المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدّمة

- ‌سورة الفاتحة

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 50]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 62]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 83]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 86]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 99 الى 100]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 105]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 109]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 113]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 114]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 118]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 121]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 134]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 145 الى 150]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 187]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 189]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 207]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 213]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 248 الى 249]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 253]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 256]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 258]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 262]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 265]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 274]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 283]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 284]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 285 الى 286]

- ‌الفهرس

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252]

اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ

وقال: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. فهذه أسباب النصر وشروطه وهي معدومة عندنا غير موجودة فينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا» «1» .

ثم حكى القرآن بعد ذلك ما قاله المؤمنون الصادقون عند ما برزوا للقاء أعدائهم فقال:

[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252]

وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)

وقوله: بَرَزُوا أى صاروا إلى براز الأرض وهو ما انكشف منها بحيث يصير كل فريق من المتقاتلين يرى صاحبه، ومنه سميت المبارزة في الحرب لظهور كل قرن إلى قرنه. أى: وحين برز طالوت ومن معه لقتال جالوت وجنوده، وأصبح الفريقان في مكان متسع من الأرض بحيث يرى كل فريق خصمه اتجه المؤمنون إلى الله- تعالى- بالدعاء قائلين بإخلاص وخشوع:

رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أى: أفض علينا صبرا يعمنا، ويملأ قلوبنا ثقة بنصرك، ويحبس نفوسنا على طاعتك.

قال الإمام الرازي ما ملخصه، الإفراغ: الصب. يقال أفرغت الإناء إذا صببت ما فيه.

وقولهم هذا يدل على المبالغة في طلب الصبر من وجهين:

(1) تفسير القرطبي ج 3 صفحة 255.

ص: 572

أحدهما: أنه إذا صب الشيء في الشيء فقد أثبت فيه بحيث لا يزول عنه وهذا يدل على التأكيد.

والثاني: أن إفراغ الإناء هو إخلاؤه وذلك يكون بصب كل ما فيه، فمعنى أفرغ علينا صبرا، أى أصبب علينا أتم صب وأبلغه- حتى تتحقق فينا صفة الصبر كأحسن ما يكون التحقق» «1» .

أما الدعوة الثانية فقد قالوا فيها- كما حكى القرآن عنهم- وَثَبِّتْ أَقْدامَنا أى هب لنا من كمال القوة والرسوخ عند القتال ما يجعلنا نثبت أمام أعدائنا، ونتمكن من رقابهم دون أن يتمكنوا منا. فهذا الدعاء كناية عن أن يمنحهم- سبحانه- الثبات عند الزحف، وعدم الفرار عند القتال.

وفي قوله: وَثَبِّتْ أَقْدامَنا تعبير بالجزء عن الكل، لأن الأقدام هي التي يكون بها الفرار، فتثبيتها إبعاد عن الفرار، ومتى حصل الثبات كان النصر متوقعا، والصبر متحققا.

ثم ختموا دعاءهم بأن قالوا: وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أى اجعل الغلبة لنا عليهم، لأننا مؤمنون بأنك المعبود المستحق للعبادة وهم يكفرون بذلك.

والمتأمل في هذه الدعوات الثلاث يراها قد جمعت أسمى ألوان الأدب وحسن الترتيب، فهم قد صدروا دعاءهم بالتوسل بوصف الربوبية فقالوا رَبَّنا أى يا خالقنا ويا منشئنا ويا مربينا ويا مميتنا، وفي ذلك إشعار أنهم يلجئون إلى من بيده وحده النفع والضر، والنصر والهزيمة. ثم افتتحوا دعاءهم بطلب الصبر عند المخاوف لأنه هو عدة القتال الأولى، وركنه الأعلى، إذ به يكون ضبط النفس فلا تفزع، وبه يسكن القلب فلا يجزع. ثم التمسوا منه- سبحانه- أن يثبت أقدامهم عند اللقاء لأن هذا الثبات هو مظهر الصبر، ووسيلة النصر، وعنوان القوة.

ثم ختموا دعاءهم بما هو ثمرة ونتيجة للصبر والثبات وهو النصر على الأعداء.

فماذا كانت نتيجة هذا الدعاء الخاشع الخالص؟ كانت نتيجته النصر المؤزر الذي حكاه القرآن في قوله: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ.

