الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكنت حزمك من حيزوم مكرهم
…
وقد تصاد أسود الغيل بالغيل
ومنه:
ملك لو استبقت الأيام باقيةً
…
ممن أبادته أو جادت بمعتقب
طوى الجناح على كسر به حسداً
…
كسرى وعاد أبا كرب أبو كرب
ومنه:
بنفسي وقلت ظعنهم مستقلةً
…
وللقلب إثر الواخدات بهم وخد
يحف سنا الأقمار فيهم سنا الظبي
…
وشهد اللمى الماذي ماذية حصد
فمن غرب ثغر دونه غرب مرهف
…
ومن ورد خد دونه أسد ورد
محمد بن زكريا
الرازي الطبيب الفيلسوف. كان في صباه مغنياً بالعود، فلما التحى، قال: كل
غناء يخرج بين شارب ولحية، ما يطرب. فأعرض عن ذلك وأقبل على دراسة كتب الطب والفلسفة. فقرأها قراءة متعقب على مؤلفيها. فبلغ من معرفتها الغاية واعتقد صحيحها، وعلل سقيمها. وصنف في الطب كتباً كثيرة. فمن ذلك الحاوي، يدخل في مقدار ثلاثين مجلدةً. والجامع. وكتاب الأعصاب، وهو أيضاً كبير. والمنصوري المختصر، جمع فيه بين العلم والعمل، يحتاج إليه كل أحد. صنفه لأبي صالح منصور بن نوح أحد ملوك السامانية. وغير ذلك.
ومن كلامه: إذا كان الطبيب عالماً، والمريض مطيعاً، فما أقل لبث العلة. ومنه: عالج في أول العلة بما لا تسقط به القوة.
ولم يزل رئيس هذا الفن. واشتغل به على كبر، قيل إنه اشتغل فيه بعد الأربعين. وطال عمره. وعمي في آخر عمره. وأخذ الطب عن الحكيم أبي الحسن علي بن زيد الطبري صاحب التصانيف التي منها: فردوس الحكمة. وكان مسيحياً ثم أسلم. وقيل إن سبب عماه، أنه صنف للملك منصور المذكور كتاباً في الكيمياء فأعجبه ووصله
بألف دينار، وقال: أريد أن تخرج ما ذكرت من القوة إلى الفعل. فقال: إن ذكل يحتاج إلى مؤن وآلات، وعقاقير صحيحة، وإحكام صنعة. فقال: الملك كلما تريده أحضره إليك، وأمدك به. فلما كع عن مباشرة ذلك وعمله، قال له الملك: ما اعتقدت أن حكيماً يرضى بتخليد الكذب في كتب ينسبها إلى الحكمة، يشغل بها قلوب الناس ويتعبهم فيما لا فائدة فيه والألف دينار لك صلة، ولا بد من عقوبتك على تخليد الكذب في الكتب. ثم أمر أن يضرب بالكتاب الذي وضعه على رأسه، إلى أن يتقطع. فكان ذلك الضرب سبب نزول الماء في عينيه. وتوفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. قال ابن أبي أصيبعه في تاريخ الأطباء: قال عبد الله بن جبريل إن الرازي عمر إلى أن عاصر الوزير بن العميد. وهو الذي كان سبب إظهار كتاب الحاوي بعد وفاته بأن بذل لأخته مالاً حتى أظهرت المسودات له. فجمع تلاميذه الأطباء بالري حتى رتبوا الكتاب. فخرج الكتاب على ما هو عليه من الاضطراب انتهى. وكنت أنا قد وقفت على بيتين من شعره، وهما:
لعمري ما أدري وقد آذن البلى
…
بعاجل ترحالي إلى أين ترحالي
وأين محل الروح بعد خروجه
…
من الهيكل المنحل والجسد البالي
وكان وقوفي عليهما بدمشق في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، فقلت راداً عليه في وزنه ورويه.
إلى جنة المأوى إذا كنت خيراً
…
تخلد فيها ناعم الجسم والبال
وإن كنت شريراً ولم تلق رحمةً
…
من الله فالنيران أنت لها صال
محمد بن سالم: بن نصر الله بن سالم بن واصل. القاضي جمال الدين. قاضي
حماه الشافعي الحموي. أحد الأئمة الأعلام. ولد بحماه ثاني شوال سنة أربع وستمائة وعمر دهراً طويلاً. وتوفي سنة سبع وتسعين وستمائة. وبرع في العلوم الشرعية والعقلية، والأخبار، وأيام الناس. وصنف ودرس، وأفتى، واشتغل. وبعد صيته واشتهر اسمه. وكان من أذكياء العالم. ولي القضاء مدةً طويلةً. وحدث عن الحافظ زكي الدين البرزالي بدمشق وبحماه. وتخرج به جماعة. وما زال حريصاً على الإشغال، وغلب عليه الفكر إلى أن صار يذهل عن احوال نفسه وعمن يجالسه. ولما مات رحمه الله تعالى يوم الجمعة رابع عشري شوال من السنة المذكورة، دفن بتربته بعقبة يبرين عن أربع وتسعين سنة. وصنف في الهيئة. وله تاريخ. واختصر الأغاني. وملكت باختصاره نسخةً عظيمةً إلى الغاية في ثلاث مجلدات، وخطه عليها بعد ما أضر، وهي كتابة من قد عمي. رحمه الله! وله مختصر الأربعين. وشرح الموجز للأفضل الخونجي. وشرح الجمل له. وهداية الألباب في المنطق. وشرح قصيدة ابن الحاجب في العروض والقوافي. والبارع الصالحي. ومختصر الأدوية لابن البيطار.
وقيل إنه جهزه بعض ملوك مصر أظنه الصالح إلى الانبرور ملك الفرنج في الرسلية. فتلقاه وعظمه واحضر له الأرفل يوماً، وضرب به قدامه. وأراد بذلك ليستخفه. فيقال إنه ما تحرك ولا اهتز وتثبت، وما أظهر لهم خفةً لذلك ولا طرباً، إلا أنه لما قام وجدوا تحته نقط دم. يقال إنه بقي يحك كعبيه في الأرض إلى أن أدماها. فعظم أمره عند لأنبرور. ثم قال له: يا قاضي! أنا ما عندي ما أسألك عنه: لا فقه ولا عربية. وسأله ثلاثين سؤالاً، من علم المناظر. فبات تلك الليلة، وصبحه بالواب عنها. فصلب الأنبرور على وجهه. وقال: هكذا يكون قسيس المسلمين! لأن القاضي لم يكن معه كتب في تلك السفرة، وإنما أجابه عن ظهر قلب.
وله أيضاً كتاب مفرج الكروب في دولة بني أيوب. وغير ذلك. وقيل: إنه كان يشغل في حلقته في ثلاثين علماً.
وحضر حلقته نجم الدين ديبران الكاتبي المنطقي، وأورد عليه أشكالاً في المنطق. وحكى لي عنه الإمام البارع شمس الدين إبن الأكفاني غرائب عن حفظه وذكائه. وحكى لي الحكيم السديد الدمياطي اليهودي، قال: جاء ليلةً إلى عند الشيخ علاء الدين بن النفيس في بعض سفراته إلى القاهرة ونام عنده تلك الليلة. فصلى العشاء الأخيرة. وانفتح بينهما باب البحث، فلم يزالا إلى إلى أن طلع الضوء، والشيخ علاء الدين يبحث معه من غير انزعاج، والقاضي جمال الدين إبن واصل يحتد
في البحث ويحمار وجهه. فلما طلع الضوء إلتفت إلى الشيخ علاء الدين، وقال له: يا شيخ علاء الدين! نحن عندنا نكت ومسائل وأطراف. وأما خزائن علم هكذا فما عندنا. وحكى لي العلامة أثير الدين أبو حيان، قال: قدم علينا القاهرة مع المظفر، فسمعت منه، وأجاز لي جميع رواياته ومصنفاته، وذلك بالكبش من القاهرة يوم الخميس التاسع والعشرين من المحرم سنة تسعين وستمائة. وهو من بقايا من رأيناه من أهل العلم الذين ختمت بهم المائة السابعة. وأنشدنا لنفسه، مما كتب به لصاحب حماة الملك المنصور ناصر الدين محمد بن المظفر:
يا سيداً مازال نجم سعده
…
في فلك العلياء يعلو إلا نجما
إحسانك الغمر ربيع دائم
…
فلم يرى في صفر محرما
محمد بن سعدان: الضرير النحوي المقرئ. توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين ومائتين. وكنيته أبو جعفر. وكان أحد القراء. له كتاب في النحو. وكتاب كبير في القراآت. وروى عن عبد الله بن إدريس وأبي معاوية الضرير وجماعة. وروى عنه محمد بن سعد. كاتب الواقدي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهما.
محمد بن سعيد: بن غالب البغدادي الضرير. كان ثقة. قال إبن أبي حاتم: صدوق. روى عنه ابن ماجة في تفسيره. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وستين ومائتين.
محمد بن سعيد: أبو بكر. البلخي الضرير. من شعره:
نأى عني لقاءكم الرقاد
…
وحالفني التذكر والسهاد
علام صددت ياتفديك نفسي
…
ولج بك التجنب والبعاد
ولو لم أحى نفسي بالأماني
…
وبالتعليل لا نصدع الفؤاد
محمد بن سواء: بن غبر. أبو الخطاب السدوسي البصري، المكفوف. كان ثقة نبيلا. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وثمانين ومائة.
محمد بن شبل: بن عبد الله المقرئ الضرير. أبو عبد الله الدممي. الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد الورع التقي الناسك، له الروايات العالية الصحيحة الجمة. منها: صحيح البخارى والدارمى. وتوفي رحمه الله تعالى في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة. قال الشيخ تقي الدين الدقوقي محدث بغداد. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن شبل بن عبد الله الدممي الضرير المقرئ بجميع صحيح البخاري، قراءة مني عليه، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي بكر إبن عبد الله بن روز به القلانسي، قال: أخبرنا أبو الوقت السجزي.
محمد بن شرشيق: بشينين معجمتين الأولى مكسورة وبينهما راء ساكنة وبعد الشين الثانية ياء آخر الحروف ساكنة وقاف. ابن محمد بن عبد العزيز بن عبد القادر بن صالح ابن جنكي دوست بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحصن بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. الشيخ الإمام العارف الكامل شمس الدين أبو الكرم بن
الشيخ الإمام القدوة حسام الدين أبي الفضل بن الشيخ الإمام القدوة جمال الدين أبي عبد الله بن الشيخ الإمام علم الزهاد شمس الدين أبي المعالي بن الشيخ الإمام قطب العارفين محي الدين أبي محمد الجيلي الحسنى الحنبلي المعروف بشيخ الحيال بالحاء المهملة وياء أخر الحروف وألف بعدها لام، وهي بلدة من أعمال سنجار.
ولد ليلة الجمعة منتصف شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى يوم الجمعة ثاني ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. ودفن بالحيال في تربتهم عند قبر أبيه وجده. وأضر قبل موته بنحو من ستة سنين. ولم يخلف بعده مثله. حفظ القرآن العظيم في صباه. وتفقه للإمام أحمد. وسمع الحديث، وهو كبير، من جماعة. منهم: الإمام فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخارى بدمشق، وأبو العباس أحمد بن محمد بن النصيبي بحلب، والإمام عفيف الدين أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن الزجاج بمكة، والإمام عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع المصري البصري بالمدينة الشريفة. ورحل. وحدث ببغداد ودمشق والحيال وغيرها من البلاد. وروى عنه جماعة منهم أولاده المشايخ حسام الدين عبد العزيز، وبدر الدين الحسن، وعز الدين الحسين، وظهير الدين أحمد، ومحدث العراق تقي الدين أبو البناء محمود بن علي بن محمود الدقوقي الحنبلي، والشيخ الإمام زين العابدين الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن شيخ العوينة الموصلي الشافعي، والإمام بدر الدين محمد ابن الخطيب الإربلي الشافعي، وخلق.
وبيته بيت رئاسة وحشمة وسؤدد ومروءة، والخير والإحسان معروف بهم. لم تمس يده منذ عاش إلى أن توفي ذهباً ولافضة. وجوده مشهور معروف. وكانت له في النفوس هيبةً، وعليه وقار وحرمة. وله كشف وأحوال وقيام بعلم وعمل وزهد وتقوى. حسن الشكل مليح الخلق والخلق. وله وجاهة عند الملوك، وهولا يكترث بهم. وللناس فيه إعتقاد ومحبة شديدة، لمكارمه وأصالته وديانته. ولم يزل بيته إلى آخر وقت يناصحون الإسلام ويكاتبون صاحب مصر ونوابه بالشام. ولما كنت بالرحبة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، أهديت إليه قماشاً اسكندرياً، فأهدى إلى أشياء من طرائف سنجار. ولم تزل رسله تتردد إلي وأخدمهم. رحمه الله تعالى! محمد بن عبد الحميد: أبو جعفر الفرغاني العسكري الضرير. سكن اللؤلؤة.
وهي قلعة قرب طرطوس غزاها المأمون. وكان أبو جعفر المذكور يلقب زريق. حدث عن جماعة وافرة. ومات سنة سبع عشرة وثلاثمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الرحمن: بن عبيد الله بن يحيى بن يونس. الطائي، الداراني القطان المعروف بإبن الخلال الدمشقي. حدث عن خيثمة. كان ثقة نبيلا. مضى على سداد وأمر جميل. وقد كف بصره سنة خمس عشرة، وقيل ست عشرة وأربعمائة.
محمد بن عبد الرحيم: بن الطيب القيسي، الأندلسي، الضرير، العلامة المقرئ. أبو القاسم ولد سنة ثلاثين وستمائة، أو نحوها. وتلا بالسبع على جماعة وسكن سبتة. أراده الأمير العزفي أن يقرأ في رمضان السيرة، فبقي يدرس كل يوم ميعاداً ويورده. فحفظها في الشهر. وكان طيب الصوت، صاحب فنون. يروى عن أبي عبد الله الأزدى أخذ عنه أئمة. وتوفي سنة إحدى وسبعمائة.
