المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدّمة

- ‌سورة الفاتحة

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 50]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 62]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 83]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 86]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 99 الى 100]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 105]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 109]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 113]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 114]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 118]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 121]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 134]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 145 الى 150]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 187]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 189]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 207]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 213]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 248 الى 249]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 253]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 256]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 258]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 262]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 265]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 274]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 283]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 284]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 285 الى 286]

- ‌الفهرس

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

والتمني على الله ما لا تقتضيه حكمته ولم تسبق به كلمته

» «1» .

وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد مدحت القرآن الكريم بما يستحقه، وأثنت على من اهتدوا بهديه، ووصفتهم بالصفات السامية، وبشرتهم بالبشارات الكريمة.

وبعد أن انتهى القرآن من بيان شأن الكتاب وأثره في الهداية والإرشاد، وتصوير حال المتقين الذين اهتدوا به، وما اكتسبوه بالهداية من أوصاف سامية، وما كان لهم على ذلك من خير العاقبة وحسن الجزاء، أقول بعد أن انتهى من بيان كل ذلك شرع في بيان حال الكافرين، وما هم عليه من سوء الحال وقبيح الأوصاف فقال:

[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7)

ففي هاتين الآيتين بيان لأحوال طائفة ثانية من الناس، على الضد في طبيعتها وأوصافها ومآلها من الطائفة الأولى التي فازت برضوان الله.

والكفر- بالضم- ضد الإيمان. وأصله المأخوذ منه الكفر- بالفتح- وهو ستر الشيء وتغطيته، ومنه سمى الليل كافرا، لأنه يغطى كل شيء بسواده، وسمى السحاب كافرا لستره ضوء الشمس.

ثم شاع الكفر في مجرد ستر النعمة، كأن المنعم عليه قد غطى النعمة بجحوده لها. ويستعمله الشارع في عدم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

وسمى من لم يؤمن بما يجب الإيمان به بعد الدعوة إليه- كافرا، لأنه صار بجحوده لذلك الحق وعدم الإذعان إليه كالمغطى له.

والمراد بالذين كفروا في الآية التي معنا، طائفة معينة صمت آذانها عن الحق، عنادا وحسدا، وليس عموم الكافرين، لأن منهم من دخل في الإسلام بعد نزول هذه الآية.

(1) تفسير الكشاف ج 1 ص 46.

ص: 48

وسواء: اسم مصدر بمعنى الاستواء والمراد به اسم الفاعل أى: مستو ولذلك يوصف به كما يوصف بالمصدر، كما في قوله- تعالى-:

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ.

أى: مستوية.

والإنذار: إخبار معه تخويف في مدة تتسع للتحفظ من المخوف، فإن لم تتسع له فهو إعلام وإشعار لا إنذار، وأكثر ما يستعمل في القرآن في التخويف من عذاب الله- تعالى-.

والمعنى: إن الذين كفروا برسالتك يا محمد مستو عندهم إنذارك وعدمه، فهم لا يؤمنون بالحق، ولا يستجيبون لداعي الهدى، لسوء استعدادهم، وفساد فطرهم.

وجاءت جملة «إن الذين كفروا: مستأنفة ولم تعطف على ما قبلها لاختلاف الغرض الذي سيق له الكلام، إذ في الجمل السابقة حديث عن الكتاب وآثاره وعظمته، وهنا حديث عن الكافرين وأحوالهم.

وقد وضح هذا المعنى صاحب الكشاف فقال: «فإن قلت لم قطعت قصة الكفار عن قصة المؤمنين ولم تعطف كنحو قوله: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ. وغيره من الآيات الكثيرة؟ قلت: ليس وزان هاتين القصتين وزان ما ذكرت. لأن الأولى فيما نحن فيه مسوقة لذكر الكتاب وأنه هدى المتقين، وسيقت الثانية لأن الكفار من صفتهم كيت وكيت فبين الجملتين تباين في الغرض والأسلوب، وهما على حد لا مجال فيه للعاطف» .

وقوله سَواءٌ خبر إن وعَلَيْهِمْ متعلق به، وأَ أَنْذَرْتَهُمْ مؤول بمصدر فاعل سواء.

