الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت هذه الكلمة وحدها بمثابة حركة تطويق للخصم تمت خطوة واحدة، وفي غير ما جلبة ولا طنطنة.
ولما قضى وطر النفس من هذا الجانب المطوى الذي ساقه مساق الاعتراض والاستطراد، استوى إلى الرد على المقصد الأصلى الذي تبجحوا بإعلانه والافتخار به، وهو دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم، فأوسعهم إكذابا وتفنيدا. وبين أن داء الجحود فيهم داء قديم، قد أشربوه في قلوبهم ومضت عليه القرون حتى أصبح مرضا مزمنا وأن الذي أتوه اليوم من الكفر بما أنزل على محمد ما هو إلا حلقة متصلة بسلسلة كفرهم بما أنزل عليهم، وساق على ذلك الشواهد التاريخية المفظعة التي لا سبيل لإنكارها في جهلهم بالله، وانتهاكهم لحرمة أنبيائه، وتمردهم على أوامره قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
تأمل كيف أن هذا الانتقال كانت النفس قد استعدت له في آخر المرحلة السابقة، إذ يفهم السامع من تكذيبهم لما يصدق كتابهم أنهم صاروا مكذبين لكتابهم نفسه، وهل الذي يكذب من يصدقك يبقى مصدقا لك؟؟
…
ثم انظر بعد أن سجل القرآن على بنى إسرائيل أفحش الفحش وهو وضعهم البقر الذي هو مثل في البلادة موضع المعبود الأقدس، وبعد أن وصف قسوة قلوبهم في تأبيهم على أوامر الله مع حملهم عليها بالآيات الرهيبة. بعد كل ذلك تراه لا يزيد على أن يقول في أول الأمر: إن هذا «ظلم» ، وفي الثانية (بئسما) صنعتم، أذلك كل ما تقابل به هذه الشناعات؟ نعم إنهما كلمتان وافيتان بمقدار الجريمة لو فهمتا على وجههما، ولكن أين حدة الألم وحرارة الاندفاع في الانتقام؟
بل أين الإقذاع والتشنيع؟ وأين الإسراف والفجور الذي تراه في كلام الناس، إذا أحفظوا بالنيل من مقامهم.
تالله ما أعف هذه الخصومة وما أعز هذا الجناب، وأغناه عن شكر الشاكرين وكفر الكافرين، وتالله إن هذا الكلام لا يصدر عن نفس بشر» «1» .
ثم أمر الله- تعالى- نبيه «صلى الله عليه وسلم» أن يرد على اليهود في دعواهم أن الجنة لن يدخلها إلا من كان على ملتهم فقال- تعالى-:
[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96)
(1) عن كتاب النَّبَإِ الْعَظِيمِ من ص 114: ص 122 لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد عبد الله دراز.
ومعنى الآيات الكريمة إجمالا:
قل- يا محمد- لأولئك اليهود الذين ادعوا أن الجنة لن يدخلها إلا من كان هودا: إن كانت الجنة مختصة بكم، وسالمة لكم دون غيركم، وليس لأحد سواكم فيها حق. فتمنوا الموت إن كنتم صادقين في دعواكم، لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وأحب الوصول إليها.
ثم أخبر الله أن هذا التمني لن يحصل منهم فقال: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً أى الموت بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أى بسبب ما ارتكبوه من كفر ومعصية وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ الذين وضعوا الأمور في غير موضعها، فادعوا ما ليس لهم، ونفوه عمن هو لهم.
ثم أخبر القرآن بأن حرصهم على الحياة لا نظير له ولا مثيل فقال: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ متطاولة وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أى: وأحرص عليها- أيضا- من الذين أشركوا الذين لا يعرفون إلا الحياة الدنيا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ أى يتمنى الواحد من هؤلاء اليهود أن يعيش السنين الكثيرة ولو تجاوزت الحدود المعقولة لعمر الإنسان والحال أنه ما أحد منهم بمزحزحه ومنجيه تعميره من العذاب وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أى: لا يخفى عليه أعمالهم، فهو محاسبهم عليها، ومجازيهم بما يستحقونه من عقاب.
وقوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ رد على زعمهم الباطل أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا، والمراد بالدار الآخرة: الجنة ونعيمها، ومعنى «خالصة» سالمة لكم مختصة بكم، لا يشارككم فيها أحد من الناس.
قال الإمام ابن جرير: «يقال: خلص لي فلان بمعنى صار لي وحدي وصفا لي، ويقال منه خلص هذا الشيء، فهو يخلص خلوصا وخالصة، والخالصة مصدر مثل العافية..» «1» .
(1) تفسير ابن جرير ج 1 ص 426.
وقوله تعالى: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ التمني هو ارتياح النفس ورغبتها القوية في الشيء. بحيث توده وتحب المصير إليه، وهو يستعمل في المعنى القائم بالقلب كما بينا، ويستعمل في اللفظ الدال على هذا المعنى، كأن يقول الإنسان بلسانه، ليتني أحصل على كذا.
