلت هذه الآية فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.

2-

ويرى بعض العلماء أن قوله- تعالى-: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ إلخ، ليس بمنسوخ بل هو محكم، وأنه نزل في شأن الشيخ الكبير الهرم، والمرأة العجوز، إذا كانا لا يستطيعان الصيام فعليهما أن يفطرا وأن يطعما عن كل يوم مسكينا.

وأصحاب هذا الرأى يستدلون بما رواه البخاري عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية:

ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فعليها أن يطعما مكان كل يوم مسكينا» .

3-

وهناك رأى ثالث لبعض العلماء يرى أصحابه أن قوله- تعالى- وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ليس بمنسوخ- أيضا- بل هو محكم، وأن معنى الآية عندهم: وعلى الذين يطيقونه، أى: يقدرون على الصيام بمشقة شديدة إذا أرادوا أن يفطروا أن يطعموا عن كل يوم يفطرونه مسكينا. (بأن يقدموا له نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير، أو قيمة ذلك) .

ولم يقصروا ذلك على الرجل الكبير والمرأة العجوز- كما فعل أصحاب الرأى الثاني- وإنما أدخلوا في حكم الذين يقدرون على الصوم بمشقة وتعب المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما ومن في حكمها ممن يشق عليهم الصوم مشقة كبيرة.

وأصحاب هذا الرأى يستدلون على ما ذهبوا إليه بمنطوق الآية، إذا أن الوسع اسم للقدرة على الشيء على جهة السهولة، والطاقة اسم للقدرة عليه مع الشدة والمشقة- كما سبق أن بينا-، كما يستدلون- أيضا- على ما ذهبوا إليه بقراءة يُطِيقُونَهُ- بضم الياء الأولى وتشديد الياء الثانية- أى يتجشمونه، ويتكلفونه بمشقة وتعب، وقد انتصر بعض العلماء لهذا الرأى بناء على أن منطوق الآية يؤيده.

كما انتصر بعضهم للرأى الأول بناء على أن الأحاديث الصحيحة تسانده وعلى أنه هو الأقرب إلى روح الشريعة الإسلامية في التدرج في تشريع التكاليف التي فيها مشقة على الناس، كما انتصر بعضهم للرأى الثاني الذي روى عن ابن عباس.

وهناك أقوال أخرى في الآية رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها.

ص: 385

وقوله: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ حض من الله- تعالى- لعباده على الإكثار من عمل الخير.

والتطوع: السعى في أن يكون الإنسان فاعلا للطاعة باختياره بدون إكراه والخير: مصدر خار إذا حسن وشرف، وهو منصوب لتضمين تطوع معنى أتى، أو على أنه صفة لمصدر محذوف أى تطوعا خيرا.

والمعنى: فمن تطوع خيرا بأن زاد على القدر المفروض في الفدية، أو أطعم أكثر من مسكين، أو جمع بين الإطعام والصوم، فتطوعه سيكون خيرا عند الله- سبحانه- لا يضيع أجر من أحسن عملا.

وقوله: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ترغيب في الصوم وتحبيب فيه. أى: وأن تصوموا أيها المطيقون للصوم، أو أيها المكلفون جميعا خير لكم من كل شيء سواه، إن كنتم تعلمون فوائد الصوم في حياتكم، وحسن جزائه في آخرتكم.

روى النسائي وابن خزيمة عن أبى أمامه رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله مرني بعمل قال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له- أى لا يعادل ثوابه بشيء- فقلت يا رسول الله مرني بعمل، فقال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له. فقلت: يا رسول الله مرني بعمل أدخل به الجنة. فقال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له» «1» .

وقوله: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ كلام مستأنف لبيان تلك الأيام المعدودات التي كتب علينا الصوم فيها وأنها أيام شهر رمضان الذي يستحق كل مدح وثناء لتشرفه بنزول الكتب السماوية فيه.

قال الإمام ابن كثير: يمدح- تعالى- شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، فقد ورد في الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء فعن وائلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان «2» .