محمد بن عبد العزيز: وقيل محمد بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الصمد بن رستم الأسعردى، أبو بكر نور الدين الشاعر. ولد سنة تسع عشرة وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وخمسين وستمائة. كان من كبار شعراء الملك الناصر، وله به إختصاص. وله ديوان شعر مشهور. وغلب عليه المجون. وأفرد هزلياته، وسمى ذلك: سلافة الزرجون في الخلاعة والمجون، وضم إليه أشياء من نظم غيره. وكان شابا خليعاً جلس تحت الساعات. واصطفاه الناصر. وأحضره مجلس شرابه فخلع عليه ليلة قباءً وعمامة بطرف مذهب. فأتى بهما من الغد وجلس تحت الساعات مع الشهود. وحضر ليلة عند الناصر مجلس أنس وكان فيه شرف الدين ابن الشيرجى، وكان ألحى. فقام ابن الشيرجى قضى شغله وعاد. فأشار إليه بصفع النور الأسعردي، فصفعه. فلما فعل ذلك نزلت دقنه على كتف النور لما انحنى لصفعه. فأمسكها النور بيده، وأنشد في الحال:
قد صفعنا في ذا المحل الشريف
…
وهو إن كنت ترتضي تشريفي
فارث للعبد من مصيف صفاع
…
يا ربيع الندى وإلا خرى في
وأضر النور الأسعردي المذكور قبل موته. ومن شعره، مضمناً قول الشريف الرضي:
قلت إذ نام من أحب وأبدي
…
ضرطةً آذنت لشملي بجمع
فإنني أن أرى الديار بطرفي
…
فلعلي أرى الديار بسمعي
ومنه يضمن قول المتنبي:
سباني معسول المراشف عاسل!!
…
معاطف مصقول السوالف مائد
يروم على أردافهالخصر مسعداً
…
إذا عظم المطلوب قل المساعد
ومنه:
سمحت بيعا لمملوك يعاندني
…
ولو أراد رضائي ماتعداني
قالوا أينسب للعلان قلت لهم
…
ما كنت بايعه لو كان علاني
ومنه:
كم رام أي
…
جرح ج..ر معذبي
…
بالطعن فيه عند جد مراسه
حتى تجرح رأسه فأعجب له
…
طلع الذي في قلبه في رأسه
ومنه:
قلت للزين هل تثبت للبع
…
ث وتنفي إنكارهم للحشر
قال أثبت قلت دقنك في آس
…
ى قال أنفي فقلت في وسط ج
…
ى
ومنه:
لما ثنى جيده للسكر مضطجعاً
…
وهناً ولولا شفيع الراح لم ينم
د
…
ت ليلا عليه بعد هجعته
…
سكراً فقل في دبيب النور في الظلم
ومنه: رآه في النوم فانتبه وهو يحفظه:
د
…
ت على الخطيب قبيل نوم
…
فقال أصبر إلى وقت الدبيب
فلما نام قمت إليه سراً
…
فقل في من يطيب على الخطيب
ومنه:
وريم جلالي خمرةً مزةً جلت
…
همومي وقد عاينت في خده سطرا
وربونه الشقراء ناعمة غدت
…
ويا حسنها من برزة ليتها عذراء
جمع فيها أسماء سبعة من ضواحي دمشق وهي: المزة وسطراو والربوة والشقراء والناعمة وبرزة وعذرا.
ومنه:
لحية طال شعرها وعلتها
…
صفرة ليتها تكون لهيبا
لولوى شعرها إلى أنفه اله
…
ائل عاينت منه جنكا عجيبا
ومنه " يلغز في الطست والإبريق "
وذات بطن فارغ
…
تحمل فيه إبنها
حتى إذا فارق في ال
…
يوم مراراً بطنها
يصب فيها ماؤه
…
بآلة كأنها
ومنه في غلام يحرث:
ياحارثاً تروي مقامات الهوى
…
عن طرفه الفتاك غير مأولة
أضحى يشق لحود من قتل الهوى
…
في حبة ليست خطوطا مهملة
روحي الفداء لبدر ثم سائق
…
للثور ليس يروم غير السنبلة
ومنه يلغز في عثمان:
ياسائلي عمن هويت وحسنة
…
ذو شهرة في الناس وهو يصان
خوف الوشاة أجبت عنه ملغزاً
…
هو ثالث من سبعة وثمان
ومنه
ومليح شكا من الخط ضعفاً
…
بمعانيه تضرب الأمثال
قلت إن رمت جودة الخط فاكتب
…
بمثال فقال مالي مثال
وأنشدني الشيخ شمس الدين الذهبي وغيره. قالوا أنشدنا الشيخ شمس الدين محمد ابن عبد العزيز الدمياطي. قال أنشدنا النور الأسعردي لنفسه:
ولقد بليت بشادن إن لمته
…
في قبح ما يأتيه ليس بنافع
متبذل في خسة وجهالة
…
ومجاعة كشهود باب الجامع
محمد بن عبد الله: بن رزين. الشاعر المشهور، الملقب بأبي الشيص. وهو ابن عم دعبل الخزاعي. توفي سنة مائتين أو قبلها. قال ابن الجوزي: في سنة ست وتسعين ومائة. وقد كف بصره قال أبو الشيص. وهو مشهور عنه:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي
…
متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذةً
…
حباً لذكرك فليلمني اللوم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم
…
إذ كان حظى منك حظى منهم
وأهنتني فأهنت نفسي عامداً
…
ما من يهون عليك ممن يكرم
قوله: أجد الملامة. البيت، أخذه بعض المغاربة فقال:
هددت بالسلطان فيك وإنما
…
أخشى صدودك لا من السلطان
أجد اللذاذة في الملام فلو درى
…
أخذ الرشا مني الذي يلحاني
وخالفه أبو الطيب، فقال:
أأحبه وأحب فيه ملامة
…
إن الملامة فيه من أعدائه
ولأبي الشيص أيضاً:
لا تنكري صدىً ولا إعراضي
…
ليس المقل عن الزمان براض
شيئان لا تصبو النساء إليهما
…
حلى المشيب وحلة الإنفاض
حسر المشيب عذاره عن رأسه
…
فرمينه بالصد والإعراض
ولربما جعلت محاسن وجهه
…
لجفونها غرضاً من الأغراض
محمد بن عبد الله: الضرير المروزي. أبو الخير. كان فقيهاً فاضلاً أديباً لغوياً. تفقه على القفال وبرع في الفقه. وإشتهر بالأدب النحو واللغة وصنف فيها. وتوفي سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة. قال السمعاني في كتاب مرو: كان من أصحاب الرأي فصار من أصحاب الحديث لصحبة الإمام أبي بكر القفالئ. سمع الحديث منه، ومن أبي نصر إسمعيل بن محمد بن محمود المحمودي. وروى عنه أبو منصور محمد بن
عبد الجبار السمعاني. ومن شعره:
تنافى العقل والمال
…
فما بينهما شكل
هما كالورد والنر
…
جس لا يحويهما فصل
فعقل حيث لا مال
…
ومال حيث لاعقل
محمد بن عبد الله: الناجحون الضرير. قال ابن رشيق: هو من أبناء قفصة. خرج منها صغيرا. كان يسرد جميع ديوان أبي نواس، ويقرأ القرآن برواياته. ولم يكن له صبر على النبيذ. وكان يعلم الصبيان. رأيته في المكتب يوماً طافحاً، وهو يقول للصبيان:
يا فراخ المزابل
…
ونتاج الأراذل
إقرأوا لا قرأتم
…
غير سحر وباطل
روح الله منكم
…
عاجلا غير آجل
أطعم طعاماً فمات منه مبطوناً بالحضرة. سنة أربع عشرة وأربعمائة. مشرفا على الستين. وأتهم به جماعة ممن كان هجاهم.
محمد بن عبيد الله: بن عبد الله. أبو الفتح. سبط التعاويذي، المبارك بن المبارك. وكان أبو الفتح المذكور من الشعراء المشهورين. وديوانه مشهور، يدخل في مجلدين. أضر آخر عمره. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وثمانين وخمسمائة. ومولده سنة تسع عشرة وخمسمائة. وإنما نسب إلى التعاويذي لأنه نشأ في حجر التعاويذي المذكور وكفله صغيراً. قال ابن خلنكان: ولم يكن في وقته مثله، ولم يكن قبله بمائتي سنة من يضاهيه، ولا يؤاخذني من يقف على هذا الفصل، فإن ذلك يختلف بميل الطباع.
قلت كان شاعراً منطبقاً، سهل الألفاظ، عذب الكلام، منسجم التركيب، ولم يكن غواصاً على المعاني. ولم يورد له ابن خلنكان رحمه الله تعالى على إطنابه في وصفه شيئاً من قصائده الطنانة. وكان شيخنا الإمام القاضي شهاب الدين محمود رحمه الله تعالى لا يفارق ديوانه، ويعجبه طريقه، ويقتفي أسلوبه. وكان ابن التعاويذي كاتبا بديوان المقاطعات وعمي آخر عمره سنة تسع وستعين. وله في عماه أشعار كثيرة أوردت منها جملة في صدر هذا الكتاب. وجمع ديوانه بنفسه ورتبه أربعة فصول ثم ألحقه بعد ذلك زيادات. وصنف كتابا سماه الحجبة والحجاب، يدخل في مقدار خمسة عشر كراساً وهو قليل الوجود. وقال العماد الكاتب: إنه كان بالعراق صاحبه فلما انتقل العماد إلى الشام وخدم نور الدين وصلاح الدين كتب إليه يطلب منه فروة برسالة ذكرها ابن خلنكان في وفيات الأعيان. وقد تقدمت أشعاره في مصيبته بعينيه في ديباجة الكتاب. ومن شعره:
سقاك سار من الوسمى هتان
…
ولا وقت للغوادي فيك أجفان
يا دار لهوي وأطرابي ومعهد أت
…
رابي وللهو أوطار وأوطان
أعائد لي ماض من جديد هوىً
…
أبليته وشباب فيك فينان
إذ الرقيب لنا عين مساعدة
…
والكاشحون لنا في الحب أعوان
وإذ جميلة توليني الجميل وعن
…
د الغانيات وراء الحسن إحسان
ولى إلى البان من رمل الحمى طرب
…
فاليوم لا الرمل يصبيني ولا البان
وما عسى يدرك المشتاق من وطر
…
إذا بكى الربع والأحباب قد بانوا
كانوا معاني المغاني والمنازل أم
…
وات إذا لم يكن فيهن سكان
لله كم قمرت لبى بجودك أق
…
مار وكم غازلتني فيك غزلان
وليلة بات يجلو الراح من يده
…
فيها أغن خفيف الروح جذلان
خال من الهم في خلخاله حرج
…
فقلبه فارغ والقلب ملآن
يذكى الجوى بارد من ريقه شبم
…
ويوقظ الطرف طرف منه وسنان
إن يمس ريان من ماء الشباب فلي
…
قلب إلى ريقه المعسول ظمآن
بين السيوف وعينيه مشاركة
…
من أجلها قيل للأغماد أجفان
فكيف أصحو غراما أو أفيق جوىً
…
وقده ثمل الأعطاف نشوان
أفديه من غادر للعهد غادرني
…
صدوده ودموعي فيه غدران
في خده وثناياه ومقلته
…
وفي عذاريه للعشاق بستان
شقائق وأقاح نبته خضل
…
ونرجس أنا منه الدهر سكران
منه:
إن كان دينك في الصبابة ديني
…
فقف المطي برملتي يبريني
والثم ثرىً لو شارفت بي هضبة
…
أيدي الركاب لثمته بجفوني
وأنشد فؤادي في الظبا معرضا
…
فبغير غزلان الصريم جنوني
ونشيدتي بين الخيام وإنما
…
غالطت عنها بالظباء العين
لولا العدى لم أكن عن ألحاظها
…
وقدودها بجوازئ وغصون
من كل تائهة على أترابها
…
بالحسن غانية عن التحسين
خود ترى قمر السماء إذا بدت
…
ما بين سالفة لها وجبين
غادين ما لمعت بروق ثغورهم
…
إلا آستهلت بالدموع شؤوني
إن تنكروا نفس الصبا فلأنها
…
مرت بزفرة قلبي المحزون
وإذا الركائب في القطار تلفتت
…
فحنينها لتلفتي وحنين
ياسلم إن ضاعت عهودي عندكم
…
فأنا الذي أستودعت غير أمين
أو عدت مغبونا فما أنا في الهوى
…
لكم بأول عاشق مغبون
رفقاً فقد عسف الفراق بمطلق!!
…
العبرات في أسر الغرام رهين
مالي ووصل الغانيات أرومه
…
ولقد بخلن علي بالماعون
وعلام أشكو والدماء مطاحة
…
بلحاظهن إذا لوين ديوني
ومن البلية أن تكون مطالبي
…
جدوى بخيل أو وفاء خؤون
ومنه، قصيدة طويلة كتبها إلى القاضي الفاضل:
مرت بنا في ليلة النفر
…
تجمع بين الإثم والأجر
أدماء غراء هضيم الحشا
…
واضحة اللبات والنحر
مرت تهادى بين أترابها
…
كالبدر بين الأنجم الزهر
مال بها سكر الهوى والصبا
…
ميل الصبا بالغصن النضر
تفر من ساكل وجدى بها
…
دنوها في ساعة النفر
لم أحظ منها بسوى نظرة
…
خلستها من جانب الخدر
أومت بتسليم وجاراتها
…
يروينا بالنظر الشزر
يابردها تسليمة قلبت
…
قلب أخي الشوق على الجمر
منها:
ذنبي إلى الأيام حريتي
…
ولم تزل إلباً على الحر
مالي أرى الناس وحالي على
…
خلاف أحوالهم تجرى
كأنني لست من الناس في
…
شئ ولا دهرهم دهري
ومالإ نسانيتي شاهد
…
شئ سوى أني في خسر
وهي قصيدة طويلة جيدة كلها. قال الشيخ تقي الدين إبن دقيق العيد: لو مدحت بهذه القصيدة، أجزت عليها بألف دينار. ومن شعره:
يا واثقاً من عمره بشبيبة
…
علقت يداك بأضعف الأسباب
ضيعت ما يجدى عليك بقاؤه
…
وحفظت ماهو مؤذن بذهاب
المال يضبط في يديك حسابه
…
والعمر تنفقه بغير حساب
ومنه:
وعلو السن قد
…
كسر بالشيب نشاطي
كيف سموه علواً
…
وهو أخذ في إنحطاط
ومنه:
أأحرم دولتكم بعدما
…
ركبت الأماني وأنضيتها
ومالي ذنب سوى أنني
…
رجوتكم فتمنيتها
ومنه:
جبة طال عمرها فغدت تص
…
لح أن يسمع الحديث عليها
كلما قلت فرج الله منها
…
أحوجت خسة الزمان إليها
ومنه:
فمن شبه العمر كأساً يق
…
ر قذاه ويرسب في أسفله
فإني رأيت القذى طافياً
…
على صفحة الكأس من أوله
ومنه. يهجو الوزير إبن البلدي:
يارب أشكو إليك ضراً
…
أنت على كشفه قدير
أليس صرنا إلى زمان
…
فيه أبو جعفر وزير
ومنه:
ولقد مدحتكم على جهل بكم
…
وظننت فيكم للصنيعة موضعا
ورجعت بعد الأختبار أذمكم
…
فأضعت في الحالين عمري أجمعا
ومنه:
أسفت وقد نضت عني الليالي
…
جديداً من شباب مستعار
وكان يقيم عذرى في ومان ال
…
صبا لون الشبيبة في عذارى
ولم أكره بياض الشيب إلا
…
لأن العيب يظهر في النهار
ومنه:
إذا اجتمعت في مجلس الشرب سبعة
…
فبادر فما التأخير عنه صواب
شواء وشمام وشهد وشادن
…
وشمع وشاد مطرب وشراب
محمد بن عبد الملك: بن عيسى بن درباس. القاضي كمال الدين. أبو حامد ابن قاضي القضاة صدر الدين الماراني المصري الشافعي الضرير. أجاز له. وروى عنه. الدواداري، وابن الظاهري، وغيرهما. ودرس بالمدرسة السيفية مدة. وأفتى. وأشغل. وقال الشعر. وجالس الملوك. وتوفي رحمه الله سنة تسع وخمسين وستمائة.
