الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة الثامنة
فيما يعتقده المنجمون
في سبب عمى المولود
يزعم المنجمون أن المولود إذا ولد وأحد النيرين في الكسوف أو الخسوف فإنه يولد أعمى.
ونقلت من كتاب المواليد لأبي معشر جعفر بن محمد البلخي من أماكن متفرقة. قال: إذا ولد مولود والطالع الجوزاء وعطارد فيه: كان أعمى أو في عينه بياض وهو مع ذلك أحمر اللون: وإذا ولد مولود والطالع الحوت وزحل والمريخ فيه كان أعمى ناتئ العينين. قال: والمريخ إذا كان مشرفاً جيد وإذا كان مغرباً كان المولود أعمى فقيراً. والزهرة مغربة تعطي الحياة والحسن والسعة والنصر. وفي التشريق يقع الماء في العين. وقال: في مكان آخر وإذا كانت الزهرة في الطالع في بيت المرض كان المولود بأحد عينيه عيب. وقال: في موضع آخر ومن يولد بين الجوزاء والسرطان يكون أعمى ولا يلبث أن يعمى بعد مولده بقليل وربما ولد في وجهه خراج حتى تسترخي جلدة وجهه كله على عينيه وفمه وأنفه حتى تقع على صدره ويعيش عيش سوء حتى يموت.
ونقلت من كتاب درج تنكلوشا تعريب ابن وحشية.
قال: في الدرجة الثالثة من برج السرطان من يولد بها يكون في عينيه أو في إحداهما عيب كثير الشرور والنحوس في معاشه مسعوداً في بدنه ونفسه. وقال: في الدرجة العشرين من برج الأسد من يولد بها يكون أديباً غنياً كريماً: فإن كانت امرأة افتقرت آخر عمرها وذهبت عينها. وقال: في الدرجة العشرين من برج السنبلة من يولد بها تكون عيناه لونين ويكون من الحيلة والخبث والدهاء على حالة ليس وراءها غاية وتمر به شدائد ينجو منها إلا أن عمره قصير ويموت فجاءةً. وقال: في الدرجة الرابعة من برج الميزان من يولد بها يكون مشوه الخلق عيناه مقلوبتان وآذانه كآذان الفيل محباً لأكل الحرام ولا يريد الحلال وهو نكد عسر شرش مشؤم شكال كسلان لا خير فيه.
وقال: في الدرجة الخامسة عشرة من برج الدلو من يولد بها يكون ناقص الأعضاء مثل ضعف البصر أو يكون أشل ولكنه عظيم الهمة واسع القدرة والحيلة مختال فخور. وقال: في الدرجة الرابعة عشرة من برج الحوت من يولد بها يكون ملكاً رفيعاً عظيماً رحيماً صالحاً إلا إنه رديء السياسة ضعيف العقل تكون أيامه مضطربة ولا يستوسق له أمر ثم إنه تسمل عيناه بيد عدو له فيظفر به بالحيلة والمكر ويعيش دهراً صالحاً بالمكر ضريراً.
قلت هكا يعتقد المنجمون. وليس لهم على ذلك دليل قطعي يذكرونه ولكنهم يزعمون أن ذلك مبني على التجربة والإلهام. والذي يدل، من حيث النظر والبحث، على أن هذه الأشياء التي يقولون إن المولود إذا ولد في الدرجة الفلانية من البرج الفلاني دل على أن يكون كذا وكذا، باطلة لا اصل لها يرجع إليه أولو العقول السليمة.
والدليل عليه أنهم يذكرون لكل درجة من درج كل برج حكماً يخالف الدرجة الأخرى. وهذا أمر يقضي أن ماهية كل درجة تخالف ماهية الدرجة الأخرى. وكل برج يخالف البرج الآخر باختلاف ماهيات درجاته، وهذا يؤدي إلى أن الفلك مركباً، وقد أقام أرباب المجسطي الدلائل المبرهنة على أنه بسيط. والبسيط ما أشبه جزؤه كله وأرباب المجسطي هم أصحاب الأصول في علم الفلك. ومتى ادعى مدع في أن الفلك مركب فسدت عليه أصول كثيرة ليس هنا موضع ذكرها. فثبت أن القول بأن كل درجة لها خصاة تمتاز بها في الحكم عن غيرها، باطل بهذا البرهان والله أعلم.
وأيضاً فإن الصورة في الخارج تكذب هذه الدعاوي لأن الفلك مقسوم بثلاثمائة وستين درجة. وهذا تنكلوشا قد ذكر فيما تقدم أن هذه الست درج التي نص عليها يختص كل منها بعمى من يولد بها، وهي طالعة. فإذا فرضنا أن كل درجة يولد فيها مولود، يجب أن يوجد في كل ثلاثمائة وستين إنساناً ستة عميان. ونحن لا نشاهد الأعمى إلا في الآلاف. فما بقي غير الاعتراف والرجوع إلى الحق، والقول بأن الله تعالى اختار أن يكون هذا المولود أعمى دون غيره، لا أن ولد في الدرجة الثالثة من السرطان ولا أن ولد في العشرين من برج الأسد ولا في غير ذلك مما ادعوه أنه من خواص الدرجات المذكورة فسبحان الفاعل المختار القادر على ما يشاء.