المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - كتاب إظهار الحق والقضايا المثارة: - منهج دراسة الأديان بين الشيخ رحمت الله الهندي والقس فندر

[شريف فياض]

فهرس الكتاب

- ‌شكر واجب

- ‌إهداء

- ‌تمهيد

- ‌مشكلة البحث

- ‌فروض البحث

- ‌التساؤلات البحثية

- ‌المنهج

- ‌كيفية الكتابة وعرض الموضوع

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌الأهمية

- ‌هدف الدراسة

- ‌الجديد في البحث

- ‌الدراسات السابقة

- ‌الموضوع

- ‌صعوبات البحث

- ‌الفصل الأول"التعريف بالشيخ رحمت الله والقس فندر

- ‌تمهيد

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأولالتعريف بالشيخ رحمت الله (1818 م- 1891 م)

- ‌اسمه ومولده وأسرته:

- ‌تحصيله وتعلمه:

- ‌الحالة العامة بالهند وجهود الشيخ:

- ‌مؤلفاته

- ‌هجرته إلى مكة:

- ‌رحمت الله وعرض سابقيه ولاحقيه

- ‌مقابلة بين وزير خان وأحمد ديدات

- ‌منهج الشيخ ديدات

- ‌منهجه في مناظراته:

- ‌عرض آثار العلماء زمن رحمت الله وآرائهم فيه

- ‌آراء العلماء في آثار الشيخ رحمت الله

- ‌رأي الشيخ ديدات في كتاب إظهار الحق:

- ‌رأي المحقق (الدكتور: الملكاوي) في كتاب إظهار الحق:

- ‌رأي الشيخ الندوي في إظهار الحق:

- ‌وبين التأييد والنقد رأي آخر في رحمت الله:

- ‌صدى الكتاب في الأوساط النصرانية والإسلامية:

- ‌المبحث الثانيالتعريف بالقس فندر (1803 م- 1865 م)

- ‌مقدمة:

- ‌مؤلفاته

- ‌فندر وعرض سابقيه ولاحقيه

- ‌الفرنسيسكان والدومنيكان

- ‌ريموند لول

- ‌المؤسسات التنصيرية:

- ‌عرض آثار العلماء زمن فندر وآرائهم فيه

- ‌(1) ترجمة حياة القس المولوي الدكتور / عماد محي الدين لاهيز

- ‌تمهيد

- ‌حياة القس المولوي الدكتور عماد محي الدين

- ‌الملحق

- ‌(2) - حياة صفدر علي (C.1830 - 1899):

- ‌التحليل

- ‌أسباب التحول إلى النصرانية عند كل من عماد وصفدر:

- ‌ثانيا: فندر في عيون الغرب

- ‌الطفولة والتعليم:

- ‌التبشير في أرمينيا

- ‌الانجيلية التبشيرية في الهند:

- ‌المناظرة

- ‌السنوات الأخيرة:

- ‌التقييم:

- ‌التحليل

- ‌المبحث الثالثنبذة عن التنصير وتاريخ المناظرات

- ‌أولا: نبذة عن التنصير

- ‌ثانيا: نبذة عن تاريخ المناظرات

- ‌المناظرة قديما:

- ‌المناظرة في العصر الحديث:

- ‌أولا: أبرز النتائج التحليلية

- ‌ثانيا: آداب المناظرة

- ‌آداب في هيئة المناظر وحاله؛ ومنها:

- ‌آداب في مقالة المناظر؛ ومنها:

- ‌المنهج القرآني في الجدل:

- ‌الفصل الثاني"منهج دراسة الأديان عند فندر

- ‌تمهيد

- ‌مدخل

- ‌التعريف بعيسى عليه السلام (بين القرآن والأناجيل)

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌معجزاته:

- ‌دعوته عليه الصلاة والسلام:

- ‌روافد العقيدة النصرانية

- ‌قانون الإيمان المسيحي

- ‌الاتجاه إلى التأليه والصعوبات التي واجهتهم:

- ‌من بولس وهل هو مؤسس المسيحية الجديدة

- ‌طوائف المسيحية والمذاهب الإيمانية

- ‌أولا: الطوائف المسيحية

- ‌ثانيا: المذاهب الإيمانية عند الطوائف المسيحية إلى

- ‌المبحث الأولمنهج فندر

- ‌منهج فندر من خلال كتبه:

- ‌1 - كتاب ميزان الحق والقضايا المثارة

- ‌ثانيا: كتاب مفتاح الأسرار والقضايا المثارة

- ‌المبحث الثانيتحليل منهج فندر

- ‌دراسة القضايا

- ‌1 - قضية التحريف

- ‌2 - قضية النسخ

- ‌3 - قضية التثليث

- ‌4 - قضية النبوة

- ‌5 - قضية القرآن

- ‌دراسة منهجه في كتبه

- ‌أولا: من خلال كتاب مفتاح الأسرار:

- ‌ثانيا: من خلال كتابيه ملاحظات محمدية وطريق الحياة:

- ‌ثالثا: من خلال كتاب ميزان الحق:

- ‌الفصل الثالث"منهج دراسة الأديان عند رحمت الله

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأولمنهج رحمت الله

- ‌منهج رحمت الله من خلال كتبه

- ‌1 - كتاب إظهار الحق والقضايا المثارة:

- ‌منهج رحمت الله في رد الكتاب المقدس كما بينه:

- ‌المبحث الثانيتحليل منهج رحمت الله

- ‌دراسة منهجه في كتبه

- ‌1 - كتاب إظهار الحق

- ‌2 - كتاب التنبيهات

- ‌دراسة القضايا

- ‌الفصل الرابع"تحليل ومقارنة المنهج بين رحمت الله وفندر

- ‌تمهيد

- ‌مدخل

- ‌ المناظرة

- ‌ أطراف المناظرة:

- ‌ التهيئة للمناظرة:

- ‌وقائع المناظرة

- ‌الجلسة الأولى: في مبحث النسخ

- ‌الجلسة الثانية: في التحريف

- ‌خاتمة المسائل

- ‌تحليل ودراسة منهج المناظرة فيما بينهما

- ‌نتائج المناظرة

- ‌المبحث الأولمقارنة بين فندر ورحمت الله

- ‌سند التوراة والإنجيل:

- ‌أولا: التوراة

- ‌ثانيا: الإنجيل

- ‌عقيدة المسيحية الجديدة:

- ‌جوانب الاتفاق والاختلاف بين رحمت الله وفندر:

