المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدّمة

- ‌سورة الفاتحة

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 50]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 62]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 83]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 86]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 99 الى 100]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 105]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 109]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 113]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 114]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 118]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 121]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 134]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 145 الى 150]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 187]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 189]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 207]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 213]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 248 الى 249]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 253]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 256]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 258]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 262]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 265]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 274]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 283]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 284]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 285 الى 286]

- ‌الفهرس

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

من العلماء- والنسخ من مظان الفتنة والشبهة وتسويل الشيطان، فاقتضى الأمر بسط الحديث في مسألة القبلة ليزدادوا إيمانا على إيمانهم.

ولأن هذا التحويل- أيضا- جاء على خلاف رغبة اليهود، فإنهم كانوا يحرصون على استمرار المسلمين في التوجه إلى بيت المقدس، لأنه قبلتهم، فلما حصل التحويل إلى المسجد الحرام، اتخذوا منه مادة للطعن في صحة النبوة ليفتنوا ضعفاء العقيدة، وسلكوا لبلبلة أفكار المسلمين كل وسيلة.

فزعموا أن نسخ الحكم بعد شرعه مناف للحكمة، ومباين للعقول، فلا يقع في الشرائع الإلهية، وساقوا من الشبهات والمفتريات ما بينا بعضه عند تفسيرنا للآيات الكريمة.

ويبدو أن شغبهم هذا، كان له آثاره عند ذوى النفوس المريضة وضعاف الإيمان فلهذا كله أخذت مسألة القبلة شأنا غير شأن بقية الأحكام الفرعية، فكان مقتضى الحال أن يكون الحديث عنها مستفيضا، ومدعما بالأدلة والبراهين، وهذا ما راعاه القرآن الكريم عند حديثه عن مسألة القبلة، فلقد قرر وكرر، ووعد وتوعد، ووضح وبين، ليدفع كل شبهة، وليجتث كل حجة، ويزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم، وينهض بضعفاء الإيمان إلى منزلة الراسخين في العلم، ويهوى باليهود ومن حذا حذوهم في مكان سحيق، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وبعد أن أنهى القرآن حديثه عن نعمة تحويل القبلة أتبعه بالحديث عن نعمة جليلة أخرى وهي نعمة إرسال الرسول فيهم لهدايتهم فقال- تعالى-:

[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152)

وقوله- تعالى-: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ.. إلخ متصل بما قبله، والكاف للتشبيه وهي في موضع نصب على أنها نعت لمصدر محذوف وما مصدرية، والتقدير: لقد حولت القبلة إلى شطر المسجد الحرام لأتم نعمتي عليكم إتماما مثل إتمام نعمتي عليكم بإرسال

ص: 306

الرسول صلى الله عليه وسلم فيكم، إجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل إذ قالا رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ....

وقيل إن قوله- تعالى-: كَما أَرْسَلْنا.. إلخ متصل بما بعده، فتكون الكاف للمقابلة، أى: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يعلمكم الدين القويم، والخلق المستقيم ومنحتكم هذه النعمة فضلا منى وكرما، فاذكروني بالشكر عليها أذكركم برحمتي وثوابي. وقوله: فِيكُمْ متعلق «بأرسلنا» وقدم على المفعول تعجيلا بإدخال السرور: وقوله: مِنْكُمْ في موضع نصب، لأنه صفة لقوله: رَسُولًا والمخاطبون بهذه الآية الكريمة هم العرب.

وفي إرساله الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم وهو منهم نعمة تستوجب المزيد من الشكر، لأن إرساله منهم يسبقه معرفتهم لنشأته الطيبة وسيرته العطرة، ومن شأن هذه المعرفة أن تحملهم على المسارعة إلى تصديقه والإيمان به، ولأن في إرساله فيهم وهو منهم شرف عظيم لهم، ومجد لا يعد له مجد، حيث جعل- سبحانه- خاتم رسله من هذه الأمة، ولأن المشهور من حالهم الأنفة الشديدة من الانقياد، فكون الرسول منهم ادعى إلى إيمانهم به وقبولهم لدعوته. وقوله: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا صفة ثانية للرسول صلى الله عليه وسلم.

والتلاوة: ذكر الكلمة بعد الكلمة على نظام متسق، وأصله من الإتباع ومنه تلاه، أى:

تبعه. والمراد من الآيات: آيات القرآن الكريم، وتلاوتها قراءتها، فإن البصير بأساليب البيان العربي يدرك من مجرد تلاوة آيات القرآن كيف ارتفع إلى الذروة التي كان بها معجزة ساطعة.