والاستعمال الثاني هو المراد بقوله تعالى: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أى اذكروا بألسنتكم لفظا يدل على أنكم تحبون الموت وترغبون فيه. وإنما قلنا إن ذلك هو المراد من الآية لأن المعنى الكائن بالقلب لا يعرفه أحد سوى الله- تعالى- والتحدي لا يقع بتحصيل المعاني القائمة بالضمائر والقلوب.
ومعنى الآية الكريمة. قل يا محمد لليهود: إن كانت الجنة خاصة بكم، ولا منازع لكم فيها ولا مزاحم كما تزعمون، فتمنوا الموت بألسنتكم لكي تظفروا بنعيمها الدائم، إن كنتم صادقين في دعواكم أنها خالصة لكم، وإلا فإنكم لا تكونون صادقين في دعواكم، إذ لا يعقل أن يرغب الإنسان عن السعادة المحضة الدائمة المضمونة له في الآخرة، إلى سعادة ممزوجة بالشقاء في الدنيا.
قال الإمام الرازي: (وبيان هذه الملازمة أن نعم الدنيا قليلة حقيرة بالقياس إلى نعم الآخرة. ثم إن نعم الدنيا على قلتها كانت منغصة عليهم بسبب ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ومنازعته معهم، بالجدال والقتال، ومن كان في النعم القليلة المنغصة. ثم تيقن أنه بعد الموت لا بد أن ينتقل إلى تلك النعم العظيمة، فإنه لا بد أن يكون راغبا في الموت، لأن تلك النعم العظيمة مطلوبة ولا سبيل إليها إلا بالموت وحيث كان الموت يتوقف عليه المطلوب وجب أن يكون هذا الإنسان راضيا بالموت متمنيا له، فثبت أن الدار الآخرة لو كانت خالصة لهم، لوجب أن يتمنوا الموت. ثم إن الله- تعالى- أخبر أنهم ما تمنوا الموت، بل لن يتمنوه أبدا، وحينئذ يلزم قطعا بطلان ادعائها في قولهم:«إن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس» «1» .
وتحديهم بتمني الموت يكون بأن يقولوا بألسنتهم ليتنا نموت، أو يقولوا ما في معنى هذه الكلمة كما أشرنا إلى ذلك سابقا، وهذا رأى جمهور المفسرين.
وروى عن ابن عباس- رضي الله عنهما أن ذلك يكون عن طريق المباهلة، بأن يحضروا مع المؤمنين في صعيد واحد، ثم يدعو الفريقان بالموت على الكاذب منهما.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح لأنه أقرب إلى موافقة اللفظ الذي نطقت به الآية وأقرب أيضا إلى معناها. إذ ليس في الآية إشارة ما إلى طلب المباهلة، والقرآن حينما دعا إليها نصارى
(1) تفسير الرازي ج 1 ص 433.
نجران، جاء اللفظ بها صريحا في قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ «1» .
ثم أخبر- سبحانه- بأن هؤلاء اليهود لن يتمنوا الموت أبدا بسبب ما فعلوا من شرور فقال تعالى: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
أى: لا يتمنى اليهود الموت أبدا بسبب ما قدمت أيديهم من آثام، والله- عز وجل لا تخفى عليه خافية من سيئاتهم واعتداءاتهم بل هو سيسجلها عليهم، ويجازيهم عليها الجزاء الذي يستحقونه، والآية الكريمة خبر من الله- تعالى- عن اليهود بأنهم يكرهون الموت، ويمتنعون عن الإجابة إلى ما دعوا إليه من تمنيه، لعلمهم بأنهم إن فعلوا فالموت نازل بهم، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخبرهم خبرا إلا كان حقا كما أخبر فهم يحذرون أن يتمنوا الموت، خوفا من أن يحل بهم عقاب الله بما كسبت أيديهم من الذنوب.
وقد صح من عدة طرق عن ابن عباس أنه قال: «لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه» .
وقال ابن جرير في تفسيره: «وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا» قال حدثنا بذلك أبو كريب، حدثنا زكريا بن عدى، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» .
وقال الإمام ابن كثير: ورواه الإمام أحمد عن إسماعيل بن يزيد الرقى حدثنا فرات عن عبد الكريم به» «3» .
وقال صاحب الكشاف: قوله: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً من المعجزات لأنه إخبار بالغيب وكان كما أخبر به، كقوله تعالى: وَلَنْ تَفْعَلُوا فإن قلت: ما أدراك أنهم لم يتمنوا الموت: قلت لو تمنوا لنقل ذلك عنهم كما نقلت سائر الحوادث، ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولى المطاعن في الإسلام أكثر من الذر وليس أحد منهم نقل عنه ذلك» «4» .
ويكفى في تحقيق هذه المعجزة، ألا يصدر تمنى الموت عن اليهود الذين تحداهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهم الذين كانوا يضعون العراقيل في طريق دعوته، ويصرون على جحود نبوته فلا يقدح في هذه المعجزة أن ينطق يهودي بعد العهد النبوي بتمني الموت وهو حريص على الحياة، لأن المعنيين بالتحدي هم اليهود المعاصرون للعهد النبوي.
(1) آل عمران الآية 61.