- ‌أولا: بالنسبة للقضايا

- ‌1 - قضية التحريف

- ‌2 - قضية النسخ

- ‌3 - قضية التثليث

- ‌4 - قضية القرآن

- ‌5 - قضية النبوة

- ‌ثانيا: من خلال كتبهما

- ‌المبحث الثانيرحمت الله وفندر في الميزان

- ‌أولا: القواعد

- ‌ثانيا: الالتزام بشروط التعريف:

- ‌النتائج

- ‌من أهم النتائج التي خلصت إليها:

- ‌التوصيات

- ‌أولا: أسس المناقشة

- ‌ثانيا: تحرير المصطلحات وتعريفها

- ‌1. الالتزام بشروط التعريف:

- ‌2. التعريفات اللازمة:

- ‌3. التسليم بالتصديق البديهي كالتصديق النظري:

- ‌ثالثا: قواعد منطقية جديدة للمتناظرين قبل التناظر

- ‌القواعد:

- ‌ قواعد منهجية حديثة عند المناظرات

- ‌المنهج المقترح

- ‌ق‌‌‌‌ائمة المصادر والمراجع

- ‌‌‌ا

- ‌ا

- ‌المراجع باللغة العربية

- ‌ا

- ‌ب

- ‌ج

- ‌ح

- ‌خ

- ‌د

- ‌س

- ‌ر

- ‌ز

- ‌ش

- ‌ط

- ‌ع

- ‌ص

- ‌ف

- ‌ك

- ‌م

- ‌ي

- ‌ن

- ‌ة

- ‌المراجع باللغة الانجليزية

- ‌ملحق الرسالة

الفصل: ‌1 - كتاب إظهار الحق والقضايا المثارة:

فريضة الجهاد، بل يمكنه أن يقول بتحريم جهاد المستعمر الإنجليزي، ولقد وجدوا بعد بحثهم الدؤوب ضالتهم في ميرزا غلام أحمد - وكان مصابا بالهيستريا والصداع والسرسام (1)

- الذي نشأ في أسرة معروفة بخدمة المستعمر الإنجليزي، فساعدوه على بث أفكاره المنحرفة مثل ادعاء أنه المهدي، ثم ادعاء النبوة في مقابل دعوته إلغاء فريضة الجهاد في الإسلام؛ ولذا فإن الصلة قوية بين الاستعمار الإنجليزي وبين ظهور القاديانية والعمل على انتشارها في شبه القارة الهندية" (2)؛ وقد جرت محاولات حوارية سابقة قادها علماء من الهند مشهورين، عرفوا بأهليتهم العلمية، وقدرتهم على الجدل لما أتوه من الحكمة وحسن النظر، إلا أن محاولات عفوية ظلت عرضية يحكمها عامل الجغرافيا لانحسارها في مدينة دون أخرى، والأهم من ذلك عدم شهودها الناس، ومن ذلك:

- المناظرة التحريرية بين الشيخ عبدالباري والقسيس عماد الدين.

- مناظرة الشيخ شرف الحق للقسيس ليغرابي في دلهي، والقسيس روفيس في غازي بور.

- المناظرة التحريرية بين الشيخ محمد آل حسن الموهاني والقسيس فندر والتي تواصلت لمدة سبعة أشهر.

والسبب المباشر لتأليف الكتاب فقد نص عليه رحمت الله صراحة في المقدمة بقوله: " ثم وقع لي الاتفاق أن وصلت إلى مكة شرفها الله تعالى، وحضرت عتبة الأستاذ العلامة السيد أحمد بن زيني دحلان فأمرني أن أترجم باللسان العربي هذه المباحث الخمسة من الكتب التي ألفتها في هذا الباب، فهو إذا استجابة لدعوة شيخ العلماء يومها.

وسيتم دراسة رحمت الله من خلال كتبه ومناظرته وقضاياه كما يلي:

‌منهج رحمت الله من خلال كتبه

‌1 - كتاب إظهار الحق والقضايا المثارة:

بدأ كتابه بتمهيد ثم يصف رحمت الله الحالة التي وصلوا إليها وأسباب تأليف الكتاب والقيام بالمناظرة!

حيث تناول أسباب الوصول إلى تلك الحالة، فقال: " وكانوا يتدرجون فيها، حتى ألفوا الرسائل والكتب في رد أهل الإسلام، وقسموها في الأمصار بين العوام

وكان عوام أهل الإسلام إلى مدة متنفرين عن استماع وعظهم ومطالعة رسائلهم

لكن تطرق الوهن بعد مدة، في نفور بعض العوام

ولم أكن أهلاً لهذا الخَطبْ العظيم الشأن، لكني لما اطلعت على تقريراتهم، وتحريراتهم، ووصلت إليَّ رسائل كثيرة من مؤلفاتهم

فألفت أولاً الكتب

(1) انظر: أ. د. عامرالنجار، القاديانية، (بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط 1، 2005 م)، ص 9، ص 10 ..

(2)

المرجع السابق، ص 13.

ص: 176

والرسائل، ليظهر الحال على أولي الألباب، واستدعيت ثانياً من

أن يقع بيني وبينه مناظرة (1).

شمل كتابه مقدمة وستة أبواب، واخطط رحمت الله بعض القواعد في بداية كتابه فذكر:

المقدمة - في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها (2):

1 -

النقل عن كتب علماء البروتستانت بطريق الإلزام والجدل.

2 -

يكون النقل من خلال التراجم أو التفاسير أو التواريخ لتلك الفرقة؛ حيث هي المتسلطة على مملكة الهند ومن علمائها وقعت المناظرة.

3 -

التبديل والإصلاح بمنزلة الأمر الطبيعي لهم، فمن لم يكن واقفا على عادتهم يظن أن الناقل أخطأ والحال أنه مصيب؛ فبين رحمت الله الكتب التي ينقل عنها وهي:

أترجمة الكتب الخمسة لموسى عليه السلام طبعة وليم واطس العربية بلندن عام 1848 م من النسخة الرومية عام 1264 م.

ب ترجمة وليم واطس لكتب العهدين عام 1844 م.

ت ترجمة العهد الجديد بالعربية طبعة بيروت عام 1860 م.

ث التفاسير (آدم كلارك لندن عام 1851 م - هورن ط 3 عام 1882 م - هنري واسكات - لاردنر عام 1717 م 10 مجلدات - دوالي ورجردمينت عام 1848 م - هارسلي - واتسن - ترجمة فرقة البروتستانت بالإنجليزية عام 1819 م - 1820 م - 1821 م - 1836 م - ترجمة العهدين لرومن كاثلك دبلن عام 1840 م بالإنجليزية.

