المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثامن في ظواهر السنة الثامنة وما فيها من الغزوات - نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز - جـ ١

[رفاعة الطهطاوى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌[عملنا في هذا الكتاب]

- ‌مؤلفاته ومترجماته

- ‌الباب الأوّل فى مولده الشريف إلى بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌آباؤه:

- ‌طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم:

- ‌ومن كلام عمه أبى طالب:

- ‌[مولده] :

- ‌[أسماؤه صلى الله عليه وسلم] :

- ‌[طهارة مولده وشرفه] :

- ‌[زواج أبيه بأمه] :

- ‌[تعبده صلى الله عليه وسلم قبل البعثة] :

- ‌[رضاعه] :

- ‌الفصل الثانى فى ذكر عمل مولده الشريف، وإشهاره كلّ سنة وفيما جرى في مولده وفيما بعده من الوقائع

- ‌[الاحتفال بالمولد] :

- ‌والبدعة من حيث هى منقسمة إلى خمسة أقسام:

- ‌واجب:

- ‌وحرام:

- ‌ومندوب إليه:

- ‌ومكروه:

- ‌ومباح:

- ‌الفصل الثالث فى زواجه بخديجة بنت خويلد رضى الله تعالى عنها وما رزقه الله من الذرية منها

- ‌[أولاده من خديجة] :

- ‌الباب الثانى فى مبعثه صلى الله عليه وسلم، ودعائه الناس إلى الدين الحق. وهجرة المسلمين* إلى الحبشة، وخروجه إلى الطائف

- ‌الفصل الأوّل فى رسالته صلى الله عليه وسلم على رأس الأربعين إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا

- ‌كفالته عليّا:

- ‌[اشتداد الأذى عليه صلى الله عليه وسلم] :

- ‌الفصل الثانى فى الهجرتين إلى الحبشة

- ‌[مسألة الغرانيق وما سمّوه الايات الشيطانية] :

- ‌ وأما الهجرة الثانية:

- ‌الفصل الثالث فى خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف قبل هجرته إلى المدينة المشرّفة

- ‌الفصل الرابع في الإسراء به صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام وعروجه من المسجد الأقصي إلى السموات العلى

- ‌[مسألة رؤية الله] :

- ‌الباب الثالث فى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وما ترتب على ذلك من المظاهر الإسلامية والظواهر التعليمية. وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل فى الأسباب الباعثة علي هذه الهجرة والتمهيد لها

- ‌الهجرة إلى المدينة:

- ‌[التامر على الرسول صلى الله عليه وسلم في دار الندوة] :

- ‌الفصل الثانى فى سيره مهاجرا إلى المدينة مع صاحبه: صدّيقه رضى الله تعالى عنه وهو ابتداء التاريخ الإسلامى

- ‌مبدأ التأريخ الإسلامى:

- ‌[مسألة: الرسول صلى الله عليه وسلم والشّعر]

- ‌هجرة بقايا المسلمين من مكة:

- ‌[فرق اليهود] :

- ‌الأولى: التوراة، وهى خمسة أسفار

- ‌المرتبة الثانية: أربعة أسفار: تدعى الأولي:

- ‌المرتبة الثالثة: أربعة أسفار تدعى: الأخيرة:

- ‌المرتبة الرابعة: تدعى: الكتب، وهى أحد عشر سفرا:

- ‌الفصل الثالث في ذكر الظواهر الحادثة بعد الهجرة إجمالا

- ‌الباب الرابع فى تفاصيل الظواهر التى حدثت بعد هجرته عليه الصلاة والسلام إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل فى ظواهر السنة الأولى من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌[المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار]

- ‌الفصل الثانى في ظواهر السنة الثانية من الهجرة، وما فيها من الغزوات

- ‌[إسلام عمير بن وهب] :

- ‌الفصل الثالث في ظواهر السنة الثالثة من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل الرابع في ظواهر السنة الرابعة من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌غزوة بنى النضير:

- ‌الفصل الخامس فى ظواهر السنة الخامسة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل السادس في ظواهر السنة السادسة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل السابع في ظواهر السنة السابعة ما فيها من الغزوات

- ‌الفصل الثامن في ظواهر السنة الثامنة وما فيها من الغزوات

- ‌ وأما النساء الست اللاتى أهدر النبى صلى الله عليه وسلم دماءهن يوم الفتح

- ‌الفصل التاسع في ظواهر السنة التاسعة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل العاشر فيما وقع من وفود العرب عليه صلى الله عليه وسلم، وفي حجة الوداع

- ‌الباب الخامس في وفاته صلى الله عليه وسلم وذكر بعض أخلاقه وصفاته، ومعجزاته، وأزواجه. وأعمامه، وعماته، وأخواله، ومواليه وخدمه، وحشمه صلى الله عليه وسلم، وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل في ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بذلك

- ‌الفصل الثانى فى ذكر بعض أخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌وخصائصه صلى الله عليه وسلم على أضرب:

- ‌الأوّل الواجبات:

- ‌الثانى

- ‌الثالث المباحات:

- ‌الرابع ما

- ‌الفصل الثالث في ذكر معجزاته

- ‌[كيفية نزول القران] :

- ‌الفصل الرابع فى ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم وقرابته ومواليه

- ‌جدول يضبط ما تفرّق من الغزوات التي سبق ذكرها تفصيلا

الفصل: ‌الفصل الثامن في ظواهر السنة الثامنة وما فيها من الغزوات

‌الفصل الثامن في ظواهر السنة الثامنة وما فيها من الغزوات

* وفي هذه السنة قدم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة فأسلموا.

* وفيها (فى جمادى الأولى) غزوة مؤتة «1» وهى قرية من قرى البلقاء بالشام قبل الكرك، وهى أولى الغزوات بين المسلمين والروم، وكانت الروم والعرب المتنصرة في نحو مائة ألف.

