الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة الثانية
فيما يتعلق بذلك
من جهة التصريف والأعراب
أعمى. لا ينصرف لما فيه من العلتين الفرعيتين: وهما الصفة ووزن الفعل. ويكتب بالياء لان مؤنثه عمياء.
والقاعدة عند أهل العربية أن لا يبنى أفعل تعجب ولا أفعل تفضيل من الألوان والعاهات. فلا يقال: هذا اسود من هذا، ولا هذا احمر من هذا في الألوان. ولا يقال: هذا أعور من هذا، ولا هذا أعرج من هذا. بل الصواب أن يقال فيه ذها أشد سواداً وأشد حمرةً، وهذا اشد عرجاً واشد عوراً.
وأورد على هذه القاعدة قوله تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً. والجواب: أن هذا ليس من العاهات الظاهرة، بل هو من عمى البصيرة. قال الله تعالى فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. وقرأ أبو عمرو: ومن كان في هذه أعمى بالإمالة فهو في الآخرة أعمى بالتفخيم. طلباً للفرق بين ما هو اسم وبين ما هو أفعل منه: بالإمالة.
وعيب على أبي الطيب قوله في الشيب
إبعد بعدت بياضاً لا بياض له
…
لأنت اسود في عيني من الظلم
وقال الناصر له: إن أسود هنا من قبيل الوصف المحض الذي تأنيثه سوداء وأخرجه عن حيز أفعل التفضيل. ويكون على هذا التأويل قد تم الكلام عند قوله لأنت اسود في عيني وتكون من التي في قوله من الظلم لبيان جنس السواد لا أنها صلة أسود.
مسألة لو قلت ما أسود زيداً، وما أسمر عمراً، وما أصفر هذا الطائر، وما أبيض هذه الحمامة، وما أحمر هذا الفرس. فسدت كل مسألة من وجه وصحت من وجه. ففساد جميعها، إذا أردت التعجب من الألوان. وتصحيح جميعها، إذا أردت التعجب من سودد، زيد ومن سمر عمرو. ومن صفير الطائر، ومن كثرة بيض الحمامة، ومن حمر الفرس، وهو نتن فيه من البشم وقول الشاعر:
جارية في درعها الفضفاض
…
ابيض من أخت بني بياض
قالوا فيه أن ابيض هنا ليس للتفضيل، بل صفة لموصوف محذوف تقديره: في درعها جسم أبيض أو شخص أبيض ومن في محل الرفع صفة لأبيض. على أن الكوفيين جوزوا: ما أسوده وما أبيضه في هذين اللونين خاصةً. قالوا لأنهما أصل الألوان. وهو ضعيف. لأن غالب أفعال اللوان لا تأتي إلا على أفعل وأفعال بتشديد اللام فيهما نحو أحمر وأحمار. وهما زائدان على الثلاثي. ولا تبنى أفعل التعجب وأفعل التفضيل إلا من الثلاثي المجرد من الزيادة. لأن أفعل في مثل ما أحسن زيداً الهمزة فيه زائدة ودخلت عليه لتنقل اللازم إلى التعدي، فيصير الفاعل مفعولاً. إذ أصله حسن زيد. فلما دخلت الهمزة على الفعل، صار الكلام تقديره شيء. حسن زيداً.
وشذ قولهم: ما أعطاه للدينار والدرهم! فتعجبوا بالرباعي. وأجازه سيبويه. وكذا: ما أولاه للمعروف وما أفقره! حمله على أنه ثلاثي والصحيح أنه رباعي فلذلك حكم بشذوذه.
مسأله وإنما قالوا في السكران: ما أشد سكره! ولم يقولوا: ما أسكره! وهو ثلاثي لأن فعله سكر وليس بخلق ولا لون ولا عيب ظاهر، فرقا بينه وبين قولهم: ما أسكره للنهر. وكذلك لم يقولوا: ما أقعده في الكان، فرقا بينه وبين ما أقعده في النسب. ولا يتعجب من الخلق أيضاً والمراد بالخلق الأعضاء كاليد والوجه والرجل. فلا تقل: ما أيداه! وما أرجله! وما أوجهه! فإن أردت ما أوجهه من الوجاهة وما أرجله من الشؤم على غيره جاز.
ويتعجب من العيوب الباطنة، كالحمق والرعونة فيقال: ما أحمقه! وما أرعنه! ومنه ما تقدم في قوله تعالى فهو في الآخرة أعمى. لأنه من عمى البصيرة.
تقول رجل أعمى وأعميان وأعمون بفتح الميم، في ذلك كله. وأعمون جمع سلامة. وأجاز الكوفيون ضم الميم في الجميع. وتقول في جمع التكسير: عميان. تقول عمي عمىً فهو عم من عمى القلب، وعمي يعمى فهو أعمى من عمى البصر. وجمع عم عمون. قال الله تعالى: بل هم منها عمون. وجمع أعمى عميان وعمي. قال الله تعالى لم يخروا عليها صماً وعمياناً.
وقال
تعالى: صم بكم عمي. والنسبة إلى أعمى أعموي بفتح الهمزة وسكون العين وفتح الميم وكسر الواو. والنسبة إلى عم عموي بفتح العين والميم كما يقال في شج شجوي.
وفي المثل: ربما أصاب الأعمى رشده، وربما قيل فيه: بما أصاب: الأعمى رشدة فحذفوا الراء من ربما. قال حسان:
إن يكن غث من رقاش حديث
…
فبما تأكل الحديث السمينا
قالوا: أراد ربما.
وقد يجوز أن تكون الباء للبدل. كما يقال: هذا بذاك.
وفي المثل: أعمى يقود شجعةً بالشين المعجمة المفتوحة والجيم المفتوحة والعين المهملة والشجعة الزمني. وقيل: الشجعة بسكون الجيم الضعيف.
وقولهم: صكة عمي بضم العين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء: هو اشد ما يكون من الحر أي حين كاد الحر يعمي. وقيل: حين يقوم قائم الظهيرة. وقيل: إن عميا هو الحر بعينه. وأنشدوا:
وردت عميا والغزالة برنس
…
بفتيان صدق فوق خوص عياهم
وقيل: عمي رجل من عدوان كان يفتي في الحج. فأقبل معتمراً ومعه ركب، حتى نزلوا بعض المنازل في يوم شديد الحر، فقال عمي: من جاءت عليه هذه الساعة من غدو هو حرام لم يقض عمرته وهو حرام إلى قابل. فوثب الناس في الظهيرة يضربون حتى وافوا البيت. وبينهم وبينه ليلتان، فضرب مثلاً يقال أتانا صكة عمي، إذا جاء في الهاجرة الحارة.
وفي المثل: تطرق أعمى والبصير جاهل. الطرق هو الضرب بالحصى. يضرب لمن يتصرف في أمر ولا يعلم مصالحه، فيخبره بالمصلحة غيره من خارج.
وفي المثل: إحذر الأعميين، الجمل الهائج والسيل: وفي أمثال العوام الأعمى يجري على السطح ويقول ما رآني أحد.
وفي المثل: أيضاً قد ضل من كانت العميان تهديه.