(2)
تفسير ابن جرير ج 1 ص 427.
(3)
تفسير ابن كثير ج 1 ص 427.
(4)
تفسير الكشاف ج 1 ص 225.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وارد مورد التهديد والوعيد لهم وكان اليهود ظالمين بسبب ما قدمت أيديهم وبسبب كونهم قد كذبوا على الله في دعواهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان منهم.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك بأن هؤلاء اليهود الذين يزعمون أن الجنة خالصة لهم في غاية الحرص على الحياة فقال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.
ومعنى الآية الكريمة: ولتجدن- يا محمد- أولئك اليهود- الذين يزعمون أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس- لتجدنهم أحب الناس للحياة، وأحرصهم عليها، وأشدهم كراهية للموت «وليس ذلك عند ما يكونون متمتعين بالطمأنينة والعافية فقط بل هم كذلك حتى ولو زالت عنها كل معاني الراحة والطمأنينة، فهم أحرص عليها حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث، والذين يعتبرون نعيمهم الأكبر هو ما يتمتعون به من اللذائذ في هذه الدنيا، وهم في حرصهم على الحياة يتمنون أن تطول أعمارهم دهورا طويلة، لا يصل إليها خيال أحد ممن يحرصون عليها كما قال تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ. وبذلك تكون الآية الكريمة قد كذبتهم في دعواهم أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس لأن الأمر لو كان كما يزعمون لرحبوا بالانتقال إليها، ولكنهم لا يحبون الموت ولا يكاد يخطر ببالهم، ويحرصون كل الحرص على اللقاء حتى مع سوء الحالة ورذالة العيش، كما يشعر بذلك التنكير في قوله تعالى عَلى حَياةٍ.
والمراد بالناس جميعهم، وأفعل التفضيل في «أحرص» على بابه، لأن الحرص على الحياة غريزة في البشر إلا أنهم متفاوتون فيه قوة وكيفية وأسبابا، كما قال الشاعر:
أرى كلنا يهوى الحياة بسعيه
…
حريصا عليها مستهاما بها صبا
فحب الجبان النفس أورده التقى
…
وحب الشجاع النفس أورده الحربا
فالناس جميعا وإن كانوا يشتركون مع اليهود في الحرص على الحياة، إلا أن اليهود يزيدون على سائر الناس أنهم أحرصهم، وأنهم من أجل حرصهم عليها يضحون بدينهم وبكرامتهم وبكل شيء.
ونكر- سبحانه- الحياة التي يحرصون عليها، زيادة في تحقيرهم، فكأنه- سبحانه- يقول: إنهم شديد والحرص على الحياة، ولو كانت حياة بؤس وشقاء، وللإشعار بأن ما يهمهم
هو مطلق حياة كيفما كانت، بصرف النظر عن العزة والكرامة، فمن أمثال اليهود المشهورة «الحياة وكفى» .
ولا شك أن شدة التهالك على الحياة، تؤدى إلى الجبن، واحتمال الضيم، وتجعل الأمة التي تنتشر فيها هذه الرذيلة لا تفرق بين الحياة الكريمة والحياة الذليلة.
وقوله تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا عطف على الناس، لأنه لما كان قوله تعالى: أَحْرَصَ النَّاسِ في معنى: أحرص من جميع الناس صح أن يراعى المعنى، فيكون قوله: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا معطوف عليه، فيكون المعنى: أحرص من جميع الناس، وأحرص من الذين أشركوا على الحياة.
والذين أشركوا، هم الذين جعلوا لله شركاء وإنما أفردوا بالذكر مع أنهم من الناس، مبالغة في توبيخ اليهود وذمهم، لأنهم إذا زاد حرصهم على الحياة- وهم أهل كتاب- على المشركين الذين لا كتاب لهم ولا يدينون ببعث أو نشور كان ذلك دليلا على هوان نفوسهم، وابتذال كرامتهم وعدم اعتدادهم بوصايا كتبهم التي تنهاهم عن الحرص على الحياة الذليلة.
ثم بين- سبحانه- مظهرا من مظاهر حرصهم على الحياة فقال تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ أى يتمنى الواحد منهم أن يعيش دهورا كثيرة، ليس من عادة الناس أن يحبوا بلوغها، لأنها تؤدى بهم إلى أرذل العمر، وعدم طيب العيش.
فالجملة الكريمة مستأنفة لإظهار مغالاتهم في التهالك على الدنيا ولتحقيق عموم النوعية في الحياة المنكرة، ولدفع ما يظنه بعض الناس من أن حرصهم على الحياة مهما اشتد فلن يصل بهم إلى تمنى أن يعيش الواحد منهم ألف عام، أو أكثر، فجيء بهذه الجملة الكريمة. لتحقيق أن تعلقهم بالدنيا يشمل حتى هذه السن المتطاولة، التي لا هناء فيها ولا راحة، والتي استعاذ من بلوغها المؤمنون.
ثم بين- سبحانه- أن تعميرهم الطويل لن ينجيهم من العقوبة، لأن الموت لا يتركهم مهما
(1) تفسير الكشاف ج 1 ص 235.