وأصل الهزم في اللغة الكسر. ومنه سقاء منهزم أى انثنى بعضه على بعض مع الجفاف. ويقال للسحاب هزيم، لأنه يتشقق بالمطر. والفاء هنا فصيحة أو سببية أى أنهم بسبب دعائهم المخلص، وإيمانهم القوى، واستجابتهم لما أمرهم الله به، استطاعوا أن يكسروا أعداءهم

(1) تفسير الفخر الرازي ج 6 صفحة 199.

ص: 573

ويهزموهم، وقوله: بِإِذْنِ اللَّهِ أى بتوفيقه وتيسيره وتأييده. والباء إما للاستعانة والسببية وإما للمصاحبة.

ثم قال- تعالى-: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ أى: وقتل داود بن إيشا- وكان في جيش طالوت- جالوت الذي كان يقود جيش الكفر، وبقتله مزق أتباعه شر ممزق، ورزق الله طالوت ومن معه النصر والغلبة.

ثم بين- سبحانه- ما منحه لداود من نعم فقال: وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ والحكمة المراد بها هنا النبوة، ولم يجتمع الملك والنبوة لأحد قبله في بنى إسرائيل، وورثه فيهما ابنه سليمان- عليه السلام.

أى: وأعطى الله- تعالى- عبده داود ملك بنى إسرائيل وأعطاه النبوة التي هي أشرف من الملك زيادة في ترقيته في درجات الشرف والكمال، وعلمه- سبحانه- مما يشاء من فنون العلم، ومن أمور الدين والدنيا كمعرفته لغة الطيور، وكلام الدواب، وصناعة آلات الحرب وغير ذلك من ألوان العلوم المختلفة التي لا تحدها إلا مشيئة الله وإرادته.

وفي قوله- تعالى-: وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ بعد الإخبار بأنه- سبحانه- آتى داود الحكمة، إشعار بأن الإنسان لا يستغنى عن التعلم سواء أكان نبيا أم لم يكن، لأن داود- عليه السلام مع حصوله على النبوة لم يستغن عن تعليم الله إياه، وقد أمر الله- تعالى- نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يلتمس المزيد من العلم فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.

ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله على عباده فقال: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ.

أى: ولولا أن الله- تعالى- يدفع أهل الباطل بأهل الحق، لفسدت الأرض، وعمها الخراب لأن أهل الفساد إذا تركوا من غير أن يقاوموا استطارت شرورهم، وتغلبوا على أهل الصلاح والاستقامة، وتعطلت مصالح الناس، وانتشر الفساد في الأرض.

فلولا في الجملة الكريمة حرف امتناع لوجود. أى: امتنع فساد الأرض لأجل وجود دفع الناس بعضهم ببعض.

فالجملة الكريمة تأمر الأخيار في كل زمان ومكان أن يقفوا في وجوه الأشرار، وأن يقاوموهم بكل وسيلة من شأنها أن تحول بينهم وبين الفساد والطغيان.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ.

أى: ولكن الله- تعالى- صاحب فضل عظيم، وإنعام كبير على الناس أجمعين، لأنه وضع

ص: 574

لهم هذا التنظيم الحكيم الذي أوجب فيه على المصلحين أن يدافعوا المفسدين، وأن يقاوموهم بالطريقة التي تمنع فسادهم حتى ولو أدى ذلك إلى رفع السلاح في وجوههم، لأن السكوت عن فساد المفسدين سيؤدي إلى العقاب الذي يعمهم ويصيب معهم المصلحين.

ثم ختم- سبحانه- قصة هؤلاء القوم من بنى إسرائيل بقوله: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.

أى: تلك الآيات التي حدثناك فيها عن قصة أولئك القوم وما جرى لهم هي آيات الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، نتلوها عليك يا محمد عن طريق جبريل الأمين تلاوة ملتبسة بالحق الثابت الذي لا يحوم حوله الباطل، وإنك يا محمد لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الذين أرسلهم الله- تعالى- بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.

فالإشارة في قوله تِلْكَ آياتُ اللَّهِ إلى الآيات المتلوة من قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إلى آخر القصة. وقيل إليها وإلى القصة التي قبلها وهي قصة القوم الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ.

وكانت الإشارة للبعيد، لما في ذلك من معنى الاستقصاء للآيات، ولعلو شأنها، وكمال معانيها، والوفاء في مقاصدها.

وأضيفت الآيات إلى الله لأنها جزء من هذا القرآن الذي أنزله- سبحانه- على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليكون هداية للناس، وليحملهم على تدبرها والاعتبار بها لأنها من عند الله الذي شرع لهم ما يسعدهم.

