المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمزيد عليه، ولذلك نهى مالك رحمه الله عن اتصال صيام - نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز - جـ ١

[رفاعة الطهطاوى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌[عملنا في هذا الكتاب]

- ‌مؤلفاته ومترجماته

- ‌الباب الأوّل فى مولده الشريف إلى بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌آباؤه:

- ‌طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم:

- ‌ومن كلام عمه أبى طالب:

- ‌[مولده] :

- ‌[أسماؤه صلى الله عليه وسلم] :

- ‌[طهارة مولده وشرفه] :

- ‌[زواج أبيه بأمه] :

- ‌[تعبده صلى الله عليه وسلم قبل البعثة] :

- ‌[رضاعه] :

- ‌الفصل الثانى فى ذكر عمل مولده الشريف، وإشهاره كلّ سنة وفيما جرى في مولده وفيما بعده من الوقائع

- ‌[الاحتفال بالمولد] :

- ‌والبدعة من حيث هى منقسمة إلى خمسة أقسام:

- ‌واجب:

- ‌وحرام:

- ‌ومندوب إليه:

- ‌ومكروه:

- ‌ومباح:

- ‌الفصل الثالث فى زواجه بخديجة بنت خويلد رضى الله تعالى عنها وما رزقه الله من الذرية منها

- ‌[أولاده من خديجة] :

- ‌الباب الثانى فى مبعثه صلى الله عليه وسلم، ودعائه الناس إلى الدين الحق. وهجرة المسلمين* إلى الحبشة، وخروجه إلى الطائف

- ‌الفصل الأوّل فى رسالته صلى الله عليه وسلم على رأس الأربعين إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا

- ‌كفالته عليّا:

- ‌[اشتداد الأذى عليه صلى الله عليه وسلم] :

- ‌الفصل الثانى فى الهجرتين إلى الحبشة

- ‌[مسألة الغرانيق وما سمّوه الايات الشيطانية] :

- ‌ وأما الهجرة الثانية:

- ‌الفصل الثالث فى خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف قبل هجرته إلى المدينة المشرّفة

- ‌الفصل الرابع في الإسراء به صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام وعروجه من المسجد الأقصي إلى السموات العلى

- ‌[مسألة رؤية الله] :

- ‌الباب الثالث فى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وما ترتب على ذلك من المظاهر الإسلامية والظواهر التعليمية. وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل فى الأسباب الباعثة علي هذه الهجرة والتمهيد لها

- ‌الهجرة إلى المدينة:

- ‌[التامر على الرسول صلى الله عليه وسلم في دار الندوة] :

- ‌الفصل الثانى فى سيره مهاجرا إلى المدينة مع صاحبه: صدّيقه رضى الله تعالى عنه وهو ابتداء التاريخ الإسلامى

- ‌مبدأ التأريخ الإسلامى:

- ‌[مسألة: الرسول صلى الله عليه وسلم والشّعر]

- ‌هجرة بقايا المسلمين من مكة:

- ‌[فرق اليهود] :

- ‌الأولى: التوراة، وهى خمسة أسفار

- ‌المرتبة الثانية: أربعة أسفار: تدعى الأولي:

- ‌المرتبة الثالثة: أربعة أسفار تدعى: الأخيرة:

- ‌المرتبة الرابعة: تدعى: الكتب، وهى أحد عشر سفرا:

- ‌الفصل الثالث في ذكر الظواهر الحادثة بعد الهجرة إجمالا

- ‌الباب الرابع فى تفاصيل الظواهر التى حدثت بعد هجرته عليه الصلاة والسلام إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل فى ظواهر السنة الأولى من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌[المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار]

- ‌الفصل الثانى في ظواهر السنة الثانية من الهجرة، وما فيها من الغزوات

- ‌[إسلام عمير بن وهب] :

- ‌الفصل الثالث في ظواهر السنة الثالثة من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل الرابع في ظواهر السنة الرابعة من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌غزوة بنى النضير:

- ‌الفصل الخامس فى ظواهر السنة الخامسة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل السادس في ظواهر السنة السادسة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل السابع في ظواهر السنة السابعة ما فيها من الغزوات

- ‌الفصل الثامن في ظواهر السنة الثامنة وما فيها من الغزوات

- ‌ وأما النساء الست اللاتى أهدر النبى صلى الله عليه وسلم دماءهن يوم الفتح

- ‌الفصل التاسع في ظواهر السنة التاسعة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل العاشر فيما وقع من وفود العرب عليه صلى الله عليه وسلم، وفي حجة الوداع