والشَّهْرَ مأخوذ من الشهرة، يقال: شهر الشيء يشهر شهرة وشهرا إذا ظهر بحيث لا يتعذر علمه على أحد، ومنه يقال: شهرت السيف إذا سللته قال بعضهم: وسمى الهلال

(1) الترغيب والترهيب للمنذرى ج 2 ص 85 من «كتاب الصوم» .

(2)

تفسير ابن كثير ج 2 ص 216.

ص: 386

شهرا لشهرته وبيانه، وبه سمى الشهر شهرا.

ورَمَضانَ اسم لهذا الشهر الذي فرض علينا صيامه، وهو مأخوذ- كما قال القرطبي- من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء: شدة الحر، ومنه الحديث: صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال» - أى صلاة الضحى- قيل: إن العرب لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمى بذلك. وقيل إنما سمى رمضان لأنه يرمض الذنوب، أى: يحرقها بالأعمال الصالحة» «1» .

وقوله: شَهْرُ رَمَضانَ خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي شهر رمضان أى: الأيام المعدودات، وقوله: الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ صفة للشهر.

ويجوز أن يكون قوله شَهْرُ مبتدأ وخبره الموصول بعده، أو خبره قوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وصح وجود الفاء في الخبر لكون المبتدأ موصوفا بالموصول الذي هو شبه بالشرط. وقرئ بالنصب على أنه مفعول لفعل محذوف. أى: صوموا شهر رمضان.

و «القرآن» هو كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته.

والمراد بإنزال القرآن في شهر رمضان ابتداء إنزاله فيه، وكان ذلك في ليلة القدر. بدليل قوله- تعالى- إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أى بدأنا إنزال القرآن في هذه الليلة المباركة، إذ من المعروف أن القرآن استمر نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرب من ثلاث وعشرين سنة.

وقيل المراد بذلك، أنزل في فضله القرآن، قالوا: ومثله أن يقال: أنزل الله في أبى بكر الصديق كذا آية، يريدون أنزل في فضله.

وقيل المراد أنزل في إيجاب صومه على الخلق القرآن، كما يقال: أنزل الله في الزكاة كذا وكذا، يريد في إيجابها وأنزل في الخمر كذا يريد في تحريمها.

قال الآلوسى: وقوله- تعالى-: هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ حالان لازمان من القرآن والعامل فيهما أنزل. أى: أنزل وهو هداية للناس بإعجازه المختص به كما يشعر بذلك التنكير، وآيات واضحات من جملة الكتب الإلهية الهادية إلى الحق والفارقة بين الحق والباطل باشتماله على المعارف الإلهية والأحكام العملية، كما يشعر بذلك جعله بينات منها، فهو هاد بواسطة أمرين، مختص وغير مختص، فالهدى ليس مكررا، وقيل: مكرر تنويها

(1) تفسير القرطبي ج 2 ص 291 بتصرف وتلخيص.

ص: 387

وتعظيما لأمره وتأكيدا لمعنى الهداية كما تقول: عالم نحرير» «1» .

وقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ يصح أن يكون شهد بمعنى حضر. كما يقال:

فلان شهد بدرا، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أى: حضرها، فيكون المعنى: فمن حضر منكم دخول الشهر أو حلوله بأن كان مقيما وليس عنده ما يمنعه من الصوم كمرض ونحوه، فليصمه لأن صيامه ركن من أركان الدين، وعليه يكون لفظ «الشهر» منصوب على الظرفية.

ويصح أن يكون شهد بمعنى علم كقوله- تعالى-: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.

فيكون المعنى: فمن علم منكم هلال الشهر وتيقن من ظهوره فليصمه.

وعليه يكون لفظ «الشهر» منصوب على أنه مفعول به بتقدير المضاف المحذوف ومِنَ موصولة أو شرطية وهو الأظهر ومِنْكُمُ في محل نصب على الحال من الضمير في شهد فيتعلق بمحذوف أى: كائنا منكم. والضمير في «منكم» يعود على الذين آمنوا، أى كل من حضر منكم الشهر فليصمه و (أل) في الشهر للعهد.

