المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدّمة

- ‌سورة الفاتحة

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 50]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 62]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 83]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 86]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 99 الى 100]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 105]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 109]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 113]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 114]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 118]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 121]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 134]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 145 الى 150]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 187]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 189]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 207]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 213]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 247]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 248 الى 249]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 253]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 256]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 258]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 259 الى 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 262]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 265]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 274]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 283]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 284]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 285 الى 286]

- ‌الفهرس

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

أى كتبوا الكتابة بأيديهم، ونسبوها إلى الله زورا وبهتانا ليحصلوا على عرض قليل من أعراض الدنيا، كاجتلاب الأموال الحرام، وانتحال العلم لأنفسهم والطمع في الرئاسة والجاه، وإرضاء العامة بما يوافق أهواءهم.

وعبر- سبحانه- عن الثمن بأنه قليل، لأنه مهما كثر فهو قليل بالنسبة إلى ما استوجبوه من العذاب، وحرموه من الثواب المقيم.

وقوله تعالى: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ تهديد لهم مرتب على كتابة الكتاب المحرف، وعلى أكلهم أموال الناس بالباطل، فهو وعيد لهم على الوسيلة- وهي الكتابة- وعلى الغاية- وهي أخذ المال بغير حق-.

قال الشيخ القاسمى: قال الراغب: فإن قيل: لم ذكر يَكْسِبُونَ بلفظ المستقبل، وكَتَبَتْ بلفظ الماضي؟ قيل: تنبيها على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم، «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» فنبه بالآية إلى أن ما أثبتوه من التأويلات الفاسدة التي يعتمدها الجهلة هو اكتساب وزر يكتسبونه حالا فحالا، وعبر بالكتابة دون القول لأنها متضمنة له وزيادة، فهي كذب باللسان واليد. وكلام اليد يبقى رسمه، أما القول فقد يضمحل أثره» «1» .

وبهذا تكون الآيات الكريمة قد دمغت اليهود برذيلة التحريف لكلام الله عن تعمد وإصرار ووصفتهم بالنفاق والخداع، ووبختهم على بلادة أذهانهم وسوء تصورهم لعلم الله- تعالى- وتوعدتهم بسوء المصير جزاء كذبهم على الله.

ثم حكى القرآن بعد ذلك لونا من ألوان دعاواهم الباطلة، وأقاويلهم الفاسدة، ورد عليهم بما يخرس ألسنتهم ويقطع حجتهم، فقال تعالى:

[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 82]

وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَاّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (80) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82)

(1) تفسير القاسمى ج 1 ص 174.

ص: 184

روى المفسرون في سبب نزول هذه الآيات آثارا، منها ما روى عن ابن عباس- رضي الله عنهما قال:«إن اليهود كانوا يقولون إن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار، وإنما هي سبعة أيام معدودة» ، فأنزل الله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ

الآيات «1» .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: «حدثني أبى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لليهود أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزلها الله على موسى يوم طور سيناء، من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة؟

قالوا: إن ربنا غضب علينا غضبة، فنمكث في النار أربعين ليلة، ثم نخرج فتخلفوننا فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبدا، فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم- نزل قوله تعالى- وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً.. إلى قوله تعالى:

هُمْ فِيها خالِدُونَ «2» .

وأخرج ابن جرير- أيضا- عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ذلك أعداء الله اليهود، قالوا: لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم. الأيام التي أصبنا فيها العجل أربعين يوما، فإذا انقضت عنا تلك الأيام انقطع عنا العذاب والقسم «3» .

هذه بعض الآثار التي وردت في سبب نزول الآيات الكريمة، والمعنى:

وقالت اليهود- يا محمد- إن النار لن تصيبنا، ولن نذوق حرها، إلا أياما قلائل- قل لهم- يا محمد- ردا على دعواهم الكاذبة هل اتخذتم من الله عهدا بذلك حتى يكون الوفاء به متحققا؟ أم تقولون على الله الباطل جهلا وجراءة عليه؟

ثم أبطل القرآن الكريم دعواهم بأصل عام يشملهم ويشمل غيرهم فقال. ليس الأمر كما تدعون، بل الحق أنه من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ومات عليها دون أن يتوب إلى

(1) تفسير ابن كثير ج 1 ص 218.

(2)

تفسير ابن جرير ج 1 ص 283 طبعة الحلبي.

(3)

لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي ص 11.

ص: 185

الله- تعالى- منها فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

وقوله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً بيان لضرب من ضروب غرورهم وكذبهم، معطوف على رذائلهم السابقة التي حكاها القرآن الكريم، إذ الضمير في قوله تعالى (وقالوا) يعود على اليهود الذين مر الحديث عنهم ولما ينته بعد.

والمس: اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإحساس والإصابة..