- ‌الباب الخامس في وفاته صلى الله عليه وسلم وذكر بعض أخلاقه وصفاته، ومعجزاته، وأزواجه. وأعمامه، وعماته، وأخواله، ومواليه وخدمه، وحشمه صلى الله عليه وسلم، وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل في ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بذلك

- ‌الفصل الثانى فى ذكر بعض أخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌وخصائصه صلى الله عليه وسلم على أضرب:

- ‌الأوّل الواجبات:

- ‌الثانى

- ‌الثالث المباحات:

- ‌الرابع ما

- ‌الفصل الثالث في ذكر معجزاته

- ‌[كيفية نزول القران] :

- ‌الفصل الرابع فى ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم وقرابته ومواليه

- ‌جدول يضبط ما تفرّق من الغزوات التي سبق ذكرها تفصيلا

الفصل: والمزيد عليه، ولذلك نهى مالك رحمه الله عن اتصال صيام

والمزيد عليه، ولذلك نهى مالك رحمه الله عن اتصال صيام ستة أيام من شوال برمضان، لئلا يعتقد أنها من رمضان «1» .

وخرّج أبو داود أنّ رجلا دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى الفرض، وقام ليصلى ركعتين، فقال له عمر بن الخطاب رضى الله عنه:«اجلس حتّى تفصل بين فرضك ونفلك؛ فبذا هلك من كان قبلنا» فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصاب الله بك يا ابن الخطاب» «2» . يريد عمر أنّ من قبلنا وصلوا النوافل بالفرائض فاعتقدوا الجميع واجبا، وذلك تغيير للشرائع، وهو حرام إجماعا. زاد بعضهم: ومن البدع المكروهة زخرفة المساجد وتزويق المصاحف. انتهى «3»

ولكن قياسا على ما ذكره القليوبى من أن الاحتفال بالجنائز كان بدعة، ثم بعد أن دل على التعظيم صار مقبولا، فلا مانع أن يقاس عليه زخرفة المساجد والمصاحف، والمدار على النية وتحكيم الأحوال.

واعلم أنّ حكمنا على الزائد علي التسبيح بالكراهة إنما هو من حيث زيادته، فلا ينافى قول النووى وغيره إنه يثاب عليه، يعنى من حيث أنه ذكر، والله أعلم.

‌ومباح:

وهو ما تناولته الإباحة وقواعدها من الشريعة؛ كاتخاذ المناخل للدقيق، ففى الاثار «أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذ المناخل»

(1) وفي الحديث: «باب المناهى من الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير» «نهى- أى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم قبل رمضان؛ والأضحي؛ والفطر؛ وأيام التشريق، رواه البيهقى عن أبى هريرة، وفي حديث اخر: «نهى عن صوم يوم الفطر والنحر» رواه البخارى ومسلم عن عمر، وأبى سعيد. وروى الأربعة «إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتّى رمضان، ومن مثل هذا نعرف أن أصحاب المذاهب لم يأتوا من عندهم بشيء، وإنما كله مأخوذ من السنة الشريفة، وأنه لا رأى لأحد منهم في دين الله، وإنما علينا نحن أن ننقب ونبحث، ولا نتهم أحدا منهم بريبة، كيف وهم السادة الذين شرفهم الله بحفظ دينه ورسالة نبيه صلى الله عليه وسلم؟!

(2)

رواه أبو داود، والطبراني، والحاكم عن أبى رمئة.

(3)

بل هى من علامات الساعة إذا كانت للمباهاة، كما قال عليه الصلاة والسلام:«لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمى، وأبو يعلى، وابن حبان، والطبراني، والضياء المقدسى والبيهقى.

ص: 67

لأن لين العيش وإصلاحه من المباحات، فوسائله مباحة، زاد بعضهم: ومن البدع المباحة التوسع في لذيذ الماكل والمشارب والملابس وتوسيع الأكمام، وبما تقرر علم أن قوله صلى الله عليه وسلم «إياكم ومحدثات الأمور» عامّ أريد به خاص؛ إذ سنّة الخلفاء الراشدين منها، مع أنّا أمرّنا باتباعها لرجوعها إلى أصل شرعى «1» .

