الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- محمد قمر الإسلام (إمام الجامع الكبير في بلدة أكبر آباد)"كنت شريكا في المباحثتين، والتقرير كله ضبط بالصحة ".
- قادري محمد جعفر نجش " هذا التنميق واقع وأنا حاضر في الجلستين ".
- خادم علي مهتم (مطلع الأخبار)" سمعت تقرير نصف الجلسة في اليوم الثاني، فحرر بعينه كما كان، لا تفاوت فيه بمقدار ذرة".
- محمد قمرالدين مهتم (أسعد الأخبار والمدرس الأول في مشنيري كالج)" التقرير الذي سمعته في الجلستين، رأيته مكتوبا في هذه الأوراق ".
- محمد عبد الشهيد كولوي " هذا العبد كان حاضرا في الجلستين، والتقرير المنقول في هذه الرسالة وقع بلا زيادة ونقصان ".
كما عرض د. الملكاوي المسائل الثلاث الباقية من وجهة نظر المنصرين، والرد عليهم بما يجوزون الاستدلال به من كتبهم وبما يصلح للمناظرة معهم
…
مستعينا بكتاب إظهار الحق الذي عرض فيه الشيخ رحمت الله الهندي مسائل المناظرة الخمس عرضا وافيا، لكنه زاد على منهاجه في المناظرة؛ لأنه كان في كتابه مؤلفا وليس مناظرا (1).
تحليل ودراسة منهج المناظرة فيما بينهما
جرت مناظرة بين الشيخ رحمت الله ومعه د. محمد وزير خان والقس كئي في منزل القسيس فرنج - أولا - عام 1854 م - بمدينة أكره بالهند - وتم نشرالمناظرة في هامش المجلد الثاني من كتاب الشيخ رحمت الله " إزالة الشكوك "، ونقلها أ. إمداد صابري في كتابه " آثار رحمت الله " في فصل المناظرة الشفهية. كان كتاب "إزالة الأوهام" هو أول كتاب لرحمت الله للرد على كتاب ميزان الحق لفندر. دارت المناظرة مع القس كئي حول سند الكتاب المقدس، والتناقضات الواردة فيه: مثل الأعداد، وكلا القسين لم يستطيعا إثبات صحة السند، أو إبطال التناقضات، واتضح من خلال المناقشة دراية د. وزير خان بكلام كبار مفسري الكتاب المقدس (2).
دارت المناظرة الكبرى والتي سجلها عبد الله الهندي - المترجم الثاني للدولة الإنجليزية - في دار الحكومة - أكبر آباد - وطبقت سنة 1270 هـ. دارت تلك المناظرة الكبرى بين رحمت الله الهندي والقس فندر، حول التحريف وكذلك معنى النسخ عند النصارى معرفة حقيقية وجلية؛ حيث فرق بين النسخ في الأخبار وبين الأحكام والأمور العقدية والتي ليس فيها نسخ (3).
حيث تقرر عقد مجلس المناظرة في (10 من إبريل 1854 هـ) في أكره إحدى مديريات الولاية الشمالية الرئيسية وأحد مجالات النشاط التنصيري في الهند، وفي حي من أحيائها
(1) د. محمد أحمد عبد القادر خليل الملكاوي، بشرية المسيح ونبوة محمد، (الرياض: مطابع الفرزدق التجارية، ط 1، 1993 م)، ص 9.
(2)
انظر مرجع سابق: المناظرة الكبرى بين العلامة الشيخ رحمت الله والدكتور القسيس كتبها: السيد عبد الله الهندي ترجمة: رفاعي الخولي الكاتب بعناية: بسام عبد الوهاب الجابي، ص 123 وما بعدها
(3)
المرجع السابق.
المعروفة بحارة ((عبد المسيح)) (1)(بدأ الحفل في اليوم المعين، والساعة المحددة وقد حضرها ولاة المديرية من حكام وقضاه، وبعض كبار موظفي الثكنة الإنجليزية من الإنجليز، وحضر القس (وليم كلين WILLIAM CLEAN) وعدد كبير من أعيان البلد ووجهائه، ومن أبناء البلد المسلمين والمسيحيين والهنادك والسيخ، وكان الدكتور محمد وزير خان بجوار الشيخ رحمة الله يساعده ويتعاون معه، وكانت تلك القضايا موضوع البحث والمناظرة وهي (2):
- التحريف في الكتاب المقدس (العهد القديم والجديد).