وأعيد ذكر الرخصة في قوله- تعالى- ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، لئلا يتوهم من تعظيم أمر الصوم في نفسه وأنه خير، أنه قد صار متحتما بحيث لا تتناوله الرخصة بوجه من الوجوه أو تتناوله ولكنها مفضولة، وفي ذلك عناية بأمر الرخصة وأنها محبوبة له- تعالى- وقوله- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ بيان لحكمة الرخصة.

أى: شرع لكم- سبحانه- الفطر في حالتي المرض والسفر، لأنه يريد بكم اليسر والسهولة. ولا يريد بكم العسر والمشقة. قال- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً وقال- تعالى-: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل وأبى موسى الأشعرى حين بعثهما إلى اليمن: يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» .

وقوله- تعالى-: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ معطوف على قوله: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ إذ هذه الجمل الأربع تعليل لما قبلها من قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ إلى قوله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

والمعنى: شرع لكم- سبحانه- ما شرع من أحكام الصيام، ورخص لكم الفطر في حالتي

(1) تفسير الآلوسى ج 2 ص 61.

ص: 388

المرض والسفر، لأنه يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولأنه يريد منكم أن تكملوا عدة الشهر بأن تصوموا أيامه كاملة فتحصلوا خيراته ولا يفوتكم شيء من بركاته، ومن لم يستطع منكم أداء الصوم في هذا الشهر لعذر فعليه قضاء ما فاته منه في أيام أخر ويريد منكم أن تكبروه- سبحانه- أى تحمدوه وتعظموه، فهو وحده الذي هداكم إلى تلك الأحكام النافعة التي فيها صلاحكم وسعادتكم ويريد منكم أن تشكروه بأن تواظبوا على الثناء عليه، وعلى استعمال نعمه فيما خلقت له فهو- سبحانه- الرءوف الرحيم بعباده، إذ شرع لهم ما فيه اليسر لا ما فيه العسر.

وقد دلت الآية الكريمة على الأمر بالتكبير إذ جعلته مما يريده الله- تعالى- ولهذا جاءت السنة باستحباب التحميد والتسبيح والتكبير بعد الصلوات المكتوبات، وفي عيدي الفطر والأضحى يكون تكبير الله- تعالى- هو مظهرهما الأعظم.

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد بينت أكمل بيان وأحكمه فضل الصوم، وحكمة مشروعيته ومظاهر رحمة الله بعباده في هذه الفريضة، وقد ذكرت أن المسلّم له بشأن هذه الفريضة حالة من حالات ثلاث:

الحالة الأولى: إذا كان المسلّم في شهر رمضان كله أو بعضه مريضا بمرض عارض غير مزمن يرجى الشفاء منه، أو مسافرا تتوفر فيه شروط الفطر، فله أن يفطر وأن يقضى بعد رمضان الأيام التي أفطرها بدليل قوله- تعالى-: وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

الحالة الثانية: إذا كان المسلّم في شهر رمضان مريضا بمرض مزمن لا يرجى شفاؤه والصوم فيه مشقة عليه، أو كان شيخا كبيرا أو امرأة عجوزا ولا يستطيعان الصوم، فقد أباح الشارع لهؤلاء أن يفطروا وأن يطعموا عن كل يوم مسكينا، لأن هذه الاعذار لا يرجى زوالها، ولا ينتظر أن يكون المبتلى بعذر منها بعد رمضان خيرا منه في رمضان، لذا أوجب الشارع على هؤلاء الفدية دون القضاء، بدليل قوله- تعالى-: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.

الحالة الثالثة: إذا كان المسلّم في شهر رمضان سليما مقيما وليس عنده عذر يمنعه من الصوم، فقد أوجب الله عليه أداء هذه الفريضة بقوله- تعالى-: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ويحرم عليه أن يفطر، وإن أفطر لغير عذر شرعي كان من الخاسرين في الدنيا والآخرة، ففي الحديث الشريف الذي رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبى هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه- أى لم يجزه- صوم الدهر كله وإن صامه» «1» .

(1) الترغيب والترهيب للمنذرى ج 2 ص 108.

ص: 389