أى: إن الذين كفروا سواء عندهم إنذارهم وعدم إنذارهم وإنما استوى لديهم الإنذار وعدمه مع أن الإنذار إنما يواجههم به نبي قوى أمين مؤيد من الله- تعالى-، لأنهم لما جحدوا نعم الله، وعموا عن آياته، وحسدوا رسوله على ما آتاه الله من فضله، صاروا بسبب ذلك في حضيض جمد معه شعورهم، وبرد فيه إحساسهم، فلا تؤثر فيهم موجعات القول، ولا تنفذ إلى قلوبهم بالغات الحجج. فهم كما قال الشاعر:

لقد أسمعت إذ ناديت حيا

ولكن لا حياة لمن تنادى

ولم يذكر- سبحانه- التبشير مع الإنذار، لأنهم ليسوا أهلا للبشارة، ولأن الإنذار أوقع في القلوب، والذي لا يتأثر به يكون عدم تأثره بغيره أولى.

ولم يقل- سبحانه- سواء عليك أأنذرتهم أم لم تنذرهم.. إلخ، لأنه بالنسبة له صلى الله عليه وسلم لا يستوي الأمران، إذ هو في حالة إنذاره لهم مثاب ومأجور، أما في حالة عدم إنذاره فهو

ص: 49

مؤاخذ من الله- تعالى- لأنه مكلف بتبليغ ما أنزل إليه من ربه.

وجملة لا يُؤْمِنُونَ مفسرة لمعنى الجملة التي قبلها ومؤكدة لها، لأنه حيث كان الإنذار وعدمه سواء، فلا يتوقع منهم الإيمان. ولذلك فصلت.

وفي هذه الجملة إخبار بعدم إيمانهم ألبتة، وذلك لأن حرف «لا» إذا دخل على الفعل المضارع- كما هنا- أفاد أن الفعل لا يقع في المستقبل حتى تقوم قرينة تقصر النفي في المستقبل على وقت محدد.

والحكمة في الإخبار بعدم إيمان هذه الطائفة المعينة من الكفار، تسلية النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون في صدره حرج من تمردهم وعدم إيمانهم بعد أن قام بواجب دعوتهم، وفي ذلك تذكرة لكل داع مصلح بأن لا يحترق قلبه أسفا على قوم أعرضوا عن سلوك الصراط المستقيم بعد أن دعاهم إليه، وبذل قصارى جهده في تبصيرهم وإرشادهم.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك الموانع التي حالت بينهم وبين الاهتداء إلى الحق في الماضي والمستقبل فقال تعالى:

خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ، وَعَلى سَمْعِهِمْ، وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ.

والختم: الوسم بطابع ونحوه، مأخوذ من وضع الخاتم على الشيء وطبعه فيه للاستيثاق، لكي لا يخرج منه ما هو بداخله، ولا يدخله ما هو خارج عنه.

قال القرطبي: «والختم مصدر ختمت الشيء ختما فهو مختوم مختم، شدد للمبالغة، ومعناه التغطية على الشيء والاستيثاق منه، وقد يكون محسوسا كما في ختم الكتاب والباب، وقد يكون معنويا كالختم على القلوب

» «1»

والقلوب: جمع قلب، وهو المضغة التي توجد بالجانب الأيسر من صدر الإنسان، ويستعمل في القوة العاقلة التي هي محل الفهم والعلم.

والسمع: مصدر سمع. ويطلق على الآلة التي يقع بها السمع.

ولما كان الختم يمنع من أن يدخل في المختوم عليه شيء، استعير لإحداث هيئة في القلب والسمع تمنع من خلوص الحق إليهما.

الأبصار: جمع بصر، وهو في الأصل الإدراك بالعين، ويطلق على القوة التي يقع بها الإبصار، وعلى العين نفسها. وهذا المعنى أقرب ما تحمل عليه الأبصار في الآية. وهو الأنسب

(1) تفسير القرطبي ج 1 ص 186.

ص: 50

لأن تجعل عليه غشاوة. ومفاد الآية أن تصير أبصارهم بحيث لا تهتدى إلى النظر في حكمة المخلوقات وعجائب المصنوعات. باعتبار وتدبر وحتى لكأنما جعلت عليها غشاوة.

والغشاوة: ما يغطى به الشيء، من غشاه إذا غطاه. يقال:

غشيه غشاوة- مثلثة- وغشاية. أى: ستره وغطاه.

فهذه الآية الكريمة تفيد عن طريق الاستعارة أو التمثيل أن هناك حواجز حصينة، وأقفالا متينة قد ضربت على قلوبهم وعلى أسماعهم، وغشاوات مطبقة على أبصارهم حتى أصبحوا لا يخيفهم نذير ولا يرغبهم بشير.