- وقوع النسخ.
- التثليث.
- نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
- صدق القرآن وصحته.
وقد تقرر أنه إذا انتصر الشيخ رحمة الله في المناظرة يدخل ((فندر)) في الإسلام، وإن كان العكس يتنصر الشيخ .. أسفرت هذه المناظرة التي لفتت أنظار المعنيين بالقضية في داخل البلد وخارجه، وكانت حديث النوادي، والشغل الشاغل، والمقيم في البلد عن اعتراف القس ((فندر)) بوقوع التحريف في ثمانية مواضع من الإنجيل، وقد أفزع ذلك الولاة وأنصار ((فندر)) وشيعته، ولكنه سهم أطلق من القوس فلا راد له، وتزايد عدد الحاضرين في الغد، وازداد عدد الحكام الإنجليز، والمسيحيين والهنادك والسيخ، وحضرها جم غفير من المسلمين، وأصر ((فندر)) على أن الأخطاء التي وقعت في الإنجيل كانت من سهو الكاتب، أما العبارات التي تتضمن عقيدة التثليث، وألوهية المسيح، والفداء والشفاعة فهي مصونة من التحريف، وقد رد عليه الشيخ بقوله:(إنك ما دمت قد اعترفت بوقوع التحريف في الإنجيل، فقد أصبح هذا الكتاب مشكوكا فيه برمته) وانتهى البحث على ذلك، ولم يرجع القس إلى البحث والمناظرة في اليوم الثالث (3) وكان من الواضح أنه انسحب عن ميدان المناظرة، وكان انتصارا رائعا للجانب الإسلامي، قويت به معنوية المسلمين، وتشجعوا على مواجهة القسس ورد دعاويهم، وفقدت الدعوة التنصيرية الكثير من اعتبارها وقيمتها (4).
يبدو أن المناظرة تركزت في البداية حول تحرير مصطلح النسخ، إلا أنه لو كانت وضعت في المكاتيب وتحددت المصطلحات التي سبقت التحرير لكانت أولى وأدق. سأورد تحليلي في المناظرة بعد الإتيان بالكلام نصا لأحدهما أو لكليهما مع استنتاجات موجزة.
(1) منسوبة إلى أحد المتنصرين من أبناء البلد، يظهر من ذلك نفوذ حركة التنصير في داخل البلد.
(2)
المرجع السابق.
(3)
راجع للتفصيل ((البحث الشريف في مسألتي النسخ والتحريف)) في خطابه هذه المناظرة وخبرها للشيخ رفاعي الخولي على هامش ((إظهار الحق)) طبع المطبعة العلمية باستنبول عام 1315 هـ.
(4)
انظر: أبي حسن الندوي (مقدمة) لإظهار الحق، طبعة الدوحة، قطر، 1980 م.
الجزء الأول: في النسخ
عندما قال الشيخ رحمة الله: هذا بعيدٌ من إنصافِكم أن القول الذي تسمعونه من أحدٍ من المسلمين تنسِبونَه إلى القرآن والتفاسير، وبالجملة، لا شك أنه (أي: ادِّعاء كون الزبور ناسخاً للتوراة ومنسوخاً من الإنجيل) غلط. قال القسيس: نعم!
[- فهذا إقرار بالخطأ؛ أنه نقل شيئا في كتابه دون علم وتحر].
ولما قال القسيس: لا يمكن نسخ الإنجيل قطعا؛ لأن قول المسيح في الآية العدد 33 من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا Luc هكذا: (السماءُ والأرضُ تزولان وكلامي لا يزولُ).
قال الحكيم محمد وزير خان: هذا القول ليس بعام، بل خاصٌ بالخبر عن الحادثة التي أخبر عنها المسيح عليه السلام قبل تلك الآية، ومعناه: لو زالتِ السماءُ والأرضُ بالفَرَض، لكن كلامي هذا لا يزولُ عن الحادثةِ التي أخبرتُ به عنها. قال القسيس: إنّ هذا القول ليس بخاص بل عام.
[-إن تعميم الخاص أو تخصيص العام يحتاج إلى دليل].
قال القسيس: نعم! التوراةُ منسوخٌ، لكن كلامنا ليس في التوراة.
[-اعترف القس النبيل بنسخ التوراة في هذا الموضع].
