الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة الأولى
فيما يتعلق به من اللغة والاشتقاق
قد تتبعت أفراد وضع اللغة العربية، فرأيت العين المهملة والميم، كيفما وقعتا في الغالب وبعدهما حرف من حروف المعجم، لا يدّل المجموع إلا على ما فيه معنى الستر أو ذهاب الصواب على الرأي.
فمن ذلك: عمج عمج يعمج بالكسر، قلب معج. إذا أسرع في السير واعوجّ. وسهم عموج، إذا كان يتلوّى في ذهابه. وتعمّجت الحيّة، إذا تلوّت في سيرها، كأنها لا ترى الطريق الأقوم: قال الشاعر يصف زمام الناقة.
تلاعب مثنى حضرميّ كأنّه
…
تعمّج شيطان بذي خروع قفر
والعومج الحيّة: وكذلك العمّج بالتشديد: قال الشاعر.
يتبعن مثل العمّج المنشوش
…
أهوج يمشي مشية المالوش
وقال قطرب: هو العمج، على وزن السبب.
فأنت ترى مفهوم هذه الأوضاع كيف يدل على معنى الستر وذهاب الصواب.
ومن ذلك عمرّد العمرّد بتشديد الراء الفرس الطويل: قال الشاعر.
يصرّف سيداً في العنان عمرّدا
وكذلك طريق عمرّد: قال الشاعر.
خطّارة بالسّبسب العمرّد
ولا بدّ للفرس إذا طال، أن يكون فيه بعض التواء، وذهاب على غير استواء. وكذلك الطريق إذا طالت.
ومن ذلك عمد: عمد البعير إذا انفضح داخل سنامه من الركوب، وظاهره صحيح. كّأن داءه ذاك مستور لا يرى. والعمد إنما يقام به ما مال واعوّج.
ومن ذلك: عمر عمر الرجل بالكسر يعمر عمراً وعمراً على غير قياس لأنّ قياس مصدره التحريك إذا عاش زماناً طويلاً ومن طال عمره التوت عليه سائر الأيام، ومشت به على غير استقامة: من حوادث الدهر وضعف الجوارح. والعمر بالتحريك واحد عمور الأسنان. وهو ما بينها من اللحم. قيل فيه ذلك لمّا كان يستتر فيها. واعتمر في الحجّ إذا اعتم بعمامة. قيل فيه ذلك لمّا كان يستر ما بدا من رأسه. والعمار الريحان تزيّن به مجالس الشراب. قيل فيه ذلك لمّا كان يستر به ما بدا من الأنماط أو غيرها، أو يستر بريحه الطّيبة ريح غيره الكريهة.
ومن ذلك: عمس العماس بالفتح الحرب الشديدة. ولا تكون شديدة إلا وقد عمي الأمر فيها وذهب الصواب على الفوارس. وكذلك داهية عماس أي شديدة. وليل عماس أي مظلم يعني سائر الأشخاص، وأمر عموس أي مظلم، وعماس أيضاً: لا يدري من أين يؤتى له. ومنه: جاءنا بأمور معمسّات أي مظلمة ملوّية عن جهتها. ورجل عموس إذا كان متعسفّاً لا يهتدي لصواب. وتعامس عن الشيء إذا تغافل عنه. وعمس الكتاب إذا درس، فلا يدرك منه حرف.
ومن ذلك: عمرّس مشدد الراء. هو السديد الرأي، القويّ من الرجال: قيل فيه ذلك كأنه يأخذ الأشياء قوة واعتسافاً، لا يفكّر في صوابها ولا خطائها.
ومن ذلك: عملّس مثل العمرّس. هو القويّ على السير: قال الشاعر
عملّس أسفار إذا استقبلت له
…
سموم كحرّ النار لم يتلثّم
يعني يركب الأهوال، لا يهتدي فيها إلى صواب راحة.
ومن ذلك: عمش العمش في العين رؤيتها مع سيلان الدمعة منها. كأنّ المرئيات تستتر عنها بستور الدموع.
ومن ذلك: عملّص سير عمليص إذا كان سريعاً. قيل فيه ذلك لأنه لا يبالي فيه أين وضع القدم أو الخف أو الحافر.
ومن ذلك: عمط عمط النعمة عمطا بالسكون وعمطها بالكسر عمطاً بالفتح، إذا كفرها. قيل فيه ذلك لمّا سترها وغطّاها ولم يتحدث بها.
والكفر السّتر.
ومن ذلك: عمرط العمروط اللصّ والجمع العماريط. قيل فيه ذلك لأنه لا يجيء إلا مختفياً مستوراً في الليل. والعمرّط بتشديد الراء الخفيف.
