الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمير الشاب سليم الذى عرف فيما بعد بالثالث، وفى أثناء قيام هذا الوزير بمهام وظيفته والذى خاطر بحياته من أجل تحقيق مسعاه أعيد تنظيم سلاح المدفعية ورماة القنابل والمعدّنين.
ولقد كان من آثار السلطان عبد الحميد الأول فتح مدرسة لتخريج ضباط مدرّسين سميت (بمدرسة المهندسخانه بحرى همايون) كما أعاد فتح دار "طباعة إبراهيم" التى كانت أحوالها قد تدهورت، كذلك أسس إلى جانب هذا كله عددًا من المكتبات والمدارس ومطاعم للفقراء والسبل يشرب منها الناس.
المصادر:
(1)
أحمد رسمى: خلاصة الاعتبار، إستانبول 1307 هـ.
(2)
محمد صديق: الوقائع الحميدية، إستانبول، 1289 هـ.
(3)
Hammar: Histoire de l'empire Ottoman، الترجمة الفرنسية، باريس 1839 م، وغيره من مصادر التاريخ العثمانى.
بدرية الدخاخنى [جاويد بايسون M.Cavid Baysun]
عبد الحميد الثانى
أما عبد الحميد الثانى الذى يعرف بعبد الحميد الغازى، وهو السلطان السادس والثلاثون من سلاطين آل عثمان (*) والطفل الخامس من بين ثلاثين ولد للسلطان عبد المجيد، وقد ولد عبد الحميد هذا يوم الأربعاء الحادى والعشرين من سبتمبر سنة 1842 م، وعلى الرغم مما كان عليه من الذكاء الحاد إلا أنهم لم يدعوه يدرس. ويقال إنه بعد أن قضى فترة شباب عاصف عاش حياة عائلية مقتصدة جعلت الناس ينعتونه "بحميد البخيل"، وقد أظهر منذ وقت مبكر ميلًا شديدًا لمصاحبة الأتقياء والزهاد والمتصوفة والعرّافين وأصحاب الحيل. ولما كان الأول من سبتمبر 1876 م خلف أخاه المخلوع "مراد الخامس" بمساعدة جماعة "تركيا الفتاة" بزعامة مدحت باشا الذى كان
(*)(عدّه محمد فريد بك السلطان الرابع والثلاثين، ونظرا لتكرار ولاية مصطفى الأول فهو إذن رقم 35 فى سلسلة سلاطين آل عثمان)
راجع: محمد فريد تاريخ الدولة العثمانية، تحقيق إحسان حقي، دار النفائس بيروت 1401 هـ/ 1981 م
قبل ذلك الوزير الأعظم للسلطان عبد العزيز.
وقد انشغل الباب العالى بالحرب ضد "ميلان" أمير الصرب ونقولا الأول أمير الجبل الأسود وكان النصر فيها للعثمانيين، ورغبة من السلطان عبد الحميد الغازى فى وضع حد لتدخل القوى الكبرى فى مجريات الأمور السياسية العثمانية فإنه عقد بالتشاور مع مدحت باشا مؤتمرًا دوليًا فى إستانبول، فلما كان يوم افتتاحه (23 ديسمبر 1876 م) أصدر "خطا همايونيا" يعلن للناس فيه قيام أول دستور للبلاد ويسمى "بقانونى أساس" وقد أقيم بمقتضاه نظام برلمانى يتألف من مجلسين، وقد دعى هذان المجلسان للانعقاد يوم 17 من مارس 1877 م (وكان فضه فى الواقع لفترة استمرت ثلاثين سنة).
ولقد شنت تركيا فى عهد السلطان عبد الحميد حربين إحداهما على روسيا (1877 - 1878 م) والأخرى على اليونان واستمرت من 18 أبريل حتى 5 يونيو 1897 م، وأخيرًا فإن المسألة المقدونية المعقدة أدت إلى تدخل أوروبى بالإجماع انتهى بالإطاحة بالسلطان عبد الحميد وقيام ثورة تركيا الفتاة، ففى الخامس من يوليو سنة 1908 م قام "القُل أغاسى نيازى بك" واستولى على "مونستير"؛ فلما كان الثالث والعشرون من الشهر نفسه تمرد فى سالونيك أنور بك الملحق الحربى الأسبق لتركيا فى برلين، فلم يكن من السلطان إلا أن استجاب لطلبه بعقد الجمعية التشريعية التى كانت قد توقفت عن العمل وإن ظلّت تُذكر فى السجل السنوى الرسمى المعروف باسم "سالنامه"، وتم عقد الجمعية التشريعية يوم 24 يوليو وهو اليوم الذى صار بعد ذلك عطلة رسمية قومية فى البلاد، ثم كانت الحركة الانقلابية التى تزعمها الرجعيون وبعض العسكر الذين اتسموا بالتعصب والتى قادها مارشال محمود شوكت. وانتهى الأمر بصدور قرار بخلع السلطان عبد الحميد الثانى، وقد اتخذ هذا القرار المجلسان اللذان عقدا فيما بينهما يوم 28 أبريل 1909 م جلسة مشتركة، واعتمد هذا الخلع على "فتوى" صدرت فى اليوم ذاته اتهمته
"بتحريمه كتب الشرع وحرقه إياها" وتم خلعه بمقتضى هذه الفتوى وتولى مكانه أخوه محمد رشاد الذى عرف بمحمد الخامس، ونفى عبد الحميد الغازى إلى سالونيك، فلما اندلعت الحرب البلقانية فى سنة 1912 م نقلوه إلى قصر مطل على البسفور فظل مقيمًا به حتى مات بالتهاب الرئة يوم الأحد العاشر من فبراير 1918 م وقد بلغ الخامسة والسبعين من عمره ودفن فى تربة جده محمود الثانى.