والمراد من النار: نار الآخرة. والمراد من المعدودة: المحصورة القليلة، يقال: شيء معدود أى قليل. وشيء غير معدود أى كثير فهم يدعون أن النار لن تمسهم إلا مدة يسيرة قد تكون سبعة أيام، وقد تكون أربعين يوما، وبعدها يخرجون إلى الجنة لأن كل معدود منقض.

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم فيما زعموه فقال تعالى: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أى: قل لهم- يا محمد- إن مثل هذا الإخبار الجازم بأن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة، لا يكون إلا ممن اتخذ عهدا من الله بذلك، فهل تقدم لكم من الله عهد بأن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة، فكان الوفاء متحققا، لأن الله- تعالى- لا يخلف وعده، أم تقولون على الله شيئا لا علم لكم به.

فالاستفهام للإنكار، وهو متوجه إلى زعمهم أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، فكأنه- سبحانه- يقول لهم. إن قولكم هذا يحتمل أمرين لا ثالث لهما: إما اتخاذ عهد عند الله به، وإما القول عليه- سبحانه- بدون علم، وما دام قد ثبت أن اتخاذ العهد لم يحصل، إذا أنتم- يا معشر اليهود- كاذبون فيما تدعون من أن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة.

قال الإمام الرازي: قوله تعالى: أَتَّخَذْتُمْ ليس باستفهام بل هو إنكار لأنه لا يجوز أن يجعل الله- تعالى- حجة رسوله في إبطال قولهم أن يستفهمهم بل المراد التنبيه على طريقة الاستدلال، وهي أنه لا سبيل إلى معرفة هذا التقدير إلا بالسمع، فلما لم يوجد الدليل السمعي وجب ألا يجوز الجزم بهذا التقدير «1» .

وإنما ساق القرآن الكريم الرد عليهم في صورة الاستفهام، لما فيه من ظهور القصد إلى تقريرهم بأنهم قالوا على الله ما لا يعلمون، إذ هم لا يستطيعون أن يثبتوا أن الله وعدهم بما ادعوه من أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، ولا يوجد عندهم نص صحيح من كتابهم يؤيد مدعاهم.

(1) تفسير الفخر الرازي ج 3 ص 143 طبعة عبد الرحمن محمد.

ص: 186

وبذلك تكون الآية الكريمة قد أبطلت مدعاهم إبطالا يحمل طابع الإنكار والتوبيخ.

ثم ساق- سبحانه- آية أبطلت مدعاهم عن طريق إثبات ما نفوه فقال تعالى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

بلى حرف جواب يجيء لإثبات فعل ورد قبلها منفيا، والفعل المنفي هنا هو قول اليهود «لن تمسنا النار إلا أياما معدودة» فجاءت «بلى» لإثبات أن النار تمسهم أكثر مما زعموا فهم فيها خالدون جزاء كفرهم وكذبهم.

ومعنى الآية الكريمة: ليس الأمر كما تدعون أيها اليهود، من أن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة، بل الحق أنكم ستخلدون فيها. فكل من كسب شركا مثلكم، واستولت عليه خطاياه، وأحاطت به كما يحيط السرادق بمن في داخله، ومات على ذلك دون أن يدخل الإيمان قلبه ويتوب إلى ربه فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

فالآية الكريمة فيها إبطال لمدعاهم، وإثبات لما نفوه، على وجه يشملهم ويشمل جميع من يقول قولهم، ويكفر كفرهم.

هذا والمراد بالسيئة هنا الشرك بالله كما قال جمهور المفسرين لورود الآثار عن السلف بذلك، وفائدة الإتيان بقوله تعالى وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ بعد ذلك، الإشعار بأن الخطيئة إذا أحاطت بصاحبها أخذت بمجامع قلبه فحرمته الإيمان، وأخذت بلسانه فمنعته عن أن ينطق به.

وقوله تعالى فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ بيان لما أعد لهم من عقوبات جزاء كفرهم وكذبهم على الله، فهم يوم القيامة سيكونون أصحابا للنار ملازمين لها على التأييد لإيثارهم في الحياة الدنيا ما يوردهم سعيرها، وهو الكفر وسوء الأفعال على ما يدخلهم الجنة وهو الإيمان وصالح الأعمال.

وبعد أن ذكر- سبحانه- ما أعد لهؤلاء اليهود وأمثالهم من الكافرين الذين يفترون على الله الكذب، عقب ذلك ببيان ما أعده- سبحانه- لأهل الإيمان والتقوى فقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أى: والذين آمنوا بالله ورسوله، وأطاعوا الله فأقاموا حدوده، وأدوا فرائضه، واجتنبوا محارمه، فأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون خلودا أبديا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ردت على اليهود أبلغ رد. حيث كذبتهم في دعواهم أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى الجنة، وأخبرتهم بخلودهم وخلود كل كافر في النار، وأما الجنة فهي لمن آمن وعمل صالحا واتبع سبيل المرسلين فهؤلاء أصحابها وهم فيها خالدون.

ص: 187