وفي هذه الجملة- كما قال الآلوسى- «إشارة إلى طريق إثبات نبوته- عليه الصلاة والسلام لأن تلاوة الأمى للآيات الخارجة عن طوق البشر باعتبار بلاغتها واشتمالها على الإخبار بالمغيبات والمصالح التي ينتظم بها أمر المعاد والمعاش أقوى دليل على نبوته» «1» :

وعبر بقوله: يَتْلُوا، لأن نزول القرآن مستمر، وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم له متوالية، وفي كل قراءة يحصل علم المعجزات للسامعين.

ويجوز أن يراد بالآيات: دلائل التوحيد والنبوة والبعث، وبتلاوتها التذكير بها حتى يزداد المؤمنون إيمانا بصدقها.

وقوله: وَيُزَكِّيكُمْ صفة ثالثة للرسول صلى الله عليه وسلم، أى: ويطهركم من الشرك، ومن الأخلاق الذميمة. وإذا أشرقت النفوس بنور الحق، وتحلت بالأخلاق الحميدة، قويت على تلقى ما يرد عليها من الحقائق السامية.

(1) تفسير الآلوسى ج 2 ص 18 ط منير الدمشقي.

ص: 307

وقوله: وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ صفة رابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.

والمراد بالكتاب: القرآن، وتعليمه بيان ما يخفى من معانيه، فهو غير التلاوة، فلا تكرار بين قوله يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وبين قوله وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ.

والحكمة: ما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال التي جعل الله للناس فيها أسوة حسنة.

قال بعضهم: وقدمت جملة وَيُزَكِّيكُمْ هنا على جملة وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ عكس ما جاء في الآية السابقة في حكاية قول إبراهيم رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ لأن المقام هنا للامتنان على المسلمين، فقدم ما يفيد معنى المنفعة الحاصلة من تلاوة الآيات عليهم وهي منفعة تزكية نفوسهم اهتماما بها، وبعثا لها بالحرص على تحصيل وسائلها وتعجيلا للبشارة بها. أما في دعوة إبراهيم فقد رتبت الجمل على حسب ترتيب حصول ما تضمنته في الخارج، مع ما في ذلك التخالف من التفنن» «1» .

وقوله- تعالى-: وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ صفة خامسة له صلى الله عليه وسلم.

أى: «ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه مما لا طريق إلى معرفته سوى الوحى. ومما لم يكونوا يعلمونه وعلمهم إياه صلى الله عليه وسلم وجوه استنباط الأحكام من النصوص أو الأصول المستمدة منها، وأخبار الأمم الماضية، وقصص الأنبياء، وغير ذلك مما لم تستقل بعلمه عقولهم. وبهذا النوع من التعليم صار الدين كاملا قبل انتهاء عهد النبوة.

ولقد كان العرب قبل الإسلام في حالة شديدة من ظلام العقول وفساد العقائد

فلما أكرمهم الله- تعالى- برسالة رسوله صلى الله عليه وسلم وتلا عليهم الآيات، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، خرج منهم رجال صاروا أمثالا عالية في العقيدة السليمة، والأخلاق القويمة والأحكام العادلة، والسياسة الرشيدة لمختلف البيئات والنزعات.

قال الآلوسى: وكان الظاهر أن يقول: «ويعلمكم الكتاب والحكمة وما لم تكونوا تعلمون» بحذف الفعل «يعلمكم» من الجملة الأخيرة، ليكون الكلام من عطف المفرد على المفرد، إلا أنه- تعالى- كرر الفعل للدلالة على أنه جنس آخر غير مشارك لما قبله أصلا، فهو تخصيص بعد التعميم مبين لكون إرساله صلى الله عليه وسلم نعمة عظيمة، ولولاه لكان الخلق متحيرين في أمر دينهم لا يدرون ماذا يصنعون» «2» .

(1) تفسير التحرير والتنوير ج 2 ص 45 الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.

(2)

تفسير الآلوسى ج 2 ص 19.

ص: 308

ثم أمر الله عباده بأن يكثروا من ذكره وشكره على ما أسبغ عليهم من نعم فقال:

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ

ذكر الشيء: التلفظ باسمه، ويطلق بمعنى استحضاره في الذهن، وهو ضد النسيان وذكر العباد لخالقهم قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب وقد يكون بالجوارح. فذكرهم إياه بألسنتهم معناه: أن يحمدوه ويسبحوه ويمجدوه، ويقرءوا كتابه، مع استحضارهم لعظمته وجلاله.