وسبب هذه الغزوة أنه أرسل صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير إلى ملك بصرى بكتابه، فعرض له بمؤتة عمرو بن شرحبيل الغسانى فقتله، ولم يقتل له صلى الله عليه وسلم رسول غيره، فبعث صلى الله عليه وسلم ثلاثة الاف، وأمر عليهم زيد بن حارثة مولاه، وقال:«إن أصيب فأميركم جعفر بن أبى طالب، فإن أصيب فأميركم عبد الله بن رواحة الأنصارى، فإن أصيب فسيفتح الله على يدى رجل من المسلمين» وأشار بيده إلى خالد بن الوليد «2» . فلما التقوا مع الروم أخذ الراية زيد بن حارثة، حتى استشهد، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتّى قطعت يده اليمنى، فأخذها بشماله فقاتل حتّى قطعت شماله، فحضن الراية وقاتل حتّى قتل رضى الله عنه، وسمّى «ذا الجناحين» لأنه صلى الله عليه وسلم قال:«إن له جناحين يطير بهما حيث شاء من الجنة» .

ويحكى أنه وجد في مقدّمه أربعة وخمسون ما بين طعنة رمح وضربة سيف، وقتل في السنة الثامنة من الهجرة، وهو ابن نحو من أربعين سنة، وكان أسنّ، من أخيه علي بن أبى طالب رضى الله عنه، ودخلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تبكى وتقول: واعمّاه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«على مثل جعفر فلتبك البواكى» «3» ، ثم انصرف إلى أهله، وقال:«اتخذوا لال جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم» وضمّ عبد الله بن جعفر إليه ومسح رأسه وعيناه تدمعان، وقال: «اللهم اخلف جعفرا في

(1) فى حدود الشام.

(2)

ولذلك أمر المسلمون خالدا حين قتل من ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتمارا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3)

ورواه ابن عساكر بلفظ: «على مثل جعفر فلتبك الباكية» .

ص: 349

ذريته بأحسن ما خلفت به أحدا من عبادك الصالحين» وكان لجعفر من الولد:

عبد الله الجواد، وعون، ومحمد، استشهدوا بصفين، وقيل: إنهم قتلوا بالطفّ مع الحسين عليه السلام، وحمل ابن زياد رؤوسهم مع رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية، ولم يكن لعون عقب.

ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة الأنصارى، فاستشهد، وفي أثناء استشهاد هؤلاء الصحابة الكرام كان صلى الله عليه وسلم جالسا على المنبر وقد كشف الله له معتركهم، فكان يخبر باستشهاد كل واحد منهم ويصلى عليه، ويأمر أصحابه بالاستغفار له.

وفي «الصفوة» عن محمد بن جعفر قال: «فلما تجهّز الناس وتهيأوا للخروج إلى مؤتة، قال للمسلمين: «صحبكم الله ودفع عنكم السوء وردّكم مسالمين غانمين» فلما فصلوا من المدينة سمع العدو بمسيرهم، فجمعوا لهم وتهيّئوا لحربهم، وقام فيهم شرحبيل بن عمرو، فجمع نحو مائة ألف، وقدّم الطلائع أمامه، ولما نزلوا «معان» «1» من أرض الشام بلغهم أن هرقل قد نزل «ماب» من أرض «البلقاء» «2» فى مائة ألف من الروم، وانضمت إليه المستعربة من: لخم، وجذام، والقين، وبلى، وبهراء، ووائل، فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على «معان» ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا، إما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا فنمضى له. فشجعهم عبد الله بن رواحة فقال:

والله يا قوم إن الذى تكرهونه للذي خرجتم له تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدة ولا قوة ولا كثرة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به؛ فانطلقوا فإنما هى إحدى الحسنيين؛ إما الظهور وإما الشهادة، قال الناس: قد والله صدق ابن رواحة، فمضوا لوجوههم.

وفي «الاكتفاء» : ثم مضى الناس حتّى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء، يقال لها «مشارف» «3» ، وانحاز المسلمون إلى «مؤتة» التى سميت الغزوة باسمها، فالتقى الناس عندها فتعبّى لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بنى عذرة يقال له: قطبة بن قتادة،

(1) معان: بالفتح: مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحى البلقاء.

(2)

البلقاء: كورة من أعمال دمشق، بين الشام ووادى القرى، قصبتها عمان.

(3)

قرية قرب حوران تنسب إليها السيوف المشرفية.

ص: 350

وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له عبادة بن مالك، ثم التقى الناس فاقتتلوا، فقاتل زيد براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى شاط «1» فى رماح القوم، ثم أخذها جعفر فقاتل حتّى إذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء، ثم عرقبها «2» ، ثم قاتل القوم حتّى قتل رضى الله تعالى عنه، وهو يقول:

يا حبّذا الجنة واقترابها

طيّبة وبارد ضرابها

والروم روم، قد دنا عذابها

علىّ إذ لاقيتها ضرابها

وقد سبق ذكر هذه الغزوة عند الكلام على قيصر هرقل- فى الفصل الرابع عشر من الباب الأوّل من المقالة الرابعة من الجزء الأوّل من هذا التاريخ.

* وفي هذه السنة- على ما في أسد الغابة- أو السابعة، أو التاسعة من الهجرة، اتخذ المنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أثل الغابة، وفي رواية: من طرفاء الغابة، للخطبة، وهى الكلام المنثور المسجع، وهو أوّل منبر عمل في الإسلام.

* وفيها كان مولد إبراهيم ابن النبى صلى الله عليه وسلم، وهو ثالث أولاده.

* وفيها وفاة زينب بنته صلى الله عليه وسلم، وهى أكبر بناته صلى الله عليه وسلم.