قال بعض المتأخّرين: وكذلك سنتهم عامّ أريد به خاص، إذ لو فرض خليفة راشد في عامّة أمره سنّ سنة لا يعضدها دليل شرعي، امتنع اتباعها، ولا ينافى ذلك رشده؛ لأنه قد يخطيء المصيب ويزيغ المستقيم «2» يوما ما، ففى الحديث:

«لا حليم إلا ذو عثرة ولا حكيم إلا ذو تجربة» «3» .

ولنا قاعدة، وهي: كل حكم أجازه الشارع أو منعه وأمكن ردّه إلى أحدهما فهو واضح، فإن أجازه مرة ومنعه أخرى: فالثانى ناسخ للأوّل، وإن لم يرد عنه إجازته ولا منعه ولا أمكن ردّهما إليه بوجه: ففيه الخلاف قبل ورود الشرع، والأصح ألاحكم فلا تكليف فيه بشيء، وقيل: يرجع فيه إلى المصلحة والسياسة، فما وافقهما منه: أخذ به، وما لا: ترك، كذا قال بعض المتأخرين، ولا شك في حسنه.

وقد تكلم الإمام أبو عبد الله بن الحاج في كتابه «المدخل» على عمل المولد، فأتقن الكلام فيه جدا، وحاصله: مدح ما كان فيه من إظهار شعار وشكر، وذم ما احتوى عليه من محرمات ومنكرات.

وقال الحافظ: «أصل عمل المولد بدعة، لم ينقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدّها، فمن تحرّى فى عمله المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة، ومن لا فلا» .

(1) قال عليه الصلاة والسلام: «الزموا سنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» رواه ابن عبد البر في كتابه: جامع بيان العلم وفضله ص 484، فأنت بهذا مأمور بما فعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا خيار لك في تركه.

(2)

لكنهم لم يستنوا شيئا يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف وقد وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157] ، وعلى هذا فكلام بعض المتأخرين هذا ساقط ونسأل الله السلامة والعافية.

(3)

رواه الإمام أحمد والترمذى وابن حبان والحاكم عن أبى سعيد.

ص: 68

وقال العلّامة صدر الدين موهوب بن عمر الجزرى الشافعي: «هذه بدعة لا بأس بها، ولا تكره البدع إلا إذا راغمت «1» السنة، وأما إذا لم تراغمها فلا تكره، ويثاب الإنسان بحسب قصده في إظهار السرور والفرح بمولد النبى صلى الله عليه وسلم» . وقال فى موضع اخر:«هذه بدعة لا بأس بها، ولكن لا يجوز له أن يسأل الناس، بل إن كان يعلم أو يغلب على ظنه أن نفس المسئول تطيب بما يعطيه فالسؤال لذلك مباح، أرجو ألاينتهى إلى حد الكراهة» .

وقال العلامة نصير الدين المبارك الشهير بابن الطبّاخ: «ليس هذا من السنن، ولكن إذا أنفق المنفق في هذا اليوم أو تلك الليلة، وأظهر السرور فرحا بمولده صلى الله عليه وسلم ودخوله في الوجود، وجمع جمعا أطعمهم ما يجوز، واتخذ السماع الخالى عن اجتماع الأحداث، وإنشاد ما يثير نار الشهوة من العشقيات والمشوقات للشهوات الدنيوية، كالقد والخد والعين والحاجب، وأنشد ما يشوّق إلى الآخرة ويزهّد في الدنيا، ودفع للمسمع ملبوسا، فهذا اجتماع حسن جائز يثاب قاصد ذلك وفاعله عليه إذا أحسن القصد، ولا يختص ذلك بالفقراء دون الأغنياء إلا أن يقصد مواساة الأحوج، فالفقراء أكثر ثوابا، إلا أنّ سؤال الناس ما في أيديهم لذلك فقط بدون ضرورة وحاجة مكروه، واجتماع الصلحاء فقط ليأكلوا ذلك الطعام، ويذكروا الله تعالى، ويصلّوا على رسوله صلى الله عليه وسلم يضاعف القربات والمثوبات، أما إذا كان الاجتماع مما ينهى عنه شرعا فإنه مجمع اثام» .

وقال الحافظ أبو الخير في فتاويه: «عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وسلم بعمل الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهيجة الرفيعة، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. اهـ.

وقال العلامة أبو الخير ابن الجزرى المقريء: «من خواصه أنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام، ولو لم يكن في ذلك إلا إرغام الشيطان وسرور أهل الإيمان لكفي، وإذا كان قوم عيسى اتخذوا ليلة مولده عيدا أكبر؛ فكذلك أهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر. وأكثر الناس عناية بذلك أهل مكة

(1) راغم فلانا: أي هجره وعاداه.

