المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: من خلال كتاب ميزان الحق: - منهج دراسة الأديان بين الشيخ رحمت الله الهندي والقس فندر

[شريف فياض]

فهرس الكتاب

- ‌شكر واجب

- ‌إهداء

- ‌تمهيد

- ‌مشكلة البحث

- ‌فروض البحث

- ‌التساؤلات البحثية

- ‌المنهج

- ‌كيفية الكتابة وعرض الموضوع

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌الأهمية

- ‌هدف الدراسة

- ‌الجديد في البحث

- ‌الدراسات السابقة

- ‌الموضوع

- ‌صعوبات البحث

- ‌الفصل الأول"التعريف بالشيخ رحمت الله والقس فندر

- ‌تمهيد

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأولالتعريف بالشيخ رحمت الله (1818 م- 1891 م)

- ‌اسمه ومولده وأسرته:

- ‌تحصيله وتعلمه:

- ‌الحالة العامة بالهند وجهود الشيخ:

- ‌مؤلفاته

- ‌هجرته إلى مكة:

- ‌رحمت الله وعرض سابقيه ولاحقيه

- ‌مقابلة بين وزير خان وأحمد ديدات

- ‌منهج الشيخ ديدات

- ‌منهجه في مناظراته:

- ‌عرض آثار العلماء زمن رحمت الله وآرائهم فيه

- ‌آراء العلماء في آثار الشيخ رحمت الله

- ‌رأي الشيخ ديدات في كتاب إظهار الحق:

- ‌رأي المحقق (الدكتور: الملكاوي) في كتاب إظهار الحق:

- ‌رأي الشيخ الندوي في إظهار الحق:

- ‌وبين التأييد والنقد رأي آخر في رحمت الله:

- ‌صدى الكتاب في الأوساط النصرانية والإسلامية:

- ‌المبحث الثانيالتعريف بالقس فندر (1803 م- 1865 م)

- ‌مقدمة:

- ‌مؤلفاته

- ‌فندر وعرض سابقيه ولاحقيه

- ‌الفرنسيسكان والدومنيكان

- ‌ريموند لول

- ‌المؤسسات التنصيرية:

- ‌عرض آثار العلماء زمن فندر وآرائهم فيه

- ‌(1) ترجمة حياة القس المولوي الدكتور / عماد محي الدين لاهيز

- ‌تمهيد

- ‌حياة القس المولوي الدكتور عماد محي الدين

- ‌الملحق

- ‌(2) - حياة صفدر علي (C.1830 - 1899):

- ‌التحليل

- ‌أسباب التحول إلى النصرانية عند كل من عماد وصفدر:

- ‌ثانيا: فندر في عيون الغرب

- ‌الطفولة والتعليم:

- ‌التبشير في أرمينيا

- ‌الانجيلية التبشيرية في الهند:

- ‌المناظرة

- ‌السنوات الأخيرة:

- ‌التقييم:

- ‌التحليل

- ‌المبحث الثالثنبذة عن التنصير وتاريخ المناظرات

- ‌أولا: نبذة عن التنصير

- ‌ثانيا: نبذة عن تاريخ المناظرات

- ‌المناظرة قديما:

- ‌المناظرة في العصر الحديث:

- ‌أولا: أبرز النتائج التحليلية

- ‌ثانيا: آداب المناظرة

- ‌آداب في هيئة المناظر وحاله؛ ومنها:

- ‌آداب في مقالة المناظر؛ ومنها:

- ‌المنهج القرآني في الجدل:

- ‌الفصل الثاني"منهج دراسة الأديان عند فندر

- ‌تمهيد

- ‌مدخل

- ‌التعريف بعيسى عليه السلام (بين القرآن والأناجيل)

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌معجزاته:

- ‌دعوته عليه الصلاة والسلام:

- ‌روافد العقيدة النصرانية

- ‌قانون الإيمان المسيحي

- ‌الاتجاه إلى التأليه والصعوبات التي واجهتهم:

- ‌من بولس وهل هو مؤسس المسيحية الجديدة

- ‌طوائف المسيحية والمذاهب الإيمانية

- ‌أولا: الطوائف المسيحية

- ‌ثانيا: المذاهب الإيمانية عند الطوائف المسيحية إلى

- ‌المبحث الأولمنهج فندر

- ‌منهج فندر من خلال كتبه:

- ‌1 - كتاب ميزان الحق والقضايا المثارة

- ‌ثانيا: كتاب مفتاح الأسرار والقضايا المثارة

- ‌المبحث الثانيتحليل منهج فندر

- ‌دراسة القضايا

- ‌1 - قضية التحريف

- ‌2 - قضية النسخ

- ‌3 - قضية التثليث

- ‌4 - قضية النبوة

- ‌5 - قضية القرآن

- ‌دراسة منهجه في كتبه

- ‌أولا: من خلال كتاب مفتاح الأسرار:

- ‌ثانيا: من خلال كتابيه ملاحظات محمدية وطريق الحياة:

- ‌ثالثا: من خلال كتاب ميزان الحق:

- ‌الفصل الثالث"منهج دراسة الأديان عند رحمت الله

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأولمنهج رحمت الله

- ‌منهج رحمت الله من خلال كتبه

- ‌1 - كتاب إظهار الحق والقضايا المثارة:

- ‌منهج رحمت الله في رد الكتاب المقدس كما بينه:

- ‌المبحث الثانيتحليل منهج رحمت الله

- ‌دراسة منهجه في كتبه

- ‌1 - كتاب إظهار الحق

- ‌2 - كتاب التنبيهات

- ‌دراسة القضايا

- ‌الفصل الرابع"تحليل ومقارنة المنهج بين رحمت الله وفندر

- ‌تمهيد

- ‌مدخل

- ‌ المناظرة

- ‌ أطراف المناظرة:

- ‌ التهيئة للمناظرة:

- ‌وقائع المناظرة

- ‌الجلسة الأولى: في مبحث النسخ

- ‌الجلسة الثانية: في التحريف

- ‌خاتمة المسائل

- ‌تحليل ودراسة منهج المناظرة فيما بينهما

- ‌نتائج المناظرة

- ‌المبحث الأولمقارنة بين فندر ورحمت الله

- ‌سند التوراة والإنجيل:

- ‌أولا: التوراة

- ‌ثانيا: الإنجيل

- ‌عقيدة المسيحية الجديدة:

- ‌جوانب الاتفاق والاختلاف بين رحمت الله وفندر:

- ‌أولا: بالنسبة للقضايا

- ‌1 - قضية التحريف

- ‌2 - قضية النسخ

- ‌3 - قضية التثليث

- ‌4 - قضية القرآن

- ‌5 - قضية النبوة

- ‌ثانيا: من خلال كتبهما

- ‌المبحث الثانيرحمت الله وفندر في الميزان

- ‌أولا: القواعد

- ‌ثانيا: الالتزام بشروط التعريف:

- ‌النتائج

- ‌من أهم النتائج التي خلصت إليها:

- ‌التوصيات

- ‌أولا: أسس المناقشة

- ‌ثانيا: تحرير المصطلحات وتعريفها

- ‌1. الالتزام بشروط التعريف:

- ‌2. التعريفات اللازمة:

- ‌3. التسليم بالتصديق البديهي كالتصديق النظري:

- ‌ثالثا: قواعد منطقية جديدة للمتناظرين قبل التناظر

- ‌القواعد:

- ‌ قواعد منهجية حديثة عند المناظرات

- ‌المنهج المقترح

- ‌ق‌‌‌‌ائمة المصادر والمراجع

- ‌‌‌ا

- ‌ا

- ‌المراجع باللغة العربية

- ‌ا

- ‌ب

- ‌ج

- ‌ح

- ‌خ

- ‌د

- ‌س

- ‌ر

- ‌ز

- ‌ش

- ‌ط

- ‌ع

- ‌ص

- ‌ف

- ‌ك

- ‌م

- ‌ي

- ‌ن

- ‌ة

- ‌المراجع باللغة الانجليزية

- ‌ملحق الرسالة

الفصل: ‌ثالثا: من خلال كتاب ميزان الحق:

‌ثالثا: من خلال كتاب ميزان الحق:

وردت أخطاء في بعض الآيات القرآنية الواردة في النصوص، ولكن ربما تكون أخطاء مطبعية مثل:[النساء: 159]" وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " فقد أوردها على أنها آية 157 كذلك آية " .. ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم "[آل عمران: 110] ذكر أنها آية 120.

يعتمد القس فندر على تفسير البيضاوي كثيرا، وحاولت جاهدا معرفة السبب إلا أني لم أقف على مصدر مؤكد فيه، وعزوت هذا الموضوع لبعض الاحتمالات الممكنة كما وأنه كان مشتهرا بين الناس - في ذلك الوقت - أو لربما وقع عليه فندر دون غيره من المفسرين، أو ربما لعدم تكلفه، وسهولته في تفسير الآيات، وأخيرا - ربما يكون بسبب قربه من الأفكار التي يود فندر الأخذ والاقتباس منها، على أنه للأمانة العلمية لم أجده ينقل كل ما في تفسير النص - كعادته - ويقتبس منها الاحتمال الذي يؤيد فكرته، ويقوي حجته، على الرغم من أن البيضاوي - على سبيل المثال - يورد في المسألة احتمالين لكن فندر لا يأخذ إلا بما يراه مناسبا لقضيته كما سنورد ذلك تفصيلا.

يورد فندر بعض الآيات القرآنية، والتي يستشهد منها، أن أهل الكتاب - زمن النبي - كانوا موجودين؛ حيث يقصد بذلك أنه لم يتم تحريف كتابهم حتى عصر النبي؛ فلفظة " كتاب " دالة على ما بأيديهم من الكتاب في ذلك الوقت وفي ذلك الزمان.

طريقة تفسيره لبعض الآيات غير علمية؛ ففي آية " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك"[يونس: 94] .. فيقول أن القرآن يأمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يسأل أهل الكتاب - إن حصل عنده شك في القرآن - ليتثبت به.

- ولايلزم من قوله: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ)(يونس: الآية 94) أن يكون الشك جائزاعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أوواقعا منه. ألا ترى قوله تعالى:(قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)(الزخرف: 81) هل يلزم منه أن يكون الولد جائزاعلى الله تعالى أوحاصلا؟ كلا، فهذا لم يكن حاصلا، ولاجائزاعلى الله تعالى، قال الله تعالى:(وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً)(مريم: 92)(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً)(مريم: 93). ولايلزم من قوله تعالى: (فَلاتَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(البقرة: الآية 147) أن كون الامتراء واقعا من الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن النهي عن الشيء قد يوجه إلى من لم يقع منه، ألاترى قوله تعالى:(وَلايَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلاتَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(القصص: 87) ومن المعلوم أنهم لم يصدوا النبي صلى الله عليه وسلم عن آيات الله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه شرك. والغرض من توجيه النهي إلى من لايقع منه: التنديد بمن وقع منهم والتحذيرمن منهاجهم، وبهذا يزول الاشتباه، وظن ما لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم (1).

(1) محمد بن صالح العثيمين، شرح أصول في التفسير، (السعودية: مؤسسة ابن عثيمين الخيرية، ط 1، 1434 هـ). ص 269 - ص 272.

ص: 156

ويؤخذ عليه الآتي:

أولا: جميع أجزاء الآيات يستدل بها يقينا على ما يقول. يتبع طريقة " ولا تقربوا الصلاة .. "؛ فقد استدل بالآية الكريمة " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله "[المائدة: 43] على وجود التوراة الحقة، وكذلك الإنجيل في آيات أخرى، وهو لا يتعارض مع المفهوم الإسلامي إلا أن ورودها بهذا الشكل، وبهذه الطريقة، يحدث لبسا عند القارئ؛ فلو استطاع أن يكمل الآية ستعطي معنى مغايرا تماما لما يقول .. هذا بالإضافة إلى الخطأ في إيراد رقم الآية.

قال أبوجعفر: يعني تعالى ذكره: وكيف يحكمك هؤلاءاليهود، يامحمد صلى الله عليه وسلم، بينهم، فيرضون بك حكمًا بينهم، "وعندهم التوراة" التي أنزلتهاعلى موسى، التي يقرُّون بها أنها حق، وأنها كتابي الذي أنزلته إلى نبيي، وأن ما فيه من حكم فمن حكمي، يعلمون ذلك لايتناكرونه، ولايتدافعونه، ويعلمون أن حكمي فيهاعلى الزاني المحصن الرجم، وهم مع عملهم بذلك، "يتولون

يقول لهم تعالى ذكره: كيف تقرّون، أيها اليهود، بحكم نبيّي محمد صلى الله عليه وسلم مع جحودكم نبوته وتكذيبكم إياه، وأنتم تتركون حكمي الذي تقرون به أنه حق عليكم واجبٌ، جاءكم به موسى من عند الله؟ يقول: فإذْا كنتم تتركون حكمي الذي جاءكم به موسى الذي تقرّون بنبوّته في كتابي، فأنتم بترك حكمي الذيي خبركم به نبيِّي محمد صلى الله عليه وسلم أنه حكمي- أحْرَى، مع جحودكم نبوَّته (1).

الاستشهاد الخاطئ بآية " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون إلى أن قال ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "[المائدة: 44] يشعر القارئ بأن المقصود هو عدم الحكم بالتوراة.

ثانيا: يكمل الآيات إذا كانت تؤيد دعواه فمن سورة الحديد (ثم قفينا على آثارهم برسلنا

وكثير منهم فاسقون) [الحديد: 27] مع عدم ذكر الآية - كاملا - فلجأ إلى حذف صدر الآية. أثبت - بطريقته تلك - صدق آيات التوراة والإنجيل على امتداد الإيمان بهما وإن حرفا.