* وفي هذه السنة كان نقض الصلح، وغزوة فتح مكة الذى هو أعظم الفتوح الإسلامية؛ لأن الله أعز دينه ورسوله وجنده وحرمه وبلده وبيته، واستبشر به أهل السماء، وضرب أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأشرق به وجه الدهر ضياء وابتهاجا، وأزال الله به الشرور، وزاد به المصطفى السرور، وذلك أن بنى بكر بن عبد مناف اعتدت على خزاعة، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له «الوتير» «3» وكان في صلح الحديبية أنه «4» لا يتعرض لمن دخل في عقد قريش، ولا يتعرضون لمن دخل في عقده، يعنى اصطلحوا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف

(1) شاط بمعنى «قتل» رضى الله عنه.

(2)

أى قطع عرقوبها وهو ما يوازى الركبة. وفعل ذلك حتّى لا تفرّ.

(3)

وقيل: هو ما بين عرفة إلى أدام، كذا في مراصد الإطلاع.

(4)

أى الرسول صلى الله عليه وسلم.

ص: 351

بعضهم عن بعض، وأنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهداهم دخل فيه، وكانت خزاعة ممن دخل في عهد النبى صلى الله عليه وسلم وعقده، وبنو بكر ممن دخل في عهد قريش وعقدهم، وكانت بينهم حروب في الجاهلية، فكلمات بنى بكر أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح، فواعدوهم ووافوهم متنكرين، فبيّتوا خزاعة، أى جاؤا ليلا بغتة فقتلوا منهم عشرين، ثم ندمت قريش على ما فعلوا، وعلموا أن هذا نقض للعهد الذى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج عمرو بن سالم الخزاعى في طائفة من قومه، حتى قدموا عليه صلى الله عليه وسلم المدينة مستغيثين، وكان ذلك مما هاج فتح مكة، فوقف عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، وأنشده أبياتا، وهى:

لاهم إنّى ناشد محمّدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

فوالدا كنّا وكنت الولدا

وواحدا كنت وكنّا العددا

إنّ قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكّدا

وزعموا أن لست تدعو أحدا

وهم أذلّ وأقلّ عددا

هم بيّتونا بالوتير هجّدا

وقتلونا ركّعا وسجّدا

فانصر هداك الله نصرا أبدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

فلما سأله بهذه الأبيات أن ينصره، قال له صلى الله عليه وسلم:«نصرت يا عمرو بن سالم» ودمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، وقال «لا ينصرنى الله إن لم انصر بنى كعب مما أنصر به نفسى» ، وبنو كعب هم خزاعة. ثم قدم بديل بن ورقاء الخزاعى في نفر من خزاعة عليه صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصيب منهم، ومظاهرة قريش بنى بكر عليهم، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس:«كأنكم بأبى سفيان، وقد جاء ليشدّد في العقد ويزيد في المدة، وقد وهبوا الذى صنعوا» فلما لقى أبو سفيان بديلا، قال: من أين أقبلت يا بديل؟ فظن أنه رسول الله، قال:

سرت إلى خزاعة في هذا الساحل، وفي بطن هذا الوادى، قال: أو ما أتيت محمدا؟ قال: لا. فلما راح بديل مكة، قال أبو سفيان: لئن كان بالمدينة لقد علف بها. فعمد إلى منزل ناقته، فأخذ من بعرها ففتّه، فرأى فيه النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا، ثم خرج أبو سفيان حتّى قدم المدينة ليجدّد العهد،

ص: 352

فدخل على ابنته أم حبيبة (أم المؤمنين زوج النبى صلى الله عليه وسلم فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية ما أدرى، أرغبت بى عن هذا الفراش، أم رغبت به عنى؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، وما أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله لقد أصابك بعدي يا بنية شرّ. ثم خرج وأتى النبى صلى الله عليه وسلم فكلمه، فلم يرد عليه شيئا، فذهب إلى أبى بكر، ثم إلى عمر، ثم إلى على رضوان الله عليهم على أن يكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره، وتشفّع بهم، فلم يفعلوا، ثم قال لفاطمة أن تأمر ابنها الحسين (وهو غلام يدب بين يدى أبويه) حتى يجير له، فأبت، فقال لعلى كرم الله وجهه: يا أبا الحسن، إنى أرى الأمور قد اشتدت عليّ فانصحنى، فقال: والله لا أعلم شيئا يغنى عنك، ولكنك سيد بنى كنانة، فقم فأجر بين الناس (أى اطلب الأمان) ثم الحق بأرضك، قال له: أو ترى ذلك يغنى عنى شيئا؟ قال: لا والله، ما أظنه، ولكن لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: يا أيها الناس إنى قد أجرت بين الناس. ثم ركب بعيره وانطلق، فلما قدم على قريش قالوا: ما وراءك؟ فقص ما جرى له مع أبى بكر وعمر وعلى، وأنه قد أجار بين الناس، فقالوا: هل أجاز محمد ذلك؟ قال: لا، قالوا:

والله إن الرجل (يعنون عليا) أراد اللعب بك، فما يغنى عنّا ما قلت، قال: لا والله ما وجدت غير ذلك.

ثم أمر صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأمر أهله أن يجهّزوه، ولم يعلموا به أحدا، ثم أعلم الناس بأنه يريد مكة، وقال:«اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتّى نبغتهم فى بلادهم» (أى نأخذهم بغتة أى على حين غفلة من قبل أن يعلموا به) ، فكتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا إلى أهل مكة، وبعثه مع سارة مولاة بنى هاشم، يعلمهم بذلك، فأطلع الله رسوله على ذلك، وأرسل عليا والزبير، وأخذا منها الكتاب، فقال لحاطب: ما حملك على هذا؟ فقال: والله إنى مؤمن، ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ صحبتك، ولكن لى بين أظهرهم أهل وولد، وليس لى عشيرة، فصانعتهم، فقال عمر: دعنى يا رسول الله أضرب عنقه فإنه منافق، فقال صلى الله عليه وسلم:«إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطّلع على أهل بدر، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ففاضت عينا عمر، فأنزل الله عز وجل في حاطب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ

ص: 353

أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة: 1] الاية، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من حوله من الأعراب فجلبهم، وهم: أسلم، وغفار ومزينة، وجهينة، وأشجع، فمنهم من وافاه بالمدينة، ومنهم من لحقه بالطريق، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وقد أهدر صلى الله عليه وسلم دم سارة حاملة كتاب حاطب بعد الفتح.

