الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم بين- سبحانه- أنه عليم بما ينفقه المنفقون من صدقات سواء أكانت سرا أو جهرا وسيجازيهم عليها بما يستحقون من ثواب فقال- تعالى-:
[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
النفقة: هي العطاء العاجل في باب من أبواب الخير. أما النذر: فهو التزام قربة من القربات أو صدقة من الصدقات بأن يقول: لله على نذر أن أفعل كذا من أنواع البر. أو إن شفى الله مريضى فسأفعل كذا.
والمعنى: وما أنفقتم- أيها المؤمنون- من نفقة عاجلة قليلة أو كثيرة، أو التزمتم بنفقة مستقبلة وعاهدتم الله- تعالى- على القيام بها، فإنه- سبحانه- يعلم كل شيء، ويعلم ما صاحب نياتكم من إخلاص أو رياء، ويعلم ما أنفقتموه أهو من جيد أموالكم أم من رديئها، وسيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. فالآية الكريمة بيان لحكم كلى شامل لجميع أفراد النفقات إثر بيان حكم ما كان منها في سبيل الله- تعالى- وما في قوله: وَما أَنْفَقْتُمْ شرطية أو موصولة والفاء في قوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ رابطة لجواب الشرط إذا اعتبرنا ما شرطية، ومزيدة في الخير إذا اعتبرناها موصولة ومِنْ في قوله: مِنْ نَفَقَةٍ بيانية أو زائدة.
وقوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ كناية عن الجزاء عليه، لأن علم الله- تعالى- بالكائنات لا يشك فيه السامعون، فأريد لازم معناه وهو الجزاء. وإنما كان لازما له لأن القادر لا يصده عن الجزاء إلا عدم العلم بما يفعله المحسن أو المسيء.
وهذه الجملة الكريمة مع إيجازها قد أفادت الوعد العظيم للمطيعين والوعيد الشديد للمتمردين، لأن الإنسان إذا أيقن أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية من شئون خلقه، فإن هذا اليقين سيحمله على الطاعة والإخلاص، وسيحضه على المسارعة في الخيرات، خصوصا وإن
الجملة قد صدرت بإن المؤكدة، وتليت بلفظ الجلالة الدال على الاستحقاق الكامل للألوهية.
قال بعضهم: وإنما قال- سبحانه-: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ولم يقل يعلمها لوجهين:
الأول: أن الضمير عائد إلى الأخير- وهو النذر-، كما في قوله- تعالى-: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً.
والثاني: أن الكناية عادت إلى ما في قوله: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ لأنها اسم كقوله:
وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ «1» .
وقوله: وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ وعيد شديد للخارجين على طاعة الله أى: ليس للظالمين أى نصير أو مغيث يمنع عقوبة الله عنهم.
والمراد بالظالمين: الواضعون للأشياء في غير موضعها التي يجب أن توضع فيها، والتاركون لما أمرهم الله به، فيندرج فيهم الذين يبطلون صدقاتهم بالمن والأذى والرياء والذين يتصدقون بالرديء من أموالهم، والذين ينفقون أموالهم في الوجوه التي نهى الله عنها، والذين لم يوفوا بنذورهم التي عاهدوا الله على الوفاء بها كما يندرج فيهم كل من ارتكب ما نهى الله عنه أو أهمل فيما كلفه الله به.
ثم بين- سبحانه- أن الصدقة متى صدرت عن المسلّم بالطريقة التي دعت إليها تعاليم الإسلام فإنها تكون مرجوة القبول عند الله- تعالى- سواء أفعلها المسلّم في السر أم في العلن، فقال- تعالى-: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
الصدقات: جمع صدقة وهي ما يخرجه المسلّم من ماله على جهة القربة، وتشمل الفرض والتطوع، وهي مأخوذة من الصدق بمعنى صدق النية وتخليصها من كل ما نهى الله عنه، وسمى- سبحانه- ما يخرجه المسلّم من ماله صدقة لأن المال بها يزكو وينمو يطهر.
والفاء في قوله: فَنِعِمَّا هِيَ واقعة في جواب الشرط، وفَنِعِمَّا أصلها نعم ما، فأدغمت إحدى الميمين في الأخرى، ونعم فعل ماض، وما نكرة تامة بمعنى شيء، وهي منصوبة على أنها تمييز، والفاعل ضمير مستتر في نعم.
والمعنى: إن تبدو صدقاتكم- أيها المؤمنون- وتظهروها فنعم شيئا إبداؤها وإعلانها، لأنه يرفع التهمة ويدعو أهل الخير إلى الاقتداء بهذا الفعل الحسن.
(1) تفسير الفخر الرازي ج 7 ص 74.