ذكر عند إيراد آية - من سورة فاطر - أنها سورة الملائكة؛ فهو دليل على المعرفة بها؛ مما يشير إلى قراءته المختلفة في علوم الدين الإسلامي مع عدم اشتراط أن يكون ذلك دليلا على التعمق وسعة العلم والفهم.

ثالثا: استنتج استنتاجا غير علمي وبعيدا عن العقل والمنطق - فبعد ذكر كل ما سبق؛ عقب بأن الله يقول: أن من لا يقبل بهذه الكتب فسوف يعاقب، وأورد على هذا دليلا من القرآن، وباستخدام الفواصل التي تشعر القارئ بالوصل بين الآيات .. آية 53 وآية 70 من سورة غافر، وهذا مما يعد تفسيرا شخصيا لا أكثر .. " ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب "[غافر 53]." الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون .. إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون .. في الحميم ثم

(1) تفسيرالطبري - (ج 10 / ص 336).

ص: 157

في النار يسجرون " [غافر 70].وقد ذكر في نهاية استشهاده " فالحاجة لا تمس إلى إظهار الأدلة على صحة ذلك الكتاب كما يكون لو كنا نكتب لإفادة كافر مثلا ".

ثم يرد على شبهة إيراد التحريف بأن القرآن فصلها في [سورة الأنعام: 34]" ولا مبدل لكلمات الله .. ولقد جاءك من نبأ المرسلين "[يونس: 64]" لا تبديل لكلمات الله .. " الخ. فكثيرا ما يحاول الربط بين الآيات بطريقة التفسيرالموضوعي، والتي لا يعتمد فيها على تفسير كبار أهل العلم، والمجتهدين، والفقهاء، ولكن بناء على تفسيره الشخصي، والذي وإن لجأنا إليه في تفسير آيات الإنجيل، ما كنا لنحتاج كل هذا الجهد في التناظر والتباحث.

رابعا: يسقط معان محددة من واقع فهمه للآيات - حتى وإن نقلها- فلا يبين أوجه الاحتمالات والأقوال الأخرى التي قد تفهم من الآيات، ثم يقوم بالترجيح، بل يزيد الأمر؛ ويستشهد بآيات أخرى في نفس السياق على أنها تؤيد دعواه مثل آية:(لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل .. )[المائدة: 68] فلم يورد نص الآية كاملا إلى نهايته، واستدل بتفسير ابن عباس في سبب نزول الآية والذي استدل منهما على أن التوراة الحقيقية موجودة، وعلى الناس إظهارها، وبيان الحق، وافترض في ذلك أنها هي التوراة التي بين يديه الآن، أو الإنجيل، هو المقصود " بالحق " في آية 119 من سورة البقرة وأورد أن جملة " وهم يتلون " في آية:(قالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون)[البقرة: 113] أنها تحوي فعلا مضارعا يدل على الاستمرار واقتطع جملة (وهم يتلون) من سياقها عندما أراد بيان أن ما سبق من الكتاب الحق هو المتواجد بين ظهرانيهم إلى الآن.

خامسا: القطع بأن كتاب الله " وهو التوراة " في آية 23 من سورة آل عمران " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " بكلام أو تفسير البيضاوي، على أن البيضاوي أورد وجهين محتملين في تفسير " كتاب الله " فقد يعني القرآن أو التوراة؛ فهو وصف غير دقيق، وغير أمين من ناحية الأمانة العلمية.

في سورة [المائدة: 49] " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس

" يقول صاحب كتاب ميزان الحق أن هذه الآية منقولة من (سفر الخروج 21: 23 - 25) وكذلك آية 105 سورة الأنبياء منقولة من (مزمور 37: 29) .. أن الصديقين يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد. كذلك تبديل اسم يعقوب بإسرائيل فيقول: هو مشروح بشكل واف في (سفر التكوين 32: 22 - 31) وقد عزاها دون توضيح، وفي حديث مشكاة المصابيح في وصف الجنة: " أعددت لعبادي الصالحون ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " (1) يقول أنها منقولة من الرسالة الأولى لبولس إلى أهل كورنثوس (9: 2).

سادسا: اتضح وجود خلط في التقسيم واضح - في تقسيمه المبني - تبعا لتقسيم اليهود الذين يقسمون أسفارهم إلى ثلاثة أقسام (الناموس - الأنبياء - المزامير " الصحف ") حسبما أشار (لوقا 24: 44)؛ حيث إن الصحف تبدأ بالمزامير فيدعوها القرآن " الزبور "؛ أي

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه لأبي هريرة برقم 3244، ومسلم في صحيحه برقم 2824 والترمذي والبغوي وابن حبان.

ص: 158

أن القرآن يقسم الكتاب المقدس إلى ثلاثة أقسام التوراة والإنجيل والزبور دون استدلال واضح أو تقديم أدلة من القرآن الكريم. على أن الصحيح عنده في تلك المسألة - كما يفعل النصارى - وهو أن الكتاب المقدس يحوي العهدين القديم - وهو التوراة - والجديد - وهو الإنجيل - وبناء على هذا فتقسيم القرآن بني على تقسيم التوراة، فضلا عن الخطأ في فهم تقسيمها كذلك!

وأخيرا: استنبط أن أسفار العهدين هما الكتب السماوية المنزلة - لا محالة - بالرجوع إلى تفسير البيضاوي، وبعض العلاقات الرياضية التي لا تثبت مطلقا ما يقول؛ فقد جمع الآيات بطريقة تخدم الفكرة لا على أساس أنه يفند المزاعم، ويدحض الشبه، ويقيم الحجة البينة؛ حيث يقول أن من بديهيات علم أصول الهندسة إذا ساوى شيئان ثالثا فهما لا محالة متساويان؛ حيث نزلت أسفار العهدين - القديم والجديد بنفس الطريقة التي نزل بها القرآن! .

ثم في النهاية يستنبط:

1 -

أن أسفار العهدين القديم والجديد - أي التوراة، والزبور، وأسفار الأنبياء والإنجيل، ورسائل رسل المسيح، كانت جميعها منتشرة في عصر صاحب القرآن بين اليهود والنصارى ..

2 -

يقول أن القرآن يقرر أن هذه الأسفار موحى بها من الله، أي منزلة من عنده تعالى.

3 -

يذكر أنه بينما يعظم القرآن نفسه إلى أعلى درجات التعظيم فإنه يساوي بين نفسه، وبين الأسفار المقدسة المتقدمة عليه.

4 -

يذكر أن القرآن يسمي الكتاب المقدس " كتاب الله وكلام الله والفرقان والذكر ونورا وهدى ورحمة

الخ ..

5 -

ويقول أن القرآن يأمر محمدا صلى الله عليه وسلم أو المسلمين أن يرجعوا إلى الكتاب المقدس في تحقيق ما يرتابون فيه من أصول دينهم، ويحرضون النصارى واليهود أن يفعلوا مثل ذلك.

6 -

يذكر أن القرآن يشير على اليهود أن يتخذوا التوراة حكما فيما هم فيه يختلفون.