محمد بن عثمان: أبو القاسم. الإسكافي الخوارزمي النوباغي. الأديب الضرير. توفي رحمه الله تعالى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، عن خمس وثمانين سنة. كان من أعيان فضلاء خوارزم. وهو فقيه أديب شاعر مترسل. وكان آخر عمره يعظ الناس ويذكرهم. ومن شعره:
ونار كالعقيقة في احمرار
…
وفي حافاتها مسك وند
أمام الشيخ مولانا المرجي
…
إمام ماله في الفضل ند
محمد بن عدنان: بن حسن. الشيخ الإمام العالم العابد الشريف السيد يحيى الدين العلوي الحسيني الدمشقي الشيعي المعتزلي شيخ الإمامية. ولد سنة تسع وعشرين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة ولى مرى نظر السبع وولي ابناه زين الدين حسين، وأمين الدين جعفر، نقابة الأشراف فماتا، واحتسبهما عبد الله تعالى. أخبرني غير واحد أنه لما مات كل منهما. كان يسجى ولده قدامه وهو قاعد يتلو القرآن لم تنزل دمعة عليه وكان كل منهما رئيس دمشق. وولي النقابة في حياته ابن ابنه شرف الدين عدنان بن جعفر. وكان محيي الدين ذا تعبد زائد وتلاوة وتأله وانقطاع بالمرة. واضر مدةً قبل موته. وكان يترضى عن عثمان رضي الله عنه ويتلو القرآن ليلاً ونهاراً ويتظاهر بالاعتزال، ينتصر له، ويبحث عليه.
محمد بن علي: بن علوان. الشيخ شمس الدين المزي عابر الرؤيا. كان ضريراً كثير التلاوة. وكان إليه المنتهى في تفسير المنامات. يضرب به المثل في وقته. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمانين وستمائة.
محمد بن عيسى: بن سورة بن موسى. السلمي الحافظ. أبو عيسى الترمذي الضرير مصنف الكتاب الجامع. ولد سنة بضع ومائتين. وتوفي رحمه الله تعالى ثالث
عشر شهر رجب الفرد سنة تسع وسبعين ومائتين. وسمع قتيبة بن سعيد، وأبا مصعب الزهري، وإبراهيم ابن عبد الله الهروي، وإسماعيل بن موسى السدي، وصالح بن عبد الله الترمذي، وعبد الله ابن معاوية، وحميد بن مسعدة، وسويد بن مطر المروزي، وعلي بن حجر السعدي، ومحمد بن حميد الرازي، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وأبا كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن أبي معشر السدي، ومحمود بن غيلان، وهناد بن السري، وخلقاً كثيراً. وأخذ علم الحديث عن أبي عبد الله البخاري. وروى عنه حماد بن شاكر، ومكحول بن الفضل، وآخرون. وذكره ابن حبان في الثقاة. وقال: كان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر.
محمد بن عيسى: الفقيه الحنفي أبو عبد الله. بن أبي موسى الضرير. ولي القضاء زمن المتيق والمستكفي. وكان ثقة مشهوراً بالفقه والتصون. لا مطعن عليه. قتله اللصوص رحمه الله تعالى. في شهر ربيع الأول سنة وأربع وثلاثين وثلاثمائة.
محمد بن القاسم: بن خلاد بن ياسر اليمامي. الهاشمي. مولى المنصور البصري الأخباري أبو العيناء. ولد سنة إحدى وتسعين ومائة. وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وكان قبل العمى أحول، قال: ياقوت قرأت في تاريخ دمشق، قرأت على زاهر بن طاهر عن أبي بكر البيهقي. حدثنا أبو عبد الله الحافظ، قال. سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الأموي. يقول سمعت اسمعيل بن محمد النحوي. يقول سمعت
أبا العيناء. يقول: أنا والجاحظ. وضعنا حديث فدك وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه. إلا ابن شيبة العلوي. قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوله. فأبى أن يقبله. وكان أبو العيناء يحدث بهذا بعدما كان. وكان جد أبي العيناء الأكبر، لقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأساء المخاطبة بينه وبينه. فدعا عليه بالعمة له وتولد من بعده. فكل من عمي من ولد أبي العيناء فهو صحيح النسب فيهم، وقال المبرد: إنما صار أبو العيناء أعمى بعد أن نيف على الأربعين وخرج من البصرة واعتلت عيناه. فرمى فيهما بما رمى. والدليل على ذلك قول أبي علي البصير فيه:
قد كنت خفت يد الزما
…
ن عليك إذ ذهب البصر
لم أدر أنك بالعمى
…
تغني ويفتقر البشر
وقال أحمد بن أبي داود لأبي العيناء: ما اشد؟ ما أصابك في ذهاب بصرك. قال ابدأ بالسلام، وكنت. أحب أن أكون أنا المبتدئ. وأحدث من لا يقبل على حديثي. ولو رايته لم اقبل عليه، فقال له ابن أبي داود: أما من بداك بالسلام. فقد كافأته بجميل نيتك له. ومت أعرض عن حديثك. إنما أكسب نفسه من سوء الأدب، أكثر مما نالك من سوء الاستماع. فأنشد أبو العيناء:
إن يأخذ الله من عيني نورهما
…
ففي لساني وسمعي منهما نور
قلب ذكي وعقل غير خطل
…
وفي فمي صارم كالسيف ماثور
وقال الخطيب: مولد أبي العيناء بالأهواز. ومنشاؤة بالبصرة. وبها كتب الحديث، وطلب الأدب. وسمع من أبي عبيدة، والأصمعي، وأبي عاصم النبيل، وأبي زيد الأنصاري، وغيرهم. وكان من أحفظ الناس، وأفصحهم لساناً، وأسرعهم جواباً، وأحضرهم نادرة. وانتقل من البصرة إلى بغداد، وكتب عنه أهلها، ولم يسند من الحديث إلا القليل. والغالب على رواياته الأخبار والحكايات. وقال الدارقطني: ليس بالقوي في الحديث. وقال جحظة: أنشدنا أبو العيناء لنفسه:
حمدت إلهي إذ بلاني بحبها
…
على حول يغني عن النظر الشزر
نظرت إليها والرقيب يظنني
…
نظرت إليه فاسترحت من الغدر
وقال محمد بن خلف بن المرزبان: قال لي أبو العيناء. أتعرف في شعراء المحدثين. رشيد الرياحي، قال: فقلت لا. قال بل هو القائل في:
نسب لابن قاسم ما تراث
…
فهو لخير صاحب وقرين
أحول العين والخلائق زين
…
لا احولال بها ولا تلوين
ليس لمرء شائناً حول العين
…
إذا كان فعله لا يشين
فقلت له، وكنت قبل العمى. أحول؟ من السقم إلى البلى، فقال: هذا أظرف خبر تعرج به الملائكة إلى السماء اليوم. وقال: أيما أصلح؟ من السقم إلى البلى. أو حال العجوز. لا وأخذها الله! من القيادة إلى الزنا. وحمله بعض الوزارء على دابة. فانتظر علفها فلما ابطأ عليه، قال: أيها الوزير هذه الدابة حملتني عليها أو حملتها علي. وقال له المتوكل يوماً: هل رأيت طالبياً؟ حسن الوجه، قال: نعم رأيت ببغداد منذ ثلاثين سنة واحداً. قال: تجده كان مؤاجراً. وكنت أنت تقود عليه، فقال: يا أمير المؤمنين أو بلغ هذا من فراغي. أدع موالي مع كثرتهم وأقود على الغرباء، فقال المتوكل للفتح: أردت أن أشتفي منهم. فاشتفى مني لهم. وقال له يوماً: إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك. فقال إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون. وقال ابن ثوابة يوماً: كتبت أنفاس الرجال، فقال: حيث كانوا وراء ظهرك. وقال له يوماً نجاح بن سلمة: ما ظهورك؟ وقد خرج توقيع أمير المؤمنين في الزنادقة، فقال له: استدفع الله عنك وعن أصهارك. ودخل يوماً على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر. وهو يلعب بالشطرنج، فقالت: في أي الحيزين أنت، فقال: في حيز الأمير أيده الله. وغلب عبيد الله، فقال: يا أبا العيناء قد غلبنا. وقد أصابك خمسون رطل ثلج. فقام ومضى إلى ابن ثوابة. وقال: إن الأمير يدعوك. فلما دخلا. قال: أيد الله الأمير قد جئتك. بجبل همذان، وماسبذان، ثلجاً. فخذ منه ماشئت. ومر يوماً على دار عدو له. فقال: ما خبر أبي محمد. فقالوا كما تحب. قال: فمالي لا أسمع. الرنة والصياح. ووعده ابن المدبر بدابة. فلما طالبه قال: أخاف أن أحملك عليها فتقطعني ولا أراك. فقال: عدني أن تضم إليها حماراً. لاواظب مقتضياً. ووعده يوماً أن يعطيه بغلاً. فلقيه في الطريق، فقال له: كيف أصبحت يا أبا العيناء. فقال: أصبحت بلا بغل. فضحك منه وبعث به إليه، وقالت له: قينة هب لي خاتمك أذكرك به. فقال لها: اذكري أنك طلبته مني ومنعتك.
وقال له محمد بن مكرم: هممت أن آمر غلامي أن يدوس بطنك. فقال: الذي تخلفه على عيالك إذا ركبت، أو الذي تحمله على ظهرك إذا نزلت. وقيل له: ما تقول في محمد بن مكرم والعباس بن رستم. فقال: هما. الخمر والميسر وإثمهما من نفعهما، ولما استوزر صاعد عقيب إسلامه، صار أبو العيناء إلى بابه. فقيل له يصلي، فعاد. فقيل يصلي. فقال: معذور لكل جديد لذة. وحضره يوماً ابن مكرم، وأخذ يؤذيه، فقال ابن مكرم، الساعة والله انصرف. فقال ما رأيت من يتهدد بالعافية غيرك. وقال له: يوماً يعرض به: كم عدد المكديين بالبصرة، فقال. عدد البغايين ببغداد. وقال ابن مكرم يوماً: مذهبي الجمع بين الصلاتين. فقال له: صدقت. تجمع بينهما بالترك. وقال له أبو الحمار المغني: هل تذكر سالف معاشرتنا، فقال: إذ تغنينا ونحن نستعفيك. وقال له علي بن الجهم: إنما تبغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه كان يقتل الفاعل والمعول وأنت أحدهما، وقال له يوماً: يا مخنث، فقال وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه. وقال له عبيد اله بن سليمان: اعذرني فإني مشغول عنك، فقال له: إذا فرغت لم أحتج إليك. وسلم نجاح بن سلمة. إلى موسى بن عبد الملك ليستاديه مالاً. فتلف في المطالبة. فلقي بعض الرؤساء أبا العيناء، وقال له: ما عندك من خير نجاح قال فوكزه موسى فقضى عليه. فبلغت كلمته موسى فلقيه، فقال له: أبي تولع والله لأقومنك، فقال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس. وغداه ابن مكرم يوماً. فقدم إليه عراقاً فلما جسه قال له: قدركم هذه طبخت بالشطرنج. وقدم يوماً إليه قدراً. فوجدها كثيرة العظام، فقال له: هذه قد رأم قبر. وقال له رجل من بني هاشم: بلغني أنك بغاء، فقال: وما أنكرت من ذلك مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. مولى القوم منهم، فقال: إنك دعي فينا. قال: بغائي صحح نسبي فيكم. وأكل عند ابن المكرم. فسقى على المائدة ثلاث شربات باردة. ثم استسقى فسقى شربةً، فقال: لعل مزملتكم تعتريها حمى الربع. وقال له العباس ابن رستم يوماً: أنا أكفر منك، قال لأنك تكفر ومعك خفير مثل عبيد الله بن يحيى وابن أبي داود، وأنا أكفر بلا خفارة.