4 -

إن صدر عن قلمه ما يوهم بسوء الأدب للكتب أو الأنبياء المسلمين عندهم فلا يحمل على سوء اعتقاده في حقهم بل هو من قبيل إنكار التحريف والأباطيل مثل أن:

داوود عليه السلام زنا بإمرأة أوريا وحملت بالزنا منه، وأشار إلى أمير العسكر لأن يدبر أمرا يقتل به أوريا فأهلكه بالحيلة وتصرف في زوجته، وأن هارون صنع عجلا وبنى له مذبحا فعبده هارون مع بني إسرائيل وسجدوا له وذبحوا الذبائح أمامه، وأن سليمان ارتد في آخر العمر وعبد الأصنام وبنى المعابد لها ولا يثبت من كتبهم المقدسة أنه تاب بل الظاهر أنه مات مرتدا مشركا.

5 -

قد تخرج كلمة تثقل على المخالف ألا ترى أن المسيح عليه السلام كيف خاطب الكتبة والفريسيين مشافهة بهذه الألفاظ مثل: (متى: 23)، (لوقا: 11) (ويل لكم أيها الكتبة الفريسيون المراءون

وأيها الفريسي الأعمى، وأيها الحيات والأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم) ولفظ الكلاب على الكنعانيين الكفار (متى: 15)، وكيف خاطب لوثر جناب الباب مج 7 ص 274 ط 1558 م ( .. امش مشيا هينا يا بولسي الصغير، واحفظ نفسك يا حماري من السقوط احفظ نفسك يا حماري البابا

أيها الأشرار الغير مبالين الحمقاء الأذلاء الحمير، أأنتم تتخيلون أنفسكم أنكم أفضل من الحمير، إنك أيها البابا حمار بل حمار أحمق وتبقى حمارا دائما .. الخ، والظاهر أن أمثال هذه الألفاظ يكون إطلاقها على

(1) المرجع السابق، بترقيم جديد للكتاب بعد جزء التحقيق، ص 6.

(2)

المرجع السابق، ص 9 وما بعدها.

ص: 177

الخصم جائزا عند علماء البروتستانت

فيقول رحمت الله: " إن شاء الله لا أذكر عمدا لفظا يوازن لفظا من ألفاظ مقتداهم في حق علماء المسيحية، ولكن لو صدر من غير العمد لفظ لا يكون مناسبا لشأنهم في زعمهم فأرجو منهم المسامحة والدعاء؛ فقد قال المسيح عليه السلام: (باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم) (متى: 5) ".

6 -

كثر الملحدون الذي يستهزئون ويسيئون الأدب فلا يظن أحد أن النقل عنهم هو استحسان لأقوالهم وأفعالهم بل منكر المثبت مثل منكر عيسى كمنكر محمد عليهم السلام، بل النقل لتنبيه علماء البروتستانت ليعلموا أن ما أوردوا على الإسلام ليس بشيء بالقياس مما أورد أهل ديارهم على المسيحيين.

7 -

الاجتزاء عند النقل وعدم نقل كل كلام المخالف بل ينقلون الأقوال الضعيفة ثم يقولون: إن جميع كتابه من هذا القبيل ثم يقومون بالتأويل والجواب به. ومن المعلوم أن الكتاب إن لم يكن إلهاميا يوجد فيه عادة أقوال ضعيفة فألا يوجد عند لوثر مثلا إلى هذا الحين بحيث لا يكون في كلامه خطأ أو ضعف وخلاف الإنصاف أن يفعل رحمت الله هذا الشيء - كما بين - وكما لا يقدر من ينقل بعض كلامه دون الآخر.

ثم يشير إلى أن لكتاب الميزان نسختين قبل ظهور كتاب الاستفسار، فطبع القس ردا عليه في نسخة فارسية جديدة عام 1849 م وأردية جديدة كذلك عام 1850 م، وصارت النسخة القديمة كالمنسوخة عندهم، ويقول عنها: " فلا أنقل عنها إلا قولا واحدا

وأنقل عن هذه الجديدة بطريق الأنموذج أربعة وعشرين قولا، وعن كتاب حل الإشكال المطبوع سنة 1847 م تسعة أقوال، وقولين عن مفتاح الأسرار القديم والجديد على سبيل الترجمة باللسان العربي مع الإشارة إلى الباب والفصل والصفحة

• قضية النسخ:

فصل القول فيها وذكر عدة أقوال منها:

يقول: في الفصل المذكور في الصفحة 26: "لا بد أن تبقى أحكام الإنجيل وكتب العهد العتيق جارية ما دامت السماوات والأرض بمقتضى هذه الآيات"، وهذا غلط؛ لأنه إن كان مقتضاها بقاء أحكام العهدين يلزم أن يكون جميع القسيسين واجبي القتل، لأنهم لا يعظمون السبت، وناقض تعظيمه على حكم التوراة واجب القتل، على أنه أقر في هذا الفصل في الصفحة 19:"أن الأحكام الظاهرية" من التوراة "كملت بظهور المسيح، ونسخت بمعنى أنها ما بقيت محافظتها لازمة" فهذه الأحكام الظاهرية على اعترافه ما بقيت جارية ما

ص: 178

دامت السماوات والأرض، وتكميلها ونسخها بالمعنى المذكور عندهم هو نسخ الأحكام المصطلح عندنا،

ونسخ الحواريون بعد المشاورة جميع الأحكام العملية المدرجة في التوراة إلا أربعة أحكام: حرمة ذبيحة الصنم، وحرمة الدم، وحرمة المخنوق، وحرمة الزنا، وكتبوا في هذا الباب كتاباً إلى الكنائس، كما هو مصرح في الباب الخامس عشر من كتاب الأعمال.

ثم نسخ مقدسهم بولس من هذه الأربعة أيضاً الثلاثة الأولى بفتوى الإباحة العامة المندرجة في الآية الرابعة عشر من الباب الرابع عشر من رسالته إلى أهل رومية، وفي الآية الخامسة عشرة من الباب الأول من رسالته إلى طيطوس، فهذه الأحكام المنسوخة من كليهما ما بقيت جارية ما دامت السماوات والأرض، فالصحيح فيه عن الحوادث الآتية كما اختار المفسر (دوالي ورجردمينت) على مختار القسيس (بيرس)(ودين استان هوب) وستعرف في الباب المذكور، وليست هذه الإضافة للاستغراق؛ ليفيد أن كل كلامي يبقى إلى الأبد، سواء كان حكماً أو غيره، وأنه لا يصح أن ينسخ حكم من أحكامي، وإلا لزم كذب إنجيلهم في الأحكام المنسوخة، على أن عدم الزوال في الآية الثانية كان مقيداً بقيد الكمال، وقد حصل كمال أحكام التوراة في الشريعة العيسوية على زعم القسيس النبيل فلا مانع للزوال بعده، ولفظ إلى الأبد في الآية الثالثة محرفٌ إلحاقيُّ لا وجود له في أقدم النسخ وأصحها، ولذلك كتب قوسان في جانبه هكذا (إلى الأبد) في النسخة العربية المطبوعة سنة 1860 م في بيروت

