الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ببركة قدوم سيد الكائنات وأشرف الموجودات؛ فوصف كسرى بالعدل، وإطلاق العدل عليه لتعريفه بالاسم الذى كان يدعى به في زمنه، لا لوصفه بالعدل والشهادة له بذلك؛ فإنه كان يحكم بغير حكم الله، أو وصفه بذلك بناء على اعتقاد الفرس فيه أنه كان عادلا كما قال تعالى: فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ [هود: 101] أى ما كان عندهم الهة، ولا يجوز أن يسمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحكم بغير حكم الله عادلا، وهذا على فرض صحة الحديث، والحق أنه كذب لا أصل له كما نقله الحفّاظ من المتقدمين والمتأخرين.
وكان مولده صلى الله عليه وسلم بالشّعب؛ وهو شعب بنى هاشم (مكان معروف عند أهل مكة يخرجون إليه في كل عام يحتفلون بذلك أكثر من احتفالهم يوم العيد إلى يومنا هذا، فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف أخي الحجاج)«1» .
[أسماؤه صلى الله عليه وسلم] :
وهو صلى الله عليه وسلم دعوة إبراهيم عليه السلام حين بنى الكعبة دعا لأهل مكة فقال:
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة: 129]، وبشرى عيسى عليه السلام في قوله تعالى: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] وأخرج من حديث عمرو بن مرة قال: خمسة تسموا قبل أن يكونوا: محمد بقوله:
وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6]، ويحيى بقوله: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى [مريم: 6]، وعيسى بقوله: مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ [ال عمران: 39] وإسحاق ويعقوب بقوله: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [هود: 71] . وإنما سمى في بشارة عيسى باسم أحمد مع أن اسمه الذى سماه به جده عبد المطلب محمد؛ رجاء أن يحمد في السموات والأرض، وقد حقق الله رجاءه كما سبق في علمه؛ لأن أحمد في الحقيقة أبلغ من محمد، كما
(1) ذكر محب الدين الطبرى المكى في كتابه «القرى لقاصد أم القري، فى ص 664 قال: «كان عقيل بن أبى طالب قد استولى على بيت النبى صلى الله عليه وسلم زمن الهجرة، فلم يزل بيده ويد ولده حتي باعوه لمحمد بن يوسف (أخى الحجاج الثقفي) فأدخله في داره التي يقال لها البيضاء، ثم تعرفت بدار ابن يوسف، ولم يزل ذلك كذلك حتّى حجت الخيزران (جارية المهدي) فجعلته مسجدا يصلّى فيه، وأخرجته من الدار إلى الزقاق الذي يقال له «زقاق المولد» . اهـ
…
وهو الان مكتبة عامة.
أن أحمر وأصفر أبلغ من محمّر ومصفر، قال صلى الله عليه وسلم:«لى خمسة أسماء؛ أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس علي قدمي، وأنا العاقب الذى ليس بعدي نبي» «1» وقد سمّاه الله رؤفا رحيما «2» .
وقد ذكر الحافظ ابن سيد الناس اليعمرى فيما وافق من أسماء الله الحسنى لأسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم من قصيدة له فقال:
وحلّاه من حسني أساميه جملة
…
أتي ذكرها في الذكر: ليس يبيد
وفي كتب الله المقدس ذكرها
…
وفي سنّة تأتي بها وتفيد
رؤف رحيم فاتح ومقدّس
…
أمين قوي: عالم وشهيد
وليّ شكور صادق في مقاله
…
عفو كريم بالنّوال يعود
ونور وجبار وهاد من اهتدي
…
ومولي عزيز ليس عنه محيد
بشير نذير، مؤمن ومهيمن
…
خبير عظيم: بالعظيم يجود
وحقّ مبين اخر أوّل سما
…
إلى ذروة العلياء وهو وليد
فاخر أعني اخر الرسل بعثة
…
وأوّل من ينشقّ عنه صعيد
أسام يلذ السمع إذ هي عدّدت
…
نعوت ثناء والثناء عديد
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: طه، يس، والمزّمل، والمدثر «3» وعبد الله، فى قوله تعالى:
وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ [الجن: 19] ، ونبى التوبة ونبى الرحمة «4» ، ومذكّر في
(1) وللحديث ألفاظ وروايات مختلفة ذكرها السيوطى في جامعه ص 331 ج 1 مخطوط، ومن رواتها البغوى في الجعديات، والباوردى والحاكم والطبراني عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، والترمذى في الشمائل، وابن سعد عن مجاهد مرسلا: كلّ بروايته وسنده. وكثرة الروايات دليل صحة الحديث، والحمد لله رب العالمين.
(2)
في اخر سورة التوبة: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.
(3)
فى قوله تعالى: طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى - يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ- يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ.