قال الحكيمُ: لِمَ لا يكونُ كلامكم في التوراة وعندنا التوراةُ والإنجيلُ مستويان؟ ! وقد صرَّحتم في عنوان الفصل الثاني من الباب الأول من كتاب "ميزان الحق": إنَّ الإنجيل وكُتُبَ العهد العتيق لم تُنْسخ في وقتٍ من الأوقات!
[- أظهر الحكيم أن قوله في كتابه يناقض ما أدلى به منذ قليل من الاعتراف بنسخ التوراة].
فتحيِّرَ القسيسُ وقال: أفتى بعض العلماء بِحِلِّيةِ هذه الأشياء نظراً إلى تلك الآيات.
[-يعترف ببعض العلماء، ولكن سيأتي استنكاره للعلماء الذين يوردهم الفاضل بعد ذلك].
قال الفاضل الشيخ رحمة الله: إن قولَ المسيح في حق الحواريين في الباب العاشر من إنجيل متى هكذا: (إلى طريقِ أُمَمٍ لا تمضوا، وإلى مدينةٍ للسَّامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحَرِيِّ إلى خِراف بيت إسرائيل الضَّالَّة)، وفي الباب الخامس عشر من إنجيل متى وقع قوله في حق نفسه هكذا:(لم أُرسَل إلَاّ إلى خِراف بيت إسرائيل الضالة)؛ فأقر بخصوص نبوته إلى بني إسرائيل، ووقع قوله في خطابهم في الآية الخامسة عشر من الباب السادس عشر من إنجيل مرقس Mac هكذا:(اذهَبُوا إلى العالم أجْمَع، وأكرزوا بالإنجيل للخليقَة)؛ فالقولُ الثاني ناسخٌ للأول. قال القسيس: إن المسيحَ نفسَه نَسَخَ الحكم الأول.
[- الاعتراف الثاني أن النسخ جائز في الإنجيل كذلك].
ثم قال: بيِّنوا.
[- لا أراه إلا أنه قد أعطى نفسه مهلة للتفكير في حين أن رحمت الله أراد غلق الباب تماما].
قال القِسِّيسُ فرنج French: قد قلنا في السابق - يعنى في المباحثة السابقة- أنه نُسخَ من التوراة أحكامٌ كانت أظلالاً للمسيح، وكان نَسْخُها مناسباً؛ لأن المسيحَ كمَّلها؛ وأمَّا البشاراتُ التي كانت في حق المسيح فهي غير منسوخة.
[-المباحثة السابقة يقصد بها المناظرة الصغرى].
قال الحكيم: لو سُلِّمَ أن أحكام التوراة كمُلَت بمجيء المسيح؛ فلا بد من إقرار النَّسخ في الأحكام التي نُسخِت قبلَ المسيح.
[-استدراك خطير من الحكيم].
قال القسيس فندر Pfander: نحن نفرِّق أيضاً بين إمكانِه ووقوعِه بالفعل، وتَمَّ الكلام في النَّسْخ؛ فاشرعوا في مبحث التحريف.
[-يحاول أن يثبت أن النسخ لم يقع على الرغم من اعترافه بإمكان وقوعه].
الجزء الثاني: في التحريف
الجلسة الأولى
قال الفاضل المناظر الشيخ رحمة الله، عامله الله بلطفه: التِماسنا أولاً أن تُبيِّنُوا أن التحريفَ بأيِّ وجهٍ يثبُتُ عندكم، ليثبت على ذلك الوجه (ويتم عليكم)؟ فما أجابَ القسيس بجوابٍ واضح.
[-يحاول تحرير مصطلح التحريف قبل الخوض في المناظرة].
قال القسيس: لا نقولُ في حق الألفاظ شيئاً.
[- سيورد رحمت الله كلام علمائهم المشهورين الذين يقولون أنها ليست إلهامية؛ حيث أثبتوا إسقاط بعض الآيات من النسخ].
قال القسيس: إن جستن Justin كان رجلاً واحداً، وسَها. قال القسيس: ماذا يكونُ بتحريرِ هنري واسكات Henry&Scott؟ ! لأنهما مفسِّران، والمفسرون غيرُهم مِئون.
[- لايعترف بجستن -كذلك لا يعترف بسكوت وهنري].