7 -

كما يذكر أن القرآن يأمر المسلمين أن يشهدوا أنهم مؤمنون بالكتاب المقدس كما هم مؤمنون بقرآنهم.

8 -

وأخيرا - يؤكد أن الذين لا يؤمنون بالكتاب المقدس لهم عذاب عظيم في الآخرة كما لو لم يؤمنوا بالقرآن.

قضية اتصال السند:

ركز فندر على قضية اتصال السند؛ حيث تحدث عن صحة الكتاب المقدس بشهادة القرآن وأورد آيات عديدة ونقل تفسير البيضاوي في إثبات أن تلك الآيات التي نزلت عند قدوم وفد نجران على صاحب القرآن - يقصد محمدا صلى الله عليه وسلم حيث تناظروا مع أحبار اليهود وتقاولوا بذلك، ليست على شيء؛ أي على أمر يصح ويعتد به الحال إنهم من أهل

ص: 159

العلم والكتاب، ومثل قولهم: قال الذين لا يعلمون كعبدة الأصنام والمعطلة، لكنهما وإن اختلفا دينا فقد اتحدا بتسمية كل منهما أهل الكتاب؛ ألا وهما المسيحيون واليهود (1).

تم ذكر عدة آيات منها: "

يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون

" (2)؛ حيث يقول بعدها: " ولاشك أنه هو الذي كان وقتئذ موجودا بأيديهم ". ثم يصرح بأن اليهود تلقوا الكتاب - أي التوراة - بالتوارث عن آبائهم؛ حيث يقول في آية 168: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب الخ ". حتى أن القرآن يأمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يسأل أهل الكتاب إن حصل عنده شك في القرآن ليتثبت به، واستدل بآية " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك " [يونس: 94].ثم يربطها " وهذا كتاب - أي القرآن - أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه الخ" [الأنعام: 98] ويقول: قال البيضاوي في تفسيرها: يعني التوراة أو الكتب التي قبلها ثم ذكر بعدها: " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب [المائدة: 48]: أي من جنس الكتب المنزلة. ومهيمنا عليه: أي رقيبا على جميع الكتب يحفظها من التغيير ويشهد لها بالصحة والثبات، هكذا قال البيضاوي (3).

ثم أن القرآن شهد شهادات مفصلة، ومبينة لأجزائه الثلاثة؛ أي التوراة والزبور والإنجيل في سورة [آل عمران آية 3، 4]: " وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس ".

ثم يصف حال اليهود: " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله "[المائدة: 43] وآية: " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون -إلى أن قال فيها - ومن لم يحكم بما أنزل.

كما ذكر أن اشتهار الأناجيل وانتشارها شرقا وغربا ووصول الروايات - وإن اختلفت - والتحقق منها هو دليل على أمانة أهلها في النقل وصحة الكتاب المقدس.

وقد طالب رحمت الله فندر بالسند المتصل في محفل المناظرة لكنه اعتذر عن تقديمه نظرا لفقده؛ حيث تعرضت البلاد لأحداث عظام فقد على أثرها ذلك السند.

وقد ذكر رحمت الله بأنه قد كان الكذب والخداع في الفرقة المسيحية بمنزلة المستحبات الدينية وكان أرجن من الذين أفتوا بجواز جعل الكتب الكاذبة ونسبتها إلى الحواريين والتابعين أو إلى قسيس من القسيسين المشهورين، كما هو مصرح في الحصة الثانية من الباب الثالث من تاريخ كليسيا المطبوع سنة 1848 م لوليم ميور بلسان الأردو وكان سلسوس يصيح في القرن الثاني:"إن المسيحيين بدلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات بل أزيد منها تبديلاً كأن مضامينها أيضاً بدلت" وكذا (فاستس) من علماء فرقة (ماني كيز) كان يصيح في القرن الرابع: "بأن هذا الأمر محقق أن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الاسم، ونسب إلى الحواريين ورفقائهم خوفاً من أن لا يعتبر الناس تحريره

(1) أورد الآية: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لايعلمون مثل قولهم "[البقرة: 113].

(2)

(آل عمران: 70].

(3)

ميزان الحق، ص 43 وما بعدها.

ص: 160

ظانين أنه غير واقف على الحالات التي كتبها، وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغاً بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات" (1).

وورد في الفصل الثاني عنده أنه يرد على موضوع النسْخ المتهم به الإنجيل من قبل المسلمين بذكر بعض الآيات من القرآن الكريم؛ حيث يستشهد بها على جواز نسخها في القرآن - فقط - وأنه لا توجد آية منها تدل على نسخ القرآن للكتب السابقة مثل: إن نسخ بمعنى أزيل أو أبطل لم يرد في القرآن إلا في موضعين اثنين: الأول من سورة البقرة آية 106 وهو قوله سبحانه " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها "، والثاني من سورة الحج آية 52 وهو قوله سبحانه " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته " فلا توجد في الموضع الأول ولا الموضوع الثاني أقل إشارة تدل على أن القرآن ناسخ للكتاب المقدس، بل هو ناسخ لنفسه في بعض أجزائه وأيد قوله ببعض مقولات - ذكرها - لرحمت الله الهندي في كتابه إظهار الحق بأن الزبور ليس بناسخ للتوراة وليس بمنسوخ من الإنجيل. من الواضح أن فندر لا يفرق بين نسخ الأحكام ونسخ العقائد، ويرى أن العهدين القديم والجديد يكملان بعضهما البعض وعلى أساس أنهما لا يمكن نسخهما وأن القرآن - في رأيه - لم يثبت نسخهما فالقرآن بذلك يكون مجرد ناقل.

ذكر أنه قد اقتبس أحد الحواريين مقالة إرميا التي ذكرها آنفا في هذا الصدد، وبين أن ذكر العهد الجديد الذي بشر به إرميا يدل على أن يهود عصره كانوا يعتقدون بأن الطقس الموسوي شاخ وهرم وقارب على الاضمحلال واحتاج إلى العهد الجديد .. انظر رسالة العبرانية 8: 13 ثم يقول: واعلم أن الحق بحسب جوهره ثابت ودائم غير قابل للتبديل أو النسخ، فالحقائق التي وردت في العهد القديم يجب أن تبقى حقا إلى ما لا نهاية .. ولا يقال إنه شرحها وأبرزها في شكلها الروحي الذي يلائم الناس في كل زمان ومكان.