وعبر في جانب القلب والسمع بالختم، وفي جانب البصر بالغشاوة، لمعنى سام، وحكمة رائعة، ذلك أن آفة البصر معروفة، إذ غشاوة العين معروفة لنا، فالتعبير في جانب العين بالغشاوة مما يحدد لنا مدى عجزهم عن إدراك آيات الله بتلك الجارحة، وأما القلب والسمع فإنهما لما كانا لا تدرك آفتهما إلا بصعوبة، فقد صور لنا موانعهما عن الاستجابة للحق بصورة الختم.

وعبر في جانب القلب والسمع بجملة فعلية تفيد التجدد والحدوث، وفي جانب البصر بجملة اسمية تفيد الثبات والاستقرار، لأنهم قبل الرسالة ما كانوا يسمعون صوت نذير، ولا يواجهون بحجة، وإنما كان صوت النذير وصياغة البراهين بعد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ما يدرك بالبصر من دلائل وجود الله وآيات قدرته، فقد كان قائما في السماوات وفي الأرض وفي الأنفس، ويصح أن يدرك قبل الرسالة النبوية، وأن يستدل به المتبصرون والمتدبرون على وجود ربهم وحكمته، فلم يكن عماهم عن آيات الله القائمة حادثا متجددا، بل هم قد صحبهم العمى من بدء وجودهم، فلما دعوا إلى التبصر والتدبر صمموا على ما كانوا عليه من عمى، وجمع القلوب والأبصار وأفرد السمع، لأن القلوب تختلف باختلاف مقدار ما تفهمه مما يلقى إليها من إنذار أو تبشير، ومن حجة أو دليل، فكان عن ذلك تعدد القلوب بتعدد الناس على حسب استعدادهم، وكذلك شأن الناس فيما تنظره أبصارهم من آيات الله في كونه، فإن أنظارهم تختلف في عمق تدبرها وضحولته، فكان من ذلك تعدد المبصرين بتعدد مقادير ما يستطيعون تدبره من آيات الله في الآفاق. وأما المسموع فهو بالنسبة للناس جميعا شيء واحد هي الحجة يناديهم بها المرسلون، والدليل يوضحه لهم النبيون.

لذلك كان الناس جميعا كأنهم على سمع واحد، فكان إفراد السمع إيذانا من الله بأن حجته واحدة، ودليله واحد لا يتعدد.

ص: 51

ونرى القرآن هنا قدم القلب في الذكر على السمع، بينما في سورة الجاثية قدم السمع في الذكر على القلب فقال:

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ، وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ.

وذلك لأنه- سبحانه- في سورة الجاثية قد ذكر الختم معطوفا على قوله «اتخذ إلهه هواه، ومن اتخذ إلهه هواه يكون أول ما يبدو منه للناس ويعرف هو إعراضه عن النصح، ولى رأسه عن استماع الحجة، فكان مظهر عدم السماع منه أول ما يبدو للناظرين، فلذلك قدم السمع على القلب.

وأما آيتنا هذه وهي قوله- تعالى- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ فقد جاءت إثر الآية المختومة بقوله لا يُؤْمِنُونَ. والإيمان تصديق يقوم على الحجة والبراهين، وإدراك الحجة والبرهان إنما هو بالقلب فكان التعليل المتصل الواضح لنفى الإيمان أن قلوبهم مغلقة لا تنفذ إليها الحجة، أولا يتسرب إليها نور البرهان لذلك قدم القلب على السمع.

هذا وقوله- تعالى- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ.. إلخ. لا ينفى عنهم تبعة الكفر، لأنهم هم الذين باشروا من فاسد الأعمال، وذميم الخصال، ومتابعة الهوى، ما نسج على قلوبهم الأغلفة السميكة، وأصم إلى جانب ذلك آذانهم وأعمى أبصارهم، ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

ولعلماء الكلام كلام طويل حول هذه المسألة فليرجع إليه من شاء.

ثم بين- سبحانه- ما يستحقونه من عذاب بسبب إغراقهم في الكفر. واستحبابهم للمعاصي فقال:

وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.

أى: ولهم بسبب سوء أعمالهم عذاب موجع مؤلم لأبدانهم وأجسامهم.

وأصل العذاب: المنع، يقال: عذب الفرس- كضرب- امتنع عن العلف. وعذب الرجل إذا ترك المأكل والنوم، فهو عاذب وعذوب. ثم أطلق على الإيجاع الشديد لما فيه من المنع عن اقتراف الذنب. والعظيم: الكبير، من عظم الشيء، وأصله كبر عظمه، ثم استعير لكل كبير محسوسا كان أو معقولا.

ووصف العذاب بالعظيم على معنى أن سائر ما يجانسه من العذاب يكون بالنسبة إليه حقيرا هينا.

ص: 52