قال الفاضل الشيخ رحمة الله: إن هذَيْن المفسرَين ما كتَبَا آراءهما فقط، بل بَيِّنا مذهبَ جمهور القُدماء. قال القسيس: إن المسيحَ شهِدَ في حق كُتُب العهد العتيق، وشهادَتُهُ أزيد قبولاً من شهادة غيره، وهي هذه الآية 46 من الباب الخامس من إنجيل يوحنا Jean، هكذا:(لو كُنتم تصدِّقون موسى لكنتم تصدِّقونني؛ لأنه كَتَب عني)، والآية 27 من الباب 24 من إنجيل لوقا Luc:(ثُم ابتَدأَ من موسى ومِنْ جميع الأنبياء يُفَسِّرُ لهما الأمورَ المختصَّةَ به في جميع الكُتب)، والآية 31 من الباب 16 من إنجيل لوقا:(فقال له: إنْ كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء، ولا إنْ قامَ واحدٌ من الأمواتِ يُصدِّقون).
[-استدراك خطير من القس؛ حيث يريد أن يثبت التوراة عن طريق نصوص الإنجيل، بينما كان يصر رحمت الله على إبطال التوراة ثم الإنجيل عن طريق السند وأقوال المفسرين المعتبرين، فغير فندر مجرى الإثبات].
قال القسيس: لا نُسَلِّمُ لبيلي Paley في هذا الموضع.
[-شعر فندر أنه قد اقترب من تحقيق النصر، وأن عدة رحمت الله ووزير خان قد أوشكت على الانتهاء؛ فأصر على موقفه من عدم قبول أقوال بعض العلماء على الرغم من تحججه في بداية حديثه بآراء بعض العلماء].
قال القسيس: أوردنا لِكتُبِ العهد العتيق شهادةَ المسيح، فعليكم إثبات تحريفِ الإنجيل.
[- أغلق فندر الباب، وشعر بالانتصار؛ حيث إن الخصم لا يدور إلا في فلك واحد مع الإصرار عليه دون غيره].
قال الحكيم: إن قولكم هذا، وإن كان غير صواب - لما علمتَ فيما مضى - لكنكم إن كنتم مشتاقين لثُبوت تحريف الإنجيل؛ فاسمعوا.
[- كانت المفاجأة! اسمعوا].
ثم أقر القسيس: إن التحريف وقَعَ ههنا، وكذا في موضع أو موضعَيْن آخرين.
[-اعتراف بتحريف الإنجيل].
ثم التفت القسيس فرنج إلى الحكيم، وقال في لسان أردو: إن القسيس فندر أيضاً يُسلِّمُ أن التحريفَ قد وقَعَ في سبعة أو ثمانية مواضع.
[- الغريب أن فرنج يؤكد التحريف! ].
فقال الفاضل قمرُ الإسلام إمامُ الجامع الكبير في أكبر آباد للكاتب خادم علي، مهتم " مطلع الأخبار: " اكتبوا أنّ القسيس أقرَّ بالتحريف في سبعة أو ثمانية مواضع، (واطبَعوا في جريدتكم). قال القسيس بعد استماعه: نعم! اكتُبوا. ثم قال: ما يلزم النقصان في الكتب المقدسة وإن وقع التحريف بهذا القدر، وقد اختلفَت العباراتُ يقيناً بسهو الكاتبين.
[-هنا اتضح موقف فندر من الاعتراف بالتحريف أنه يفرق بينه وبين النقص في المتن الذي يشير إلى عبارات التثليث، ويستمر موقفه حتى نهاية المناظرة على هذا الشكل .. إلى أن أنهيت المناظرة ورد عليه أحد الحضور: كيف يكون هناك تحريف ولا يكون هناك نقص في المتن! ؟ ].
قال الحكيم: إنَّ اختلافات العبارة عند البعض مئة ألف وخمسون ألفاً، وعند البعض ثلاثون ألفاً، فمختاركم أيّ قولٍ من هذين القولين؟
[- تأكد الحكيم أن القس وقع في أزمة وأنه لامناص من الاعتراف، فأراد أن يجهز عليه وأن يغلق الباب تماما].
قال القسيس: لا نقدِرُ أن نعيِّن إحداهما جزْماً.