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لعشرة مضت من رمضان ومعه المهاجرون والأنصار، عامدا إلى مكة، فكان جيشه عشرة الاف، فصام وصام الناس معه، حتى إذا كان «بالكديد» «1» وهو الماء الذى بين قديد «2» وعسفان «3» أفطر، فلم يزل مضطرا حتّى انسلخ الشهر، وبلغ ذلك قريشا، فخرج أبو سفيان ابن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار، وكان العباس رضى الله عنه أسلم قديما، وكان يكتم إسلامه، فخرج بعياله مهاجرا، فلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجة «4» وقيل بذى الحليفة، ثم حضر أبو سفيان بن حرب على يد العباس إلى النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن استأمن له، فأسلم معه حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء.

وفي رواية عروة: لما دخل أبو سفيان مع العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة أسلم، قال أبو سفيان يا محمد إنى قد استنصرت إلهى واستنصرت أنت إلهك، فو الله ما لقيتك من مرة إلا ظهرت عليّ فلو كان إلهى محقّا وإلهك مبطلا لظهرت عليك» . فشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

وممن أسلم يومئذ معاوية بن أبى سفيان وأخوه يزيد، وأمه هند بنت عتبة، وكان معاوية يقول: إنه أسلم يوم الحديبية، فكتم إسلامه عن أبيه وأمه، وقال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئا يكون في قومه،

(1) الكديد: موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلا من مكة. بين عسفان وأمج. وفي هامش المراصد: «فى ياقوت: ويوم الكديد من أيام العرب» .

(2)

قديد: بضم القاف: قرب مكة.

(3)

عسفان: منهلة من مناهل الطريق، بين الجحفة ومكة.

(4)

كانت قرية كبيرة ذات منبر (أى مسجد جامع به منبر) على طريق مكة، على أربع مراحل، وهى ميقات أهل مصر والشام وسميت الجحفة لأن السيل جحفها، (أى أضر السيل بأهلها) وكان اسمها (مهيعة) بينها وبين البحر ستة أميال، وبينها وبين «غدير خمّ» ميلان.

ص: 354

فقال صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبى سفيان فهو امن، ومن دخل المسجد فهو امن، ومن أغلق عليه بابه فهو امن» فلما ذهب أبو سفيان لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

احبسه يا عباس بمضيق الوادى، حتى تمر به جنود الله تعالى فيراها، قال:

فخرجت به حتّى حبسته حيث أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرّت به القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة كبّرت ثلاثا عند محاذاته، قال: من هؤلاء يا عباس؟

فأقول: سليم، فيقول: ما لى ولسليم، ثم تمر مرت القبيلة فيقول: من هؤلاء فأقول:

مزينة، فيقول: ما لى ولمزينة، ثم مرت بنو غفار- بكسر الغين المعجمة- ثم أسلم، ثم بنو كعب، ثم جهينة، ثم كنانة، ثم أشجع، لا تمر قبيلة إلا سألنى عنها فإذا أخبرته، فيقول: ما لى ولبنى فلان؟ حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء. - وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها، والعرب تطلق الخضرة على السواد، كما تطلق السواد على الخضرة «1» - المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، لأن فيها ألفى دارع «2» ، فلما رأى ذلك أبو سفيان قال: سبحان الله، من هؤلاء يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما، قلت: ويحك يا أبا سفيان إنها النبوّة. قال:

فنعم إذا، فقلت: الحق الان بقومك فحذّرهم. فخرج سريعا حتّى إذا جاءهم، فصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به.

قالوا: فمه؟ قال: فمن دخل دار أبى سفيان فهو امن، قالوا: ويحك وما تغنى دارك عنّا شيئا، قال: فمن أغلق عليه بابه فهو امن، ومن دخل المسجد فهو امن، ومن ألقى السلاح فهو امن. فتفرّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، واستثنى صلى الله عليه وسلم جماعة أمر بقتلهم، وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة، وبهذا استدلّ على أن مكة فتحت صلحا لا عنوة، وبه قال الإمام الشافعى.

وفي بعض السير: لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطرق بالأيواء أبا سفيان بن عمه الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبى أمية بن المغيرة- ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب- فأعرض عنهما صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه أبو سفيان وعبد الله بن أمية من

(1) فى مختار الصحاح: وربما سموا الأسود أخضر. وقوله تعالى: مُدْهامَّتانِ قالوا: خضراوان؛ لأنهما يضربان إلى السواد من شدة الرى.

(2)

أى حامل درع.

ص: 355

قبل وجهه، فقال صلى الله عليه وسلم:«لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين» وقبل منهما إسلامهما، فأنشده أبو سفيان معتذرا إليه بأبيات، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال:«أنت طردتنى كلّ مطّرد» . وكان أبو سفيان بعد ذلك ممن حسن إسلامه؛ فقيل: إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم حياء منه، وكان صلى الله عليه وسلم يحبه ويشهد له بالجنة، ويقول: أرجو أن يكون خلفا من حمزة «1» ، وقال صلى الله عليه وسلم لأبى سفيان بن الحارث حين جاء مسلما بعد أن كان عدوا له كثير الهجاء:

«كلّ الصيد في جوف الفرا «2» » (وهو بفتح الفاء حمار الوحش، والمعنى أن حمار الوحش من أعظم ما يصاد، وكل صيد دونه، كما أنك من أعظم أهلى وأمسّهم رحما بى، ومن أكرم من يأتينى وكلّ دونك) وكان أبو سفيان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جملة من يشبهونه، وهم ستة، والباقى: جعفر بن أبى طالب، والحسن بن على، وقثم بن العباس، والسائب بن عبيد بن عبد الله بن نوفل بن هشام بن عبد المطلب بن عبد مناف، وعبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.