وقول بطرس الحواري (كلمة الله) الحية (الباقية إلى الأبد) كقول أشعيا (كلمة ربنا تدوم إلى الأبد) فكما لا يفيد قول أشعيا عليه السلام عدم نسخ حكم التوراة، فكذلك لا يفيد قول بطرس عدم نسخ حكم الإنجيل، والتأويل الذي يجري في قول أشعيا هو بعينه يجري في قول بطرس؛ فهذه الآيات الأربعة لا يصح التمسك بها في مقابلة أهل الإسلام لإبطال النسخ المصطلح (عليه) عندهم، ولذلك كانت أقوال القسيس النبيل مضطربة في التمسك بهذه الآيات وقت المناظرة التي وقعت بيني وبينه، كما لا يخفى على ناظر (1).

• قضية التحريف:

يقول فيها: " قال طامس انككلس كاتلك في الصفحة 176 و 177 من كتابه المسمى (بمرآة الصدق) وهو بلسان الأردو وطبع سنة 1815 م: (إن نظرتم إلى الزبور الرابع عشر فقط الذي هو موجود في كتاب الصلوات العام الذي يظهر عليه علماء البروتستنت رضاهم وقبولهم بالحلف، ثم طالعتم هذا الزبور في الكتاب المقدس للبروتستنت لوجدتم أن أربع آيات في كتاب الصلوات ناقصة بالقياس إلى الكتاب المقدس، لكن هذه الآيات إن كانت من كلام الله فَلِم تركوها، وإن لم تكن من كلام الله، فَلِمَ لَمْ يُظهروا عدم صدقها في كتاب الصلوات، والحق الصريح أن البروتستنتيين حرفوا كلام الله، وهذا الخبر الذي عن الأمر المستقبل إما بالزيادة أو بالنقصان "(2).

• قضية عصمة الأنبياء:

ذكر رحمت الله عدة أقوال، يقول في إحداها:" في الصفحة 54 في الفصل الثالث من الباب الأول من ميزان الحق هكذا: " واعتقادنا في النبي هذا، أن الأنبياء والحواريين وإن كانوا قابلي السهو والنسيان في جميع الأمور لكنهم معصومون في التبليغ والتحرير"، وهذا أيضاً غلط كما سيظهر في الفصل الثالث من الباب الأول، وفي الباب الثالث عشر من سفر الملوك الأول في حال النبي الذي جاء بأمر الله من يهودا إلى (يور بعام) ثم رجع إلى يهودا بعد ما أخبر بأن المذبح الذي بناه (يور بعام) يهدمه السلطان (يوشيا) الذي يكون من أولاد داود عليه السلام

وهذا النبي الشيخ الصادق النبوة قد افترى على الله وكذب في التبليغ، وخدع رجل الله المسكين، وألقاه في غضب الرب وأهلكه، فثبت عدم عصمتهم في التبليغ كذلك " (3).

(1) المرجع السابق، ص 30 وما بعدها.

(2)

المرجع السابق، ص 39 وما بعدها

(3)

المرجع السابق، ص 40 وما بعدها

ص: 179

• قضية الكتب المقدسة:

ذكر رحمت الله عدة أقوال يقول في إحداها: " في الفصل السادس من الباب الثاني في الصفحة 156، عد القسيس النبيل من الإخبارات بالحوادث الآتية التي يستدل بصدقها على كون الكتب المقدسة كتباً إلهية الخبر المندرج في الفصل الثامن والثاني عشر من كتاب دانيال، والخبر المندرج في إنجيل متى من الآية 16 إلى 22 من الباب العاشر، وهذه الأخبار الثلاثة غير صحيحة، كما بين في الفصل الثالث من الباب الأول في الغلط الثلاثين والحادي والثلاثين والثامن والتسعين "(1).

• قضية انقطاع السند:

يقول فيها: " استدل فندر بقول سلسوس بأن من كتب الأناجيل هم الحواريون حيث ورد في الصفحة 146: سلسوس كان من علماء الوثنيين في القرن الثاني وكتب كتاباً في رد الملة المسيحية، وبعض أقواله موجودة إلى الآن، لكنه ما كتب في موضع أن الإنجيل ليس من الحواريين "(2).

رد رحمت الله هذا القول بوجهين:

أولاً: فلأنه أقر بنفسه أن كتابه لا يوجد الآن، بل بعض أقواله موجودة فكيف يعتقد أنه ما كتب في موضع، وعندي هذا الأمر قريب من الجزم (بأنه) كما أن علماء البروتستنت ينقلون أقوال المخالف في هذه الأزمنة، فكذلك كان المسيحيون الذين كانوا في القرن الثالث وما بعده ينقلون أقوال المخالف، ونقل أقوال سلسوس أرجن في تصنيفاته، وكان الكذب والخداع في عهده في الفرقة المسيحية بمنزلة المستحبات الدينية

ويضيف: "رأيت بعيني الأقوال الكاذبة التي نسبت إلى المباحثة التي طبعها القسيس النبيل بعد التحريف التام في بلد أكبر أباد، ولذلك احتاج السيد عبد الله الذي كان من متعلقي الدولة الإنكليزية، وكان من حُضّار محفل المناظرة، وكان ضبطها بلسان الأردو أولاً ثم بالفارسي وطبعهما في أكبر أباد، إلى أن كتب محضراً وزينه بخواتيم المعتبرين وشهاداتهم مثل قاضي القضاة محمد أسد الله، والمفتي محمد رياض الدين، والفاضل الأمجد علي، وغيرهم من أراكين الدولة الإنكليزية وأهل البلدة".

ثانياً: فلأن هذا القول ليس بصحيح في نفس الأمر، لأن سلسوس كان يصيح في القرن الثاني:" إن المسيحيين بدلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات بل أزيد منها تبديلاً كأن مضامينها أيضاً بدلت" وكذا (فاستس) من علماء فرقة (ماني كيز) كان يصيح في القرن الرابع: "بأن هذا الأمر محقق أن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الاسم، ونسب إلى الحواريين ورفقائهم خوفاً من أن لا يعتبر الناس تحريره ظانين أنه غير

(1) المرجع السابق، ص 47 وما بعدها

(2)

المرجع السابق، ص 69 وما بعدها.

ص: 180

واقف على الحالات التي كتبها، وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغاً بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات" (1).