[-تأكيد تام بالتحريف في الكتاب المقدس]
قال الفاضل المناظر النحرير: أقْرَرْتُم بالتحريف في ثمانية مواضع، ونحن نثبته إن شاء الله في خمسين أو ستين موضعاً بإقرار العلماء المسيحية؛ فإن كانت المباحثةُ مقصودةً لكم فلا بُدَّ من مراعاة ثلاثة أشياء: الأول: نطلب منكم السندَ المتصل لبعض الكتب، فلا بُد من بيانِه. والثاني: لا بد من تسليم خمسين أو ستين موضعاً التي أقرَّ فيها العلماء المسيحية بالتحريف، أولا بُدَّ من تأويلها، ولا نقولُ: إنَّهُ يلزمكم تسليم قول هورن Horne طَوعاً أو كرهاً، وأنتم أدونُ من هورن، بل نقول لا بُد أولاً من استماع هذه المواضع ثم اختيار أحد الأمرين، أعني: التسليم أو التأويل. والثالث: ما لم تفرغوا من تسليم هذه المواضع الخمسين أو الستين أو تأويلها لا تستدلّوا بهذا المجموع علينا. قال القسيس: نقْبَلُ بشرط، هو أنِّي أَسألُ غدا: إن الإنجيل الذي كان في عهد نبيكم أيّ إنجيل كان؟ .
[-يظن القس أنه بإثبات هذا يكون قد أثبت صحة الإنجيل دون تقديم إسناد]
وأشار إلى إسمت مشير الضبطية؛ فقال: اسألوه. لكنه ما قال في هذا الباب شيئاً، ثم قال المفتي: إذا كان اختلافُ العبارات مسلَّماً عندكم، فإذا وجدت العبارتان مختلفتين، فهل تقدرون أن تعيّنوا إحداهما أن هذه كلام الله جزما أم لا تقدرون؟ بل كلتاهما مشكوكتان! ).
[- سؤال في غاية الأهمية للتأكيد على إقراره التحريف؛ حيث إن الكلام كان به ثغرة لم يدركها فندر في حينها، وهي أنه قد يكون هناك تحريف لكنه مع تعيين مواضعه يبطل الغرض، إلا أن فندركان يخشى إن أقر بشيء كهذا أن يلزم بإحضاره وهو لايعرفه]
الجلسة الثانية
قال الفاضل: لم يثبتْ براويةٍ ضعيفةٍ أو قويةٍ تعينهُ حتى يتبين أنَّه إنجيل متى أو يوحنا أو شخص آخر، وما كُنَّا مأمورين بتلاوتِه ليُعلم حاله. أشارَ القسيس إلى أمراء الإنكليز، وقال: هؤلاء الجالسون كلُّهم أهلُ الكتاب؛ فاسألوهم: أيّ إنجيل كان؟
قال الحكيم: إنّ الثابت بالقرآن هذا القدر فقط: إن الإنجيلَ نَزلَ على عيسى عليه السلام، ولا يعلم أنَّه أيّ إنجيل كان، وكان الأناجيلُ الكثيرةُ مشتهرةً في ذلك الزمان، مثل إنجيل برناباه Barnabas، وبَرْتُولُمَا Bartholomew وغيرهما.
[-يحاول الحكيم الإشارة إلى الأناجيل الصحيحة مع السقيمة حتى يقرب له معنى الآية الواردة عقلا لا نقلا ولا بتفسير المفسرين].
فأرادَ الحكيمُ أن يجيبُ؛ فمَنَعَهُ القسيس فندر، وكلما أرادَ الحكيم أنْ يجيب كان القسيس فندر يمنعه ويقول: لا!
[- شعر فندر أن الحكيم هوالمختص بالإجابة على تلك النوعية من الأسئلة وأنه الأقوى في تلك الجزئية؛ فأراد أن يحرج رحمت الله ووزير خان خلافا لآداب المناظرة وحتى يستطيع أن يحقق أي انتصار جزئي ولو على حسابهما بعد توالي انتصارات رحمت الله عليه].
ثم التفتَ القسيس إلى الفاضل المناظر؛ فقال المفتي رياض الدين: لابُدَّ أن يُبَيِّن أولاً معنى التحريف، ثم يُباحث عليه لينكشف الحال للحاضرين حق الانكشاف.
[-تدارك المفتي الأمر، وانتقل إلى تحرير التحريف بدقة، حتى يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح].
قال القسيس: إن هذه الأشياء كلّها داخلةٌ عندنا في سهو الكاتب، سواءٌ كان وقوعُها قصداً أو سهواً أو جهلاً أو غلطاً، لكن مثل هذا السهو يوجد في الآيات في خمس أو ست، وفي الألفاظ في مواضع كثيرة.