ثم أمر صلى الله عليه وسلم أن تركز راية سعد بن عباد بالحجون «3» لما بلغه أنه قال: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الكعبة» فقال: «كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظّم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة» ، فمن هنا يعلم أنه صلى الله عليه وسلم كما سعى في العمار الحسى سابقا، سعى في العمار المعنوى لاحقا. ونعم ما قال سادة الأوّل: أوّل الفكر اخر العمل، فالساعى في التعمير يستحيل أن يكون سببا في التدمير، لا سيما البشير النذير، أو ليس أنه صلى الله عليه وسلم كان في بناء قريش للكعبة يشتغل في بنائها بنفسه معهم،

(1) وكان عليه الصلاة والسلام يقول فيه: «أبو سفيان بن الحارث خير أهلى» رواه الطبراني والحاكم عن أبى حبة البدرى. وروى الحاكم وابن سعد عن عروة مرسلا قوله صلى الله عليه وسلم: «أبو سفيان ابن الحارث سيد فتيان أهل الجنة» .

(2)

رواه الرامهرمزى في الأمثال عن نصر بن عاصم الليثى قال: «أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش وأخّر أبا سفيان، ثم أذن له، فقال- أى أبو سفيان-: ما كدت تأذن لى حتّى كانت تأذن لحجارة الجلهمتين (بضم الجيم وسكون اللام وبضم الهاء: اسم مكان) قبلى؟ قال: وما أنت وذاك يا أبا سفيان، إنما أنت كما قال الأوّل: «كلّ الصيد في جوف الفرا» . ورواه العسكرى أيضا قريبا من هذا اللفظ، والله تعالى أعلم.

(3)

مكان بأعلى مكة عند مقبرتها. وقال الأصمعى: الحجون هو الجبل المشرف الذى بحذاء مسجد البيعة على شعب الجزارين- قاله ياقوت الحموى-.

ص: 356

وأنه لما اختير حكما حين اختصمت القبائل في رفع الحجر إلى موضعه، كان هو الاخذ بالثوب وواضعه بالركن، والامر للإصلاح بأخذ كل قبيلة طرفا من الثوب ورفعه إلى ما يحاذى موضعه، والمتناول للحجر من الثوب، والواضع له بيده الشريفة في محله، فحقّ على من يرفع بنيانها أن يرفع شأنها.

ثم أمر صلى الله عليه وسلم أن يدخل الزبير ببعض الناس من كداء»

، وسعد بن عبادة سيد الخزرج ببعض الناس من ثنية كدّى «2» وأمر عليّا أن يأخذ الراية منه فيدخل بها لما بلغه من قول سعد: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء في بعض الناس، وكل هؤلاء الجنود لم يقاتلوا؛ لأن النبى نهى عن القتل، إلا أن خالد بن الوليد لقيه جماعة من قريش فرموه بالنبل ومنعوه من الدخول فقاتلهم خالد وقتل من المشركين ثمانية وعشرين رجلا، فلما علم النبى صلى الله عليه وسلم بذلك قال: ألم أنهكم عن القتال؟ فقالوا له:

إن خالدا قوتل فقاتل. وقتل من المسلمين رجلان، ودخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة من كداء وهو على ناقته يقرأ سورة الفتح ويرجّع «3» .

وكان دخوله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الاثنين، ووضع الحجر يوم الاثنين، وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، ونزلت عليه سورة المائدة يوم الاثنين.

وعن عائشة رضى الله عنها: كان لواؤه يوم فتح مكة أبيض، ورايته سوداء تسمّى العقاب، وهى التى كانت بخيبر.

وعنها رضى الله تعالى عنها أنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من كداء [بفتح الكاف والمدّ والتنوين: جبل بأعلى مكة] وهذا هو المعروف، خلافا لمن قال: إنه دخل من أسفل مكّة، وهى ثنية كدّى [بضم الكاف والقصر والتنوين] وعند الخروج خرج صلى الله عليه وسلم من هذه، وبهذا استدل على أنه يستحب

(1) اسم مكان بأسفل مكة خرج منه النبى من مكة، وهى بضم الكاف.

(2)

اسم مكان ثنية بأعلى مكة، عند المحصب، وهو بفتح الكاف.

(3)

الترجيع: الترديد في القراء وإعادة الايات. أغلب العلماء على أن رجيعه إنما كان من أثر اهتزاز الناقة، ولكن الصحابة رضى الله عنهم كانوا يأخذون عنه كل شىء دون النظر إلى الأسباب. والله أعلم.

ص: 357

دخول مكة من الأولى والخروج منها من الثانية، واغتسل صلى الله عليه وسلم لدخول مكة، وبه استدل على استحباب الغسل لداخل مكة ولو حلالا، وكان شعار المهاجرين «يا بنى عبد الرحمن» وشعار الخزرج «يا بنى عبد الله» وشعار الأوس «يا بنى عبيد الله» أى شعارهم الذى يعرف به بعضهم بعضا في ظلمة الليل، عند اختلاط الحرب، لو وجد.