(4)
من قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبى التوبة، ونبى الرحمة، رواه الإمام أحمد والإمام مسلم عن أبى موسى الأشعري، زاد الطبراني: «ونبى الملحمة» .
قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية: 21] ، إلى غير ذلك من الأسماء.
روى الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ينتظرون خروجه، قال: فخرج حتّى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، فسمع حديثهم، فقال بعضهم: عجبا، إن الله تبارك وتعالى اتخذ من خلقه خليلا: اتخذ إبراهيم خليلا، وقال اخر: ماذا بأعجب من كلام موسي: كلّمه تكليما، وقال اخر: ماذا بأعجب من جعله عيسى كلمة الله وروحه، وقال اخر:
ماذا بأعجب من ادم اصطفاه الله عليهم وخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، فسلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم؛ إن إبراهيم خليل الله، وهو كذلك، وإن موسى نجيّ الله، وإن عيسى روح الله وكلمته، وإن ادم اصطفاه الله، وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد الأوّلين والاخرين ولا فخر، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفّع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لى فيدخلنيها ومعى فقراء المؤمنين ولا فخر، «1» انتهي، فقوله صلى الله عليه وسلم «ألا وأنا حبيب الله» أراد صلى الله عليه وسلم المحبة العامة التى منها توحيد المحبة، وهى الخلّة الخاصة؛ فهو صلى الله عليه وسلم حبيب وخليل، حيث تخللت المحبة الموجدة في جميع أجزاء روحه صلى الله عليه وسلم كما قيل:
قد تخلّلت موضع الرّوح منّي
…
وبذا سمّي الخليل خليلا
لا سيما وأنه قد صحّ أن الله اتخذ نبينا خليلا، فحصل له من الإنعام الحبّ العام على الخاص والعام، كما قيل:
خللت بهذا خلّة بعد خلّة
…
بذلك طاب الواديان كلاهما
فلا نظر لزعم من لا علم عنده أن الحبيب أفضل من الخليل؛ محتجّا بأن محمدا حبيب الله وإبراهيم خليل الله، وقد علمت ما يفيد خلاف ذلك، لما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله اتخذنى خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا» وفي الحديث
(1) وقد ذكره السيوطى في جامعه ص 603 ج 1 من رواية الترمذى عن ابن عباس.
«لو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت أبا بكر خليلا» «1» فلم يتخذ أبا بكر إلا حبيبا، على أن المحبة في ذاتها أفضل من الخلة كما هو التحقيق؛ لما أن الحبيب من يحب بلا امتحان، والخليل من يمتحن ليحب، ولأنه صلى الله عليه وسلم يوصف بالحبيب وإن كان خليلا، وإبراهيم عليه السلام يوصف بالخلة وهو حبيب، لصدق تعريف الحبيب عليه. ولأهل الإشارة* مشرب اخر حسن في مغايرة المحبة والخلة وتفضيل الأولى على الثانية، حيث قالوا: إنما اتصل الخليل بواسطة: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأنعام: 75]، والحبيب بدونها: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى [النجم: 9] وقد علمت أنه لا حاجة إلى ذلك لعموم المحبة ودخوله فيها، وأن هذه الإشارة الصوفية مطمح النظر فيها سيدنا محمد وسيدنا إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
وقد خص الله تعالى كلّ واحد من أنبيائه بكرامة؛ فأكرم ادم عليه السلام بسجود الملائكة له وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة: 34]، ونوحا عليه السلام بإجابة الدعوة: لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً
[نوح: 26]، وموسى عليه السلام بالكلام: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء: 164]، وإبراهيم عليه السلام بالخلة وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النساء: 125] ، ونبيّنا محمدا صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه بالاية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: 56] .
وقوله: «أنا سيد الأولين والاخرين» إخبار عمّا أكرمه الله به من الفضل والسؤدد، وتحدّث بنعمة الله تعالى عليه، وإعلام لأمته، ليكون إيمانهم به على حسب موجبه، ولذا أتبعه بقوله:«ولا فخر» والمعنى: هذه الفضيلة التى نلتها كرامة من الله لم أنلها من قبل نفسى ولا بلغتها بقوّتي، فليس لى أن أفتخر بها،
(1) ولفظ الحديث بتمامه: «إن الله اتخذنى خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، فمنزلي ومنزل إبراهيم فى الجنة يوم القيامة تجاهين، والعباس بيننا؛ مؤمن بين خليلين، رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو. وروى الطبراني: «إن الله اتخذنى خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وإن خليلى أبو بكر» ، قال المناوى في شرح هذا الحديث في «فيض القدير» : وأما خبر: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، فقاله قبل العلم. اهـ. وبهذا يكون هذا الحديث ناسخا لما قبله، والله أعلم.
* المتصوفون.