الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
ألا يكون في حالة قلق نفسي، أو في حالة يكون فيها خارجا عن حد الاعتدال؛ كالجوع والعطش والامتلاء الخارجة عن حد العادة، والغضب والمدافعة والفرح البالغة مبلغ التأثير.
3 -
أن يحترز عن الضحك ورفع الصوت والسفاهة، فإن الجهال يسترون بها جهلهم.
4 -
أن يجتنب مناظرة ذي هيبة يخشاه؛ لأن الهيبة تذهب دقة النظر.
آداب في مقالة المناظر؛ ومنها:
1 -
أن يحترز عن إطالة الكلام إطالة تؤدي إلى الإملال أو يختصره اختصارا يخل بالفهم.
2 -
ألا يستخدم الألفاظ الغريبة، أو الجمل المحتملة أكثر من معنى.
3 -
أن يحترز عما لا دخل له بالمقصود، ويكون كلامه ملائما للموضوع.
آداب كل من المتناظرين مع خصمه؛ ومنها:
1 -
أن يقصد كل منهما إظهار الحق ولو على يد خصمه.
2 -
ألا يحتقر خصمه، أو يقلل من شأنه لأن ذلك يقلل من اهتمامه فيغلبه.
3 -
ألا يدخل في كلام خصمه قبل تمامه وفهمه له وإن احتاج إلى طلب إعادته فلا بأس، إذ الدخول في الكلام قبل الفهم قبيح، ويغني عنه الاستفسار.
4 -
يمكن النظر إلى طرق الاستدلال في المناظرة بعدة اعتبارات من أبرزها وأفضلها اعتبار مادة الدليل التي تكون نقلية أو عقلية أو مركبة منهما (1).
كانت المناظرة قديما تقوم بين كل من الديانتين الإسلامية والمسيحية - بشكل عام - أما حديثا فأصبحت تختار وتركز على الموضوعات قبل الدخول في التناظر. وإنه ليهمنا التعرف على المنهج الجدلي عند الدعاة المسلمين وعند التبشيريين المسيحيين، وإن المنهج الجدلي عند المسلمين لينبع من النبع الصافي، والمصدر الأساسي لهم، وهو القرآن الكريم.
المنهج القرآني في الجدل:
الجدل لغة: اللدد في الخصومة والقدرة عليها، ورجل جدل ومجدال: شديد الجدل، يقال: جادلت الرجل جدلا، أي غلبته. وفي الاصطلاح: الخصومة والمنازعة في البيان، والكلام لإلزام الخصم بإبطال مدعاه، وإثبات دعوى المتكلم، ومنه الحسن والقبيح، وكل محاورة فكرية تحدث عنها القرآن الكريم تعد داخلة في جدل القرآن، وإن لم تكن بلغة الجدل فهي بمعناه كما يدل عليه الوضع اللغوي، وقد ورد الجدل في القرآن بعدة صيغ. والجدال الممدوح هو ما كان بنية خالصة، وجرى بطريقة سليمة، وأدى إلى خير (2).
(1) مرجع سابق: ابراهيم بن صالح الحميدان، أسلوب المناظرة في دعوة النصارى إلى الإسلام، ، ص 261 وما بعدها.
(2)
عبد السلام بنهروال، المنهج القرآني في الجدل والاستدلال، أستاذ التعليم العالي بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، المغرب.
ومن طرق الاستدلال القرآني (1):
1 -
الأقيسة الإضمارية: وهي الأقيسة التي تحذف فيها إحدى المقدمات مثل: " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له كن فيكون، الحق من ربك فلا تكن من الممترين "[آل عمران: 59، 60] لم تذكر فيه سوى مقدمة واحدة، وهي إثبات مماثلة آدم لعيسى، وطوى ما عداها وكان سياق الدليل هكذا: إن آدم خلق من غير أب كعيسى، فلو كان عيسى ابنا بسبب ذلك لكان آدم أولى؛ لكن آدم ليس ابنا باعترافكم، فعيسى ليس ابنا أيضا، وقد كان في حذفها طلاوة.
2 -
القصص: مثل قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه.
3 -
قياس الخلف: وهو الذي يتجه فيه إلى إثبات المطلوب بإبطال نقيضه مثل: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، فسبحان الله رب العرش عما تصفون "[الأنبياء: 22].
4 -
السبر والتقسيم: حيث يذكر أقسام الموضوع المجادل فيه، ويبين أنه ليس من خواص واحد فيها ما يوجب الدعوى التي يدعيها الخصم.
5 -
التمثيل: وهو أن يقيس المستدل الأمر الذي يدعيه على أمر معروف، ويبين الجهة الجامعة بينهما.