ونبه رحمت الله على أن الباعث على التحريف هو عناد الدين المسيحي، وجعل الترجمة اليونانية غير معتبرة، ومن بعض الألفاظ المحرفة الألفاظ التي فيها بيان زمان الأكابر، ولا يضر ادعاؤهم شهادة المسيح في حق التوراة بعد تسليمها أيضاً لأنهم يدعون بعد مدة من عروج المسيح، وليس هؤلاء ثلاثة أو أربعة بل هم الجمهور من القدماء المسيحيين (2).

كما تعرض رحمت الله لبعض عادات فندر (3):

(العادة الأولى): ذكر رأي صاحب كتاب الاستبشار: "ما رأينا قسيساً من القسيسين كاذباً غير مبال بالقول الكذب مثل القسيس فندر"، ثم ذكر رحمت الله:" ولما كان نقل أقواله مفضياً إلى التطويل الممل فالأولى أن أتركه وأكتفي على هذا القدر، وإذا نبهت على هذه العادة فأستحسن أن أنبه أيضاً على العادتين الأخريين لتحصل للناظر بصيرة ".

(العادة الثانية): من عاداته أنه يأخذ الكلمات التي تصدر عن قلم المخالف بمقتضى البشرية في حقه أو في حق أهل مذهبه ولا تكون مناسبة لمنصبه أو لمنصب أهل ملته في زعمه فيشكر عليها ويجعل الخردلة حبلاً ولا يلتفت إلى ما يصدر عن قلمه في حق المخالف

قال القسيس النبيل في حق الفاضل (هادي علي) مصنف كشف الأستار الذي هو رد مفتاح الأسرار في الصفحة الأولى من حل الإشكال: إنه يصدق في حق هذا المصنف قول (بولس) ثم نقل قوله، وفي هذا القول وقعت هذه الجملة أيضاً (إله هذا الدهر قد أعمى أذهان الكافرين) فأطلق عليه لفظ الكافر

الخ

(العادة الثالثة): أنه يترجم الآيات القرآنية ويفسرها تارة على رأيه ليعترض عليها في زعمه، ويدعي أن التفسير الصحيح والترجمة الصحيحة ما ترجمت به وما فسرت به، لا ما صدر عن علماء الإسلام ومفسري القرآن، وبين كماله على العوام ببعض قواعد التفسير مثلاً، فيقول: قال هذا النبيل: "لا بد للمفسر أن يفهم مطلب الكتاب كما كان في ضمير المصنف، فلا بد لمن طالع أو فسر أن يكون واقفاً على حالات أيام المصنف وعادة طائفة تربى المصنف فيها وعلى مذهبهم، وأن يكون واقفاً على صفات المصنف وأحواله أيضاً، لا أن يبادر بمجرد معرفة اللسان بترجمة الكتاب وتفسيره، وثانياً: لا بد أن يتوجه إلى تسلسل المطالب، ولا يفسد علاقة الأقوال السابقة واللاحقة وإذا فسر مطلباً، فلا بد أن يلاحظ معه كل مقام له مناسبة ومطابقة بهذا المطلب ثم يفسر".وكما ذكر رحمت الله فالحال أنه لا معرفة له بلسان العرب معرفة معتداً بها فضلاً عن الأمور الأخر، ولا يتوجه إلى تسلسل المطالب، ويفسد علاقة الأقوال السابقة واللاحقة كما سيظهر.

رد رحمت الله التثليث ببعض الحكايات مثل:

(1) المرجع السابق، ص 70 وما بعدها.

(2)

المرجع السابق ص 72 وما بعدها.

(3)

المرجع السابق، ص 80 - 98.

ص: 181

(الحكاية الأولى) ما نقله الطيبي في شرح المِشكاة أن مسلماً كان يتلو القرآن فسمع منه بعض القسيسين هذا القول (وكلمتُهُ ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه)[النساء: 171] فقال: إن هذا القول يصدِّق ديننا ويخالف ملة الإسلام؛ لأن فيه اعترافاً بأن عيسى عليه السلام روحٌ هو بعض من الله، فكان علي بن حسين بن الواقد مصنف كتاب النظير حاضراً هناك فأجاب: بأن الله قال مثل هذا القول في حق المخلوقات كلها: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه} [الجاثية: 13] فلو كان معنى روح منه روح بعض منه أو جزء منه فيكون معنى جميعاً منه أيضاً على قولك مثله، فيلزم أن يكون جميع المخلوقات آلهة فأنصف القسيس وآمن.

(الحكاية الثانية) استدل البعض من الفرقة المسيحية في البلد (دهلي) في إثبات التثليث، بقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم بأنه أخذ فيه ثلاثة أسماء فيدل على التثليث، فأجاب بعض الظرفاء: إنك قصرت. عليك أن تستدل بالقرآن على التسبيع ووجود سبعة آلهة بمبدأ سورة غافر وهو هكذا: {حم تنزيل الكتابِ مِنَ الله العزيز العليم غافرِ الذَّنب وقابِل التوبِ شديدِ العقاب ذي الطَّوْل} بل عليك أن تقول: إنه يثبت وجود سبعة عشراً إلهاً من القرآن بثلاث آيات من آخر سورة الحشر التي ذكر فيها سبعة عشر اسماً من الذات والصفات متوالية، فإذا عرفت ما ذكرت حصل لك الاطلاع على ستة وثلاثين قولاً من أقوال القسيس النبيل.

كما نبه رحمت الله كيف يكون الواجب في التعامل مع كلام الخصم؛ حيث ذكر: " لا بد أن ينظر إلى حال المخاطب، ويعترف بأن هذا القدر جواب شاف وكاف في جواب ميزان الحق، ومفتاح الأسرار وحل الإشكال وغيرها

والمرجو أن ينقل أولاً عبارتي، ثم الجواب ليحيط الناظر على كلامي وكلام المجيب، وإن خاف التطويل فلا بد أن يقتصر على جواب باب من الأبواب الستة، ويراعي أيضاً في تحرير الجواب الأمور الباقية التي ذكرت في هذه المقدمة". ثم يضيف رحمت الله أمرا آخر وهو:

(الأمر الآخر) أنه نقل أسماء العلماء والمواضع عن الكتب التي وصلت إلي بلسان الإنكليز، أو عن تراجم فرقة البروتستنت، أو عن رسائلهم باللسان الفارسي أو العربي أو الأردو، وحال الأسماء أشد فساداً من الحالات الأخر أيضاً كما لا يخفى على ناظر كتبهم فلو وجد الناظر هذه الأسماء مخالفة لما هو المشتهر في لسان آخر فلا يعيب عليه في هذا الأمر.