فيرى أن الطقوس يمكن أن تتبدل لتتحول إلى شيء روحاني فهي بذلك لا تنسخ كالبذرة أوالشجرة، فبهذه المعاني قد خرج من دائرة المعنى المراد النسخ إلى دائرة تطرق فيها لدائرة فلسفية بمعان أخرى، فمن المعلوم أن الحقائق لا يمكن أن تنسخ، أما الأحكام فقد يعتريها التغيير تبعا للزمان والمكان؛ أو تبعا لحال الأمم وقت نزول التشريع وعلى ذلك فالنسخ جائز في الأحكام لا في الاعتقادات. لكن فندر يرى أنه لا يجوز النسخ في الأحكام كذلك فضلا عن المعتقد؛ حيث قسم الوصايا إلى طقسية وأدبية، واستنتج أنه كما لا يمكن نسخ الوصايا الأدبية مثل: الزنا والسرقة

الخ فلا يمكن أن ينسخ الإنجيل أو التوراة، وأن المسيحيين لم يلتزموا فقط بالوصايا الطقسية .. ومن هذا المنطلق فقد غير وصف المعنى في الذبيحة من ذبيحة حيوانية إلى ذبيحة النفس؛ حيث اكتفى المسيحيون بها كما اكتفوا بذبيحة المسيح. كذلك اعتبر دم المسيح هو الغسيل الروحي؛ لأن غسيل الجسد في التوراة غير كاف لتطهير النفس " لتطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح، مكملين القداسة في خوف الله "(2 - كورنثوس) فلا يمكن اعتبار تطهير الجسد علة لتطهير الروح، ويستدل بذلك على أن الدين للجميع غير مخصوص بأمة في زمان أو مكان معينين وهو بهذا يعد استغناء عن حرفية الشريعة إلى روحانياتها على حسب قوله. كذلك حرف الختان من معناه الحقيقي المادي

(1) المرجع السابق، ص 70 وما بعدها، إظهار الحق، ب 1.

ص: 161

إلى معنى روحي تمييزا عن اليهود .. على أن المسلمين لا يعدون أيضا غسيل الجسد بديلا عن غسيل الروح، ومن المعلوم أن القرآن نسخ بعض الأحكام التي فيها الصالح العام ولجأ إلى النسخ لأنه لم يعمد إلى تقديمها بصورة مباشرة للناس؛ فقد راعى التدرج فيها في جانب التطبيق؛ كاجتناب الخمر والمسكرات، وبهذا فقد كانت الآية تنسخ الآية السابقة؛ لأنه قد حان وقت اجتنابها بعد أن كانت مباحة في السابق؛ لتهيئة المخاطب بالشرع الحنيف.

لا يعتبر عدم سفر المسيح إلى أماكن أخرى - نهيا - جرى للتلاميذ عن السفر دائما، ولا أن رسالتهم مختصة في بني إسرائيل فقط؛ حيث يستدل أنها أوامر وقتية تنتهي بانتهاء زمنها؛ فيمكن للمسيحيين السفر ونشر الدعوة دون التقيد بمكان مخصص، وعلى هذا يقاس الأمر بالشريعة.

أما في الفصل الثالث فيفترض فيه أن كلام الله لا يقبل التغيير، ويستنتج من ذلك أنه لا يقبل النسخ؛ افترض من كلام رحمت الله أنه يشترط وجود النسخة الأولى من أي كتاب مقدس حتى لو تطابقت مع النسخ اللاحقة، ليستدل بها على عدم وجود نسخ- افتراضات يبنى عليها حقائق بسرعة خاطفة حيث يقول:" لا يؤخذ منها أن التوراة انعدمت من الوجود بسبب حرق كل نسخها، كما أنه لا ينعدم القرآن إذا أحرق، لأنه كان يوجد حفظة للتوراة كما يوجد حفظة للقرآن الذين في إمكانهم أن يدونوه في الكتب "

لكن النسخة الأولى للقرآن موجودة ومشهود على نقلها ومسندة سندا يتصل إلى زماننا الحاضر عكس الإنجيل فإن السند منقطع، ولا يدل حرق نسخ القرآن أو الإنجيل على انعدام وجود الآيات؛ فلا علاقة بين كلام الله الموجود وبين إثبات أن هذا الكلام هو كلام الله، وأن هذه النسخة من كلام الله؛ فمن أدراني أن الله تعهد بحفظ كلامه في نسخة دون أخرى، سوى اتصال ذلك السند المعتبر إلى حينه.

ما معنى قوله مثبت ولم يقدم دليل الإثبات أو السند! ؛ حيث تعرض لذلك في كتابه، ويفترض أن عزرا يوحى إليه! .

ذكر أن من أدلة السند المعتمدة للتوراة هي مبلغ عنايتهم بها، دون أي إسناد، ثم ذكر " تعدد قراءات التوراة؛ فوجود اختلافات لفظية مع وحدة المعنى أليس هذا برهانا على أنه لم يكتبها شخص واحد، ولا كتبت في عصر واحد .. ثم أنه يوجد فيها ما يشبه التناقض في أخبار بعض الوقائع، والمسائل التي ليس لها مساس في الجوهر، وهو بالحقيقة ليس بتناقض؛ فوجود شيء من هذا القبيل في أسفار التوراة مع سكوت اليهود عنه وعدم تجاسرهم على تسويته، الدليل قوي على تمسكهم بالمتون الأصلية واستحفاظهم عليها مهما يكن من أمرها " ثم ذكر _ وكان على المسلمين من باب أولى أن أزالوا شبه التناقض هذا، وخصوصا في آية:" وإن من أهل الكتاب ليؤمنن به قبل موته " إذ قرئت قبل موتهم، وهذه القراءة يزول معها الالتباس، فما كان أيسر عليهم أن يثبتوا القراءة الثانية محل الأولى، لكنهم لم يفعلوا حرصا على الأصل .. هكذا يدل وجود شبه التناقض الواقع في أسفار التوراة على أمانة أهلها

!

وهنا لا يفرق فندر بين الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم المثبتة، والموثقة بالروايات المحفوظة، وبين التناقض اللفظي الغير مسند؛ حيث إن القراءات المختلفة وردت تخاطب قبائل العرب المختلفة في ذلك الزمن، والتي كانوا يفرقون فيها بين الألفاظ فمثلا: لفظة "اجلس" عند قبيلة تأتي بمعنى مغاير عند قبيلة أخرى، وإن أردت إثبات الجلوس فعليك

ص: 162

أن تتلفظ كلمة " اقعد " بدلا من اجلس؛ حيث الجلوس عندهم بمعنى القفز وافتراش محل الجلوس وليس القعود بالمعنى المتعارف عليه، وأن التناقض اللفظي في الإنجيل جاء بناء على عدم تقديم إثبات محل التناقض في ألفاظ الآيات لإثبات وحدة معناها - كما ورد عند العرب - فالشاهد هو ذلك الإسناد الذي يعتمد تلك الألفاظ كأنها جوهر لمعنى واحد، على شرط ألا يأتي اللفظ ونقيضه في آن واحد ككلمة اجلس ولا تجلس على أساس أنهما من نفس الجذر مع استخدام النفي؛ فهذا لا يمكن عده أصلا يعتد به في وحدة المعنى مع اختلاف اللفظ؛ لأنهما لفظان متضادان تماما؛ فالجائز هو التبديل والاستبدال بلفظة أو حرف مغاير كالسفر وأمسفر باستبدال الألف باللام لا على سبيل النفي التام - وكما ورد في الإنجيل! - ويرد رحمت الله على ذلك بإيراد عبارات التناقض؛ ففي يوحنا 5: 31 (إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقا) ويوحنا 8: 14 (إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق) وكاختلاف اللفظ (صانع - ضد) السلام اختلافا كليا أو تضادا كليا كما في متى 5: 9 - 10: 34، ولوقا 9: 56 - 12: 49 - 12: 51 .. فهل المسيح صانع للسلام أم ضد السلام! ؟ وبهذا يثبت الفرق بين معنى الاختلاف ومعنى التناقض.