ودخل يوماً إلى المتوكل. فقدم إليه طعاماً. فغمس أبو العيناء لقمته في خل كان حامضاً، فأكلها وتأذى بالحموضة. وفطن المتوكل فجعل يضحك، فقال: لا تلمني
يا أمير المؤمنين، فقد محت حلاوة الإيمان من قلبي. وقيل لأبي العيناء: لم اتخذت خادمين أسودين. قال: أما أسودان فلئلا أتهم بهما. وأما خادمين. فلئلا يتهما بي. وقال ابن مكرم له يوماً: أحسبك لا تصوم شهر رمضان، فقال: ويلك وتدعني؟ امرأتك أصوم. وقال أبو العيناء: مررت يوماً في درب بسر من رأى، فقال لي غلامي. يا مولاي في الدرب حمل سمين والدرب خال. فأمرته أن يأخذه وغطيته بطيلساني وصرت به إلى منزلي. فلما كان من الغد جاءتني رقعة من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها، جعلت فداك ضاع لنا بالأمس حمل فأخبرني صبيان دربنا أنك أنت أخذته فأمر برده متفضلاً، فكتبت إليه: يا سبحان الله: ما أعجب هذا الأمر مشايخ دربنا يزعمون أنك بغاء. وأكذبهم أنا ولا أصدقهم. وتصدق أنت صبيان دربك أني أخذت الحمل، قال: فسكت وما عاودني. وأكل يوماً عند بعض أصحابه طعاماً وغسل يده عشر مرات ولم تنق، فقال: كادت هذه القدر تكون نسباً وصهراً. وقال يوماً لابن ثوابة: إذا شهدت على الناس ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، شهد عليك أنتن عضوفيك. ودق عليه إنسان الباب. فقال: من هذا. قال أنا، أنا والدق سواء. وقال ابن مكرم يوماً: كان ابن الكلبي صاحب البريد يحب أن يشم الخري، فقال أبو العيناء لو رآك لترشفك. وسأل إبراهيم ابن ميمون حاجةً فدفعه عنها واعتذر إليه. وحلف له أنه صدقه. فقال: والله لقد سرني صدقك. لعوز الصدق عنك. فمن صدقه حرمان كيف يكون كذبه. ولقيه بعض الكتاب في السحر. فقال متعجباً منه ومن بكوره: أبا عبد الله أتبكر في مثل هذا الوقت، فقال له: أتشاركني في الفعل وتنفرد بالتعجب. واعترضه يوماً احمد بن سعيد فسلم عليه، فقال له أبو العيناء: من أنت؟ قال: أنا أحمد بن سعيد، فقال: إني بك لعارف. ولكن عهدي بصوتك يرتفع إلي من أسفل فماله؟ ينحدر علي من علو، قال: لأني راكب، فقال: عهدي بك وأنت في طمرين لو أقسمت على الله في رغيف لأعضك بما تكره. وقال ابن وثاب يوماً لأبي العيناء. أنا والله! أحبك بكليتي، فقال أبو العيناء: إلا بعضو واحد أيدك الله. فبلغ ذلك ابن أبي دؤاد فقال: قد وفق في التحديد عليه. وقال أبو العيناء: أنا أول من أظهر العقوق بالبصرة، قال لي أبي: يا بني إن الله تعالى قرن طاعته بطاعتي، فقال: اشكر لي ولوالديك فقلت له: يا أب إن الله ائتمنني عليك ولم يأتمنك علي، فقال: تعالى " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ". وسئل يوماً عن ابن طوق مالك، فقال لو كان في بني إسرائيل ثم نزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره. وقال يوماً لجارية مغنية: أنا اشتهي أني.. قالت له: ذاك يوم عماك. فقال: يا ستي فالساعة بالنقد فقد سبق بالشرط. وبات ليلةً عند ابن مكرم. فجعل ابن مكرم يفسو عليه. فقام أبو العيناء وصعد السرير. فارتفع إليه فساؤه فصعد إلى السطح. فبلغته رائحته. فقال: يا ابن الفاعلة ما فساؤك إلا دعوة مظلوم. وقدم إليه ابن مكرم يوماً جنب شواء. فلما جسه. قال ليس هذا جنباً هذا سريجة قصب. وذكر يوماً ولد موسى بن عيسى فقال: كأن أنوفهم قبور نصبت على غير قبلة. وقال له رجل من ولد سعيد بن سلم: إن أبي يبغضك، فقال يا بني: لي إسوة بآل محمد صلى الله عليه وسلم. يا أمير المؤمنين، فقد محت حلاوة الإيمان من قلبي. وقيل لأبي العيناء: لم اتخذت خادمين أسودين. قال: أما أسودان فلئلا أتهم بهما. وأما خادمين. فلئلا يتهما بي. وقال ابن مكرم له يوماً: أحسبك لا تصوم شهر رمضان، فقال: ويلك وتدعني؟ امرأتك أصوم. وقال أبو العيناء: مررت يوماً في درب بسر من رأى، فقال لي غلامي. يا مولاي في الدرب حمل سمين والدرب خال. فأمرته أن يأخذه وغطيته بطيلساني وصرت به إلى منزلي. فلما كان من الغد جاءتني رقعة من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها، جعلت فداك ضاع لنا بالأمس حمل فأخبرني صبيان دربنا أنك أنت أخذته فأمر برده متفضلاً، فكتبت إليه: يا سبحان الله: ما أعجب هذا الأمر مشايخ دربنا يزعمون أنك بغاء. وأكذبهم أنا ولا أصدقهم. وتصدق أنت صبيان دربك أني أخذت الحمل، قال: فسكت وما عاودني. وأكل يوماً عند بعض أصحابه طعاماً وغسل يده عشر مرات ولم تنق، فقال: كادت هذه القدر تكون نسباً وصهراً. وقال يوماً لابن ثوابة: إذا شهدت على الناس ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، شهد عليك أنتن عضوفيك. ودق عليه إنسان الباب. فقال: من هذا. قال أنا، أنا والدق سواء. وقال ابن مكرم يوماً: كان ابن الكلبي صاحب البريد يحب أن يشم الخري، فقال أبو العيناء لو رآك لترشفك. وسأل إبراهيم ابن ميمون حاجةً فدفعه عنها واعتذر إليه. وحلف له أنه صدقه. فقال: والله لقد سرني صدقك. لعوز الصدق عنك. فمن صدقه حرمان كيف يكون كذبه. ولقيه بعض الكتاب في السحر. فقال متعجباً منه ومن بكوره: أبا عبد الله أتبكر في مثل هذا الوقت، فقال له: أتشاركني في الفعل وتنفرد بالتعجب. واعترضه يوماً احمد بن سعيد فسلم عليه، فقال له أبو العيناء: من أنت؟ قال: أنا
أحمد بن سعيد، فقال: إني بك لعارف. ولكن عهدي بصوتك يرتفع إلي من أسفل فماله؟ ينحدر علي من علو، قال: لأني راكب، فقال: عهدي بك وأنت في طمرين لو أقسمت على الله في رغيف لأعضك بما تكره. وقال ابن وثاب يوماً لأبي العيناء. أنا والله! أحبك بكليتي، فقال أبو العيناء: إلا بعضو واحد أيدك الله. فبلغ ذلك ابن أبي دؤاد فقال: قد وفق في التحديد عليه. وقال أبو العيناء: أنا أول من أظهر العقوق بالبصرة، قال لي أبي: يا بني إن الله تعالى قرن طاعته بطاعتي، فقال: اشكر لي ولوالديك فقلت له: يا أب إن الله ائتمنني عليك ولم يأتمنك علي، فقال: تعالى " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ". وسئل يوماً عن ابن طوق مالك، فقال لو كان في بني إسرائيل ثم نزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره. وقال يوماً لجارية مغنية: أنا اشتهي أني.. قالت له: ذاك يوم عماك. فقال: يا ستي فالساعة بالنقد فقد سبق بالشرط. وبات ليلةً عند ابن مكرم. فجعل ابن مكرم يفسو عليه. فقام أبو العيناء وصعد السرير. فارتفع إليه فساؤه فصعد إلى السطح. فبلغته رائحته. فقال: يا ابن الفاعلة ما فساؤك إلا دعوة مظلوم. وقدم إليه ابن مكرم يوماً جنب شواء. فلما جسه. قال ليس هذا جنباً هذا سريجة قصب. وذكر يوماً ولد موسى بن عيسى فقال: كأن أنوفهم قبور نصبت على غير قبلة. وقال له رجل من ولد سعيد بن سلم: إن أبي يبغضك، فقال يا بني: لي إسوة بآل محمد صلى الله عليه وسلم.
محمد بن محمد: المعروف بابن الجبلي. الفرجوطي بالفاء والراء والجيم والواو والطاء المهملة. كان له مشاركة في الفقه والفرائض. ومعرفة بالقرآت. وله أدب وشعر ومعرفة بحل الألغاز والأحاجي. وكان ذكياً. جيد الإدراك. خفيف الروح. حسن الأخلاق. كف بصره آخر عمره. قال كمال الدين جعفر الأدفوي: اجتمعت به كثيراً وأنشدني من شعره وألغازه. وتوفي رحمه الله تعالى بفرجوط. في شهر الله المحرم سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. ومن شعره:
وشاعر يزعم من غرة
…
وفرط جهل أنه يشعر
يصنف الشعر ولكنه
…
يحدث من فيه ولا يشعر
ومنه في النبق:
نظر إلى النبق في الأغصان منتظماً
…
والشمي قد أخذت تجلوه في القضب
كأن صفرته للناظرين غدت
…
تحكى جلاجل قد صيغت من الذهب
محمد بن محمد: ين أحمد بن إسحاق. الحافظ الحاكم الكبير. النيسابوري الكرابيسي أبو أحمد. صاحب التصانيف. سمع بنيسابور وبغداد والكوفة وطبرية ودمشق ومكة والبصرة وحلب والثغور. وروى عنه جماعة. كف بصره سنة سبعين. وكان حافظ عصره. وتغير حفظه لما كف ولم يختلط قط. وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وله ثلاث وتسعون سنة. قال أبو عبد الله: الحاكم أبو أحمد الحافظ إمام عصره في الصنعة. وكان من الصالحين الثابتين على الطريق السلفية، ومن المنصفين فيما يعتقده في أهل البيت والصحابة رضي الله عنهم. تقلد القضاء في مدن كثيرة.
وصنف على صحيحي البخاري ومسلم، وعلى جامع الترمذي، وله كتاب الأسماء والكنى، وكتاب العلل، والمخرج على كتاب المزني، وكتاب الشروط، وكان بها عارفاً. وصنف الشيوخ والأبواب. وقلد قضاء الشاش، وحكم بها أربع سنين، ثم قضا طوس. وكان يحكم بين الخصوم فإذا فرغ أقبل على التصنيف بين يديه. وقدم نيسابور سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وأقبل على العبادة والتأليف.
محمد بن محمد: بن الحسين بن صالح. أبو الفضل الضرير الحنفي. المعروف بزين الأئمة. كان له معرفة تامة بالفقه. وناب في التدريس عن قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي بمشهد أبي حنيفة. ثم درس بالمدرسة الغياثية. سمع أبا الفضل أحمد بن
خيرون، وأبا طاهر أحمد ابن الكرجي، وأبا علي أحمد البرداني الحافظ، وغيرهم. وسمع منه أبو محمد بن الخشاب، وأبو بكر الخفاف. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
محمد بن محمد: بن بقية. بالباء الموحدة والقاف والياء آخر الحروف، على وزن هديه الوزير. أبو الطاهر. نصير الدولة وزير عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه. كان من جلة الوزراء وأعيان الكرماء وأكابر الرؤساء يقال إن راتبه في الشمع كان في كل شهر ألف من. وكان من أهل أو أنا من عمل بغداد. وفي أول أمره توصل إلى أن صار صاحب مطبخ معز الدولة، ثم نقل في غير ذلك من الولايات والخدم. ولما مات معز الدولة حسنت حاله عند ولده عز الدولة. ورعى له خدمته لأبيه. فاستوزره في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. فقال الناس: من الغضارة إلى الوزارة. وستر عيوبه كرمه. خلع في عشرين يوماً عشرين ألف خلعه. وقال أبو إسحاق الصابي: رأيته في ليلة يشرب وكلما لبس حلة خلعها على احد الحاضرين. فزادت على مائة خلعة. وقالت له مغنية: في هذه الخلع زنانير ما تدعك تلبسها. فضحك وأمر لها بحقة حلي. ثم إن عز الدولة قبض عليه. لسبب بطول ذكره. حاصله أنه حمله على محاربة ابن عمه عضد الدولة فالتقيا على الأهواز وكسر عز الدولة. وفي ذلك يقول أبو عنان الطيب بالبصرة
أقام على الأهواز خمسين ليلةً
…
يدبر أمر الملك حتى تدمرا
فدبر أمراً كان أوله عمىً
…
وأوسطه بلوي وآخره خرا
ولما قبض عليه بمدينة واسط سمل عينيه ولزم بيته إلى أن مات عز الدولة وملك عضد الدولة بغداد فطلبه لما كان يبلغه عنه من الأمور القبيحة. منها انه كان يسميه أبا بكر الغددي تشبيهاً له برجل أشقر أنمس يبيع الغدد للسنانير. والظاهر أن أعداءه كانوا يفعلون به ذلك ويفتعلونه. فلما حضر ألقاه تحت أرجل الفيلة. فلما قتلته. صلبه بحضرة البمارستان العضدي ببغداد. وذلك يوم الجمعة لست خلون من شوال سنة سبع وستين وثلاثمائة. وكان قد نيف على الخمسين ورثاه أبو الحسن محمد بن عمر بن يعقوب الأنباري أحد العدول ببغداد بقصيدة لم يسمع في مصلوب أحسن منها: وأولها.
علو في الحياة وفي الممات
…
بحق أنت إحدى المعجزات
كان الناس حولك حين قاموا
…
وفود نداك أيام الصلاة
كأنك قائم فيهم خطيباً
…
وكلهم قيام للصلاة
مددت يديك نحوهم احتفاءً
…
كمد كها إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أن
…
يضم علاك من بعد الممات
أصاروا الجو قبرك واستنابوا
…
عن الأكفان ثوب السافيات
لعظمك في النفوس تبيت ترعى
…
بحفاظ وحراث ثقات
وتشعل عندك النيران ليلاً
…
كذلك كنت أيام الحياة
ركبت مطيةً من قبل زيد
…
علاها في السنين الذاهبات
ولم أر قبل جذعك قط جذعاً
…
تمكن من عناق المكرمات
أسأت إلى النوائب فاستثارت
…
فأنت قتيل ثار النائبات
وكنت تجير من صرف الليالي
…
فعاد مطالباً لك بالترات
وصير دهرك الإحسان فيه
…
إلينا من عظيم السيئات
وكنت لمعسر سعداً فلما
…
مضيت تفرقوا بالمنحسات
غليل باطن لك في فؤادي
…
يخفف بالدموع الجاريات
ولو أني قدرت على قيام
…
بفرضك والحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي
…
ونحت بها خلاف النائحات
ومالت تربة فاقول تسقى
…
لأنك نصب هطل الهاطلات
عليك تحية الرحمن تترى
…
برحمات غواد رائحات
وكتبها الشاعر المذكور. ورمى بها نسخاً في شوارع بغداد. فتداولها الأدباء إلى أن وصل خبرها إلى عضد الدولة وأنشدت بين يديه. فتمنى أن يكن هو المصلوب دونه. وقال: علي بهذا الرجل. فطلب سنةً كاملةً واتصل الخبر بالصاحب ابن عباد فكتب له إلى عضد الدولة بالأمان فحضر إليه. فقال له الصاحب: أنشدنيها فلما بلغ قوله ولم أر قبل جذعك البيت قام إليه وقبل وفاته وأنفذه إلى عضد الدولة. فقال له: ما حملك على رثاء عدوي. قال: حقوق وجبت، وأياد سلفت فجاش الحزن في قلبي فرثيته. وكان بين يدي عضد الدولة شموع تزهر. فقال: هل يحضرك شيء في الشموع. فأنشد:
كان الشموع وقد أظهرت
…
من النار في كل رأس سنانا
أصابع أعدائك الخائفين
…
تضرع تطلب منك الأمانا
فخلع عليه وأعطاه فرساً وبدرةً. ولم يزل ابن بقية المذكور مصلوباً إلى أن توفي عضد الدولة رحمهما الله تعالى.