وبعث النبى صلى الله عليه وسلم السرايا إلى الإصنام التى حول مكة فكسرها، ونادى مناديه بمكة:«من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره» ، وكذلك إلى الناس يدعوهم إلى الإسلام، ولم يأمرهم بقتال، وكانت بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية عوفا أبا عبد الرحمن، وعم خالد- كانا أقبلا من اليمن- وأخذوا ما معهما، وكان من السرايا التى بعثها صلى الله عليه وسلم تدعو إلى الإسلام سرية مع خالد بن الوليد، فنزل على ماء لبنى جذيمة فأقبلوا بالسلاح، فقال لهم خالد:

ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا، فوضعوه، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فأمر بهم خالد فكتفوا، ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل «1» منهم، فلما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم ذلك رفع يديه إلى السماء حتّى بان بياض إبطيه، وقال:«اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد» [مرتين] ثم أمر عليا رضى الله عنه أن يؤدى لهم الدماء والأموال، ففعل «2» ذلك، ثم سألهم: هل بقى لكم دم أو مال؟ قالوا: لا، وكان قد فضل مع عليّ قليل مال، فدفعه إليهم زيادة تطيبا لقلوبهم، فأعجب النبى صلى الله عليه وسلم ذلك.

وأنكر عبد الرحمن بن عوف على خالد فعله «3» ، فقال خالد: ثأرت أباك،

(1) ظن سيدنا خالد رضى الله عنه أنهم خرجوا إلى دين الصابئة: جنس من أهل الكتاب، ومن القول الفاحش اتهام سيدنا خالد بأنه خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لضغينة في نفسه من هؤلاء الناس، ولا يعتقد هذا إلا جاهل أو مدخول في عقيدته. والله تعالى أعلم.

(2)

وهذا دليل اخر على براءة سيدنا خالد، فإن الدية لا تؤدى إلا في الخطأ، أما العمد ففيه القصاص؛ لأنهم مسلمون.

(3)

وإنما لامه سيدنا عبد الرحمن بن عوف لأنه كان يعرف أن القوم قد أسلموا وخالد يجهل ذلك منهم، ولو علم ما فعل هذا أبدا، وقول خالد: ثأرت أباك، إنما يريد أن يبرد قلب عبد الرحمن حتى يخفف عبد الرحمن عنه اللوم. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا خالد دع عنك أصحابى» إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم أن يبين مكانة السابقين في الإسلام، فإن السابقين لهم فضلهم ومكانتهم فلا يجترئ- عليهم أحد مهما كان. وهذا الذى نقوله وندين به لله رب العالمين، والله تعالى أعلم.

ص: 358

فقال عبد الرحمن: بل ثأرت عمك الفاكه، وفعلت فعل الجاهلية في الإسلام.

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خصامهما، فقال:«يا خالد دع عنك أصحابى، فو الله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله تعالى ما أدركت غدوة أحدهم ولا روحته» .

وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان، ودخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة وملكها عنوة بالسيف، وإلى ذلك ذهب مالك وأصحابه، وهو الصحيح من مذهب أحمد رضى الله عنه، وقال أبو حنيفة والشافعى رضى الله تعالى عنهما إنها فتحت صلحا «1» .

ولما دخل صلى الله عليه وسلم مكة وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما مشدودة بالرصاص، لكل حى من أحياء العرب صنم، وكان هبل أعظمها، وهو على باب الكعبة، فلما طاف جعل يشير بقضيب في يده إليها ويقول: - جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا- فما أشار لصنم إلا وقع لوجهه، وفي ذلك قال تميم الخزاعى:

ففى الأصنام معتبر وعلم

لمن يرجو الثواب أو العقابا

ثم أمر صلى الله عليه وسلم بهبل فكسر، وهو واقف عليه.

وروى أن الزبير بن العوام قال لأبى سفيان: إن هبل الذى كنت تفتخر به يوم أحد قد كسر، قال: دعنى ولا توبّخنى، لو كان مع إله محمد إله اخر لكان الأمر غير ذلك.

ويقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح كان بها من الأصنام ثلاثمائة وستون صنما حول الكعبة، منها إساف ونائلة، فكسّرا مع الأصنام.

وفي ذلك يقول فضالة الليثى:

لو رأيت محمدا وجنوده

بالفتح يوم تكسّر الأصنام

لرأيت نور الله أصبح بيّنا

والشّرك يغشى وجهه الإظلام

وكان عليه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عمامة سوداء، فوقف على باب الكعبة، وقال:

لا إله إلا الله واحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب واحده» ، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم خطبة بيّن فيها جملة من الأحكام، منها: ألايقتل مسلم بكافر، ولا يتوارث أهل ملّتين مختلفتين، ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على

(1) انظر ص 355 في القول بأن مكة فتحت صلحا لا عنوة.

ص: 359

خالتها، والبينّة على المدعى واليمين على من أنكر، ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة ليال إلا مع ذى محرم، ولا صلاة بعد العصر وبعد الصبح، (أى من النوافل) ، ولا يصام يوم الأضحى ولا يوم الفطر.

ثم قال: يا معشر قريش إنّ الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعاظمها بالاباء، الناس من ادم، وادم من تراب ثم تلا هذه الاية: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا الاية، ثم قال: يا معشر قريش، فاجتمع به المشركون في المسجد الحرام ايسين من أرزاقهم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى دخل المسجد الحرام، وأحاط جيشه بالمسجد، ودخل معه خواصه، وفتح له باب الكعبة حتّى دخل وصلّى بها، وأقام الخواص حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيديهم على مقابض سيوفهم، وهم ينتظرون أمره بوضع السيف في أعدائهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام على عتبة الباب، وأقبلت قريش وهم منكسو رؤسهم خوفا وحزنا، فقال: «يا أهل مكة بئس العشير كنتم لنبيكم، كذّبتمونى وصدّقنى الناس، وأخرجتمونى واوانى الناس، وقاتلتمونى ونصرنى الناس، والان قد أظهرنى الله عليكم كما ترون، فما ترونى فاعلا بكم؟ فقام سهيل بن عمرو- وهو كان من رؤساء قريش- وقال: يا محمد أنت أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت؛ إن عذّبتنا فبجرم عظيم، وإن عفوت عنا فبحلم قديم.