يفترض دائما أن الإنجيل حرف بعد عصر محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه إن ثبت أن ما تحت أيديهم من الإنجيل هو ما كان في زمن النبي، فإنه قد ثبت عدم تحريفه!

تحدث في قضية سند الأناجيل أن كل أرقام السنوات التي يأتيها في خانة كتابة الإنجيل غالبا ما تأتي بين سنة كذا وسنة كذا، وبينهما عشر سنوات على الأقل، وليس هناك تحديد جازم لزمن كتابة الإنجيل .. يقول: تم قبول بعض الأناجيل باعتبارها وحيا، ورفض الآخر على أنها خطأ. يقول:"ويعقب .. على إحصائه " الأناجيل " بهذه الملاحظة ص 80: إن بعض المسيحيين لم يقرروا رسالة يعقوب، ولا رسالة يهوذا، ولا الرسالة الثانية لبطرس، ولا رسالتي يوحنا الثانية والثالثة، ولا سفر الرؤيا، لكن بعد التحري الدقيق اقتنعنا بأن هذه الأسفار قانونية ويجب قبولها ضمن أسفار العهد الجديد، بعد التأكد القوي أنها وحي الله ". والتحري الدقيق لا يمكن قبوله دون تقديم سند واضح وجلي وهو مالم يستطع تقديمه من خلال المناظرة الكبرى بينه وبين رحمت الله علاوة على ذلك فقد أثبت التحريف في عدة مواضع ولم يستطع إثبات أو تقديم الأصل.

يستدل على أن التحريف لا يمكن حدوثه، لأن كلام الله لا يتغير، والكتاب المقدس من كلام الله - ويستدل بأقوال العلماء - وذكر أن التحريف المقصود هو تحريف كلام الرسول بعد اللقاء به، والخروج من عنده، والجدير بالذكر أن فندر لم يعش طويلا حتى يرى التحريف العصري الذي لم يقتصر فقط على تحريف السابقين والذي تنبه له الدكتور المحقق أحمد عبد القادر ملكاوي أثبت منه رحمت الله في (يوحنا 5: 7 - 8) طبعة 1865 م وطبعة 1983 م حيث تم التحريف للانتصار لعقيدة التثليث وبالرجوع إلى طبعة 1825 م وطبعة 1826 م نجد أن الآب والابن والروح القدس تأتي بلفظ الروح والماء والدم، وانظر الفارق في المطبعة الكاثوليكية عام 1982 م وطبعة مطابع الحرية عام 1983 م فإذا كانوا يحرفون كلامه حاضرا فكيف لا يحرفون ما بأيديهم سنوات! (1).

(1) مختصر إظهار الحق، تحقيق: د. الملكاوي، ص 103 وما بعدها.

ص: 163

لا يرد على كل الشبهات ويفندها، على الرغم من إيراد الأقوال بنفسه؛ فأورد تفسير الرازي لكيفية التحريف في الإنجيل وأن البيضاوي ذكر أنه ربما وقع في عصر صلى الله عليه وسلم لكن الرازي أكده، والتحريف عبارة عن إبدال لفظ بآخر أو إلقاء الشبه الباطلة أو تغيير المعنى المراد بعد الاجتماع مع النبي وأن شهرة الإنجيل تمنعه من إلحاق ذاك التبديل أو التغيير فيه! لكن بالرجوع إلى تفسير الرازي (ج 10 - ص 95)(1) تبين أنه أغفل عن ذكر وجه التحريف الرابع المذكور وهو التحريف بتأويل النص تأويلا فاسدا، وأن الجمع بين تلك الآية وآية سورة المائدة فيثبت الأمران في أنهما يخرجون النص من الكتاب وفي ذات الوقت يأولونه تأويلا فاسدا، وهذا مما يشهد على فندر بعدم الأمانة العلمية في النقل والتحري.

وكعادته يقول: " حاول بعض الكتاب المسلمين أن يثبتوا وجود اختلاف كثير بين أسفار الكتاب المقدس، وزعموا أن هذا الاختلاف دليل على تحريفه، غير أن الكتاب المطلعين ذوي العقول الراجحة، والأفكار النيرة، يسلمون إنه إن كتب كاتبان أو أكثر عن واقعة حال، وكتب كل منهم بمعزل عن الآخر، تأتي كتاباتهم مختلفة اختلافا ظاهريا، ولكن إن اتفقت اتفاقات ما يستدل من اتفاقهم على أنهم متواطئون .. والاختلاف الظاهري بين أسفار الكتاب المقدس أعظم دليل على أمانة أهله! ويكثر من قول: إدراج بسلامة نية - أخطأ بسلامة نية .. كيف يمكن قبول مثل هذا في المتن!

إلقاء بعض الشبه مثل أن: عمر بن الخطاب، وعثمان، غيرا وأخفيا آيات وسورة من القرآن ثم ذكر " فلا يهمنا التحري عما إذا كانت هذه الدعوى صحيحة أو مختلفة ".

وقد دأب على إثبات حججه بمجرد القول دون إسناد أو مرجع مثل: بالرجوع إلى بعض الآيات التي تشير وتؤكد إلى كتب سابقة، وأن الأناجيل مكملة، وبهذا يستنتج أن المخطوطات تعود إلى زمن المسيح دون سند واضح! ويذكر أن العهد القديم يتضمن الوحي الإلهي الذي كتبه الأنبياء والمرسلون إلى زمن المسيح، وأكثر الأسفار متوجة بأسماء الذين كتبوها- ما عدا القليل منها - حيث يعرف كاتبوها من التقاليد القديمة! .. ومع ذلك فإن شهادة المسيح لها وتصديقه عليها - كما صرح القرآن - لا يدع سبيلا للارتياب فيها. وهي تفسيرات مخالفة لصريح نص القرآن.

يعد تقسيم الأسفار عملا دنيويا لا علاقة له بالتشريع." وتقسم في الوقت الحاضر إلى أربعة وعشرين سفرا ".بلغت الأسفار 39 سفرا، وهو التقسيم الذي اعتمد عليه المسيحيون.

تجاهل ذكر التيه، وقصة عبادة العجل! وذكر " وحدث مرارا كثيرة في غضون المدة التي أقاموها في أرض كنعان أنهم سقطوا في وثنية بقايا الشعوب الأصليين، فجازى الله شعبه بأن سلط عليهم الوثنيين، فقهروهم، وكدروا صفو حياتهم، إلا أنه كلما تابوا إليه، ورجعوا إلى عبادته، تعالى نصرهم على أعدائهم - نصرا باهرا- على أيدي أفراد اصطفاهم من بينهم ".إن تعبير "سقطوا في الوثنية": يدل على تحول دينهم تحولا كبيرا بشكل لا يستبعد أبدا تزييف حقائق دينهم الأصلي، وفقد السند، أوالتواتر بالحفظ، أو بالنقل.