لقد كانت النقطتان البارزتان اللتان اتسم بهما نظام عبد الحميد الثانى هما الاستبداد والتعصب الإسلامى.
1 -
أما فيما يتعلق بالاستبداد فيلاحظ أنه على الرغم من أن سلطة أسلاف عبد الحميد كانت سلطة مطلقة إلا أن تدخلهم فى أمور الحكومة كان قليلا نسبيًا، إذ جرت عادة الواحد منهم على أن يترك الأمر إلى من ينيبه عنه وهو الوزير الأعظم ويطلق السلطان يده فى تصريف الأمور ويعدّه "وكيله المطلق" وبذلك تكون الحكومة فى الواقع حكومة هذا الوزير الذى يعتبر هو الباب العالى، وقد أراد السلطان الغازى عبد الحميد أن يوجد وسيلة للسيطرة تنفذ كل مآربه ورقابته الشخصية وبذلك تكون سلطة "القصر" أو البلاط هى المنفذة ولكن من وراء ستار. وبعد نجاته من محاولة أرمينية دُبرت لاغتياله ازداد خوفه وشكه الجارف فى كل من حوله، وهو شك سيطر على كل جوانب حياته، ولذلك فتح أذنيه لكل نمّام، وشجع التجسس حتى صار كل واحد عينًا على الآخر مما أسفر عن قيام شبكة جاسوسية معقدة تعقيدًا لا يمكن لأحد أن يتصور مداها، وتكوّن شئ جديد يعرف "بالخفية" وما هو فى الواقع إلا "هيئة شرطة" أصبحت تضم فى النهاية جميع الوشاة والمخبرين السريين فكان فيهم قوم من أرقى طبقات المجتمع، وفيهم من هم من أدناها، ومهمتهم تقديم الاتهامات المكتوبة التى عرفت باسم "الجرنال"، وهو تعبير يرجع أصله إلى زمن محمد على والى مصر وكان المقصود به أصلا "التقرير اليومى الإدارى".
ولقد بلغت قسوة هذه الرقابة درجة كبيرة من البعد عن العرف والأخلاقيات لا يمكن تصديقها لولا ورود الخبر الذى يؤكدها فى الوثائق الأصلية، ولقد ابتدع الرقيب كلمات مثل "الوطن" ومهد الآباء بدلًا من قولهم "الأسرة" و"الدين" كما أصبح أى إنسان موضع شبهة لترديده بعض الألفاظ مثل "الحرية" و"الانفجار" و"القنبلة" و"اغتيال الحاكم" و"القتل العمد" و"المكيدة" و"التآمر" إلخ. .
2 -
أما فيما يتعلق بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية فقد كان السلطان عبد الحميد الثانى يدرك إدراكًا عميقًا أهمية دوره كخليفة وإن كانت هذه الأهمية موضع جدل، وكان يرى أن هذه الخلافة تجعل منه "حامى حمى الإسلام" كما جاء فى المادة الثالثة من قانون 1876 م، وكان عظيم التقدير لجمال الدين الأفغانى الذى يدين له بالشكر لتوفيقه فى إرجاع الشيعة إلى حظيرة السنَّة، على أن هذه السياسة العقيمة، بل والخطيرة كانت قائمة فى الغالب على وهم باظل مؤداه أنه قادر على الاعتماد على وفاء "أطفاله الذين أفسدهم التدليل" وهم "العرب" وعلى ولائهم له.
ومن الأمور العجيبة أن "فامبرى" الأرمنى المتترّك الذى كان من يهود المجر ومن أكبر مشجعى عبد الحميد الثانى على هذه الاتجاهات. وأسفرت ميوله الطيبة نحو العرب عن نتيجة محمود ، واحدة فقط تلك هى أنها حفزته على إنشاء سكة حديد الحجاز التى تصل إلى الأماكن الإسلامية المقدسة.
وكان لهذا الخط قيمته الاستراتيجية للقضاء على الاضطرابات التى تشب بلا انقطاع فى بلاد اليمن، وكان السلطان عبد الحميد كبير الاعتزاز والتباهى بخط سكة الحديد هذا، وهو اعتزاز له ما يبرره، كما أنه اعتزازٌ له ما يؤكده، أما المبالغ التى صرفت على مدّه فقد جمعت كلها من المسلمين ومن دخول "طابع الحجاز" وبدأ تشغيل خط سكة حديد الحجاز لأول مرة فى الأول من سبتمبر 1900 م وهو يوم الاحتفال بالذكرى