[-تأكيد أن النزاع في المصطلح كان لفظيا وأن التحريف لا يعني سوى التحريف].
قال القسيس: إن تحريفَ المتنِ يثبُتُ إذا وجدتُم نسخةً عتيقةً لا يكون فيها ذكر ألوهية المسيح عليه السلام ويوجد في هذه النسخة المتداولة الآن، ولا يكون فيها ذكر كفّارة المسيح ويوجد في هذه.
[- وهنا خروج آخر عن قواعد التناظر؛ لأن المفروض أن القاعدة تقول: رحمت الله معترضا وفندر مجيب وليس العكس، وبما أن رحمت الله قد أثبت التحريف، وتحول فندر إلى معترض؛ فأصبح يلزمه إثبات ذلك والجواب عليه، كما أن سند الكتاب المقدس لم يقدم، وكان الأمر يتطلب إثبات كيفية التحريف بضرب الأمثلة لا أكثر، فلما تبين ذلك لم يحتج الأمر إلى الوصول لإثبات نص التثليث؛ لأن النسخ الأصلية غير موجودة فضلا عن إثبات تحريف النسخ الحالية؛ فيلزم من تحريف البعض إمكان تحريف أي شيء آخر].
قال الفاضل النحرير: كان على ذِمَّتِنا هذا القدر فقط، أن نُثبِتَ كونَ هذه النسخة مشكوكة؛ فثبت بحمد الله، وصارَ الكتابُ كلُّه بهذا الإثبات مشكوكاً، لكنَّكم لما ادَّعَيتم سلامة بعض المواضع عن التحريف مع اعتراف وقوعه في بعض آخر؛ فإثبات تلك السلامة على ذِمَّتِكم لا على ذِمَّتِنا. وبقي أمرٌ آخر قابلٌ لأن يُسألَ عنه، وهو هذا: أَتُسَلِّمون أنّ سهواً من هذه السهوات التي هي مسلَّمة عندَكم، وهي تحريفات بعينها عندنا، يوجد في جميع النُّسَخ أم لا؟
[- استدراك خطير من رحمت الله، لكن كالعادة يخشى القس أن يجيبه بما لا يعلم فإذا أجاب في البعض لكان السؤال التالي إذن فعينها].
قال القسيس: نعم! مثل هذا السهو يوجَدُ في جميع النُّسَخ. فاعترض عليه القسيس فرنج؛ فقال القسيس فندر: غلطتُ، ورأي القسيس فرنج أحسن.
[-تدارك فندر الفكرة بعدما كان ذهنه مشوشا، وأراد الرجوع، وعلى الرغم من خطأ ذلك وتم إثباته إلا أن رحمت الله سمح له بالتراجع واستمر في التناظر].
قال القسيس: أجيبوني بالاختصار، أتُسلِّمون المتْنَ أم لا؟ فإنْ سَلَّمتم تكون المباحثة في الأسبوع الآتي؛ لأنا لا نستدلُّ في المباحثة الباقية إلا بالأدلَّة النقلية من هذا الكتاب، ونعلَمُ أن العقلَ محكومُ الكتاب، لا أنّ الكتابَ محكومُ العقل.
[-أغلق فندر الباب بإصراره، بل أغلق كل ما تلى من مناظرات؛ لأن أدلته في التثليث لم تكن مستندة على العقل بل النقل، وفي حد ذاته أنا أرى أن المناظرة قد تمت في التثليث بتلك العبارة وقد أبطل التثليث من ناحية العقل دون الخوض في الحديث فيه وبالتالي فتح الباب أمام الناظرين للاعتراف بتحريف الديانة وصرف النظر عنها لديانة أكثر سلامة وأمنا ومقبولة عقلا ومعتمدة نقلا].
قال الفاضل: لما ثَبَتَ الزيادةُ والنقصانُ في هذه الكُتُبِ على اعترافكم أيضاً، وثَبَتَ التحريفُ فيها، صارت مشتَبَهةً عندنا بهذا السَّبب، ولا نعتقدُ البَتَّةَ أنَّ الغَلَطَ لم يقع في المتْن، فلا يصحّ لكم أن تُورِدوا دليلاً من هذه الكتب علينا في المباحثة الآتية في مسألَتَي التثليث والنبوة؛ لأنه لا يكون حُجَّةً علينا.