بين رحمت الله في الباب الأول كتب العهد العتيق والجديد وقد اشتمل على أربعة فصول كما يلي:

تحدث في الفصل الأول عن أسمائها وتعدادها (1)

تعرض رحمت الله لشرح البيبل وعدد كتبه حيث ذكرأنهم يقسمون هذه الكتب إلى قسمين: قسم منها يدَّعون أنه وصل إليهم بواسطة الأنبياء الذين كانوا قبل عيسى عليه السلام، وقسم منها يدَّعون أنه كتب بالإلهام بعد عيسى عليه السلام، فمجموع الكتب من القسم الأول يسمى بالعهد العتيق، ومن القسم الثاني بالعهد الجديد، ومجموع العهدين يسمى (بَيْبِل) وهذا لفظ يوناني بمعنى الكتاب، ثم ينقسم كل من العهدين إلى قسمين: قسم اتفق على صحته جمهور القدماء من المسيحيين، وقسم اختلفوا فيه.

(1) انظر: المرجع السابق، ص 98.

ص: 182

(أما القسم الأول من العهد العتيق) فثمانية وثلاثون كتاباً:

وهذه الكتب الثمانية والثلاثون كانت مسلمة عند جمهور القدماء من المسيحيين. والسامريون لا يسلمون منها إلا بسبعة كتب: الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام، وكتاب يوشع بن نون، وكتاب القضاة. وتخالف نسخة توراتهم نسخة توراة اليهود.

وأما العهد الجديد ففيه القسم الأول فيه عشرون كتاباً، وأما القسم الثاني من العهد الجديد فسبعة كتب وبعض الفقرات من الرسالة الأولى ليوحنا.

مجالس العلماء والتشكيك في الكتب:

ثم تحدث رحمت الله عن مجلس العلماء المسيحية بحكم السلطان قسطنطين في بلدة نائس في سنة 325 ثلثمائة وخمسة وعشرين من ميلاد المسيح، ليشاوروا في باب هذه الكتب المشكوكة، ويحققوا الأمر، فحكم هؤلاء العلماء بعد المشاورة والتحقيق في هذه الكتب: أن كتاب يهوديت واجب التسليم، وأبقوا سائر الكتب المختلفة مشكوكة كما كانت وهذا الأمر يظهر من المقدمة التي كتبها (جيروم) على ذلك الكتاب

فبعد انعقاد المجالس صارت هذه الكتب المشكوكة مسلمة بين جمهور المسيحيين، وبقيت هكذا إلى مدة ألف ومائتين، إلى أن ظهرت فرقة البروتستنت فردوا حكم هؤلاء الأسلاف في باب: كتاب باروخ، وكتاب طوبيا، وكتاب يهوديت، وكتاب وزدم، وكتاب ايكليزيا ستيكس، وكتابي المقابيين، وقالوا: إن هذه الكتب واجبة الرد وغير مسلمة، وردوا حكمهم في بعض أبواب كتاب أستير وسلموا في البعض؛ لأن هذا الكتاب كان ستة عشر باباً فقالوا: إن الأبواب التسعة الأولى وثلاث آيات من الباب العاشر واجبة التسليم، وستة أبواب باقية واجبة الرد.

أسباب رد وإنكار الكتب:

تمسكوا في هذا الإنكار والرد بستة أوجه: ] 1 [هذه الكتب كانت في الأصل في اللسان العبراني وغيرها ولا توجد الآن في تلك الألسنة.] 2 [اليهود لا يسلمونها إلهامية.] 3 [جميع المسيحيين ما سلموها.] 4 [قال جيروم: إن هذه الكتب ليست كافية لتقرير المسائل الدينية وإثباتها.] 5 [صرح كلوس أن هذه الكتب تقرأ لكن لا في كل موضع، فيقول رحمت الله: " إن فيه إشارة إلى أن جميع المسيحيين لا يسلمونها فيرجع هذا إلى الوجه الثالث".] 6 [صرح يوسي بيس ص 55 في الباب الثاني والعشرين من الكتاب الرابع: بأن هذه الكتب حرفت سيما كتاب المقابيين الثاني، ثم يتدارك رحمت الله ويطالب بالنظر إلى الوجه الأول والثاني والسادس كيف أقروا بعدم ديانة أسلافهم، بأن ألوفاً منهم أجمعوا على أن الكتب التي فُقدت أصولها وبقيت تراجمها وكانت مردودة عند اليهود، وكانت محرفة سيما كتاب المقابيين الثاني، واجبة التسليم. فأي اعتبار لإجماعهم واتفاقهم على المخالف؟ ؟ . وفرقة الكاثوليك (كاثلك) يسلمون هذه الكتب إلى هذا الحين تبعاً لأسلافهم.

ثم تحدث في الفصل الثاني على أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد (1).

(1) انظر المرجع السابق، 109 وما بعدها.

ص: 183

معنى اتصال السند:

تحدث رحمت الله فيه أنه لا بد لكون الكتاب سماوياً واجب التسليم أن يثبت أولاً بدليل تام أن هذا الكتاب كتب بواسطة النبي الفلاني ووصل بعد ذلك إلينا بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل، والاستناد إلى شخص ذي إلهام بمجرد الظن والوهم لا يكفي في إثبات أنه من تصنيف ذلك الشخص، وكذلك مجرّد ادعاء فرقة أو فرق لا يكفي فيه

إن رحمت الله يهتم كثيرا بقضية السند والاتصال وهو يقدم أدلة على أن السند لدى الكتب المقدسة منقطع منذ زمن عيسى عليه السلام إلى القرن الثاني أو الثالث.

فقدان السند:

يقول رحمت الله: " فإذا كان الأمر كذلك فلا نعتقد بمجرد استناد كتاب من الكتب إلى نبي أو حواري أنه إلهامي أو واجب التسليم، وكذلك لا نعتقد بمجرد ادعائهم بل نحتاج إلى دليل، ولذلك طلبنا مراراً من علمائهم الفحول السند المتصل فما قدروا عليه، واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلثمائة وثلاث عشرة سنة. وتفحصنا في كتب الإسناد لهم فما رأينا فيها شيئاً غير الظن والتخمين، يقولون بالظن ويتمسكون ببعض القرائن، وقد قلت إن الظن في هذا الباب لا يغني شيئاً، فما دام لم يأتوا بدليل شاف وسند متصل فمجرد المنع يكفينا، وإيراد الدليل في ذمتهم لا في ذمتنا فلا سند لكون هذه التوراة المنسوبة إلى موسى عليه السلام من تصنيفاته ".

