الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الحركة الوطنية الوحيدة القادرة على مصاولة سلطة التركمان ومناضلة ثورة المشعشع ظلت محدودة، وعلى الرغم من معارضيها إلا أنها لم تنجح فى الاستيلاء على بغداد، وإن كانت الحلة قد سقطت فى قبضتهم ولكن لمدة قصيرة (1466 - 1468 م)، فلما تولى "آق قينلو" بعد قره قونيليو كانت أحوال العراق أقل اضطرابا. وظل حكم هذه الأسرة بضع سنوات بعد أن طردهم من إيران قزلباش الصفوى.
واتسم حكم الصفويين للعراق (1508 - 1534 م) بالركود الاقتصادى وبضعف الحكومة المركزية وظلت أقاليم وسط ما بين النهرين السفلى تدور فى فلك أمراء الموصل الذين كانوا أصحاب السلطة منذ زمن قونيليو، كما استطاعوا بفضل حكمهم بغداد أن تكون لهم السلطة فى الواقع على العراق، غير أن واحدا منهم اسمه "ذو الفقار" حاول الانفصال وذلك فى مستهل حكم شاه طهماسب الأول.
العراق فى العصر العثمانى
ظلت أراضى العراق منذ القرن العاشر الهجرى حتى مطلع القرن التاسع عشر مركز القوة العثمانية ضد فارس والأكراد وضد رجال القبائل العربية، وكانت الأقاليم العراقية نهبا للغزو. وشاهد القرن التاسع عشر فى العراق ظاهرة استعادة التنظيم الإدارى، وضم العثمانيون الموصل وديار بكر ومناطق الأكراد التى فى شمال دجلة سنة 921 هـ = 1515 م فى أعقاب حملة شالدران، واستولى العثمانيون على بغداد (فى نزاعهم مع طهماسب سنة 1534 م)، وأصبح العراق يتألف من ثلاث ولايات أو "إيالات" رئيسية هى الموصل وبغداد والبصرة بالاضافة إلى إيالة شهرزور الكردية فى الشرق والحسا وإيالة ديار بكر.
وأدى ضعف الرقابة المركزية طوال القرنين الحادى عشر والثانى عشر الهجريين إلى قيام حكومات استبدادية محلية، فقام "افراسياب" (سنة
1021 هـ = 1612 م) واشترى إيالة البصرة وتوارثتها أسرته، واستقلت أسرة أخرى بالحسا، وقام أحدهم بالتفاوض مع شاه عباس مما أدى إلى قيام الحكم الفارسى (1033 هـ = 1623 م)، ولكن فشل الصفويون فى الاستيلاء على الموصل وشهرزور، وتمكن السلطان مراد الرابع سنة 1048 هـ من طرد الفرس نهائيا من بغداد، ثم كانت التسوية العثمانية الصفوية المعروفة باتفاقية "زهاب".
لكن الاسترداد العثمانى لم يؤد إلى الاستقرار النهائى، فقد ظهر حلف المنتفج بين عرب الحدود وعرب صحراء الجنوب، فهدد هذا الحلف السيطرة العثمانية التى استعيدت على يد والى بغداد حسن باشا الذى حكم من 1116 حتى 36 هـ وولده أحمد باشا الذى ظل فى الحكم حتى مات سنة (1160 = 1747 م)، واعتمد حكم الوالد والولد على ركائز حربية وإدارية جديدة، وإذ كان الإثنان من أصل جورجيانى فقد أسسا فى بغداد بطانة جرجاينة مملوكية استطاعا من خلالها رقابة إيالتهما وإدارتها، وأصبحت البصرة تابعة لبغداد ثم ظهر فى السنوات التالية لسنة 1135 هـ (1722 م) خطر أشد ضراوة حين تجددت المنازعات بين العثمانيين والأفغان، ثم بينهم وبين نادرشاه، كما ظهر فى هذا الوقت بالذات جماعة من أسرة الجليلى جعلوا حكم الموصل شبه وراثى فى رجال منهم، وقام نادر شاه سنة 1146 هـ (= 1733 م) فحاصر بغداد ثم الموصل (سنة 1156 هـ = 1743 م) لكن لم يتمخض هذا الصراع الطويل عن نتيجة حاسمة، ولم يكن إقرار الوضع سنة 1159 هـ (= 1746 م) إلا تأكيدا لاتفاقية "زهاب". ولما مات أحمد باشا عقب وفاة نادرشاه سنة 1160 هـ/ 1747 م قام رجال الحاشية بجمع السلطة فى أيديهم وكوّنوا طبقة إدارية ممتازة. وقوة حربية دائمة. ولقد شهدت فترة
"الباشاليك" المملوكية (1160 هـ - 1247 هـ = 1747 - 1831 م) الصدام بين الوالى الفارسى "كريم خانى زند" وبينهم وضياع البصرة فترة من الوقت (1190 - 1193 هـ) م لكن سرعان ما زال هذا الخطر بموت "كريم خان"، كما أن حكم بويوك سليمان باشا الطويل ببغداد والبصرة وشهرزور يعد ذروة قوة الباشاليك المملوكى، غير أنه انشغل طوال سنوات حكمه الأخيرة بمحاولاته الفاشلة لكبح جماح توّغل الوهابيين فى الحسا وفى أطراف العراق بسبب مقاومة التحالف المنتفكى، كما كشف حملة الوهابيين الكبيرة سنة 1216 هـ (= 1802 م) وتخريب كربلاء -أقول كشفت القناع عن عجز الباشاليك المملوكى، ومع ذلك فقد ظلت الأسرة باقية حتى استطاع السلطان محمود الثانى بقوة السلاح أن يخرج داود باشا ويضع نهاية للحكم الذاتى (1831 م).
يعتبر الإصلاح الإدارى وتَزَايُد التدخل الأوربى الظاهرتين الرئيسيتين فى تاريخ العراق منذ سنة 1831 م حتى 1908 م، ولم يكن من خلفوا داود باشا مباشرة أكثر نشاطا من الباشوات المماليك فى فرض سلطانهم على القبائل، وإنما تبدأ نقطة الانتقال الحقيقية بحكومة مدحت باشا (1869 - 1872 م) التى شهدت تطبيق قانون "ولايات" وقانون الأراضى العثمانى (1858) اللذين صبغا الاصلاحات بصبغة غربية، فجعل أحدهما الإدارة المحلية ذات طابع أوربى، وأما الثانى فقد أقام ملكية فردية حرة فى النواحى التى تعيش فيها القبائل، كما أن السلطان عبد الحميد الثانى ضم مناطق شاسعة فى العراق تحت إدارته "السنية". ولقد ظل إقليم العراق (دون الأراضى الساحلية الواقعة على الخليج العربى) بعيدًا عن أى اهتمام أوربى حتى إذا كانت أواخر القرن الثامن عشر صارت السيادة للبريطانيين كما صارت