المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدّمة

- ‌سورة الفاتحة

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 50]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 62]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 83]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 86]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 99 الى 100]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 105]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 109]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 113]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 114]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 118]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 121]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 134]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 145 الى 150]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 187]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 189]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 207]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 213]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 248 الى 249]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 253]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 256]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 258]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 262]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 265]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 274]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 283]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 284]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 285 الى 286]

- ‌الفهرس

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260]

الحق. ولا يلهمهم حجة ولا برهانا. بسبب ظلمهم وطغيانهم وإيثارهم طريق الشيطان على طريق الرحمن.

وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد حكت للناس لونا من ألوان رعاية الله لأوليائه وخذلانه لأعدائه لكي يكون في ذلك عبرة وعظة لقوم يعقلون.

ثم ساقت السورة الكريمة قصتين تدلان أبلغ دلالة على قدرة الله- تعالى- وعلى صحة البعث والنشور استمع إلى القرآن وهو يحكى هاتين القصتين بأسلوبه البليغ فيقول:

[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260]

أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ معطوف على سابقه- وهو

ص: 595

قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ والكاف اسمية بمعنى مثل معمولة لأرأيت محذوفا. أى أو أرأيت مثل الذي مر على قرية.. وحذف لدلالة أَلَمْ تَرَ عليه. وقيل: إن الكاف زائدة والتقدير: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم أو الذي مر على قرية.. وقيل: إن العطف هنا محمول على المعنى كأنه قيل: أرأيت شيئا عجيبا- كالذي حاج إبراهيم في ربه، أو كالذي مر على قرية» «1» .

والذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ قيل هو عزيز بن شرخيا، وقيل حزقيال بن بوزى وقيل غير ذلك، والقرية قيل المراد بها بيت المقدس وكان قد خربها «بختنصر» البابلي.. والقرآن الكريم لم يهتم بتحديد الأشخاص والأماكن لأنه يقصد العبرة وبيان الحال والشأن. وجملة وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها في موضع الحال من الضمير المستتر في مَرَّ والواو رابطة بين الجملة الحالية وبين صاحبها والإتيان بها واجب لخلو الجملة من ضمير يعود على صاحبها وقيل هي حال من قرية، وسوغ إتيان الحال منها مع كونها نكرة وقوعها بعد الاستفهام المقدر وهو أرأيت ومعنى وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أن جدرانها ساقطة على سقوفها، أى أن الخراب قد عمها والدمار قد نزل بها، فأصبحت خالية من أهلها وفارغة ممن كان يعمرها وأصل الخواء الخلو. يقال خوت الدار وخربت تخوى خواء إذا سقطت وخلت.

والعروش جمع عرش وهو سقف البيت ويسمى العريش، وكل شيء يهيأ ليظل أو يكنّ فهو عريش وعرش.

وقوله- تعالى-: قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها حكاية لما قاله ذلك الذي مر على تلك القرية ورأى فيها ما رأى من مظاهر الخراب والدمار والمعنى: أو أرأيت مثل الذي مر على قرية وهي ساقطة حيطانها على سقوفها، وفارغة ممن كان يسكنها، فهاله أمرها، وراعه شأنها، وقال على سبيل التعجب كيف يحيى الله هذه القرية بعد موتها، بأن يعيد إليها العمران بعد الخراب، ويجعلها عامرة بسكانها الذين خلت منهم. فقوله: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ بمعنى كيف فتكون منصوبة على الحالية من اسم الإشارة ويجوز أن تكون أَنَّى هنا بمعنى متى أى: متى يحيى الله هذه القرية بعد موتها فتكون منصوبة على الظرفية.

وقال القرطبي: قوله: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها معناه من أى طريق وبأى سبب، وظاهر اللفظ السؤال عن إحياء القرية بعمارة وسكان، كما يقال الآن في المدن الخربة يبعد أن تعمر وتسكن أى: أنى تعمر هذه بعد خرابها. فكأن هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها أهله وأحبته» «2» .

(1) تفسير الآلوسى ج 3 ص 19.

(2)

تفسير القرطبي ج 3 صفحة 299.

ص: 596

وقوله هذا إنما هو تساؤل عن كيفية الإعادة لا عن أصل الإعادة لأنه كان مؤمنا بالبعث والنشور، إلا أنه لما رأى حال القرية على تلك الصورة من الخراب تعجب من قدرة الله على إحيائها، وتشوق إلى عمارتها واعترف بالعجز عن معرفة طريق الإحياء. فماذا كانت نتيجة هذا التساؤل؟ كانت نتيجته كما حكاها القرآن: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.

