الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد أن عدد القرآن مساوئ أولئك الضالين، وبين سوء مصيرهم، ومآلهم، وجه إليهم الإنكار والتوبيخ فخاطبهم بقوله:
[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
كَيْفَ اسم استفهام للسؤال عن الأحوال، وليس المراد به هنا استعلام المخاطبين عن حال كفرهم، وإنما المراد منه معنى تكثر تأديته في صورة الاستفهام وهو الإنكار والتوبيخ، كما تقول لشخص: كيف تؤذى أباك وقد رباك؟ لا تقصد إلا أن تنكر عليه أذيته لأبيه وتوبيخه عليها.
وفي الآية الكريمة التفات من الغيبة إلى الخطاب لزيادة تقريعهم والتعجب من أحوالهم الغريبة، لأنهم معهم ما يدعو إلى الإيمان ومع ذلك فهم منصرفون إلى الكفر.
وقوله: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ جار مجرى التنبيه على أن كفرهم ناشئ عن جهل وعدم تأمل في أدلة الإيمان القائمة أمام أعينهم.
والأموات: جمع ميت بمعنى المعدوم. والإحياء: بمعنى الخلق.
والمعنى: كيف تكفرون بالله وحالكم أنكم كنتم معدومين فخلقكم، وأخرجكم إلى الوجود كما قال- تعالى-:
هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً.
ويصح أن يفسر الأموات بمعنى فاقدى الحياة. والإحياء بنفخ الروح فيهم فيكون المعنى:
وكنتم أمواتا يوم استقراركم نطفا في الأرحام إلى تمام الأطوار بعدها، فنفخ فيكم الأرواح وأصبحتم في طور إحساس وحركة وتفكير وبيان.
وبعد أن وبخهم على كفرهم بمن أخرجهم من الموت إلى الحياة، أورد جملا لاستيفاء الأطوار التي ينتقل فيها الإنسان من مبدأ الحياة إلى مقره الخالد في دار نعيم أو عذاب فقال: ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ
بقبض أرواحكم عند انقضاء آجالكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ يبعثكم بعد الموت ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
أى تصيرون إليه دون سواه، فيجمعكم في المحشر ويتولى حسابكم، والحكم في أمركم بمقتضى عدله فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
أما الإماتة فهم يشاهدونها بأعينهم بين الحين والحين، وأما البعث فقد أخبر الله عنه بما يدل على صحته وينفى استبعاده، أو استحالته، بأدلة عقلية ونقلية كثيرة، أما الأدلة العقلية، فمنها: أن الذي قدر على إحيائهم من العدم، قادر على إحيائهم وإعادتهم بعد موتهم فإن الإعادة أهون من البدء دائما، وأما الأدلة النقلية، فمنها قوله- تعالى-:
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ.
وفي قوله- تعالى- ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ترهيب لمن ينزع إلى الشر، ويرتكب المعاصي من غير مبالاة، وترغيب لمن يقبل على فعل الخير، ويقدم على الطاعات.
وبعد أن ذكر- سبحانه- ما يشهد بقدرته ووحدانيته عن طريق الأدلة المتعلقة بذوات المكلفين، أردف ذلك بالكلام عن الأدلة الكونية فقال تعالى:
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً.
أى: أنه خلق جميع ما في الأرض من نحو الحيوان والنبات والمعادن والجبال من أجلكم، فهو المنعم عليكم لتنتفعوا بها في دنياكم، وتستعينوا بها على طاعته.
وقد أخذ العلماء من هذه الآية شاهدا على أن الأشياء التي فيها منافع مأذون فيها حتى يقوم دليل على حرمتها.
ثم استدل- سبحانه- على مظاهر قدرته بخلق السموات فقال:
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 1 ص 35.