وذكرهم إياه بقلوبهم معناه أن يتفكروا في الدلائل الدالة على ذاته وصفاته وفي تكاليفه وأحكامه، وأوامره ونواهيه، وأسرار مخلوقاته، لأن هذا التفكر يقوى إيمانهم، ويصفى نفوسهم.

وذكرهم إياه بجوارحهم معناه: أن تكون جوارحهم وحواسهم مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها، منصرفة عن الأفعال التي نهوا عنها، ولكون الصلاة مشتملة على هذه الثلاثة سماها الله- تعالى- ذكرا في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ....

وقوله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ أمر وجوابه، وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم.

والمعنى: اذكروني بالطاعة والاستجابة لما أمرتكم به والبعد عما نهيتكم عنه أذكركم بالرعاية، والنصرة، وصلاح الأحوال في الدنيا، وبالرحمة وجزيل الثواب في الآخرة. فالذكر في قوله «أذكركم» مستعمل فيما يترتب على الذكر من المجازاة بما هو أوفى وأبقى، كما أن قوله «فاذكروني» المراد به: اذكروا عظمتي وجلالي ونعمى عليكم، لأن هذا التذكر هو الذي يبعث على استفراغ الوسع في الأقوال والأعمال التي ترضى الله.

قال صاحب المنار: وقال الأستاذ الإمام: هذه الكلمة- وهي قوله- تعالى- فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ- من الله- تعالى- كبيرة جدا، كأنه يقول: إننى أعاملكم بما تعاملوننى به وهو الرب ونحن العبيد، وهو الغنى عنا ونحن الفقراء إليه. وهذه أفضل تربية من الله لعباده: إذا ذكروه ذكرهم بإدامة النعمة والفضل، وإذا نسوه نسيهم وعاقبهم بمقتضى العدل «1» » .

هذا، وقد وردت أحاديث متعددة في فضل الذكر والذاكرين، ومن ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله- تعالى-: أنا عند ظن عبدى بي وأنا معه حين يذكرني. فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. وإن ذكرنى في ملأ ذكرته في ملأ خير

(1) تفسير المنار ج 2 ص 32.

ص: 309

منهم. وإن تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا. وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إلى باعا. وإن أتانى يمشى أتيته هرولة» .

وروى مسلّم عن أبى سعيد الخدري وأبى هريرة: أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

لا يقعد قوم يذكرون الله- تعالى- إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» .

قال الإمام النووي: واعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحو ذلك، بل كل عامل لله- تعالى- بطاعة فهو ذاكر لله- تعالى-.

وقوله- تعالى-: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ معطوف على ما قبله.

والشكر في اللغة- كما يقول القرطبي- الظهور، ومنه قولهم: دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف.

وحقيقته: عرفان الإحسان وإظهاره بالثناء على المحسن، يقال شكره وشكر له كما يقال نصحه ونصح له.

وأصل الكفر في كلام العرب الستر والتغطية والجحود، ويستعمل بمعنى عدم الإيمان فيتعدى بالباء فيقال: كفر بالله، ويستعمل بمعنى عدم الشكر- وهو المراد هنا- فيتعدى بنفسه، فيقال: كفر النعمة أى جحدها وكفر المنعم أى جحد نعمته ولم يقابلها بالشكر.

والمعنى: اشكروا لي ما أنعمت به عليكم من ضروب النعم، بأن تستعملوا النعم فيما خلقت له، وبأن تطيعوني في السر والعلن، وحذار من أن تجحدوا إحسانى إليكم، ونعمى عليكم فاسلبكم إياها.

قال- تعالى-: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ «1» .

وقدم- سبحانه- الأمر بالذكر على الأمر بالشكر، لأن في الذكر اشتغالا بذاته- تعالى-، وفي الشكر اشتغالا بنعمته، والاشتغال بذاته أولى بالتقديم من الاشتغال بنعمته. وقوله وَلا تَكْفُرُونِ تأكيد لقوله وَاشْكُرُوا لِي.

وهذا تحذير لهذه الأمة حتى لا تقع فيما وقع فيه بعض الأمم السابقة التي فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.

وبعد أن أمر- سبحانه- عباده بذكره وشكره، وجه نداء إليهم بين لهم فيه ما يعينهم على ذلك، كما بين لهم منزلة الشهداء، وعاقبة الصابرين على البلاء فقال- تعالى-:

(1) سورة إبراهيم الآية 6.

ص: 310