أى: بعد أن قال هذا الذي مر على تلك القرية الخاوية على عروشها ما قال، ألبثه الله- تعالى- في الموت مائة عام ثُمَّ بَعَثَهُ أى أحياه ببعث روحه إلى بدنه قالَ كَمْ لَبِثْتَ أى كم مدة من الزمان لبثتها على هذه الحال؟ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.

وقال- سبحانه-: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ولم يقل ثم أحياه، للدلالة على أنه عاد كهيئته يوم مات عاقلا فاهما مستعدا للنظر والاستدلال وكان ذلك بعد عمارة القرية وللإشهار بسرعته وسهولة تأتيه على الباري- سبحانه-.

قال ابن كثير: كان أول شيء أحيا الله فيه عينيه لينظر بهما إلى صنع الله فيه كيف يحيى بدنه فلما استقل سويا قال الله له بواسطة الملك كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وذلك أنه مات أول النهار ثم بعثه الله في آخر النهار فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم فقال: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ «1» .

وقوله: قالَ كَمْ لَبِثْتَ استئناف مبنى على سؤال كأنه قيل: فماذا قال له بعد بعثه؟

فقيل: قال كم لبثت ليظهر له العجز عن الإحاطة بشئون الله- تعالى- على أتم وجه وتنحسم مادة استبعاده بالمرة.

وكم منصوبة على الظرفية ومميزها محذوف والتقدير كم يوما أو وقتا والناصب لها قوله:

لَبِثْتَ.

وفي هذه الجملة الكريمة بيان للناس بأن الموت يشبه النوم، وأن البعث يشبه اليقظة بعده وأنه لا شيء محال على الله- تعالى- فهو القائل: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ.

وفي الحديث الشريف: والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا، وإنها لجنة أبدا، أو لنار أبدا» .

وقوله- تعالى-: قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ معطوف على مقدر، أى: ليس الأمر كما قلت إنك لبثت يوما أو بعض يوم بل إنك لبثت مائة عام ثم أرشده- سبحانه- إلى التأمل في أمور

(1) تفسير ابن كثير ج 1 صفحة 314.

ص: 597

فيها أبلغ دلالة على قدرة الله تعالى وعلى صحة البعث فقال- سبحانه-: فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ، وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً.

قوله: لَمْ يَتَسَنَّهْ أى لم يتغير بمرور السنين الطويلة ولم تذهب طراوته فكأنه لم تمر عليه السنون ولفظ يتسنه: مشتق من السنة، والهاء فيه أصلية إذا قدر لام سنة هاء، وأصلها سنهة لتصغيرها على سنيهة وجمعها على سنهات كسجدة وسجدات، ولقولهم: سانهته إذا عاملته سنة فسنة، وتسنه عند القوم إذا أقام فيهم سنة. أو الهاء للوقف نحو كتابيه وجزمه بحذف حرف العلة إذا قدر لام سنه واوا، وأصلها سنوه لتصغيرها على سنية وجمعها على سنوات.

وقوله: نُنْشِزُها أى نرفعها. يقال: أنشز الشيء إذا رفعه من مكانه. وأصله من النشز- بفتحتين وبالسكون- وهو المكان المرتفع. وقرئ ننشرها- بضم النون والراء- أى نحييها من أنشر الله الموتى أى أحياهم. والمعنى: قال الله- تعالى- لهذا الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها إنك لم تلبث يوما أو بعض يوم في الموت كما تظن بل لبثت مائة عام فإن كنت في شك من ذلك فانظر إلى طعامك وشرابك لتشاهد أمرا آخر من دلائل قدرتنا فإن هذا الطعام والشراب كما ترى لم يتغير بمرور السنين وكر الأعوام بل بقي على حالته. وانظر إلى حمارك كيف نخرت عظامه، وتفرقت أوصاله مما يشهد بأنه قد مرت عليه السنوات الطويلة.

وقوله: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ معطوف على محذوف متعلق بفعل مقدر قبله بطريق الاستئناف مقرر لمضمون ما سبق، والتقدير: فعلنا ما فعلنا لترى وتشاهد بنفسك مظاهر قدرة الله، ولنجعلك آية معجزة ودليلا على صحة البعث وقوله: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً أى انظر وتأمل في هذه العظام كيف نركب بعضها في بعض بعد أن نوجدها.

وقيل المعنى: وانظر إلى العظام أى عظام حمارك التي تفرقت وتناثرت لتشاهد كيف نرفعها من الأرض فنردها إلى أماكنها في جسده.

قال ابن كثير: قال السدى وغيره: تفرقت عظام حماره يمينا وشمالا حوله فنظر إليها وهي تلوح من بياضها، فبعث الله ريحا فجمعتها من كل موضع، ثم ركب كل عظم في موضعه، وذلك كله بمرأى من العزير» «1» .