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوههم، وقال:«بل أقول مثل ما قال أخي يوسف عليه السلام: «لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم» اذهبوا فأنتم الطلقاء» «1» فأعتقهم صلى الله عليه وسلم جميعا ولم يسب ذراريهم، وكان الله قد أمكنه منهم، فكانوا له فيئا، فبذلك سمى أهل مكة الطلقاء، أى الذين أطلقوا فلم يسترقوا، ولم يؤسروا، والطليق هو الأسير إذا أطلق.

وروى أن عائشة رضى الله عنها نذرت إن فتح الله مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تصلّى في البيت ركعتين، فلما فتحت مكة وحجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سألت النبى صلى الله عليه وسلم أن يفتح لها باب الكعبة ليلا لتوفى

(1) لما كان فتح مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة أرسل إلى صفوان بن أمية، وإلى أبى سفيان بن حرب، وإلى الحارث بن هشام، قال عمر بن الخطاب: فقلت: «قد أمكن الله منهم لأعرفهم بما صنعوا» حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلى ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ، الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ قال عمر: فانفضحت حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية أن يكون بدر منى، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال» . (والحديث أخرجه ابن عساكر) .

ص: 360

نذرها، فجاء عثمان بن طلحة رضى الله عنه بالمفتاح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، إنها لم تفتح ليلا قط، قال: فلا تفتحها. ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها وأدخلها الحجر، وقال:«صلّى هاهنا؛ فإن الحطيم (أى الحجر) من البيت، إلا أن قومك قصرت بهم النفقة (أى الحلال) فأخرجوه من البيت، ولولا حدثان قومك بالجاهلية لنقضت بناء الكعبة، وأظهرت قواعد الخليل، وأدخلت الحطيم في البيت، وألصقت العتبة على الأرض، ولئن عشت إلى قابل لأفعلن ذلك» ولم يعش صلى الله عليه وسلم، ولم تتفرغ الخلفاء لذلك «1» .

ولما اطمأن الناس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطواف؛ فطاف بالبيت سبعا على راحلته، واستلم الركن، ودخل الكعبة ورأى فيه الشخوص على صور الملائكة، وصورة إبراهيم وفي يده الأزلام يستقسم بها، فقال صلى الله عليه وسلم:«قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام! ما شأن إبراهيم والأزلام؟! ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما، وما كان من المشركين» ثم أمر بتلك الصور فطمست، وصلّى في البيت، ثم جلس على الصفا فاجتمع الناس لبيعته على الإسلام، فكان يبايعهم على السمع والطاعة لله ولرسوله، فبايع الرجال، ثم النساء «2» .

روى أن النبى صلى الله عليه وسلم عهد إلى أمرائه حين أمرهم أن يدخلوا مكة ألايقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أحد عشر رجلا وست نسوة، فإنه أمر بقتلهم أينما ثقفوا من الحل والحرم، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة.

أما الرجال الأحد عشر: فأحدهم عبد الله بن خطل (رجل من بنى تميم بن غالب بن فهر، وقد كان قدم بالمدينة قبل فتح مكة وأسلم، وكان اسمه عبد

(1) بل إنهم قد نهوا عن ذلك، لئلا يتخذه الملوك لعبة لهم، كلما جاء ملك جدد، فهدم وبني، وبيت الله ينزه عن ذلك، كما قال عبد الله بن عباس لابن الزبير رضى الله عنهما- حينما كان محصورا بمكة من قبل الحجاج بن يوسف، وأصاب الكعبة المنجنيق- فقال عبد الله بن عباس: دعها على ما أقرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أخشى أن يأتى بعدك من يهدمها، فلا تزال تهدم وتبني، فيتهاون الناس بحرمتها، ولكن ارفعها. (انظر الجامع اللطيف في فضل مكة والبيت الشريف ص 86) .

(2)

كانت مبايعته للنساء كلاما باللسان فقط.

ص: 361

العزّي، فغيّر النبى صلى الله عليه وسلم اسمه وسمّاه عبد الله) .

والثانى عبد الله بن سعد بن أبى سرح، أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، فبالغ عثمان في شفاعته، ثم قال بعد ما أعرض عنه النبى صلى الله عليه وسلم مرارا: يا رسول الله أمّنته صلى الله عليه وسلم فصمت طويلا، ثم أمّنه، فأسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: إنما صمتّ ليقوم أحدكم فيقتله، فقالوا: هلّا أو مأت إلينا؟ فقال: إن الأنبياء لا تكون لهم خائنة الأعين صلى الله عليه وسلم وكان أسلم قبل الفتح، وكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يبدّل القران، ثم ارتدّ وهرب إلى مكة، ثم أسلم يوم الفتح وعاش إلى خلافة عثمان، وولّاه مصر «1» صلى الله عليه وسلم والثالث: عكرمة بن أبى جهل، استأمنت له زوجته أمّ حكيم، وجاء عكرمة حتى وقف بحذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا محمد إن هذه أخبرتنى أنّك أمّنتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«صدقت فإنك امن» ، فقال عكرمة: أشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له وأنك عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

والرابع الحويرث بن نفيل، كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهجوه، فقتله عليّ رضى الله عنه صلى الله عليه وسلم

والخامس: المقيس- بكسر الميم وسكون القاف وفتح المثناة التحتية واخره سين مهملة- هو ابن صبابة الكندى- بالصاد المهملة المضمومة وبالمواحدتين- وجرمه أن أخاه هشام بن صبابة، قدم المدينة وأسلم، وكان مع النبى صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع، فظن أنصارى من بنى عمرو بن عوف أنه مشرك فقتله خطأ؛ فقدم مقيس المدينة يطلب دم أخيه صلى الله عليه وسلم فأمر النبى صلى الله عليه وسلم الأنصارى بالدية، فعقل ديته، فأسلم مقيس، وبعد ما أخذ الدية قتل الأنصارى وارتد ورجع إلى مكة مشركا صلى الله عليه وسلم

والسادس: هبّار بن الأسود، وكان كثيرا ما يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر،

(1) وكان إسلامه في المرة الثانية عن عقيدة صحيحة والحمد لله رب العالمين. ذكر الذهبى في تاريخ الإسلام ص 138 ج 3 (خلافة الصديق- خلافة علي) أنه لما احتضر قال: اللهم اجعل اخر عملى صلاة الصبح، فلما طلع الفجر توضأ وصلّي، فلما ذهب يسلّم عن يساره فاضت نفسه رضى الله عنه.

