الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الناشر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
والصلاة والسلام على الطيّب المطيّب الذي أرسله الله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا، وجعل سيرته العطرة خالدة أبد الدهر إلى يوم الدين.
ويعد..
فإن تاريخ الأمم هو تراثها الماضى الذى تستمد منه الإلهام والثقة في حاضرها، وتستشرف به مستقبلها؛ مقتفية الأثر، متجنبة الزلل، اخذة بالمثل العليا.
وما تاريخ الأمم إلا تاريخ رجالها الخالدين الذين غيّروا بأعمالهم وجه التاريخ وتركوا بصمات واضحة على جبين الإنسانية.
والرسل هم أعظم العظماء؛ بهم استنارت القلوب والعقول؛ بلّغوا رسالات السماء، وأخرجوا الإنسانية من ظلمات الجهل والجاهلية، وأرسوا أسس حضارات متميزة. مجدوا الفضيلة، وكانوا حربا على الرذيلة، ونادوا بارتقاء الإنسان عن الحيوانية، ورسموا له أسس حياة إنسانية راقية.
وسير الأنبياء والرسل، وقصصهم- من ادم عليه الصلاة والسلام إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فنّ إلهي تربوي، ورد في التوراة والإنجيل [قبل تبديلهما]، وفي القران الكريم: بما أورده من سيرهم عظة وعبرة نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ [يوسف: 3] ، ولا تكاد تخلو سورة من سور القران من سيرة رسول أو نبي، بل سميت سور بأسماء رسل وهى على ترتيبها في المصحف: يونس (10) ، وهود (11) ، ويوسف (12) ، وإبراهيم (15) ، وطه (20) ، ويس (36) ، ومحمد (47) ، ونوح (71) ، عليهم أفضل الصلاة والسلام.
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء ومتمّم رسالاتهم، وإنّا- وإن كان عليه الصلاة والسلام قد نهانا عن المفاضلة بين الأنبياء حتّى لا ننتقص من قدر أحدهم- نراه بلا مراء أعظمهم أثرا في تاريخ الإنسانية بما أرساه من مفاهيم وقيم روحية وعملية وأخلاق ومبادئ كانت أساسا لحقبة جديدة في طور الرقى الإنساني.
لذا كانت السيرة النبوية الشريفة أشرف وأطرف العلوم الإنسانية، وكان لها مكان الصدارة من علوم الدين؛ ذلك أن الإسلام رسالة ورسول يبلغها، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسول ورسالة بعث بها إذ وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: 3، 4] فارتبط تدوين السيرة المحمدية بسائر العلوم الدينية؛ من تفسير لاى الذكر الحكيم وعلم حديث وفقه وأصول دين وغيرها، أخذا وعطاء.
وللسيرة النبوية مصدران أساسيان: القران الكريم بما أورد من إشارات لبعض الأحداث النبوية، والحديث الشريف الذى ليس إلا مواقف نبوية إن قولا أو فعلا أو تقريرا، ثم تأتى مصادر أخرى- فرعية- هى اثار الصحابة ورواياتهم، ثم روايات غيرهم بعد تمحيصها وتدقيقها.
والمؤرخ للسيرة النبوية حين يشرع فيها يجمع شوارد هذه السيرة في ترتيب تاريخى معيّن في إطار العصر وأحداثه.
وللسيرة النبوية جوانب عديدة؛ فهي إلى جانب كونها تاريخ رجل: طفولته وصباه، وشبابه ورجولته إلى وفاته، فهى تاريخ عصر عاشه صلى الله عليه وسلم، وتاريخ رجال صحبوه واخرين عادوه؛ ففيها منهاج حياة في السلم والحرب، وهى حياته الخاصة في بيته مع نسائه التى علّمت الناس أصول العشرة واداب البيوت، وهى سيرة عشرته مع أصحابه وذويه التى علمت الناس أصول الصحبة والإخاء والمودة، وهى نظام اجتماعى متين: الأسرة نواته والتكافل رباطه، وهى نظام اقتصادى لا ضرر فيه ولا ضرار الخ
…
لذلك فإن من كتب من العلماء والحفّاظ في فن السيرة والتأريخ للنبى صلى الله عليه وسلم لم يستطيعوا الإحاطة بشتّى جوانبها على كثرتهم ولم يوفوه حقه صلى الله عليه وسلم.
فإنّ فضل رسول الله ليس له
…
حدّ فيعرب عنه ناطق بفم
وكتابنا هذا الذى نقدم له «نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز» زهرة من الزهور اليانعة في بستان السيرة المحمدية. يمتاز بالأصالة وغزارة المادة العلمية وعمق الفكرة، صيغت بلسان عربى ويراع يعرف كيف يعبر عن فكره، وينقله فى يسر ووضوح إلى القاريء.
والكتاب في جملته يراعى الترتيب الزمنى المعهود في كتب السيرة السابقة عليه: بدا بمولده حتّى وفاته صلى الله عليه وسلم، ويضيف فصولا عن نظم الدولة الحديثة التى أرساها الإسلام وهو باب مستحدث لم يوفه السابقون عن المؤلف- رحمه الله حقّه.
والمؤلف يستخدم المنهج العلمى في دراسته؛ فإذا ما تعرّض لحادثة عجيبة أو حدث تاريخى مختلف عليه، أو مسألة فقهية عرضت له في سرده، أخذ القاريء في سياحة طريفة، ووافاه من علمه الغزير بما يحيط بالمسألة ويجليها؛ إذ يقلّبها على وجوهها، ويشرك القاريء معه في التوصل إلى اقتناع عقلى يميط اللبس ويجلى الحق.
ومؤلف الكتاب عالم جليل من أبناء مصر؛ «السيد رفاعة الطهطاوى» [شريف حسيني] ينتسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبى طالب من فاطمة الزهراء رضى الله عنهم، وذلك من جهة أبيه، أما أخواله فمن الأنصار. وهو [عالم أزهرى جليل] تعلّم في الأزهر على كبار العلماء، ومنهم الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر. [وهو خطيب وإمام فصيح] ، وهو [إمام النهضة العلمية في مصر] كما وصفه الأمير عمر طوسون رحمه الله، فهو الذى نقل العلوم الحديثة إلى مصر بما ترجم من مؤلفات وما بث فى تلاميذه من روح العلم في شتّى فروع المعرفة، من: هندسة وجغرافيا وأدب وطب وعلوم حربية الخ. وهو إلى جانب ذلك كله [ذو شمائل فاضلة] فهو ذكى الفؤاد، متوقد الذهن، حديدى الإرادة، طيب الخلق.
وسوف تطّلع بنفسك أيها القاريء الكريم على حسن تعبيره ودقة معانيه مما لا يتوفّر إلا [لأديب مطبوع] .
وسوف يعرض لك محققا الكتاب ترجمة له تنبئك بالخبر تفصيلا بعد إيجاز.