وجعل- سبحانه- تلاوة جبريل للقرآن تلاوة له فقال: نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ للإشعار بشرف جبريل، وأنه ما خرج في تلاوته عما أمره الله به، فهو رسوله الأمين إلى رسله المكرمين.

وجملة نَتْلُوها عَلَيْكَ في محل نصب حال من الآيات والعامل فيها معنى الإشارة.

وقوله: بِالْحَقِّ في موضع نصب حال من مفعول نتلوها أى ملتبسة باليقين الذي لا يرتاب فيه عاقل. أو من فاعله أى: نتلوها عليك ملتبسين بالحق والصواب.

وأكد- سبحانه- قوله وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ بحرف «إن» وباللام في «لمن» وبالجملة الاسمية، للرد على من شكك في صدق رسالته صلى الله عليه وسلم ولتسليته عما يقوله الجاحدون في شأنه.

وبعد: فهذه قصة الملأ من بنى إسرائيل من بعد موسى، وإن فيها لعبرا متعددة، وعظات متنوعة لقوم يعقلون. من العبر التي تؤخذ منها:

1-

أن الشعور بالظلم والهوان، والابتلاء بالمحن والهزائم، والوقوع تحت أيدى المعتدى،

ص: 575

كل ذلك من شأنه أن يصهر النفوس الحرة الكريمة، وأن يدفعها بقوة إلى الذود عن كرامتها المسلوبة، وعزتها المغصوبة، حتى تنال حقها ممن سلبه منها أو تموت دونه، لأن النفوس الأبية تشعر دائما بأن الموت مع العزة خير من الحياة مع الذلة. يدل على ذلك قوله- تعالى-:

قالُوا: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا.

2-

أن الناس في كل زمان ومكان، يلجئون- خصوصا عند ما تنزل بهم الشدائد إلى من يتوسمون فيهم الخير والصلاح، لكي يرشدوهم إلى ما يأخذ بيدهم إلى طريق السعادة، ولكي يهدوهم إلى أفضل السبل التي تنقذهم مما هم فيه من بلاء، ولكي يختاروا لهم من يقودهم إلى النصر والفلاح. ألا ترى إلى الملأ من بنى إسرائيل كيف لجئوا إلى نبي لهم ليقولوا له بعد أن أصابهم من الذل ما أصابهم: ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ إنهم لم يلجئوا إلى زعيم من زعمائهم، أو إلى أمير من امرائهم، وإنما لجئوا إلى نبيهم يبثون إليه شكواهم، ويطلبون منه أن يختار لهم من يقودهم للقتال في سبيل الله، لأنهم يرون فيه الأمل المرتجى، والعقل السليم، والخلق القويم، والأسوة الحسنة.

3-

أن القائد يجب أن تتوفر فيه صفتان: قوة العقل، وقوة الجسم لأنه متى توفرت فيه هاتان الصفتان استطاع أن يقود أتباعه بنجاح، وأنه قبل أن يلتقى بأعدائه يجب عليه أن يختبر جنده ليعرف مبلغ إيمانهم وقوتهم وطاعتهم وثباتهم وألا يكلفهم بما لا يستطيعونه حتى يحارب أعداءه وهو على بينة من أمره. انظر إلى طالوت كيف اختبر جنده قبل أن يخوض المعركة بأن قال لهم: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ وهكذا القواد العقلاء يقدمون على حرب أعدائهم وهم على بصيرة من أمرهم.

4-

أن الفئة القليلة المؤمنة كثيرا ما تنتصر على الفئة الكثيرة الكافرة لأن المؤمنين الصادقين يحملهم إيمانهم على اليقين بلقاء الله، وعلى التضحية من أجل إعلاء كلمته، وعلى الإقدام الذي يرعب الكافرين، ويخيف الفاسقين، وصدق الله إذ يقول كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.

5-

أن هزائم الأمم يمكن إزالتها متى توفر لتلك الأمم القادة العقلاء الأقوياء، والجند الأشداء على أعدائهم، الرحماء فيما بينهم، وأن من شأن المؤمنين حقا أنهم مع مباشرتهم للأسباب، وإحكامهم لكل ما يحتاج إليه القتال، وإحسانهم لكل وسيلة تعينهم على النصر، مع كل ذلك لا يغترون ولا يتطاولون بل يعتمدون على الله- تعالى- اعتمادا تاما، ويتجهون إليه بالضراعة والدعاء ويلتمسون منه النصر على أعدائه وأعدائهم انظر إلى الصفوة المؤمنة من جند

ص: 576