وهو الذي لا يذهب على استقامة ولا استواء. والعملط بتشديد اللام الشديد وهو الذي لا يبالي على أي حاليه كان من صواب ومن خطأ.
ومن ذلك: عمق العمق بفتح العين وضمها قعر البئر والفج والوادي. قيل فيه ذلك لما واستتر عن العين. وتعمق في كلامه إذا مال عن جادة الفصيح من الكلام والتوى. والعمق أيضاً ما بعد من أطراف المفاوز. ومنه قول رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
ومن ذلك: عملق العمالقة قوم كانوا في قديم الزمان. يذكر أنهم كانوا في غاية من الطول. منسوبون إلى عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح.
وقد تقدم أن كل من طال لابد أن يميل إلى اعوجاج. هذا إن قلنا بأن ذلك عربي، وإلا فلا مدخل لهذا الحرف في هذا الباب.
ومن ذلك: عمل اعتمل الرجل إذا اضطرب في العمل. قال الشاعر:
إن الكريم وأبيك يعتمل
…
إن لم يجد يوماً على من يتكل
قيل فيه ذلك لأن الاضطراب حركة على غير استواء. ورجل عمل بالكسر إذا كان مطبوعاً على العمل. ورجل عمول أيضاً. قيل ذلك فيه: أي لا يبالي بما يلقى فيه من العمل. كأنه غير متبصر لرشده. وطريق معمل: أي لحب مسلوك. قيل فيه ذلك لما كثر ركوبه من كل أحد على غير تبصر لمواضع الأقدام. واليعملة الناقة النجيبة الصبورة على المشي.
ومن ذلك: عمم العمامة ما يوضع على الرأس، وهي تستره. واعتم النبت إذا اكتهل أي ستر الأرض. ويقال للشاب إذا طال: قد اعتم. وشيء عميم أي تام. ونخلة عميمة ونخل عم، يقال ذلك للطويل منه. قيل فيه ذلك لأنه لا يطول إلا وفيه خروج عن الاستقامة. والعامة خلاف الخاصة. قيل ذلك لما كانوا كثيرين لا يحيط بهم البصر، فهم في ستر عنه. وعم اللبن إذا علته الرغوة كالعمامة فسترته.
ومن ذلك: عمن عمن بالمكان إذا أقام به. كأنه استتر فيه عن غيره.
ومن ذلك: عمه العمه التحير والتردد. كأن الإنسان لا يرى دليلاً فيأخذ به. وأرض عمها، لا أعلام بها، أي لا يهتدي فيها إلى سبيل. وذهبت، إبله العمهى بتشديد الميم، إذا كانت لا يدرى مكانها. كأنها في ستر عن راعيها.
ومن ذلك: عمي هذه المادة عمود هذا الباب وقاعدته، وهي المطلوبة بالذات لما يتعلق بهذا الكتاب.
العمى ذهاب البصر وعدم الرؤية واستتار المرئيات عن الناظر. وقد عمي فهو أعمى وقوم عمي. وأعماه الله تعالى. وتعامى الرجل أرى من نفسه ذلك. وعمي عليه الأمر إذا التبس. ورجل عمي القلب أي جاهل، وامرأة عمية القلب بتخفيف الياء على وزن فعلة بفتح الفاء وكسر العين وفتح اللام. وقوم عمون، وفيهم عميهم بتشدي الياء، والأعميان السيل والجمل الهائج. وعمي الموج بالفتح يعمى عمى، رمى القذى والزبد. وعميت معنى البيت تعمية. ومنه المعمى من الشعر. وقرئ فعميت بضم العين وكسر الميم وتشديدها وفتح الياء. وتركناهم في عمى بضم العين وتشديد الميم وبعدها ألف مقصورة، إذا أشرفوا على الموت. والعماء ممدود السحاب. ويقال هو الذي يشبه الدخان ويركب رؤوس الجبال.
والمعامي من الأرضين الأغفال التي لا أعلام لها وليس بها اثر عمارة. وهي الأعماء أيضاً. ويقال أتيته صكة عمي بضم العين وفتح الميم وتشديد الياء أي وقت الهاجرة. وهو تصغير أعمى، مرخماً. وقيل هو اسم رجل من العمالقة أغار على قوم ظهراً فاستأصلهم فنسب الوقت إليه.
وقيل المراد به الظبي لأنه يسدر في الهواجر فيصطك بما يستقبله كاصطكاك الأعمى، ثم إنه صغر تصغير الترخيم، كما صغر وأسود وأزهر. فقالوا سويد وزهير.
فأنت ترى ما ورد في هذه المادة كيف يدور جميعه على الاستتار والاختفاء والله تعالى أعلم.