(1) علي بن نايف الشحود، المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام، ج 6، ص 409

ص: 164

قال: "خلفه ابنه سليمان، وبعد نهاية حكمه ثار عشرة أسباط على خلفه رحبعام، وخرجوا عن طاعته، وشيدوا لهم مملكة هي مملكة إسرائيل " .. كيف يثورون على الأنبياء المعصومين وإن لم يكونوا معصومين، فلم طاعتهم كانت في البداية، وإن أخطأوا فكيف تقبل نقولاتهم، وأنهم مرسلون من قبل الله؟ !

وعلى ما تقدم - يمكننا أن نخلص من التوراة أن مقصد الله في معاملة بني إسرائيل هذه المعاملة، وتسجيل وقائعهم، وتواريخهم الهامة، بين أسفار الوحي في أشياء منها: أولا: أن يظهر لهم، ولأهل العصور المقبلة، أن القلب البشري يميل إلى العصيان والتمرد! "بالرغم من نعم الله"؛ فتلك المقولة تشير إلى تفوق الرجل في مهارة الإلقاء، وجانب الروحانيات، وتهيئة القارئ للحديث عن النصارى وحكايتهم. ثانيا: دليل قبول الكفارة أن الآب أقام الابن من الأموات (يقصد المسيح). ثالثا: يستدل في سورة الأنبياء آية 91 (وجعلناها وابنها آية للعالمين) على أن عيسى هو المخلص بقوله (انظر القرآن)؛ أي أن القرآن يشير ويؤكد أن عيسى هو المخلص، وليخلص شعبه من خطاياهم، على أن الآية القرآنية تشير إلى أنها أم، والمسيح ابن لها وليس ابنا لله. يرى أن أسفار العهد القديم والجديد إنما هي إعلان واحد من لدن الله، أما العهد القديم فيشرح لنا كيف دخلت الخطية إلى العالم، وكيف وعد الله بالخلاص منها، وأما العهد الجديد فيشرح كيف أكمل الله ذلك الوعد، وكيف قدم المسيح حياته كفارة عن خطايا العالم. كما يرى أن الأنبياء والرسل ليسوا ملوكا ولا ولاة، بل (منذرين) ينذرون الناس أن يتوبوا عن خطاياهم، ويرجعوا إلى الله الحي، كما أنهم ليسوا بمعصومين من الخطية، وأنه لم يعش أحد معصوما من الخطية سوى المسيح، ولنا الأدلة الكافية على عصمته منها: شهادات الأنبياء، والقرآن، مع نسبته الخطايا للأنبياء الآخرين لم ينسب منها واحدة ليسوع.

استدل ببعض الآيات على عدم عصمة الأنبياء في القرآن وبنصه منها آية (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب) لكن في الحقيقة هي لا تعني ذنبا، وإنما سلب للملك ثم إرجاعه (1) [سورة ص: 34]. كما استدل بعدم عصمة المصطفى. في الحقيقة أن ذنوب الأنبياء تختلف عن ذنوب البشر؛ حيث إنها من باب ترك المستحبات، كما أنها تثبت بشرية المصطفى، وأنه لا يعلم الغيب، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يثبت خطأه، كما أنه معصوم في تبليغ الوحي؛ لأن الرسل معصومين من كبائر الذنوب، كذلك صغائرها، فيما لا تدل على خساسة قدر

مقارنة بما ذكر في الكتاب المقدس! ويتساءل فندر ويستدل بسورة المعارج آية 19 (إن الإنسان خلق هلوعا)! ألا يشمل ذلك عيسى عليه السلام! كذلك سيدنا نوح يستعيذ بالله أن يسأله ما ليس به علم في سورة هود (44 - 47) وأما موسى عليه السلام فقد ظلم نفسه بالخروج ثم بالعودة بعد رؤية الاقتتال، وهو فعل شيطاني. إن قتل الكافر ليس عليه إثم أو دية، وإن ما فعله موسى عليه السلام أنه وكزه فقط، وربما كان استغفار نوح من عجلة العقاب قبل عقاب الله لهم؛ فالعارف غير الإنسان العادي فالمعاملة مختلفة، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولا تقارن ذنوبهم بما ذكر في الكتاب المقدس.

(1) انظر: تفسير ابن كثير ج 7، ص 66 وما بعدها، وكذلك تفسير الطبري ج 21، ص 196 وما بعدها.

ص: 165

إن عصمة الأنبياء تشمل (1):

العصمة الأخلاقية: وهي ملكة إلهية تمنع من فعل المعصية والميل إليها مع القدرة على ذلك.

وبدورها تشمل جانبين:

- جانب الإثبات: تثبت للأنبياء مجموعة من الصفات الأخلاقية الحميدة واللازمة.

- جانب التنزيه: يتعلق بكونهم قدوة البشر الحسنة وأسوتهم الصالحة، وقادتهم الملهمة، فلو قدر وقوعهم في المعاصي، وارتكابهم الموبقات واقترافهم الآثام لسقطت عنهم مؤهلات القيادة والقدوة.

العصمة في التبليغ: حفظ الله لأنبيائه حتى يبلغوا رسالات ربهم.

يفترض أن العبادات والشعائر الإسلامية وقتية شكلية محددة؛ عكس المسيحية، جاءت لطهارة الأبدان والقلوب في كل وقت، ولا ترتبط بوضوء أو بصلاة محددتين، ويرى أن العهد الجديد شريعة مجددة بشريعة العهد القديم.

يرى إذا وُجد مخلصٌ يمكنه أن يكفر عن الخطايا، ويحرر أسرى الخطية - وحيث إن كل البشر خطاة، فليس منهم من يقدر أن يكفر عن البقية - فيجب أن يكون إنسانا، وإلا فلا يصح أن يكون نائبا عنا

وما الفرق إذا بين المخلص وصكوك الغفران! .

أما في الفصل الرابع فبنى وأثبت أن المسيح المخلص - وما أتى به من معجزات - قد أثبتتها التوارة التي حفظت بأيدي اليهود، ولغتهم إلى اليوم، ولا يمكن أن تكذب.

كذلك يفرق بين المولود والابن وكأنه يؤكد المعنى القرآني " لم يتخذ صاحبة ولا ولدا "؛ فالابن يشير لمعنى مجازي، ثم يحاول إثبات أن الابن وكلمة الله - الواردة في القرآن - لهما نفس المعنى الدلالي؛ فبذلك فمقولة الآب والابن والروح القدس ليست إلا تثليثا مجازيا وتوحيدا حقيقيا؛ وهو بالتالي يعود فينقض فكرة التثليث.