محمد بن محمد: بن علي المقرئ. العكبري الجوزراني بالجيم والواو الساكنة وزاي بعدها راء وألف ونون، وهي قرية قرب عكبراء من نواحي بغداد. كان ضريراً من أهل القرآن والحديث. سمع أبا الحسن محمد بن أحمد رزقويه، وغيره. وروى الحافظ ابو محمد الاشعثي، وغيره عنه. ومات الجوزراني في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة.
محمد بن محمود: ين سبكتكين. لما توفي والده كان ولده مسعود أخو محمد هذا غائباً. فقدم نيسابور وقد استتب أمر أخيه محمد. بوصية من أبيه. واجتمعت الكلمة عليه وغمر الناس ببذل الأموال فيهم. فراسل أخاه محمداً ومال الناس إليه. لقوة نفسه، وتمام هيبته. وزعم أن الإمام القادر ولاه خراسان، وسماه الناصر لدين اله وخلع عليه وطوقه سواراً، فقوى أمره لذلك. وكان محمد سيء التدمير منهمكاً في ملاذه. فاجتمع الجند على عزل محمد وولاية مسعود. وفعلوا ذلك وقبضوا على محمد وحملوه إلى قلعة. ووكلوا له واستقر الأمر لمسعود. وجرى له مع بني سلجوق خطوب يطول شرحها. وقتل سنة ثلاثين وأربعمائة. واستولى على الممكلة بنو سلجوق. وقاسى الناصر المذكور شدائد عظيمةً في حروب بني سلجوق. وثبت ثباتاً عظيماً. هكذا ذكره ابن خلكان رحمه الله تعالى في ترجمة محمود أبيه. وقال غيره: إن مسعود خلع أخاه محمداً وسجنه وسمل عينيه وحكم على خراسان والهند وغير ذلك. ثم إن الجيش أطاعوا أخاه محمداً لمسمول وعاد إلى الملك وقتل أخاه مسعوداً سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. والله أعلم.
محمد بن المسيب: بن إسحاق بن عبد الله النيسابوري. الأرغياني الأسفنجي. الحافظ الجوال الزاهد. روى عنه ابن خزيمة مع جلاله قدره وتقدمه. قيل إنه بكى حتى
عمي. وكان من العباد المجتهدين. وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس عشرة وثلاثمائة.
محمد بن مصطفى: بن زكرياء بن خواجا حسن فخر الدين التركي الصلغري الدوركي الحنفي. أخبرني الشيخ أثير الدين أبو حيان من لفظه، قال صلغر فخذ من الترك ودورك بلد بالروم. مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة دورك. كان شيخاً فاضلاً عنده أدب. وله نظم ونثر. وقد نظم القدوري، في الفقه. نظماً فصيحاً سهلاً جامعاً. ونظم قصيدة في النحو تضمنت أكثر الحاجبية. وفخر الدين هذا كتبنا عنه لسان الترك ولسان الفرس. وكان عالماً باللسانين، يعرفهما إفراداً وتركيباً. أعانه على ذلك مشاركته في علم العربية وله قصائد كثيرة، منها قصيدة في قواعد لسان الترك، ونظم كثير في غير فن، وانشدني كثيراً منه.
ردس بالحسامية الفقه على مذهب أبي حنيفة. وكان قديماً قد تولى الحسبة بغزة. وكان بارع الخط، جميل العشرة، متواضعاً منصفاً، تالياً للقرآن، حسن النغمة. وقد أدب بقلعة الجبل بعض أولاد الملوك. قلت: هو السلطان الملك الناصر. قال الشيخ أثير الدين: وعمى في آخر عمره. وأنشدني من قصيدة مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم:
قالوا اتخذ مدح النبي محمد
…
فينا شعارك إن شعرك ريق
وعلى بنانك لليراعة بهجة
…
وعلى بيانك للبراعة رونق
يا قطب دائرة الوجود باسره
…
لولاك لم يكن الوجود المطلق
مذ كنت أوله وكنت أخيره
…
في الخافقين لواء مجدك يخفق
كل الوجود إلى جمالك شاخص
…
فإذا اجتلاك فعن جلال يطرق
كنت النبي وآدم في طينه
…
ما كان يعلم أي خلق يخلق
فأتيت واسطة لعقد نبوة
…
منها أنار عقيقها والابرق
قلت: شعر جيد فصيح.
محمد بن مكرم: بتشديد الراء ابن علي بن أحمد الأنصاري الرويفعي الإفريقي ثم المصري. القاضي جمال الدين أبو الفضل. من ولد رويفع بن ثابت الصحابي. سمع بن يوسف بن المخيلي، وعبد الرحمن بن الطفيل، ومرتضى بن حاتم، وابن المقير، وطائفة. وتفرد وعمر وكبروا وأكثروا عنه. وكان فاضلاً وعنده تشيع. بلا
رفض. خدم في ديوان الإنشاء بمصر. ثم ولى نظر طرابلس. وكتب عنه الشيخ شمس الدين الذهبي. أخبرني العلامة اثير الدين أبو حيان رحمه الله قال: ولد المذكور يوم الإثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى عشرة وسبعمائة. قال وأنشدني لنفسه من نظمه سنة إحدى وثمانين وستمائة.
ضع كتابي إذا أتاك إلى الأ
…
رض وقلبه في يديك لماما
فعلى ختمه وفي جانبيه
…
قبل قد وضعتهن نؤاما
كأن قصدي بها مباشرة الأر
…
ض وكفيك بالتثامي إذا ما
ومن شعر جمال الدين بن مكرم:
بالله إن جزت بوادي الأراك
…
وقبلت عيدانه الخضر فاك
ابعث إلى المملوك من بعضه
…
فإنني والله مالي سواك
قلت: هو والد القاضي قطب الدين بن المكرم، كاتب الإنشاء الشريف بمصر، الصائم الدهر، المجاور بمكة زماناً. أخبرني قطب الدين المذكور بقلعة الجبل في ديوان الإنشاء أن والده ترك بخطه خمسمائة مجلد. قلت: وما أعرف في كتب الأدب شيئاً إلا وقد اختصره. من ذلك: كتاب الأغاني الكبير، رتبه على الحروف مختصراً. وزهر الآداب للحصري. واليتيمة. والذخيرة. ونشوان المحاضرة. واختصر تاريخ ابن عساكر. وتاريخ الخطيب. وذيل ابن النجار عليه. وجمع بين صحاح الجوهري، وبين المحكم لابن سيده، وبين الأزهري، في سبع وعشرين مجلدة. ورأيت أنا أولها بالقاهرة، وقد كتب عليه أهل ذلك العصر يقرظونه ويصفونه بالحسن: كالشيخ بهاء الدين بن النحاس، وشهاب الدين محمود، ومحيي الدين بن عبد الظاهر، وغيرهم. واختصر صفوة الصفوة. ومفردات ابن البيطار. وكتاب التيفاشي. فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب، اختصره في عشر مجلدات، وسماه سرور النفس. ورأيت كتاب الصحاح للجوهري، في مجلدة واحدة بخطه، في غاية الحسن. ولم يزل يكتب لي أن أضر وعمي في آخر عمره. رحمه الله تعالى.
محمد بن منهال: التميمي المجاشعي البصري الضرير الحافظ. أبو جعفر. روى
عنه البخاري ومسلم وأبو داود. وروى عنه النسائي بواسطة. قال العجلي: بصري ثقة. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين. رحمه الله تعالى. محمد بن موهوب: بن السحن. أبو نصر الفرضي الضرير. كان أوحد وقته في علم الفرائض والحساب. وله مصنفات حسنة في ذلك. قرأ عليه جماعة وتخر جوابه. وذكره ابن كامل الخفاف في معجم شيوخه الذين سمع منهم، ولم تخرج عنه حديثاً. وكان لا يأخذ أجرة على تعليمه الفرائض والحساب. ولكن يأخذ الأجرة على تعليمه الجبر والمقابلة، ويقول: الفرائض مهمة. وهذا العلم من الفضل.
محمد بن هبة الله: بن ثابت. الإمام أبو نصر البندنيجي الشافعي. كان من أكبر أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. سمع وحدث. كان يقرأ في كل أسبوع ستة آلاف مرة " قل هو الله أحد ". ويعتمر في شهر رمضان ثلاثين عمرة. وهو ضرير يؤخذ بيده. وتوفي رحمه الله بمكة. سنة خمس وتسعين وأربعمائة. محمد بن الهذيل: بن عبد الله بن مكحول. أبو الهذيل. العلاف البصري
المعتزلي. قيل اسمه أحمد. كان من أجلاد القوم راساً في الاعتزال. ومن المعتزلة فرقة ينسبون إليه، يعرفون بالهذيلية يقولون بمقالاته.
زعم أن أهل الجنة تنتقطع حركاتهم حتى لا يتكلمون كلمة وينقطع نعيمهم. وكذلك أهل النار خمود سكوت. وتجتمع اللذة لأهل الجنة، والآلام لأهل النار في ذلك السكون. وهذا قريب من مذهب جهم بن صفوان. لأنه حكم بفناء أهل الجنة والنار. وإنما التزم أبو الهذيل هذا المذهب. لأنه التزم في مسالة حدوث العالم أن الحوادث التي لا اول لها كالحوادث التي لا آخر لها، إذ كان كل واحد منهما لا يتناهى. قال: إني لا أقول بحركات لا تتناهى بل يصيرون إلى سكون دائم. فظن أن ما التزم من الأشكال في الحركة لا يلزمه في السكون. وغلط في ذلك بل هو لازم. فلا فرق في امتناع عدم التناهي بين الحركات والسكون. وأثبت إرادات لا في محل. وهو أول من أحدث هذه المقالة. وتابعه عليها جماعة من المتأخرين: وقال: بعض كلام الباري لا في محل، وهو قوله: كن. وبعضه في محل، كالأمر، والنهي، والخبر، والاستخبار. وابتدع القول بأن المقتول بالسيف أو غيره لم ينته أجله ولو مات بأجله، حتى لو فرضنا أنه لم يقتل لبقي إلى اجله فيموت. وكذلك من أكل حراماً، لم يأكل رزقه. وانفرد بأشياء غير هذه.
ويروى أن المأمون قال لحاجبه: من بالباب؟ قال: أبو الهذيل العلاف، وعبد الله بن أباض الخارجي، وهشام بن الكلبي الرافضي. فقال المأمون: ما بقي من رؤس جهنم أحد إلا وقد حضر.
وشرب مرة عند أناس فراود غلا ماأمرد. فضربه بتور فدخل في رقبته. فاحضروا له حداداً حتى فكه من عنقه.
وقال أبو الهذيل: أول ما تكلمت كان عمري خمس عشرة سنة. فبلغني أن يهوديا قدم البصرة وقطع كل من فيها. فقلت لعمي: امض بي إليه حتى أناظره. فقال: لا طاقة لك به. فقلت: بلى. فمضينا إليه فوجدته في إثبات نبوة موسى وإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: نحن قد اتفقنا على نبوة موسى، فأثبتوا لنا نبوة محمد حتى نقربه. فقلت له: أسألك أو تسألني؟ فقال مستصغراً: أو ما ترى ما فعلت بمشايخك؟ فقلت: دع هذا
واسألني أو أسألك. فقال: أليس قد ثبتت نبوة موسى وصحت دلائله؟ أتقر بهذا أم تجحده؟ فقلت له: سألتني عن نبوة موسى. وهذا على أمرين، أحدهما موسى الذي أخبر عن نبوة محمد وبشر به وأمر بإتباعه. فإن كنت سألتني عن نبوة هذا فأنا أقر به. وهو نبي. والثاني موسى الذي لم يخبر عن نبوة محمد، ولا بشر به ولا أمر بأتباعه، فلا أقر به ولاأعرفه، فإنه شيطان. فتحير اليهودي ثم قال لي: ماتقول في التوراة؟ فقلت: أيضاً هي منقسمة إلى قسمين: توراة فيها ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة به والأمر بأتباعه، فهي التوراة الحق المنزلة. وتوراة ليس فيها ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ولا البشارة به، فهي باطلة ولا أصدق بها. فتحير اليهودي وانقطع. ثم قال لي: إني أريد أن أشارك في شئ. فتقدمت إليه، فإذا هو يشتمني ويشتم معلمي وأبوي. فظن أني أرد عليه وأضار به بحضرة الناس، فيقول إنهم قد تغلبوا علي. فقلت للجماعة ما قال وعرفتهم ما أراد. فأخذته الأيدي بالنعال. فخرج هاربا من البصرة.
وقال المسعودي في مروج الذهب: إنه توفي سنة سبع وعشرين ومائتين. وكان قد كف بصره، وخرف آخر عمره إلا أنه كان لا يذهب عليه شيء من الأصول لكنه. ضعف عن المناظرة ومحاجة المخالفين له.
وقيل ولد سنة خمس وثلاثين ومائة. وتوفي سنة تسع وثلاثين ومائتين. وحكى عنه أنه لقى صالح بن عبد القدوس وقد مات له ولد وهو شديد الجزع عليه، فقال أبو الهذيل: لا أرى لجزعك عليه وجهاً، إذ كان الإنسان عندك كالزرع. فقال صالح: يا أبا الهذيل إنما أجزع عليه لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك. فقال: وما كتاب الشكوك؟ قال: كتاب وضعته من قرأه يشك فيما كان حتى يتوهم أنه لم يكن، ويشك فيما لم يكن حتى كأنه قد كان. فقال له أبو الهذيل: فشك أنت في موته واعمل على أنه لم يمت، وإن كان قد مات. وشك في قراءته الكتاب وأعمل على أنه قرأه، وإن لم يكن قرأه. فأخجله. وقيل إن الذي قال ذلك إبراهيم النظام ابن أخت أبي الهذيل. وهو الصحيح. ولأبي الهذيل: كتاب يعرف بميلاس. وكان ميلاس هذا مجوسيا جمع بين أبي الهذيل وبين جماعة من الثنوية فقطعهم أبو الهذيل. فأسلم فيلاس عند ذلك.