ص: 362

فعرض هبار مع جماعة لطريق زينب ومنعها، وضرب زينب «1» بالرمح فسقطت عن ناقتها، وكانت حاملا، فألقت حملها ومرضت وماتت بهذا المرض، فغضب عليه النبى صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وأهدر دمه؛ ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جاء هبار رافعا صوته؛ وقال:«يا محمد أنا جئت مقرّا بالإسلام، وقد كنت قبل هذا مخذولا ضالا؛ والان قد هدانى الله للإسلام، وأنا أشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله» واعتذر إليه معترفا بذنبه، مظهرا لخجالته، فقبل النبى صلى الله عليه وسلم إسلامه، وقال:«يا هبار عفوت عنك، والإسلام يجبّ ما كان قبله» .

والسابع صفوان بن أمية، ولما علم أن النبى صلى الله عليه وسلم أهدر دمه يوم فتح مكة هرب مع عبد له اسمه يسار إلى جدة يريد أن يركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب الجمحي: يا نبيّ الله إن صفوان بن أمية سيد قومي، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر، فأمّنه عليك، فقال: هو امن، قال: يا رسول الله: أعطنى شيئا يعرف به أمانك، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التى دخل بها مكة، فخرج بها عمير حتّى أدركه بجدة، وهو يريد أن يركب البحر، فقال: يا صفوان فداك أبى وأمّي، واذكر الله في نفسك أن تهلكها، فهذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صفوان: هذا يزعم أنك أمّنتني؟ قال:

صدق، قال: فاجعلنى في أمرى بالخيار شهرين، قال: أنت فيه بالخيار أربعة أشهر صلى الله عليه وسلم فلما خرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى حنين وهوازن، واستعار منه النبى صلى الله عليه وسلم مائة درع، فقال صفوان: أغصبا يا محمد؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «بل عارية مضمونة» صلى الله عليه وسلم وحين قفل النبى صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرّانة مرّ مع صفوان على شعب مملوء من الإبل والغنم وسائر أنعام الغنيمة، وكان صفوان يحدّ النظر إلى تلك الأموال، ولم يرفع بصره منها، وكان النبى يلاحظه، فقال: يا أبا وهب، أتعجبك هذه؟

قال: نعم، قال: وهبتها لك كلها، فقال صفوان: ما طابت نفس أحد بمثل هذا، إلا نفس نبى صلى الله عليه وسلم فأسلم هناك.

والثامن: حارث بن طلاطلة- وهو من جملة مؤذى النبى صلى الله عليه وسلم وفي يوم فتح مكة قتله علي بن أبى طالب.

والتاسع: كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى الشاعر، صاحب- بانت سعاد-

(1) زينب ابنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم.

ص: 363

القصيدة المشهورة، وكان يهجو النبىّ صلى الله عليه وسلم، فجاء وهو جالس في المسجد فدخل وأسلم، وأنشأ قصيدته التي أوّلها:

بانت سعاد فقلبى اليوم متبول

...... [فلما بلغ إلي قوله:]

إن الرسول لنور يستضاء به

مهنّد من سيوف الله مسلول

أنبئت أنّ رسول الله أوعدني

والعفو عند رسول الله مأمول

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا ما يقول» ، وقيل: فرح النبي «1» صلى الله عليه وسلم وكساه بردته جائزة له: فلما كان زمن معاوية أرسل إلى كعب: أن بعنا بردة النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما كنت لأوثر ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرين ألف درهم ونقل الملك المؤيد أبو الفدا إسماعيل صاحب حماة في تاريخه أنه اشتراها بأربعين ألف درهم، ثم توارثها الخلفاء الأمويون والعباسيون، حتى أخذها «التتر» انتهى.

والصحيح أن هناك بردتين: بردة كعب بن زهير، وهى التى اشتراها معاوية، وفقدت بزوال بنى أمية، والثانية هى التى أهداها صلى الله عليه وسلم لأهل أيلة في غزوة تبوك، وكتب لهم أمانا، واشتراها أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار، ولعلها هى التى أخذها التتر، وإلا فقد كانت عند الخلفاء يتوارثونها ويطرحونها على أكتافهم في المواكب جلوسا وركوبا، وكانت على المقتدر حين قتل وتلوّثت بالدم.

وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في الزهد عن عروة بن الزبير رضى الله عنه أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كان يخرج فيه للوفد، رداء حضرمي، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، فهو عند الخلفاء قد خلق وطووه بثياب تلبس يوم الأضحى والفطر صلى الله عليه وسلم انتهى.

ولعل هذا هو الموجود في الخزينة الخديوية المصرية «2» .

وكان إسلام كعب في السنة التاسعة.

(1) فرح النبى صلى الله عليه وسلم بإسلامه، لا بشعره، وكساه النبى صلى الله عليه وسلم البردة تأمينا له حتّى يطمئن، وأما شعره فدليل على حسن إسلامه رضى الله عنه.

(2)

الان بمسجد مولانا الحسين رضى الله عنه في حجرة المخلفات الشريفة.

ص: 364