يضاف إلى ذلك أنه ساوى بين الأقانيم الإلهية، والصفات الإلهية، وذكر أن عيسى المخلص يستحيل أن ينفصل أقنومه. كيف أن المخلص يستحيل عليه أن ينفصل أقنومه في حين أنه انفصل! ولم لا يكون الإنسان كذلك به عدة أقانيم، أو أن عيسى صفة؟ ! .ويساوي بين الابن والصفة أي بين كلمة الله وصفات الله، والكلام غير الصفة غير العقل! . وعاد فنقض كلامه في تساوي الأقانيم واتحادهم وعدم انفصالهم؛ في أن الآب أرسل الابن والروح القدس للخلاص والإقناع. لا يفرق بين الحواري والرسول، وعلى هذا الأساس فجميع الحواريين رسل، وأخذ يضرب بالقرآن - بعض الأمثلة - بذكر الحواريين وأن الحواري كلمة حبشية تعني رسول! .

(1) انظر: عبد الراضي عبد المحسن، نبي الإسلام بين الحقيقة والادعاء، (الرياض: الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط 1، 1998 م). ص 48 - ص 59.

ص: 166

كما ذكر في الفصل الخامس أنه قد ورد في التوراة نصوصا صريحة تحذر بني إسرائيل أن لا يقبلوا أي نبي من ذرية إسماعيل؛ لأن عهد الله كان مع إسحاق لا إسماعيل (تك 17: 18 - 21 و 21: 10 - 12) ولا يأخذنك العجب إذا قلت لك أن القرآن نفسه يؤيد رأي التوراة من هذه الحيثية؛ لأنه يصرح في مواضع كثيرة أن النبوة موكولة إلى بني إسرائيل، ومن ذلك قوله في سورة العنكبوت آية 27 " ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب

الخ وقوله " ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين " سورة الجاثية آية 15 .. وإن تأكيد وإثبات القرآن لا ينفي ما عداه، وكذلك كانت النبوة بالفعل في ذريتهما.

ظهرت صيغة تهكم منه تجاه العرب واضحة! تث 32: 21 " هم أغاروني بما ليس إلها أغاظوني بأباطيلهم فأنا أغيرهم بما ليس شعبا بأمة غبية أغيظهم " قالوا: إن الأمة الغبية المشار إليها هنا هي أمة العرب التي أرسل منها محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث لا يمكن أن تكون أمة اليونان التي أرسل إليها بولس وبقية رسل المسيح؛ لأن أمة اليونان لم تكن غبية بل كانت أهل حكمة وعلم! .وفي موضع تال ذكر- " وكانت تلك الأمم في اعتبار اليهود أمما غبية وثنية! ثم أكد بآيات من الإنجيل على علو اليهوديين الأمم " وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي " إلى أن قال " اللذين قبلا لم تكونوا شعبا وأما الآن فأنتم شعب الله الذين كنتم غير مرحومين وأما الآن فمرحومون ".

يرد على المسلمين في زعمهم أحقية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل، وطريقته في الرد ليست بنقض الكلام من زوايا مختلفة، أو اعتبارات غير ما ورد في كتابهم المقدس

هذا باعتبار صحة سنده واتصاله؛ حيث رد على التعبيرالوارد في القرآن الكريم (روح الله) بأنه ليس محمدا صلى الله عليه وسلم - كما فسرها المسلمون - ووجه إبطال الشبهة لديه بأن المسلمين أنفسهم يقولون في قضية صلب عيسى: بأنه شبه لهم - كشخص آخر - فالشاهد لديه يؤكد أنها روح المسيح وقد دخلت جسدا آخر، وكأن الروح لا تنطبق إلا على عيسى عليه السلام فقط - وهذا يتطلب بدوره إنكار أعراضه الجسدية؛ لأنه دخل جسدا غير جسده فمن الذي يتألم المسيح أم المصلوب؛ أي الروح أم الجسد! وفي الحقيقة وجه الاعتراض الإسلامي لا ينصب - أصلا - على فكرة الأغراض الجسدية وفقط؛ فالروح أمر من أوامر الله وهي قوة تحيي النفس في الجسد.

أما بقية الكتاب فقد ورد فيه قوله مثلا: "ضرب على توقيع علي بن أبي طالب - بالنيابة عنه - تحت إمضاء رسول الله، وكتب ابن عبد الله "، فلم أجد لها أصلا أو دليلا.

كما يثبت النسخ في القرآن بتحريف شيعي، ولا يفرق بين نسخ الحكم، ونسخ المعنى أو الحقيقة، وبين من ينسخ، ولماذا! . ويزعم أن قضية حرق نسخ القرآن أيام عثمان لا تبطل الزعم بعدم التحريف، بل تؤكده.

وعلى خلاف عادته أورد نقطة مهمة في الاختلاف النحوي حول (اثنتي عشرة أسباطا أمما) لكنه على عادته لم يكمل الآية؛ فعشرة تؤنث على أمة وليس سبطا وغيره، مما تعده اللغة بلاغة وسلاسة، يعده خطأ!

ص: 167

ثم يقول أنه لا يمكن أن يثبت أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وعد بالنصر الذي تحقق في جميع الحالات، ولم يلحق به في غيرها.

يردد عبارات (من المحتمل، غير معلوم، قال بعض العلماء) - عبارات مبهمة وغير واضحة. كما ذكر تعبير (مشاهير المؤرخين) دون ذكر من هو، ونسب ذي القرنين إلى اسكندر دون سند واضح.

يرى أن التمتع بالملذات الدنيوية يجلب الشقاء في الدنيا والآخرة.

يناقش الآيات من منظوره الشخصي، لا من الحقائق والأدلة التي وردت في باب المعجزات؛ فيصل إلى نتيجة مفادها عدم وجود معجزات؛ فحجيته ضعيفة، واستنتاجاته أضعف؛ لأنها مبنية على حجج سابقة ثبت ضعفها. - يزعم أن " دنت الساعة وانشق القمر " كما في سورة الانشقاق " اقتربت الساعة وانشق القمر " وردت في شعر امرؤ القيس في المعلقات السبع، بينما ينكر المسلمون نسبتها إليهم؛ فهي بدون مصدر موثوق به عند المسلمين.

الاستنتاج:

1 -

موضوع كتابه عن القضايا الخمس المشهورة يتداخل لعرض تلك القضايا بعضه مع بعض.

2 -

تم ترتيب الموضوعات ترتيبا جيدا طبقا لحججهم؛ حيث إذا ما نقض حجة ما كحجة التحريف والنسخ فيستطيع استغلالها في قضية أخرى تالية مثل: التثليث، أما إذا بدء بالعكس بالتثليث ثم التحريف فلا تكون الحجة قوية.

3 -

يستطرد في بعض النقاط كثيرا ولكن من الواضح أن الكتاب يرد على مزاعم المسلمين.

4 -

أفلح فندر جزئيا فيما قصد إليه بتشكيك المسلمين في دينهم عن طريق اجتزاء الآيات وإيهام القارئ بصحة كلامه وإلى ما شابه ذلك.

5 -

يعتبر المسيحيون كتاب فندر هو عمدتهم حتى الآن ولذا فقد أضاف إلى علومهم الكثير.

ص: 168