محمد بن يعقوب: بن يوسف بن معقل بن بشار. أبو العباس الأموي مولاهم النيسابوري الأصم. كان يكره أن يقال له الأصم. قال الحاكم إنما ظهر به الصمم بعد إنصرافه من الرملة فاستحكم فيه حتى بقي لايسمع نهيق الحمار. وكان محدث عصره بلا مدافعة. حدث في الإسلام ست وسبعين سنة، ولم يختلف في صدقه وصحة سماعه. وضبط والده يعقوب الوراق لها. أذن سبعين سنة في مسجده. وكف بصره بأخرة. وانقطعت الحلة إليه. ورجع أمره إلى أن كان يناول قلما فإذا أخذه بيده علم أنهم يطلبون الرواية، فيقول: حدثنا الربيع بن سليمان، ويسرد أحاديث يحفظها: وهي أربعة عشر حديثا. وسبع حكايات. وصار بأسوء حال. وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاثمائة. قال الحاكم: سمعت أبا العباس يقول: رأيت أبي في المنام. فقال لي: عليك بكتاب البويطي، فليس في كتب الشافعية مثله.
محمد بن يوسف: بن علي بن يوسف بن حيان. الشيخ الأمام الحافظ العلامة. فريد العصر وشيخ الزمان، وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي النفزى بالنون والفاء والزاي. قرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث بجزيرة الأندلس، وبلاد إفريقية، وثغر الإسكندرية، وديار مصر، والحجاز. وحصل الإجازات من الشام والعراق
وغير ذلك. واجتهد وطلب وحصل وكتب وقيد، ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالاً منه لأني لم أره إلا وهو يسمع أو يشغل أو يكتب. ولم أره على غير ذلك. وله إقبال على الطلبة الأذكياء، وعنده تعظيم لهم. وله نظم ونثر. وله الموشحات البديعة. وهو ثبت فيما ينقله، محرر لما يقوله، عارف باللغة، ضابط لألفاظها. وأما النحو والتصريف، فهو إمام الدنيا في عصره فيهما، لم يذكر معه أحد في أقطار الأرض. وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم، خصوصاً المغاربة. ويقيد أسماؤهم على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم، لأنهم مجاورو بلاد الفرنج، وأسماؤهم قريبة منهم وألقابهم كذلك. كل ذلك قد جرده وحرره وقيده. والشيخ شمس الدين الذهبي. له سؤالات سأله عنها فيما يتعلق بالمغاربة، وأجابه عنها. وله التصانيف التي سارت وطارت، وانتشرت وما انتثرت، وقرئت ودريت، ونسخت وما نسخت. أخملت كتب الأقدمين، وألهت المقيمين بمصر والقادمين. وقرأ الناس عليه. وصاروا أئمةً وأشياخاً في حياته.
وهو الذي جسر الناس على مصنفات السيخ جمال الدين بن مالك رحمه الله، ورغبهم في قراءتها، وشرح لهم غامضها، وخاض بهم لججها، وفتح لهم مقفلها. وكان يقول عن مقدمة بن الحاجب هذه نحو الفقهاء.
والتزم أن لا يقرأ أحداً إلا إن كان في كتاب سيبويه، أو في التسهيل لإبن مالك، أو في تصانيفه.
ولما قدم البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس رحمه الله كثيراً، وأخذ منه كتب الأدب.
وكان شيخاً حسن العمة، مليح الوجه، ظاهر اللون، مشرباً بحمرة، منور الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر فيها، لم تكن كثة.
عبارته فصيحة لغة الأندلس، يعقد القاف قريباً من الكاف، على أنه ينطق بها في القرآن فصيحةً. وسمعته يقول: ليس في هذه البلاد من يعقد حرف القاف.
وكانت له خصوصية الأمير سيف الدين أرغون النائب الناصري، ينبسط معه ويبيت عنده. ولما توفيت إبنته نضار. طلع إلى السلطان الملك الناصر وسأل منه أن يدفنها في بيتها داخل القاهرة فأذن له.
وكان أولاً يرى رأي الظاهرية. ثم إنه تمذهب للشافعي رضي الله عنه. وتولى تدريس التفسير بالقبة النصورية والإقراء بجامع الأقمر. وقرأت عليه الأشعار الستة وكان يحفظها، والمقامات الحريرية وحضرها جماعة من أفاضل الديار المصرية،
وسمعوها بقراءتي عليه. وكان بيده نسخة صحيحة يثق بها وبأيدي الجماعة قريب من إثنتي عشرة نسخة وإحداهن بخط الحريري. ووقع منه الجماعة في أثناء القراءة فوائد ومباحث عديدة. وقال لي: لم أر بعد بن دقيق العيد أفصح من قراءتك. ولما وصلت إلى المقامة التي أورد الحريري فيها الأحاجي، قال: ما أعرف مفهوم الأحجية المصطلح عليها بين أهل الأدب. فأخذت في إيضاح ذلك وضرب الأمثلة له. فقال لي: لا تتعب معي. فإني تعبت مع نفسي في معرفة ذلك كثيراً، ولا أفاد ولا ظهر لي. وهذا في غاية الإنصاف منه والعدالة، لاعترافه لي في مثل ذلك الجمع وهم يسمعون كلامه بمثل ذلك، وقرأت عليه سقط الزند لأبي العلاء المعري، وبعض الحماسة لأبي تمام الطائي، ومقصورة إبن دريد. وسمعت من لفظه كتاب الفصيح لثعلب. وكان يحفظه. وسمعت من لفظه كتاب تلخيص العبارات بلطيف الإشارات في القراآت السبع لإبن بليمة. وسمعت من لفظه خطبة كتاب إرتشاف الضرب من لسان العرب. وانتقيت ديوانه وكتبته وسمعته منه. وسمعت من لفظه ما اخترته من كتابه مجاني الهصر، وغيرذلك. وأنشدني من لفظه لنفسه:
سبق الدمع بالمسير المطايا
…
إذ نوى من أحب عني نقله
وأجاد السطور في صفحة الخ
…
د ولم يجيد وهو ابن مقلة
وأنشد أيضاً في صفات الحروف:
أنا هاو لمستطيل أغن
…
كلما اشتد صارت النفس رخوة
أهمس القول وهو يجهر سبى
…
وإذا ما انخفضت أظهر علوة
فتح الوصل ثم أطبق هجراً
…
بصفير والقلب قلقل شجوه
لان دهراً ثم اغتدى ذا إنحراف
…
وفشا السر مذ تكررت نحوه
وأنشدني من لفظة لنفسه:
يقول لي العذول ولم أطعه
…
تسل فقد بدا للحب لحيه
تخيل أنها شانت حبيبي
…
وعندي أنها زين وحليه
وأنشدني من لفظه لنفسه:
راض حبيبي عارض قد بدا
…
يا حسنه من عارض رائض
وظن قوم أن قلبي سلا
…
والأصل لا يعتد بالعارض
وأنشدني من لفظه في أحدب
تعشقته أحدباً كيساً
…
يحاكي نجيباً حنين البغام
إذا كدت أسقط من فوقه
…
تعلقت من ظهره بالسنام
وأنشدني من لفظه لنفسه في أسود:
علقته بشجى اللحظ حالكه
…
ما ابيض منه سوى ثغر حكى الدررا
قد صاغه من سواد العين خالقه
…
وكل عين إليه تقصد النظرا
وأنشدني من لفظه لنفسه:
تعشقته شيخاً كأن مشيبة
…
على وجنتيه ياسمين على ورد
أخا العقل يدري ما يراد من النهى
…
أمنت عليه من رقيب ومن ضد
وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى
…
لسود اللحى ناس وناس إلى المرد
ألا إنني لو كنت أصبو لأمرد
…
صبوت إلى هيفاء مائسة القد
وسد اللحى أبصرت فيهم مشاركاً
…
فأحببت أن أبقى بأبيضهم وحدي
وأما تصانيفه فهي: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم. اتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب. كتاب الأسفار الملخص من كتاب الصفار، شرحاً لكتاب سيبويه. كتاب التجريد، لأحكام سيبويه. كتاب التذييل والتكميل، في شرح التسهيل. كتاب التنخيل الملخص من شرح التسهيل. كتاب التذكرة. كتاب المبدع في التصريف. كتاب الموفور. كتاب التقريب. كتاب التدريب. كتاب غاية الإحسان. كتاب النكت الحسان. كتاب الشذا في مسألة كذا. كتاب الفصل في أحكام الفصل. كتاب اللمحة. كتاب الشذرة. كتاب الإرتضاء في الفرق بين الضاد والظاء. كتاب عقد اللىلي. كتاب نكت الأمالي. كتاب النافع في قراءة نافع. كتاب الأثير في قراءة ابن كثير. المورد الغمر في قراءة أبي عمرو. الروض الباسم في قراءة عاصم. المزن الهامر في قراءة ابن عامر. الرمزة في قراءة حمزه. تقريب الناتئ في قراءة الكسائي. غاية المطلوب في قراءة يعقوب، قصيدة. النير الجلي في قراءة زين بن علي. الوهاج في اختصار المنهاج. الأنور الأجلي في اختصار المجلي. الحلل الحالية في أسانيد القراآت العالية. كتاب الإعلام بأركان الإسلام. نثر الزهر ونظم الزهر. قطر الحبي في جواب أسئلة الذهبي. فهرست مسموعاته. نوافث السحر في دمائث
الشعر. كتاب تحفة الندس في نحاة الأندلس. الأبيات الوافية في علم القافية. جزء في الحديث. مشيخة أبي المنصور. كتاب الإدراك للسان الأتراك. زهر الملك في نحو الترك. نفحة المسك في سيرة الترك. منطق الخرس في لسان الفرس. ومما لم يكمل تصنيفه إلى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة حسب ما كتب به خطه لي. مسلك الرشد في تجريد مسائل نهاية ابن رشد. كتاب منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك. نهاية الإعراب في علمي التصريف والإعراب، رجز. مجاني الهصر في آداب وتواريخ لأهل العصر. خلاصة البيان في علمي البديع والبيان، رجز. نور الغبش. في لسان الحبش. المخبور في لسان اليحمور.
ومولده بغرناطة في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى في ثامن عشري صفر بالقاهرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة. وقلت أنا أرثيه رحمه الله تعالى:
مات أثير الدين شيخ الورى
…
فاستعر البارق واستعبرا
ورق من حزن نسيم الصبا
…
واعتل في الأسحار لما سرى
وصادحات الأيك في دوحها
…
رئته في السجع على حرف را
ياعين جودي بالدموع التي
…
تروي بها ما ضمه من ثرى
واجرى دماً فالخطب في شأنه
…
قد اقتضى أكثر ما جرى
مات إمام كان في علمه
…
يرى أماماً والورى من ورا
أمسى منادي للبلى مفرداً
…
فضمه القبر على ما ترى
يا أسفاً كان هدىً ظاهراً
…
فعاد في تربته مضمرا
وكان جمع الفضل في عصره
…
صح فلما أن قضى كسرا
وعرف العلم به برهةً
…
والآن لما أن مضى نكرا
وكان ممنوعاً من الصرف لا
…
يطرق من وافاه خطب عرا
لاأفعل التفضيل ما بينه
…
وبين من أعرفه في الورى
لا بدل عن نعته بالتقى
…
ففعله كان له مصدرا
لم يدغم في اللحد إلا وقد
…
فك من الصبر وثيق العرى
بكى له زيد وعمرو فمن
…
أمثلة النحو وممن قرا
ما أعقد التسهيل من بعده
…
فكم له من عسرة يسرا
وجسر الناس على خوضه
…
إذ كان في النحو قد استبحرا
من بعده قد حال تمييزه
…
وحظه قد رجع القهقرى
شارك من قد ساد في فنه
…
وكم له فن به استاثرا
داب بني الآداب أن يغسلوا
…
بدمعهم فيه بقايا الكرى
والنحو قد سار الردى نحوه
…
والصرف للتصريف قد غيرا
واللغة الفصحى غدت بعده
…
يلغى الذي في ضبطها قررا
تفسيره البحر المحيط الذي
…
يهدي إلى وارده الجوهرا
فوائد من فضله جمة
…
عليه فيها نعقد الخنصرا
وكان ثبتاً نقله حجة
…
مثل ضياء الصبح إذ اسفرا
ورحلة في سنة المصطفى
…
أصدق من يسمع إن خبرا
له الأسانيد التي قد علت
…
فاستفلت عنها سوامي الذرا
ساوى بها الأحفاد أجدادهم
…
فاعجب لماض فاته من طرا
وشاعراً في نظمه مفلقاً
…
كم حرر اللفظ وكم حبرا
له معان كلما خطها
…
تستر ما يرقم في تسترا
أفديه من ماض لأمر الردى
…
مستقبلاً من ربه بالقرى
ما بات في أبيض أكفانه
…
إلا وأضحى سندساً أخضرا
تصافح الحور له راحةً
…
كم تعبت في كل ما سطرا
إن مات فالذكر له خالد
…
يحيى به من قبل أن يقبرا
جاد ثرىً واراه غيث إذا
…
مساه بالسقيا له بكرا
وخصه من ربه رحمة
…
تورده في حشره الكوثرا
وكنت كتبت إليه من رحبة مالك بن طوق في سنة تسع وعشرين وسبعمائة في ورق أحمر:
لو كنت أملك من دهري جناحين
…
لطرت لكنه فيكم جنى حيني
يا سادةً نلت في مصر بهم شرفاً
…
أرقى به شرفاً تتأى عن العين
وإن جرى لسما كيوان ذكر علاً
…
أحلني فضلهم فوق السماكين
وليس غير أثير الدين اثله
…
فساد ما شاد لي حقاً بلا مين
حبر ولو قلت إن الباء رتبتها
…
من قبل صدقك الأقوام في ذين
أحي علوماً أمات الدهر أكثرها
…
مذ خلدت خلدت ما بين دفين
يا واحد العصر ما قولي بمتهم
…
ولا أحاشي امرأ بين الفريقين
هذي العلوم بدت من سيبويه كما
…
قالوا وفيك انتهت يا ثاني اثنين
فدم لها وبودي لو أكون قدىً لما ينالك في الأيام من شين
يا سيبويه الورى في العصر لا عجب
…
إذا الخليل غدا يفديك بالعين
يقبل الأرض وينهى ما هو عليه من الأشواق التي برحت بالمها، وأجرت الدموع دماً وهذا الطرس الأحمر يشهد بدمها، وأربت بسحها على السحائب، وأين دوام هذه من ديمها، وفرقت الأوصال على السقم لوجود عدمها.