يعلل رحمت الله عدم وجود سند معتمد بأمور:

(الأمر الأول) تواتر هذه التوراة منقطع قبل زمان يوشيا بن آمون، والنسخة التي وجدت بعد ثماني عشرة سنة من جلوسه على سرير السلطنة لا اعتماد عليها يقيناً، ومع كونها غير معتمدة ضاعت هذه النسخة أيضاً غالباً قبل حادثة بختنصر، وفي حادثته انعدمت التوراة وسائر كتب العهد العتيق عن صفحة العالم رأساً، ولما كتب عِزرا (1) هذه الكتب على زعمهم ضاعت نسخها وأكثر نقولها في حادثة أنتيوكس.

(الأمر الثاني) جمهور أهل الكتاب يقول: إن السفر الأول والثاني من أخبار الأيام صنفهما عزرا عليه السلام بإعانة حجّي وزكريا الرسولين عليهما السلام، فهذان الكتابان في الحقيقة من تصنيف هؤلاء الأنبياء الثلاثة، وتناقض كلامهم في الباب السابع والثامن من السفر الأول في بيان أولاد بنيامين، وكذا خالفوا في هذا البيان هذه التوراة المشهورة؛ فعلم أنها ليست التوراة التي صنفها موسى ولا التي كتبها عزرا، بل الحق أنها مجموع من الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود وجَمعها أحبارُهم في هذا المجموع بلا نقد للروايات، وعلم من وقوع الغلط من الأنبياء الثلاثة أن الأنبياء كما أنهم ليسوا بمعصومين عن صدور الكبائر عند أهل الكتاب فكذلك ليسوا بمعصومين عن الخطأ في التحرير والتبليغ.

(1) سفر عزرا كتب نحو 400 قبل الميلاد وهو يدور حول عودة اليهود من الأسر البابلي. وينسب إلى عزرا زعيم اليهود العائدين من الأسر ويقال إنه نظم المجتمع اليهودي على أساس العهد القديم في 458 ق. م أو 397 ق. م. الموسوعة العربية العالمية السعودية، مرجع سابق.

ص: 184

(الأمر الثالث) مَنْ قابل الباب الخامس والأربعين والسادس والأربعين من كتاب حزقيال بالباب الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من سفر العدد وجد تخالفاً صريحاً في الأحكام.

(الأمر الرابع) مَنْ طالع الزبور وكتاب نحميا وكتاب أرميا وكتاب حزقيال جزم يقيناً بأن المصنف كان يكتب بحيث يظهر لنا كتابه أنه كتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها بل تشهد عبارته أن كاتبه غير موسى وهذا الغير جمع هذا الكتاب من الروايات والقصص المشتهرة فيما بين اليهود، ميز بين هذه الأقوال بأن ما كان في زعمه قول الله أو قول موسى أدرجه تحت قال الله أو قال موسى، وعبر عن موسى في جميع المواضع بصيغة الغائب، ولو كانت التوراة من تصنيفاته لكان عبر عن نفسه بصيغة المتكلم

(الأمر الخامس) لا يقدر أحد أن يدعي بالنسبة إلى بعض الفقرات وبعض الأبواب أنها من كلام موسى بل بعض الفقرات تدل دلالة بينة أن مؤلف هذا الكتاب لا يمكن أن يكون قبل داود عليه السلام، بل يكون إما معاصراً له أو بعده.

(الأمر السادس) نقل صاحب خلاصة سيف المسلمين عن المجلد العاشر من أنسائي كلوبيدي يابيني (قال دكتر سكندر كيدس الذي هو من الفضلاء المسيحية المعتمدين في ديباجة (البيبل) الجديد: ثبت لي بظهور الأدلة الخفية ثلاثة أمور جزماً: الأول أن التوراة الموجودة ليست من تصنيف موسى، والثاني أنها كتبت في كنعان أو أورشليم، يعني ما كتب في عهد موسى، الذي كان بنو إسرائيل في هذا العهد في الصحارى، والثالث لا يثبت تأليفها قبل سلطنة داود ولا بعد زمان حزقيال، بل أنسبُ تأليفها إلى زمان سليمان عليه السلام، يعني قبل ألف سنة من ميلاد المسيح أو إلى زمان قريب منه، في الزمان الذي كان فيه هومر الشاعر، فالحاصل أن تأليفه بعد خمسمائة سنة من وفاة موسى).

(الأمر السابع) قال الفاضل (تورتن) من العلماء المسيحية: "إنه لا يوجد فرق معتد به في محاورة التوراة ومحاورات سائر الكتب من العهد العتيق الذي كتب في زمان أطلق فيه بنو إسرائيل من أسر بابل، مع أن بين هذين الزمانين تسعمائة عامٍ، وقد علم بالتجربة أنه يقع الفرق في اللسان بحسب اختلاف الزمان. في الباب السابع والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: "وتبنى هنالك مذبحاً للرب إلهَكَ من حجارة لم يكن مسها حديد" 8: "وتكتب على الحجارة كل كلام هذه السنة بياناً حسناً" وفي الباب الثامن من كتاب يوشع أنه بنى مذبحاً كما أمره موسى وكتب عليه التوراة؛ فعلم أن حجم التوراة كان بحيث لو كتب على حجارة المذبح لكان المذبح يسع ذلك، فلو كانت التوراة عبارة عن هذه الكتب الخمسة لما أمكن ذلك فالظاهر كما قلت في الأمر الرابع.

(الأمر الثامن) قال القسيس تورتن: "إنه لم يكن رسم الكتابة في عهد موسى عليه السلام" أقول: مقصوده من هذا الدليل أنه إذا لم يكن رسم الكتابة في ذلك العهد فلا يكون موسى كاتباً لهذه الكتب الخمسة، وهذا الدليل في غاية القوة لو ساعد كتب التواريخ المعتبرة، ويؤيده ما وقع في التاريخ الذي كان باللسان الإنكليزي وطبع سنة 1850 م في "مطبعة جارلس دالين" في بلدة لندن هكذا: "كان الناس في سالف الزمان ينقشون بميل الحديد أو الصفر أو العظم على ألواح الرصاص أو الخشب أو الشمع ثم استعمل أهل مصر بدل تلك الألواح أوراق الشجر (بيبرس) ثم اخترع الوصلي في بلد بركمس وسُوى القرطاس من القطن والإبريشم في

ص: 185

القرن الثامن وسوى في القرن الثالث عشر من الثوب واختراع القلم في القرن السابع" انتهى كلام هذا المؤرخ لو كان صحيحاً عند المسيحيين فلا شك في تأييده لكلام تورتن.

