الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلافة الأموية فى الشام، والظاهر أنه اعترف فى بادئ الأمر بسيادة العباسيين؛ لكنه ما لبث أن نقض العهد حين بعث إليه المنصور برسالة فيها إهانة له فشجعت هذه الرسالة اثنين من إخوته على أن يدبرا أمر قتله فقام أحدهما واسمه "الياس بن حبيب" بذبحه واستولى على القيروان سنة 137 هـ (= 755 م) وما لبث أحد أبناء عبد الرحمن واسمه حبيب (يعاونه عم له اسمه عمران بن حبيب حاكم تونس) أن قام بمهاجمة القاتل وتملك أفريقية، ويوجد لدينا واحد كان معاصرا لهذا الحادث واسمه هو الآخر عبد الرحمن ابن حبيب الفهرى ولكنه ينعت بالصقلبى حتى لا يختلط بصاحب الترجمة أعلاه، فقام بالدعوة للعباسيين فى الأندلس ولكن تعقبه الأمير الأموى عبد الرحمن الأول وفتك به قرب بلنسية سنة 162 هـ (= 778 م).
المصادر:
(1)
الحميدى، جذوة المقتبس، القاهرة 1953 م، رقم 594.
(2)
ابن خلدون، العبر، الجزء الأول، بولاق، 1284 هـ، ص 218.
د. حسن حبشى [ليفى بروفنسال Levi-Provincal]
عبد الرحمن بن الحكم
ويعرف بعبد الرحمن الثانى، بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية، حفيد عبد الرحمن الداخل، ولد بطليطلة عام 176 هـ (792 م) وتولى الأمر يوم 25 من ذى الحجة 206 هـ (21 مايو 822 م) وبايعه أبوه بالحكم بولاية العهد وعينه وليا للعهد ونستمد من النتف التى عثر عليها المستشرق بروفنسال (وهى من كتاب المقتبس لابن حيان) أن عهد عبد الرحمن الثانى (الذى قارب ثلث قرن من الزمان) كان أزهى وأكثر رخاء مما كان الناس يظنون، فهو العهد الذى استحدث فيه بقرطبة بعض التقاليد ونظم الحياة التى كانت متبعة فى بغداد وما تميزت به طائفة الخاصة من مسلمى الأندلس مما أدى إلى استمرار الطابع الشامى الأموى فى المملكة المروانية.
ولقد أمكن فى مستهل ولاية عبد الرحمن (الثانى) بن هشام إخماد بعض الفتن التى كانت رد فعل لقبضة الحكم الحديدية فى حكم الأندلس، ودخلت أقاليم شرقى الأندلس كلها بالتدريج تحت حكمه، وتأسست فى سنة 216 هـ (831 م) مدينة جديدة هى "مرسية" لتحل محل المدينة القديمة "ايللو" Ello، كما أمكن إخماد فتنة ضارية فى طليطلة وتم الاستيلاء على البلد بالعنف سنة 222 هـ (837 م)، وعاود أمير قرطبة محاربته للنصارى الموجودين على حدود الأندلس، ولم يكد يمر عام بدون أن يقوم عبد الرحمن الثانى بنفسه بقيادة حملة أو يرسل صائفة من الصوائف (*) ضد مملكة ليون الأشتورية، كما أنه تمكن من التغلب على ثورة محمود بن عبد الجبار البربرى فى "ماردة"، وقضى على التحركات الصغيرة التى قامت بها أسرة "بنى قصى" فى أراجون وأخذ يشن غاراته فى أوقات منتظمة ضد مملكة الباشكنس فى بمبلونه وما يعرف الآن بكتالونيا (قطالونيا)، التى كانت حينذاك جزءا من امبراطورية الفرنجة.
وشهد عهد عبد الرحمن الثانى أثارًا سياسية هامة منها قيام علوج نصارى طليطلة وقرطبة بالثورة التى كان يؤججها رجال من رجال الدين المتعصبين. وتُمْسِك المصادر العربية عن الإشارة إلى هذه الفتنة ولكن تخبرنا بها المصادر اللاتينية المعاصرة وإن كانت قليلة، وقد عالجت حكومة قرطبة هذه الفتنة بالشدة فبطشت بعدد كبير من المولدين والقسس والعلمانيين والرجال والنساء ومن اتُّهِموا عندها بالتجديف فى الرسول [صلى الله عليه وسلم] والهجوم على الإسلام واندلعت فى هذا الوقت حركة استشهاد ذاتية قضى عليها فى سنة 238 هـ (862 م) مجمع عقد فى قرطبة وكان على رأسه مطران أشبيلية. ثم حدث بعد ذلك بسبع سنوات أن قام القديس خولوجس (Eloges) فبعث هذه الحركة من جديد، ولكن تم القبض عليه وأمر الأمير محمد بقطع رأسه.
(*) الصائفة: الغزوة فى الصيف. انظر: المعجم الوسيط، استانبول ط 2/ 1932 هـ/ 1972 ص 531.
أما الحركة التى كانت أشد خطورة فتتمثل فى غارة النورمنديين عام 230 هـ (844 م) على الأندلس حين ظهر لأول مرة أمام لشبونة أسطول "النورمنديين"(المسمون عادة بالمجوس فى الحوليات العربية) فدخل نهر الوادى الكبير وخرب أشبيلية وكل ما حولها، فبادرت الدولة لردِّه مما أسفر عن سفك كثير من الدماء كما استردت الحكومة بلدة اشبيلية من أيدى القراصنة وذلك فى نهاية صفر 230 هـ (14 نوفمبر 844 م)، ثم اهتمت الدولة بتقوية البحرية الإسلامية الأندلسية دفعا لأى خطر غير متوقع ودرءًا لأى هجوم جديد.
ولقد قام عبد الرحمن (الثانى) بتأكيد العلاقات الودية بثلاث من الممالك الصغيرة المستقلة فى الساحل الأفريقى وهى مملكة بنى رستم فى تاهرت، ومملكة "نكور" الصنهاجية، ومملكة سجلماسة المدرارية، ولكن لم يحدث أى تقدم تجاه أغالبة افريقية المشايعين لبنى العباس، وكانوا قد هاجموا صقلية.
ويؤرخ عهد عبد الرحمن بن الحكم أيضا قيام علاقات دبلوماسية بين قرطبة وبيزنطة، فجاءت إلى اسبانيا فى سنة 225 هـ (= 840 م) سفارة من الإمبراطور تيوفيليوس تطالب برد جزيرة أقريطش (كريت) التى كانت قد احتلها المغامر الأندلسى أبو حفص عمر البلوطى، فلم تستجب حكومة قرطبة لهذه السفارة، ولكن ذهبت إلى القسطنطينية حينذاك وفادة قرطبية كان من أعضائها الشاعر الغزال.
ولقد عرف عبد الرحمن (الثانى) بن الحكم بحبه العظيم للتنظيم والادارة وتشجيعه الآداب وعطفه على الفنون، فرتب أمور المملكة وفق نظام بنى الهباس، شيد كثيرا من المبانى العامة فى قرطبة، وزاد فى مساحة المسجد الجامع بالعاصمة سنتى 218 هـ و 234 هـ (= 833 م و 848 هـ)، وسرعان ما ازداد تألق شهرته حين وفد إلى قرطبة (207 هـ = 822 م) المغنى الموسيقى زرياب فلقى ترحابا كبيرا فى بلاطها لإدخاله مظاهر الحضارة البغدادية، كما زخر بلاط