فيا شوق ما أبقى ويالي من النوى
…
ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما اصبا
ويذكر ولاءه الذي تسجع به في الروض الحمائم، ويسير تحت لوائه مسير الرياح بين الغمائم، وبناؤه الذي يتضوع كالزهر في الكمائم. ويتنسم تنسم هامات الربا إذا لبست من الربيع ملونات العمائم.
ويشهد الله على كل ما
…
قد قلته والله نعم الشهيد
محمد بن يوسف: بن عبد الغني بن محمد بن ترشك بالتاء ثالثة الحروف والراء وشين معجمة وبعدها كاف. الشيخ الصالح الورع العالم الناسك تاج الدين المقرئ الصوفي الحنبلي البغداي. مولده ثالث عشر شهر رجب سنة ثمان وستين وستمائة ببغداد. حفظ القرآن المجيد في صباه بالروايات وأقرأه. وسمع الكثير من ابن حصين ومن في طبقته. وإجازاته عالية. وروى وحدث وسمع منه خلق ببغداد وبدمشق وبغيرهما من البلاد. وكان ذا سمت حسن وخلق طاهر ونقس عفيفة رضية وصوت مطرب إلى الغاية. قدم الشام مراراً وحدث وحج غير مرة، ثم عاد إلى بلده. توفي رحمه الله تعالى سنة خمسين وسبعمائة وقد أضر بأخرة.
محمود بن همام: بن محمود. عفيف الدين. أبو الثناء. الإمام الزاهد المحدث المقرئ الأنصاري الدمشقي الضرير. كان فقيهاً مدققاً حسن الأداء للإقراء. وكان يصوم الدهر ويلازم الجامع. ولا يكاد يخرج منه إلا بعد العشاء للفطر. وسمع من الخشوعي، وابن عساكر، وطبقتهم، وابن طبرزد. ولازم الحافظ عبد الغني كثيراً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين وستمائة.
مخرمة بن نوفل: بن أهيب بن زهرة بن كلاب القرشي. أمه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف. وهو والد المسور. وكان مخرمة من مسلمة الفتح وكان له سن وعلم يايام وقريش. كان يؤخذ عنه علم النسب. وكان أحد علماء قريش وكنيته أبو صفوان، وقيل أبو المسور، وقيل أبو الأسود، والأول أكثر.
روى عن الليث بن سعد عن ابن أبي مليكة، قال: أخبرني المسور بن مخرمة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي صفوان: يا أبا صفوان في حديث ذكره.
شهد مخرمة حنيناً وهو أحد المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه. وهو أحد الذين نصبوا أعلام الحرم لعمر رضي الله عنه.
توفي رضي اله عنه بالمدينة سنة أربع وخمسين للهجرة. وقد بلغ مائة وخمس عشرة سنة وكف بصره في زمن عثمان. وله من الولد صفوان والمسور والصلت الاكبر وام صفوان والصلت الأصغر وصفوان الأصغر والعطاف الأكبر والعطاف الأصغر ومحمد. استأذن مخرمة على رسول صلى الله عليه وسلم، فلما سمع صوته، قال: بئس أخو العشير. فلما دخل بش به. فلما خرج. قالت له عائشة في ذلك. فقال: يا عائشة أعهدتني فحاشاً؟ إن شر الناس من يتقي شره.
مربع بن قيظي: وقيل ابن قطن. قال الدارقطني: كان مربع أعمى منافقاً. وهو الذي سلك النبي صلى الله عليه وسلم في حائطه لما خرج إلى أحد. فجعل مربع يحثو التراب في وجوه المسلمين. ويقول: إن كنت نبياً فلا تدخل حائطي.
المرزبان: بن فناخسرو هو الملك صمصام الدولة. أبو كاليجار بن عضد الدولة. ولي الملك بعد أبيه. لأنه لما توفي والده. أخفى خواصه موته وكتموه كتماناً بليغاً واستدعوا ابنه صمصام الدولة إلى دار المملكة. وأخرجوا عهداً من عضد الدولة بتوليته
واستخلافه. وفيه مكتوب: قد قلدنا ابا كاليجار المرزبان بن عضد الدولة، والله يختار لنا وله حسن الخيرة. وبويع على ما في العهد. ثم إنهم التمسوا له من الطائع العهد والخلع واللواء. فبعث إليه بذلك جميعه. وجلس صمصام الدولة وقرئ العهد بين يديه. واستمر الحال على إخفاء موت عضد الدولة، إلى أن تمهد الامر لصمصام الدولة، واجتمعت الكلمة على الطاعة له. وكان صمصام الدولة، قد خاف من أخيه أبي الحسن أحمد فاعتقله، وكانت والدته ابنة نادر ملك الديلم، فخافهم صمصام الدولة. وعزمت أمه على كبس دار صمصام الدولة، وأن تلبس مثل الرجال، وتأتي بالرجال، وتخلص ولدها. فعلم بذلك صمصام الدولة فأطلقه وولاه شيراز وفارس. وقال له: الحق، قبل أن يصل إليها شرف الدولة. وأعطاه الأموال والرجال. فسبقه شرف الدولة إلى شيراز. وأقام أبو الحسن بالأهواز. بأبن أخاه صمصام الدولة وتلقب بتاج الدولة. وخطب لنفسه. فجهز إليه صمصام الدولة جيشاً من الترك والديلم، فهزمهم وقتل جماعة منهم. واستولى على الأهواز ووجد فيها أربعمائة ألف دينار وثلاثة آلاف وخمسمائة ثوب ديباج وأربعمائة رأس من الدواب. ووجد جمالاً وقماشاً. فاستولى على الجميع. وجاء الترك والديلم فاستخدمهم وأعطاهم وأحبوه وسار إلى البصرة فملكها ورتب فيها أخاه أبا طاهر ولقبه ضياء الدولة. ثم إنه في شهر رمضان سنة سبعين وثلاثمائة، شغب الجند على صمصام الدولة وفارقه أكثرهم وتسلل الأعيان منهم إلى شرف الدولة، منهم أبو نصر بن عضد الدولة. فعزم صمصام الدولة على الإصعاد إلى عكبرا. فبينا هو في ذلك. احتاطوا بداره وصاحوا بشعار شرف الدولة وخرقوا الهيبة. فانحدر إلى شرف الدولة بنفسه فتلقاه وأكرمه وأنزله في خيمة وأخدمه حواشيه ولما كان يوم العيد. جلس شرف الدولة جلوساً عاماً للتهنئة. ودخل الناس على طبقاتهم وجاء صمصام الدولة، فقبل الأرض ووقف عن يمين السرير. وجاء الشعراء وأنشدوا مدائحهم وغمز بعضهم في شعره بصمصام الدولة خبر. فقيل: حمل إلى فارس واعتقل بقلعة وكحل. وكانت مدة ايامه بالعراق ثلاث سنين وأحد عشر شهراً.
وتوفي شرف الدولة سنة تسع وسبعين وثلاثمائة بعلة الاستسقاء. ونزل صمصام
الدولة من القلعة التي كان بها محبوساً هو وأخوه أبو طاهر. وكانا قد أقاما معتقلين بها مدة. ولم يعلم أحد منهما بصاحبه.
ولما خلص صمصام الدولة من الاعتقال، سار إلى فارس وملك شيراز وأقام بها ملكاً إلى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. فاضطربت أموره. وتبسط الديلم عليه. وقصرت مواده عما يرضيهم. فاستولى الديلم على إقطاع والدته وحاشيته. وكان قد أسقط من الديلم ألف رجل، فتوجهوا إلى أبي نصر سهفيروزو أبي القاسم ابني عز الدولة بختيار، وهما مبحوسان في بعض قلاع فارس. وخدعوا الموكلين بهما. فصارت القلعة بحكمهما، وانضم إليهما الاكراد. فسار ابنا عز الدولة في جيش كثيف ومكا أرجان. ثم إنه مات ابن لصمصام الدولة، يقال له أبو شجاع. قد ترعرع ونشأ. فوجد عليه وجداً عظيماً ولم يبق بشيراز إلا من لبس السواد عليه. وكان صمصام الدولة يبكي عليه من أذنيه. وهذا من الغرائب. وأراد أن يصعد إلى القلعة، فلم يفتح له نائبها الباب. فدعا الأكراد واستوثق منهم واخذ أمواله وجواهره وكل ما يملكه. وطلب الأهواز. فما بعد عن شيراز حتى نهبوا جميع ما معه. وعرف أبو نصر خبره فبعث إليه جماعة من الديلم فقتلوه في رابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. وكان عمره خمساً وثلاثين وسبعة اشهر وسبعة عشر يوماً. وإمارته بفارس تسع سنين وثمانية أيام.
مسافر بن إبراهيم: مسلم بن إبراهيم: أبو عمرو. الأزدي الفراهيدي. مولاهم البصري الحافظ؟ روى عنه البخاري وأبو داود. وروى الباقون عن رجل عنه. وكان ثقة. وكان يروي عن سبعين امرأة. وكان لا يحتاج إلى الجماع وفيه سلامة. وتوفي رحمه الله تعالى في
صفر سنة اثنتين وعشرين ومائتين.
مشرف بن علي: بن أبي جعفر بن كامل. الخالصي أبو العز الضرير المقرئ. قدم بغداد في صباه وأقام بها. وجود القرآن، وقرأ بالروايات. على أبي الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد الشهرزوري، وأبي منصور مسعود بن عبد الواحد بن محمد بن الحصين، وأبي الحسن علي بن أبي الغنائم المشتركي. وسمع الكثير من ابن الشهرزوري، ومسعود بن الحصين، وأبي الوقت عبد الاول وأبي بكر بن سلامة، وأحمد بن الصدر، وغيرهم. قال ابن النجار: كتبت عنه. وكان صدوقاً شيخاً صالحاً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان عشرة.
مظفر بن إبراهيم: بن جماعة بن علي بن سامي بن أحمد بن ناهض بن عبد الرزاق. أبو العز. موفق الدين الغيلاني الحنبلي الشاعر المصري. كان أديباً شاعراً مجيداً. صنف في العروض مختصراً جيداً، دل على حذقه. وله ديوان شعر. ولد في جمادى الآخرة سنة أربع واربعين وخمسمائة بمصر. وتوفي بها رحمه الله تعالى سنة ثلاث وعشرين وستمائة. ودفن بسفح المقطم. ومن شعره:
كانما مشمشنا
…
في الياسمين اليقق
جلاجل من ذهب
…
في ورق من ورق
ومنه في الشمعة:
جاءت بجسم لسانه ذهب
…
تبكي وتشكو الهوى وتلتهب
كأنها في يمين حاملها
…
رمح لجين سنانه ذهب
ومنه:
ومورد الوجنات أخفى حبه
…
عنه ولا يخفى عليه تموهي
في خده لعذاره ولخاله
…
حرفان من يقرأهما يتأوه
ومنه:
قبلته فتلظى جمر وجنته
…
وفاح من عارضيه العنبر العبق
وجال بينهما ماء ومن عجب
…
لا ينطفي ذاوولاذامنه يحترق
ومنه:
مولاي زرت وما عليك رقيب
…
ومضيت والسلوان عنك عجيب
كالطيف أو كهلال أول ليلة
…
في الشهر تطلع ساعة وتغيب
ومنه:
مولاي مالك لا تحنو على دنف
…
جفاك من هذه الدنيا وظيفته
ما اسود خدك حتى ابيض مفرقه
…
مما يقاسيه واسودت صحيفته
ومنه في أمرد التحي:
وشادن كان زمان الصبا
…
بدولة المرد له صوله
قد كتب الشعر على خده
…
خفض فهذا آخر الدولة
ومنه:
حييت من أهوى بباقة نرجس
…
نمت محاسنها على لحظاته
وسقيته بيد المحبة خمرةً
…
فبدت مصحفةً على وجناته
ومنه:
ومطرب لو صدقنا في محبته
…
لهان منا عليه المال والروح
غنى فملنا على ألحانه طرباً
…
مثل الغصون إذا هبت بها الريح
ومنه:
يا حادياً بغنائه وبهائه
…
يزداد فيه تشوقي وتلهفي
شيئآن فيك صبا الفؤاد إليهما
…
نغمات داود وصورة يوسف
ودخل موفق الدين المذكور. على ابن سنا الملك. فقال له: يا أدريب. قد صنعت نصف بيت. ولي أيام أفكر فيه ولا يأتي تمامه. فقال: له ما هو فأنشده:
بياض عذارى من سواد عذاره
فقال موفق الدين: قد حصل تمامه. وأنشده:
كما جل ناري فيه من جلناره
فاستحسنه وجعل يعمل عليه. فقام موفق الدين، فقال له: ابن سنا الملك إلى أين؟ قال أقوم وإلا يطلع المقطوع من كيسي. وكان الوزير صفي الدين بن شكر قد توجه إلى مصر. فخرج أصحابه يتلقونه إلى الخشبي وهي المنزلة المعروفة المجاورة للعباسية. فكتب إليه الموفق المذكور يعتذر:
قالوا إلى الخشبي سرنا على عجل
…
نلقى الوزير جميعاً من ذوي الرتب
ولم تسر أيها الأعمى فقلا لهم
…
لم أخش من تعب ألقى ولا نصب
وإنما النار في قلبي لوحشته
…
وكيف أجمع بين النار والخشب
وقد أكثر أهل عصره الهجو فيه. فقال فيه نشء الملك ابن المنجم:
قالوا يقود أبو العز قلت هذا عناد
أعمى يقود عهدي بكل أعمى يقاد
وكان الموفق يقرأ في مسجد كهف الدين طغان. فكتب ابن المنجم إليه:
يا كهف دين الله يأوي له
…
فتية كهف قط لم يكفروا
لا تظلم إلا ستبطل في كفهم
…
فهو بسب الناس مستهتر
ولا تقل دعه يكن كلبهم
…
فكلب أهل الكهف لا يعقر
فطرده طغان من المسجد. فقال فيه ابن المنجم:
أبا العز قل لي ولا تجحد
…
علام نفوك من المسجد
أحقاً رأوك على أربع
…
وفي اس
…
فيشله الأسود
لقد كذبوا وتجنوا عليك
…
بما سوف يلقونه في غد
وحاشاك من سجدة للعبيد
…
فأنت لربك لم تسجد
وقال فيه ايضاً:
قالوا هجاك أبو العز الضرير ولم
…
تجبه إلا بتهديد وإنذار
فقلت لا تعجبوا فالخوف أقلقه
…
العير يضرط والمكواة في النار
المظفر بن القاسم: بن المظفر بن علي بن الشهرزوري. أبو منصور بن أبي أحمد. ولد بإربل. ونشأ بالموصل. وقدم بغداد في صباه. وتفقه على أبي إسحاق
الشيرازي. وسمع منه ومن الشريف أبي نصر الزينبي، وأبي الغنائم محمد بن علي بن أبي عثمان، وغيرهم. وعاد إلى الموصل وولي قضاء سنجار. بعد علو سنه، وسكنها. وأضر في آخر عمره. وقدم بغداد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وحدث بها. وسمع منه أبو سعد السمعاني وعبد الخالق بن عبد الوهاب الصابوني. وكان شيخاً فاضلاً صالحاً، كثير العبادة، مليح الشيبة. ولد سنة سبع وخمسين واربعمائة.