(الأمر التاسع) وقع فيها الأغلاط وكلام موسى عليه السلام أرفع من أن يكون كذلك، مثل ما وقع في الآية الخامسة عشرة من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين هكذا:"فهؤلاء بنو إليا الذين ولدتهم بين نهر سورية، ودينا ابنتها، فجميع بنيها وبناتها ثلاثة وثلاثون نفساً" فقوله ثلاثة وثلاثون نفساً غلط، والصحيح أربعة وثلاثون نفساً واعترف بكونه غلطاً مفسرهم المشهور رسلي حيث قال: "لو عددتم الأسماء وأخذتم دينا صارت أربعة وثلاثون، ولا بد من أخذها كما يعلم من تعداد أولاد زلفا لأن سارا بنت أشير واحدة من ستة عشر.

أما عن نسب الأناجيل الأربعة فذكر أن:

إنجيل متى كان باللسان العبراني وفقد بسبب تحريف الفرق المسيحية والموجود الآن ترجمته، ولا يوجد عندهم إسناد هذه الترجمة، حتى لم يعلم باليقين اسم المترجم أيضاً إلى الحين، كما اعترف به جيروم من أفاضل قدمائهم، فضلاً عن علم أحوال المترجم، ، وكذا لا يثبت مثل هذا الظن استناد الكتاب إلى المصنف.

وقال (وارد كاتلك) في كتابه: "صرح جيروم في مكتوبه أن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون في الباب الأخير من إنجيل مرقس الأخير، وبعض القدماء كانوا يشكون في بعض الآيات من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا، وبعض القدماء كانوا يشكون في البابين الأولين من هذا الإنجيل، وما كان هذان البابان في نسخة فرقة مارسيوني. ولم يثبت بالسند الكامل أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا من تصنيفه، بل ههنا أمور تدل على خلافه: أن طريق التصنيف في سالف الزمان قبل المسيح عليه السلام وبعده كان مثل الطريق المروج الآن في أهل الإسلام.

ثم فصل رحمت الله في الفصل الثالث: في بيان أن هذه الكتب مملوءة من الاختلافات والأغلاط؛ حيث فرق بينهما وأعطى أمثلة على كل واحد منهما (1).

القسم الأول: في بيان الاختلافات

على سبيل المثال: الآية السادسة والعشرون من الباب الرابع من سفر الملوك الأول هكذا: "وكان لسليمان أربعون ألف مدود يربى عليها خيل للمراكب واثني عشر ألف فارس" والآية الخامسة والعشرون من الباب التاسع من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا: "وكان لسليمان أربعة آلاف مدود واثنا عشر ألف فارس" هكذا في التراجم الفارسية والهندية، وحرَّف مترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 م عبارة سفر أخبار الأيام فبدل لفظ الأربعة بأربعين. وآدم كلارك المفسر نقل اختلاف التراجم والشروح ذيل عبارة سفر الملوك أولاً ثم قال:"الأحسن أن نعترف بوقوع التحريف في العدد نظراً إلى هذه الاختلافات".

بطلان صدق عيسى من الإنجيل:

(1) ((انظر المرجع السابق، ص 257 - 353.

ص: 186

ثم أبطل رحمت الله صدق عيسى عليه السلام من الإنجيل وشرح القواعد اللازمة لذلك قبل التحليل حيث قال: "لو تدبر أحد في كتبهم لما أمكن له الإذعان بكون عيسى مسيحاً موعوداً صادقاً، ولنمهد لبيان الملازمة أربعة أمور":

الأول: أن يواقيم بن يوشا لما أحرق الصحيفة التي كتبها باروخ من فم أرميا عليهم السلام، نزل الوحي إلى أرميا هكذا:" الرب يقول في ضد يواقيم ملك يهوذا أنه لا يكون منه جالس على كرسي داود" كما هو مصرح في الباب السادس والثلاثين من كتاب أرميا. والمسيح عندهم لا بد أن يكون جالساً على كرسي داود، ونقل لوقا أيضاً في الباب الأول من إنجيله قول جبريل لمريم عليهما السلام في حق عيسى عليه السلام "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه".

الثاني: إن مجيء المسيح كان مشروعاً بمجيء إيليا قبله، وكان من إنكار اليهود عيسى عليه السلام أن إيليا ما جاء، ومجيؤه أولاً ضروري وقد سلم عيسى عليه السلام أيضاً أن إيليا يجيء أولاً لكنه قال إنه قد جاء ولم يعرفوه، وإيليا أيضاً قد أنكر أني لست بإيليا.

الثالث: أن ظهور المعجزات وخوارق العادات عندهم ليس دليل الإيمان فضلاً عن النبوة ثم فضلاً عن الألوهية. في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى قول عيسى عليه السلام هكذا: "سيقوم مُسَحاء كذَبَة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يُضلوا لو أمكن المتارين أيضاً"، وفي الآية التاسعة من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي قول بولس في حق الدجال:"الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة".

الرابع: أن من يدعو إلى عبادة غير الله، فهو واجب القتل بحكم التوراة وإن كان ذا معجزات عظيمة، ومدَّعي الألوهية أَشنعُ من هذا، ويدعو إلى عبادة غير الله لأنه غير الله يقيناً كما ستعرف في الباب الرابع مفصَلاً ومدلَّلاً، ويدعو إلى عبادة نفسه.

تحليل رحمت الله:

إن عيسى عليه السلام ولد يواقيم على حسب النسب المدرج في إنجيل متى، فلا يكون قابلاً لأن يجلس على كرسي داود بحكم المقدمة الأولى، ولم يجيء قبله إيليا لأن يحيى لما اعترف بأنه ليس بإيليا فالقول الذي يكون بخلافه لا يقبل، ولا يتصور أن يكون إيليا مرسلاً من الله ذا وحي وإلهام ولا يعرف نفسه، فلا يكون عيسى عليه السلام مسيحاً موعوداً بحكم المقدمة الثانية، وادعى الألوهية على زعم أهل التثليث، فيكون واجب القتل بحكم المقدمة الرابعة، والمعجزات التي نقلت في الأناجيل ليست بصحيحة عند المخالف أولاً، ولو سُلمت ليست دليلَ الإيمان فضلاً عن النبوة، فيكون اليهود مصيبين في قتله، والعياذُ بالله، وما الفرق بين هذا المسيح الذي يعتقده النصارى وبين مسيح اليهود، وكيف يُعلم أن الأول صادق والثاني كاذب، مع أن كلاً منهما يدعي الحقيقة لنفسه، وكلٌّ منهما ذو معجزات باهرة على اعترافهم فلا بد من العلامة الفارقة بحيث تكون حجة على المخالف، فالحمد لله الذي نجانا من هذه المهالك بواسطة نبيه وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى اعتقدنا أن عيسى ابن مريم عليهما

ص: 187