الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقاب
اسم واحدة من أكبر المعارك التى حسمت الصراع الطويل بين المسلمين والنصارى لامتلاك شبه جزيرة أيبيريا. وقعت هذه المعركة يوم الاثنين 15 صفر 609 هـ الموافق 16 يوليو 1212 م، وانتهت بانتصار حاسم للجيوش الأيبيرية المسيحية القشتالية المدعمة بقوات صليبية من غرب أوربا بقيادة ألفونسو الثامن على جيوش المسلمين بقيادة محمد الناصر رابع خلفاء الموحدين.
كانت معركة العقاب ردا على انتصار الموحدين على قوات قشتالة قبل ثمانية عشر عاما فى معركة الأرك فى (9 شعبان 591 هـ/ 18 يوليو 1194 م) حيث ترتب على انتصار يعقوب المنصور ثالث خلفاء الموحدين فى تلك المعركة استيلاؤه على "قلعة رباح" معقل فرسانهم.
وخلال السنوات التالية استولى الموحدون على منطقة طليطله Toledo وأدرك القشتاليون صعوبة مقاومتهم وحدهم لضغوط المسلمين، فاستعانوا بممالك مسيحية أخرى فى شبه جزيرة أيبيريا ونجح ألفونسو الثامن ملك قشتالة فى ضم النفاريين والأراجونيين إلى جانبه بعد تسوية خلافاته مع ملكيهما، ولكن فشل فى ضم ألفونسو التاسع ملك ليون إليه، كما استطاع ملك قشتالة أن يستميل مجموعة من أكفأ الفرسان فى شبه جزيرة أيبيريا أمثال ألفارونونيز دى لارا، ودييجو لوبيزدى هاور، ولوب دياز، كما حصل على موافقة البابا أنوسنت الثالث على شن حملة صليبية ضد المسلمين فى الأندلس فوافق وحث الناس فى إيطاليا وغرب أوربا على حرب المسلمين مقابل وعد بغفران خطاياهم غفرانا تاما.
وعلى الجانب الآخر، تدهورت أحوال المسلمين منذ وفاة يعقوب المنصور (22 يناير 1199 م) حيث صارت مقاليد الأمور فى أيدى أعمام الخليفة محمد بن يعقوب المنصور الملقب بالناصر البالغ من العمر عندئذ 17 عاما، ولم يكن
هؤلاء الأعمام على درجة من الكفاءة فى إدارة شئون البلاد، بينما كان محمد ابن عبد الواحد بن أبى حفص (الهنتانى) أحد مؤسسى حركة الموحدين هو الوحيد القادر على ذلك. وعندما شب محمد الناصر قليلا، سعى إلى القبض على زمام الأمور فى يده بمعاونة مجموعة من الوزراء المخادعين والأنانيين من أمثال أبى زيد عبد الرحمن ابن يوجان وأبى سعد بن جامع وأبى محمد بن مثنى، كما كان الناصر لصغر سنه يسعى إلى تحقيق مجد شخصى، فأجهد عسكره فى حملات مكلفة لتأديب المتمردين من بنى غانية، ومع حلول عام 1209، وجد ألفونسو الثامن نفسه قادرا على مواجهة الموحدين.
وقبل انتهاء مهلة الهدنة المقرر لها عام 1210، أخذت القوات القشتالية تغير على مقاطعتى جين ومرسيه Jaen&Marcia وعندئذ أخذ محمد الناصر يعد حملة لغزو قشتالة متجاهلًا نصيحة عبد الواحد بن أبى حفص واليه فى أفريقية (تونس) بعدم القيام بتلك الحملة لسوء أحوال المسلمين والضعف الشديد الذى حل بالدولة مما يجعل فرصة إحراز النصر غير واردة.
تحركت القوات النصرانية بقيادة ملوك قشتالة ونفاره وأراجون صوب "قلعة رباح" واستولوا عليها فى يونية 1212، وعندما هرع يوسف بن قادش قائد القلعة إلى جان، أعدمه الخليفة دون أن يعطيه الفرصة لتبرير موقفه، وقد أدى هذا التصرف إلى زيادة سخط الأندلسيين على الظلم الذى وقع على أكفأ قوادهم ودفعهم هذا إلى الامتناع عن القتال فى ساحة المعركة، مما كان له أثره البالغ فى هزيمة المسلمين فى تلك المعركة.
تقدم المسلمون "بياسة" Saluatievva ومنها حاصروا "قلعة شلبطرة"، والتى كانت قاعدة للعمليات فى قلعة رباح واستولوا عليها مما شجعهم للتقدم غربا حيث عسكروا على بعد خمسة كيلومترات تقريبًا غربا (منطقة سانتا إلينا حاليا).
نظم المسلمون صفوفهم حيث شكل المتطوعة الجناح الأيسر (الميسرة)
للجيش وشكل الأندلسيون ومعهم نحو ألف وخمسمائة من الأعراب والأعزاز الجناح الأيمن (الميمنة)، أما الموحدون فكانوا فى القلب، وكانت خيمة الخليفة وسط قوات الموحدين يحيطها الحرس الخاص به من العبيد، وبلغت جيوش المسلمين نحو مائتى ألف نصفهم من المطوعة.
أما قوات النصارى فكانوا أقل من المسلمين وإن كانت أفضل منهم عتادا وعدة واحتلت موقعا متميزا على مرتفعات Moradel مكنتهم من رؤية معسكر المسلمين، وبدءوا بالهجوم على جناح المتطوعة وحاولوا اختراق صفوفهم ولكنهم فشلوا وارتدوا بعد أن تكبدوا خسائر، وحاولوا مرة أخرى الهجوم من الشرق على جناح الأندلسيين وكانت المفاجأة انسحاب الأندلسيين من ميدان المعركة دون قتال، وتبعهم الأعراب والأغزاز ليتركوا جيوش الموحدين النظامية بلا غطاء فانقضت عليهم جحافل النصارى بكل ثقلها تفتك بهم. حاول الموحدون الصمود، ولكن سرعان ما تمزقت صفوفهم لقلة عددهم، وعلى الجانب الآخر هجم النصارى على المتطوعة وأجهزوا عليهم مستغلين حالة الهلع والرعب التى أصابت المسلمين، وحاول الكونت الفارونونيز وفرسانه الوصول إلى خيمة الخليفة الناصر، إلا أن الأخير استطاع أن يفر ومعه بعض رجاله إلى بياسة Baeza ومنها إلى "جان" Jaen و"ستيل". أما باقى جيوش المسلمين فقد مزقت إربا، وواصل ألفونسو الثامن تقدمه إلى بياسة.
وتعد هذه المعركة هى آخر المعارك العظمى التى حاربها المسلمون فى أسبانيا، وكانت آثارها عليهم أسوأ من الهزيمة نفسها حيث تحطمت معنويات المسلمين وكانت بداية النهاية لوجودهم فى أسبانيا كما انحسر الموحدون فى شمال أفريقيا، ولم يستطع الخليفة محمد الناصر تحمل هذه الهزيمة طويلا، فاعتكف فى قصره بمراكش عقب وصوله إليها ومات يوم 22 ديسمبر 1213 م بعد سبعة عشر شهرا من هزيمة العقاب.