معاوية بن سفيان: أبو القاسم الأعمى. شاعر. رواية. أحد غلمان الكسائي. كان معلم أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب ونديمه. ثم إنه اتصل بالحسن بن سهل يؤدب ولده. فعتب عليه في شيء، فقال يهجوه:
لا تحمدن حسناً في الجود إن مطرت
…
كفاه غزراً ولا تذممه إن رزما
فليس يمنع إبقاءً على نسب
…
ولا يجود لفضل الحمد مغتنما
لكنها خطرات من وساوسه
…
يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرما
ومن شعره:
أتدري من تلوم على المدام
…
فتىً فيها أصم عن الكلام
فتىً لا يعرف النشوات إلا
…
بكاسات وطاسات وجام
وكتب إلى الحسن بن سهل:
ما كان أقصر عمر فاكهةً
…
جاءت إلينا ثم لم تعد
ولدت غداة السبت صالحةً
…
فينا وماتت ليلة الأحد
معن بن أوس: المزني. شاعر مجيد مخضرمي الجاهلية والإسلام. كان له بنات وكان يكرمهن ويحسن إليهن. فولد لبعض عترته بنت فكرهها، فقال:
رأيت رجالاً يكرهون بناتهم
…
فيهن لا تكذب نساء صوالح
وفيهن والأيام يعثرن بالفتى
…
نوادب لا يمللنه ونوائح
ومر عبيد الله بن العباس بمعن، وقد كف بصره، فقال: يا معن كيف حالك؟ فقال: ضعف بصري وكثر عيالي وغلبني الدين. فقال: وكم دينك؟ قال: عشرة آلاف درهم. فبعث بها إليه. فمر به من الغد، فقال: كيف أصبحت يا معن؟ فقال:
أخذت بعين المال حتى نهكته
…
وبالدين حتى ما أكاد أدان
وحتى سألت القرض عند ذوي الغنى
…
فرد فلان حاجتي وفلان
فقال له عبيد الله: الله المستعان. إنا بعثنا إليك بالأمس لقمةً. فمالكتها حتى انتزعت
من يدك. فأي شيء الأهل والقرابة والجيروان؟ وبعث إليه بعشرة آلاف درهم أخرى. فقال:
إنك فرع من قريش وإنما
…
يمج الندى منها البحور القوارع
ثو وإقادةً للناس بطحاء مكة
…
لهم وسقايات الحجيح الدوافع
فلما دعوا للموت لم تبك منهم
…
على حادث الدهر العيون الدوامع
مغيرة بن مقسم: الضبي الكوفي. أبو هاشم الكوفي الأعمى. أحد الأعلام. من موالي بني ضبة. تفقه بإبراهيم النخعي وبالشعبي. وروى عنهما، وعن أبي وائل شقيق، ومجاهد. وقال: ما وقع في مسامعي شيء فنسيته. وكان عثمانياً، إلا أنه كان يحمل على علي بعص حمل. وقال: إذا تكلم اللسان بما لا يعنيه، قال القفا: واحرباه. وقال: من طلب الحديث، قلت صلاته. قال أحمد بن حنبل: مغيرة بن مقسم صاحب سنة، ذكي حافظ، في روايته عن إبراهيم ضعف. توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وقيل سنة اربع وثلاثين ومائة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
مفرج بن موفق: بن عبد الله. الشيخ الصالح العابد ذو الكرامات أبو الغيث الدماميني. ذكره الشيخ الصفي بن أبي المنصور وذكر عنه كرامات. وذكر أنه كان أولاً مجذوباً ثم صحب الشيخ أبا الحسن بن الصباغ. وذكر الشيخ عبد الكريم أنه صحب أبا الحجاج الأقصري. وذكره الحافظ رشيد الدين العطار، وقال: من مشاهير الصالحين ومن ترجى بركة دعائه. وذكرت عنه بركات وتعبد. نفعنا الله به! وكان قد عمر وبلغ نحواً من تسعين سنة. وكف بصره آخر عمره، وقال: سمعته يقول: التقوى مجانبة ما حرم الله تعالى. وسمعته يقول: من تكلم في شيء لا يصل إلى علمه، كان كلامه فتنةً لسامعه. وتوفي رحمه الله تعالى ليلة الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وستمائة. ولما قبض الصالح نجم الدين أيوب على أخيه العادل قبض على بني الفقيه نصر بسبب العادل. لأنه ابن الكامل من شمسة. وكانت أولا جارية لابن الفقيه نصر. وكانوا جماعة بقوص، ولهم إحسان لى الفقراء والفقهاء وغيرهم. فتوجه الشيخ مجد الدين علي
بن وهب القشيري والد الشيخ تقي الدين ين دقيق العيد والشيخ مفرج بسببهم إلى القاهرة. فلما وصلا إليها أرسل السلطان إليه يقول له: لولا العوام جئت إليك. وطلب منه الحضور، فطلع ودخل عليه. وكان عادته أول ما يرى شخصاً يقول له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقاطعوا ولا تباغضوا. ويسوق الحديث. فلما رأى السلطان قال له: أنت السلطان؟ قال: نعم. فروى الحديث، فوجم السلطان خشية أن يشفع في العادل. فلما ذكر أولاد الفقيه نصر، سري عنه ورسم بإطلاق بني نصر ورفع الحوطة عنهم. وأخرج الحريم إلى الشيخ حتى لمس رؤسهن ودعا لهن. وكان يقال له في الطريق: يا سيدي! إذا دخلت على السلطان ايش تقول له؟ فقال: يا أولادي! كل كلام معبي مفسود.
مقلد بن أحمد: بن محمد أبو الحمائل، المعروف والده بحشيش التكريتي. قال محب الدين ابن النجار: ذكر لي القاضي عبد الرحمن بن يحيى التكريتي أنه كان يقول الجيد من الشعر، في غير معرفة بالأدب. وأنه رثى الأمير أبا الحسن علي بن الإمام الناصر بقصيدة وأنشدها ببغداد، وسمعها منه جماعة. وأضر آخر عمره. وولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. ووفاته رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثين وستمائة. ومن شعره: مكي بن ريان: بن شبة الماكسيني النحوي أبو الحرم. قدم بغداد وجالس شيوخها. ومات رحمه الله تعالى بالموصل سنة ثلاث وستمائة. وقرا ببغداد علي أبي محمد بن الخشاب، وعلى أبي الحسن بن العطار، وعلى أبي البركات ابن الأنباري، وبالموصل على أبي بكر بن سعدون القرطبي وغيره. وقرأ عليه أهل الموصل.
وتخرج به أعيان زمانه من أهلها. ومضى إلى الشام وعاد إلى الموصل. قال ياقوت رحمه الله: رأيته وكان شيخاً طوالاً على وجهه أثر الجدري إلا أنني ما قرات عليه شيئاً. وكان حراً كريماً صالحاً صبوراً على المشتغلين. يجلس لهم من سحر إلى أن يصلي العشاء الآخرة. وكان من أحفظ الناس للقرآن، ناقلاً للسبع. وكان قد أخذ من كل علم طرفاً وسمع الحديث فأكثر. ومن شعره:
إذا احتاج النوال إلى شفيع
…
فلا تقبله تضح قرير عين
إذا عيف النوال لفرد من
…
فأولى أن يعاف لمنتين
وكان يتعصب لأبي العلاء المعري ويطرب إذا قرئ عليه شعره، للجامع بينهما من الأدب والعمى. لأنه اضر بأخرة. وكان أولاً في ماكسين يعرف بمكيك، تصغير مكي. فلما ارتحل عن ماكسين وتميز واشتغل، اشتاق إلى وطنه. فعاد إليها وتسامع به الناس، ممن كان قد بقي يعرفه. فزاروه وفرحوا بفضله. فبات تلك الليلة فلما كان من الغد خرج لى الحمام سحر، فمسع امرأة تقول من غرفتها لأخرة: ما تدرين من جاء؟ قالت: لا. قالت: مكيك بن فلانة. فقال: والله لا أقمت في بلد أدعى فيه بمكيك! وسافر من وقته إلى الموصل بعد ما كان قد نوى الإقامة في وطنه. وماكسين بليدة على نهر الخابور من أعمال الجزيرة.
مكي بن علي: بن الحسن الحريري أبو الحرم الضرير. الفقيه الشافعي المعروف بالعراقي. قرا الفقه ببغداد على أبي منصور سعيد بن محمد بن الرزاز. وسكن دمشق إلى حين وفاته. وتفقه بها على أبي السحن علي بن المسلم السلمي. وسمع منه ومن الفقيه نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي. وحدث باليسير. وتوفي رحمه اله تعالى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.
منصور بن إسماعيل: بن عمر أبي الحسن. الفقيه الشافعي التميمي. أصله من رأس العين. وهو من أصحاب الشافعي. كان ضريراً. وله مصنفات في المذهب، مليحة. منها: الواجب، والمستعمل، والمسافر، والهداية. وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الفقهاء. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثمائة بمصر. أصابته مسغبة شديدة
في سني القحط فرقي سطح داره ونادى بأعلى صوته في الليل:
الغياث الغياث يا أحرار
…
نحن خلجانكم وأنتم بحار
إنما تحسن المواساة في الشد
…
ة لا حين ترخص الأسعار
فسمع جيرانه. فأصبح على بابه مائة حمل من بر. وكان جندياً قبل عماه، ويظهر في شعره التشيع. ومن شعره:
عاب التفقه قوم لا عقول لهم
…
وما عليه إذا عابوه من ضرر
ما ضر شمس الضحى والشمس طالعة
…
أن لا يرى ضوءها من كان ذا بصر
ومنه:
الكلب احسن عشرة
…
وهو النهاية في الخساسة
ممن ينازع في الرئاسة
…
قبل أوقات الرئاسة
ومنه:
لي حيلة فيمن ينم
…
وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقو
…
ل فحيلتي فيه قليله
ومنه:
كن بما أوتيته مغتبطاً
…
تستدم عمر القنوع المكتفى
إن في نيل المنى وشك الردى
…
وقياس القصد عند السرف
كسراج دهنه قوته
…
فإذا غرقته فيه طفى
مهنا بن علوي: بن مهنا. أبو بكر. الضرير المقرئ الدممي الوالدمم قرية على الفرات. قدم بغداد في صباه، وحفظ القرآن وجوده، وسمع الكثير من أبي الحسين عبد الخالق بن أحمد بن يوسف، ومن جماعة. وكان صالحاً. قال: محب الدين ابن النجار: وسمع معنا كثيراً بالحلقة بجامع القصر، وكتبنا عنه شيئاً يسيراً. وكان حسن الشكل.
موسى بن سلطان: بن علي أبو الفضل. البابوني. الضرير المقرئ البغدادي. قدم بغداد صبياً وسكنها إلى حين وفاته. وقرأ بالروايات، على أبي الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد الشهرزوري، وعلى غيره. وسمع من أبي الوقت، وحدث باليسير. وكان شيخاً صالحاً صدوقاً. قال: محب الدين ابن النجار كتبنا عنه، وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وتسعين وخمسمائة.
المؤمل بن أميل: المحاربي الكوفي. كان شاعراً مجيداً. مدح المهدي مرةً فأجازه ألف دينار، وتوفي رحمه الله في حدود التسعين والمائة. وهو القائل في امرأة كان يهواها من أهل الحيرة
شف المؤمل يوم الحيرة النظر
…
ليت المؤمل لم يخلق له بصر
فيقال إنه بات تلك الليلة، فرأى رجلاً في المنام أدخل إصعيه في عينيه، وقال: هذا ما تمنيت. فأصبح أعمى. ومن هذه القصيدة:
يكفي المحبين في الدنيا عذابهم
…
والله لا عذبتهم بعدها سقر
وامتدح المهدي وهو ولي عهد، فأمر له بعشرين ألف درهم. فبلغ المنصور ذلك، فكتب إليه يلومه. وقال: إنما كان ينبغي أن تعطيه أربعة آلاف درهم، بعد أن يقيم ببابك سنة. وأجلس قائداً من وقواده على جسر النهروان وأن يتصفح وجوه الناس، حتى مر به المؤمل فأخذه ودخل به على المنصور فسلم. فقال: من أنت؟ قال: المؤمل بن أميل. قال: أتيت إلى غلام غر خدعته. قال: نعم أصلح الله أمير المؤمنين أتيت غلاماً كريماً فخدعته فانخدع. فكأن ذلك أعجب المنصور. فقال: أنشدني ما قلت فيه. فأنشده القصدية التي منها:
هو المهدي إلا افيه
…
مشابهةً من القمر المنير
تشابه ذا وذا فهما إذا ما
…
أنارا مشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج ليل
…
وهذا في النهار ضياء نور
ولكن فضل الرحمن هذا
…
على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز فذا أمير
…
وماذا بالأمير ولا الوزير
وبعض الشهر ينقص ذا وهذا
…
منير عند نقصان الشهور
فقال: والله أحسنت، ولكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم. فأين المال؟ فقال: هوذا. فقال: يا ربيع! امض معه فأعطه أربعة آلاف درهم. وخذ الباقي. ففعل. فلما تولى المهدي رفع المؤمل رقعةً ذكر فيها واقعته، فضحك. وقال: ردوا إليه عشرين ألف درهم. فردت.