الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة لهذه المقدمات
قل أن وجد أعمى بليداً، ولا يرى أعمى إلا وهو ذكي: منهم الترمذي الكبير الحافظ. والفقيه منصور المصري الشاعر.
وأبو العيناء. والشاطبي المقري. وأبو العلاء المعري. والسهيلي صاحب الروض الأنف. وابن سيدة اللغوي. وأبو البقاء العكبري. وابن الخباز النحوي. والنيلي شارح الحاجبية. وغيرهم على ما يمر بك فيما بعد.
والسبب الذي أراه في ذلك، أن ذهن الأعمى وفكره يجتمع عليه، ولا يعود متشعباً بما يراه، ونحن نرى الإنسان إذا أراد أن يتذكر شيئاً نسيه، أغمض عينيه وفكر، فيقع على ما شرد من حافظته.
وفي المثل: أحفظ من العميان، أورده الميداني في أمثاله.
وأورد الجاحظ في كتاب البيان والتبيين، قول ذي الرمة:
حوراء في دعج صفراء في نعج
…
كأنها فضة قد مسها ذهب
قالوا: لأن المرأة الرقيقة اللون، يكون بياضها بالغداة يضرب إلى الحمرة، وبالعشي يضرب إلى الصفرة. ولذلك قال الأعشى:
بيضاء ضحوتها وصفراء العشية كالعرارة
وقال بشار:
فإن دخلت تقنعي بالح
…
حسن إن الحسن أحمر
ثم قال الجاحظ: وهذان أعميان قد اهتديا من حقائق الأمور إلى ما لا يبلغه تمييز البصراء. ولبشار خاصة في هذا الباب ما ليس لأحد.
قلت: تعجب الجاحظ من قول الأعشى وبشار. وكيف به لو سمع قول أبي العلاء المعري:
رب ليل كأنه الصبح في الحسن
…
وإن كان أسود الطيلسان
قد ركضنا فيه إلى اللهو حتى
…
وقف النجم وقفة الحيران
فكأني ما قلت والبدر طفل
…
وشباب الظلماء في العنفوان
ليلتي هذه عروس من الز
…
نج عليها قلائد من جمان
وكان الهلال يهوى الثريا
…
فهما للوداع معتنقان
وسهيل كوجنة الحب في اللو
…
ن وقلب المحب في الخفقان
يسرع اللمح في احمرار كما
…
تسرع في اللمح مقلة الغضبان
ثم شاب الدجى فخاف من الهجر
…
فغطى المشيب بالزعفران
وقوله:
ولاح هلال مثل نون أجادها
…
بجارى النضارا لكاتب ابن هلال
وأخبرني الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري المعروف بابن الأكفاني، قال: كان بالديار المصرية ضرير سماه لي وأنسيته وأظنه يقرئ الطلبة كتاب أقليدس ويضع أشكاله لهم بالشمع، وهذا من أغرب ما يكون.
وأخبرني من لفظه أيضاً الشيخ الإمام أقضى القضاة شرف الدين أبو العباس أحمد بن القاضي الإمام المقرئ الشيخ شهاب الدين الحسين ابن سليمان الكفري الحنفي، قال: ذكر لي والدي أنه كان في القليجية بواب يعرف بممدود أعمى، وانه كان يخيط القماش ويضع الخيط في الإبرة في فمه، وينجم جيداً، ويضع الجاخ على الجاخ عند الخياطة.
قلت: أما إدخال الخيط في الإبرة، فقد رأيت أنا أعمى وعمياء كانا في صفد وكانا يضعان الإبرة في فمهما ويدخلان الخيط في خرت الإبرة. وأما التنجيم فأمر يهون لأنه مغدوق بالحساب، فيمكن ضبطه. وأما وضع الجاخ على الجاخ فهذا أمر يبهر العقل.
وحكى لي الشيخ يحيى بن محمد الخباز الحموي، قال: كان عندنا في حماة أعمى يعرف بنجم. يلعب بالحمام ويصيد الطير الغريب، فاستبعدت صيد الطائر الغريب، فقال لي؟ سألته عن ذلك، فقال إن طيوري أبخرها ببخور أعرفه وأطيرها، فإذا طارت ونزلت ومعها الطير الغريب هدرت حوله فاعرف أن معها غريباً، فأرمي السب على
الجميع، وآخذها واحداً بعد واحد فأشمه. فالذي فيه شيء من بخوري أعرف أنه غريب فأصطاده.
وأما أنا فقد رأيت في الديار المصرية إنساناً بعلاء الدين بن قيدان أعمى. وهو عالية في الشطرنج يلعب ويتحدث وينشد الشعر ويتوجه إلى بيت الخلاء ويعود إلى اللعب ولا يتغير عليه نقل شيء من القطع. وهذا معروف يعرفه أصحابنا في القاهرة.
وكان عندنا في صفد شخص أعمى، يعرف بشمس كان يستقى من البئر ويملا بحق كبير ويتوجه بذلك إلى بيوت الناس وزبوناته وهو مع كل ذلك بغير عصاً: ورأيته يوماً هو وزوجةً له متوجهين إلى حمام عين الزيتون، وفي الطريق عقبة تعرف بعقبة عين الورد: وتحتها واد وقد أخذ بيد زوجته، وهو يقول لها تعالي إلى هنا لا تتطر في تقعي في الوادي، والله تعالى أعلم.