وجاء الضمير في قوله: لَمْ يَتَسَنَّهْ بالإفراد مع أن المتقدم طعام وشراب، لأنهما متلازمان

(1) تفسير ابن كثير ج 1 ص 314.

ص: 598

بمعنى أن أحدهما لا يكتفى به عن الآخر فصارا بمنزلة شيء واحد، فكأنه قال: انظر إلى غذائك.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أى:

فلما تبين له بالأدلة الناصعة، وبالمشاهدة الحسية قدرة الله- تعالى- على الإحياء والإماتة، وعلى البعث والنشور قال أعلم أى أستيقن وأومن وأعتقد أن الله- تعالى- على كل شيء قدير، وأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء. والفاء في قوله: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ

عاطفة على مقدر يستدعيه المقام فكأنه قيل: رفع الله العظام من أماكنها وأكساها لحما فلما تبين له ذلك، وتيقنه قال أعلم أن الله على كل شيء قدير. وفاعل تَبَيَّنَ مضمر يفسره سياق الكلام والتقدير: فلما تبين له كيفية الإحياء أو فلما تبين له ما أشكل عليه من أمر إحياء الموتى قال أعلم أن الله على كل شيء قدير.

تلك هي القصة الأولى التي ساقها الله- تعالى كدليل على قدرته وعلى صحة البعث والنشور. أما القصة الثانية التي تؤكد هذا المعنى فقد حكاها القرآن في قوله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى أى: واذكر أيها العاقل لتعتبر وتتعظ وقت أن قال إبراهيم- عليه السلام مخاطبا خالقه- سبحانه-: رب أرنى بعيني كيف تعيد الحياة إلى الموتى.

وفي قوله: (رب) تصريح بكمال أدبه مع خالقه- عز وجل فهو قبل أن يدعوه يستعطفه ويعترف له بالربوبية الحقة، والألوهية التامة، ويلتمس منه معرفة كيفية إحياء الموتى، فهو لا يشك في قدرة الله ولا في صحة البعث- وحاشاه أن يفعل ذلك- فهو رسول من أولى العزم من الرسل، وإنما هو يريد أن ينتقل من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين، ومن مرتبة البرهان إلى مرتبة العيان، فإن العيان يغرس في القلب أسمى وأقوى ألوان المعرفة والاطمئنان.

وقد ذكر المفسرون لسؤال إبراهيم- عليه السلام أسبابا منها: أنه لما قال للنمرود رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ أحب أن يترقى بأن يرى ذلك مشاهدة. وقد أجاب الخالق- عز وجل على طلب إبراهيم بقوله: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ أى: أتقول ذلك وتطلبه ولم تؤمن بأنى قادر على الإحياء وعلى كل شيء؟

فالجملة الكريمة استئناف مبنى على السؤال، وهي معطوفة على مقدر، والاستفهام للتقرير.

وهنا يحكى القرآن جواب إبراهيم على خالقه- عز وجل فيقول: قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. أى قال إبراهيم في الرد على سؤال ربه له أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ بلى يا رب آمنت بك وبقدرتك وبوحدانيتك إيمانا صادقا كاملا، ولكني سألت هذا السؤال ليزداد قلبي سكونا واطمئنانا وإيمانا لأن من شأن المشاهدة أن تغرس في القلب سكونا واطمئنانا أشد، وإيمانا

ص: 599

أقوى، وأنا في جميع أحوالى مؤمن كل الإيمان بقدرتك ووحدانيتك يا رب العالمين.

قال القرطبي ما ملخصه: لم يكن إبراهيم شاكا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به، ولهذا جاء في الحديث (ليس الخبر كالمعاينة)، قال الأخفش: لم يرد إبراهيم رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين. وقال الحسين:

سأل ليزداد يقينا إلى يقينه.

وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بالشك من إبراهيم فمعناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق بالشك منه، ونحن لا نشك فإبراهيم- عليه السلام أحرى ألا يشك، فالحديث مبنى على نفى الشك عن إبراهيم.. وإذا تأملت سؤاله- عليه السلام وسائر ألفاظه الآتية لم تعط شكا، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول، وكيف هنا إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء والإحياء متقرر، - فسؤال إبراهيم إنما هو عن الكيفية لا عن أصل القضية..» «1» .

وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قال له أَوَلَمْ تُؤْمِنْ وقد علم أنه أثبت الناس إيمانا؟ قلت: ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين. وبَلى إيجاب لما بعد النفي معناه: بلى آمنت. وقوله: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أى ليزداد سكونا وطمأنينة بمضامة علم الضرورة- أى علم المشاهدة- إلى علم الاستدلال الذي يجوز معه التشكيك بخلاف العلم الضروري، فأراد بطمأنينة القلب العلم الذي لا مجال فيه للتشكيك. فإن قلت: بم تعلقت اللام في قوله: لِيَطْمَئِنَّ قلت بمحذوف تقديره: ولكن سألت ذلك إرادة طمأنينة القلب» «2» .

ثم حكى القرآن بعد ذلك ما كان من جواب الخالق- عز وجل على نبيه إبراهيم فقال:

قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ، ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً.

قوله: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أى فاضممهن إليك- قرئ بضم الصاد وكسرها وتخفيف الراء- يقال: صاره يصوره ويصيره، أى أماله وضمه إليه. ويقال- أيضا صار الشيء بمعنى قطعه وفصله والمعنى: قال الله- تعالى- لإبراهيم: إذا أردت معرفة ما سألت عنه فخذ أربعة من الطير فاضممهن إليك لتتأملهن وتعرف أشكالهن وهيئاتهن كيلا تلتبس عليك بعد الإحياء، ثم اذبحهن وجزئهن أجزاء ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً أى ثم اجعل على كل مكان

(1) تفسير القرطبي ج 3 ص 297.

(2)

تفسير الكشاف ج 1 ص 308.

ص: 600

مرتفع من الأرض جزءا من كل طائر من تلك الطيور ثم نادهن يأتينك مسرعات إليك. والفاء في قوله فَخُذْ هي التي تسمى بالفاء الفصيحة لأنها تفصح عن شرط مقدر أى: إذا أردت ذلك فخذ..

وقوله: مِنَ الطَّيْرِ متعلق بمحذوف صفة لأربعة أى فخذ أربعة كائنة من الطير، أو متعلق بقوله فَخُذْ أى خذ من الطير. والطير اسم جمع- كركب وسفر- وقيل هو جمع طائر مثل تاجر وتجر. قالوا: وهذه الطيور الأربعة هي الطاوس والنسر والغراب والديك.

ومما قالوه في اختيار الطير لهذه الحالة: أن الطير من صفاته الطيران، وأنه لا يستأنس بالإنسان بل يطير بمجرد رؤيته، ولسهولة تأتى ما يفعل به من التجزئة والتفرقة.

وقوله: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً معطوف على محذوف دل عليه قوله:

جُزْءاً لأن تجزئتهن إنما تقع بعد الذبح والتقدير: فاذبحهن ثم اجعل.. إلخ. وقوله: ثُمَّ ادْعُهُنَّ أى قل لهن تعالين بإذن الله.

وقوله يَأْتِينَكَ جواب الأمر فهو في محل جزم، سَعْياً منصوب على المصدر النوعي، لأن السعى نوع من الإتيان فكأنه قيل: يأتينك إتيانا سريعا:

قال الفخر الرازي: أجمع أهل التفسير على أن المراد بالآية: قطعهن، وأن إبراهيم قطع أعضاءها ولحومها وريشها ودماءها وخلط بعضها ببعض- وفعل كما أمره الله، ثم قال لهن تعالين بإذن الله فأقبلن مسرعات إليه بعد أن انضم كل جزء إلى أصله- ثم قال: ولكن أبا مسلّم أنكر ذلك وقال: إن إبراهيم لما طلب إحياء الميت من الله- تعالى- أراه الله مثالا قرب به الأمر عليه، والمراد بصرهن إليك: الإمالة والتمرين على الإجابة. أى: فعود الطيور الأربعة أن تصير بحيث إذا دعوتها أجابتك وأتتك، فإذا صارت كذلك فاجعل على كل جبل واحدا حال حياته، ثم ادعهن يأتينك سعيا، والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة..» «1» .

والذي يطمئن إليه القلب هو رأى الجمهور لأن الآية مسوقة لتحقيق معجزة تجرى على يد إبراهيم وهي إحياء الموتى بالمشاهدة كما جرى إحياء الرجل الذي أماته الله مائة عام والذي جاء ذكره في الآية السابقة، ولأن ظاهر الآية صريح في أنه حصل تقطيع لأجزاء الطير ثم وضع كل جزء منها على مرتفع من الأرض، وما دام الأمر كذلك فلا يجوز حمل المعنى على غير هذا الظاهر، كما لا يجوز تحميل الألفاظ ما لا تحتمله. وما ذهب إليه أبو مسلّم هو قول بلا دليل فضلا عن مخالفته لما عليه إجماع المفسرين.

(1) تفسير الفخر الرازي ج 7 ص 44.

ص: 601