يتبين أن القرآن يسلك في مجادلته سياسة جدلية بيانية يعالج بها أوضاع الخصوم، ويناقشهم مما يتناسب مع أحوالهم في مقام المجادلة ومثال ذلك قصة إبراهيم مع قومه. يطالب كل مجادل أن يكون جداله عن علم، كما أن الدعوة للحق يجب أن تكون بعلم، وقد ذم الله المجادلين بغير علم فقال:(ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق)[الحج: 8 - 9]. إن الأصل في الجدل القرآني أن يكون بالتي هي أحسن، وهو يستخدم الجدل كوسيلة من وسائل الإقناع بالحجة والبرهان في إثبات الحق وإزهاق الباطل، وعندما يستخدم القرآن في جدالة القسوة وتأنيب الخصم، فهذا لا يرجع إلى أسلوب الدعوة العام، ولكنه يرجع إلى أمور ذاتية تتعلق بالخصم المجادل؛ لأنه لم يصغ للحق، ولم يستخدم عقله، فيما يلقى إليه من بيان معزز بالبراهين والحجج، ولعل ذلك يفهم من الاستثناء في قوله تعالى:(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم)[العنكبوت: 46]. إن المظهر العام للجدل القرآني هو معاملة الخصوم بما يتناسب مع أحوالهم العلمية والاعتقادية، فكثيرا ما يكون جدل القرآن مع المشركين جدل هداية ودلالة، وقد يشتمل على تخطئة بعض مزاعمهم، بينما يكون جدل القرآن مع أهل الكتاب، جدل تخطئة وإلزام لأنهم على علم، أما الجدال القرآني مع المنافقين فتبدو عليه سمة الشدة والقسوة مصحوبا بالتهديد والوعيد (2).
(1) محمد أبو زهرة، تاريخ الجدل، (مصر: دار الفكر العربي، ط 1، 1934 م)، ص 64 وما بعدها. (بتصرف يسير).
(2)
مرجع سابق: عبد السلام بنهروال، المنهج القرآني في الجدل والاستدلال.
وختاما وردت في القرآن الكريم صيغ للجدال منها: )) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) آل عمران: 64
ورد في تفسير ابن كثير: هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم، والكلمة تطلق على الجملة المفيدة كما قال هاهنا. ثم وصفها بقوله:(سواء بيننا وبينكم) أي: عدل ونصف، نستوي نحن وأنتم فيها. ثم فسرها بقوله (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا)
…
(فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) أي: فإن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة فأشهدوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم (1).
وورد في تفسير الطبري: يقول أبو جعفر: تعالوا: هلموا إلى كلمة سواء، يعني: إلى كلمة عدل بيننا وبينكم، والكلمة العدل، هي أن نوحد الله فلا نعبد غيره، ونبرأ من كل معبود سواه، فلا نشرك به شيئا.
(ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا): ولا يدين بعضنا لبعض بالطاعة فيما أمر به من معاصي الله، ويعظمه بالسجود له كما يسجد لربه. (فإن تولوا): فإن أعرضوا عما دعوتهم إليه من كلمة السواء التي أمرتك بدعائهم إليها فلم يجيبوك إليها فقولوا أيها المؤمنون للمتولين عن ذلك اشهدوا بأنا مسلمون.
واختلف أهل التأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية: فقال بعضهم: نزلت في يهود بني إسرائيل الذين كانوا حوالي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
وقال آخرون: بل نزلت في الوفد من نصارى نجران (2).
كذلك آية: ((ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون)) (العنكبوت: (46
ورد في تفسير ابن كثير:
(وجادلهم بالتي هي أحسن) أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب (3).
وفي تفسير ابن تيمية: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) فهو أمر للمؤمنين أن يقولوا الحق الذي أوجبه الله عليهم وعلى جميع الخلق ليرضوا به الله
(1) مرجع سابق: تفسير ابن كثير باب 64، ج 2، ص 55، 56 (بتصرف).
(2)
تفسير الطبري باب 64، ج 6، ص 484 - 487.
(3)
مرجع سابق: تفسير ابن كثير باب 125، ج 4، ص 613.
وتقوم به الحجة على المخالفين فإن هذا من الجدال بالتي هي أحسن وهو أن تقول كلاما حقا يلزمك ويلزم المنازع لك أن يقوله فإن وافقك وإلا ظهر عناده وظلمه (1).
في الختام تبين لنا - في هذا المبحث - كيف كانت المناظرة قديما وحديثا، كما تبين غلبة جانب نقد النصرانية من خلال كثرة عدد القضايا التي تعالج قضايا في الديانة النصرانية في مقابل عدد القضايا التي تعالج قضايا في الإسلام، وتفوق الطرف الإسلامي في طرق الاستدلال، وغلبة إنشاء القضايا لدى الطرف النصراني من قبله مقابل إنشاء القضايا لدى الطرف الإسلامي من قبله، وأن نقد الطرف الإسلامي للمعتقدات النصرانية أكثر من نقد الطرف النصراني للمعتقدات الإسلامية، وأن هناك آداب حال التناظر يجب مراعاتها، وأن نقد الطرف الإسلامي للمعتقدات النصرانية أكثر من نقد الطرف النصراني للمعتقدات الإسلامية، وهناك طرق متعدد وأساليب مختلفة تستمد من القرآن الكريم في باب الجدل، وتبين كيف أن المنهج القرآني في مجادلة النصارى وأهل الكتاب هو منهج التخطئة والإلزام.
(1) ابن تيمية في الجواب الصحيح، ج 3، ص 82