ص: 69

المشرفة، ثم أهل المدينة المنورة، ثم أهل مصر في السنين المتقدمة والمتأخرة، ثم غيرهم، تقبّل الله عملهم.

وأوّل من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين به، وبه اقتدى في ذلك السلطان الملك المظفر صاحب «إربل» فى الجامع المظفرى الذى للحنابلة بصالحية دمشق ( «وإربل» مدينة بقلعة على مرحلتين من الموصل) ، فكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأوّل، ويحتفل به احتفالا هائلا. يكثر فيه من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، مما يجلّ عن الوصف، وإنفاقه بسببه ألوفا من المال الطيّب الحلال، وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية، فيخلع عليهم ويطلق لهم (يعنى الأعطية) وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار.

ولما اجتاز الحافظ ابن دحية بإربل، ووجد ملكها المظفر يعتنى بالمولد الشريف عمل له كتاب «التنوير في مولد البشير النذير» وقرأه عليه بنفسه، فأجازه على ذلك بألف دينار» .

وقال الشيخ جلال الدين المعروف بالمخلّص: «مولده صلى الله عليه وسلم مجمّل مكرّم، قدّس يوم ولادته وشرف وعظم، وكان وجوده مبدأ سبب النجاة لمن اتبعه، وتقليل حظ جهنم ممن أعدّ لها لفرحه بولادته صلى الله عليه وسلم. وتمت بركاته على من اهتدى به، فشابه هذا اليوم الجمعة من حيث إن يوم الجمعة لا تسعّر فيه جهنم «1» هكذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم ، فمن المناسب إظهار السرور، وإنفاق الميسور.

قال العلامة الشمس ابن الجوزى في اخر كتابه «التعريف بالمولد الشريف» :

«فإن قيل: فلم لم تتخذ أمته صلى الله عليه وسلم مولده عيدا كما اتخذت أمة عيسى عليه السلام ليلة مولده عيدا؟

فالجواب أنه لما كان يوم مولده صلى الله عليه وسلم هو يوم وفاته، تكافأ السرور بالعزاء، وهذا أحسن ما خطر لى في ذلك، وقد يقال: إنه لما اختلف فيه لم يتعين، أو يقال

ص: 70

الأعياد توقيفية، ولم يشرع غير هذين اليومين (1) ، أو يقال سدا للذريعة، وما أشرت إليه أوّلا ألطف، وإلا ففى الحقيقة مولده صلى الله عليه وسلم عيد وأيّ عيد، يشمل القريب من أمته والبعيد.

وبالجملة فالاعتناء بوقت مولده الشريف صلى الله عليه وسلم، والإنشاد للمدائح النبوية والزهدية والعرفانية، وإطعام الطعام والصدقات السنية أمر حسن منيف، يثاب فاعله الثواب الجزيل، بقصده الجميل، وإن كان عمله لم ينقل عن أحد من السلف الصالح والقرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها، فلذلك كان بدعة حسنة عند من تحقّق العلم وأتقنه، ثم لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون في شهر مولده خصوصا في ليلته، بعمل المولد بما ذكر، وإظهار السرور بذلك والحبور بتلك المسالك، وبعضهم يزيد على ذلك بقراءة ما صنف في المولد الشريف وما ورد فيه من الخير الثابت المنيف، على أنه ليس قيدا في استحباب عمل المولد المذكور، وإنما هو لزيادة الأجور.

وقد جرت العادة أنه إذا ساق الوعّاظ والمدّاح مولده صلى الله عليه وسلم وذكروا وضع أمّه له صلى الله عليه وسلم: قام أكثر الناس عند ذلك تعظيما له صلى الله عليه وسلم، وهذا القيام بدعة لا أصل لها، لكن لا بأس به لأجل التعظيم، بل هو فعل حسن ممن غلب عليه الحب والإجلال لذلك النبى الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وما أحسن قول الإمام أبى زكريا يحيى الصرصرى الحنبلى في بعض قصائده النبوية:

قليل لمدح المصطفي الخطّ بالذهب

علي فضة من خطّ أحسن من كتب

وأن ينهض الأشراف عند سماعه

قياما صفوفا أو جثيا علي الرّكب

أما الله تعظيما له كتب اسمه

علي عرشه يا رتبة سمت الرّتب

وقد اتفق أن منشدا أنشد هذه القصيدة في ختم درس شيخ الإسلام تقيّ الدين أبى الحسن عليّ بن السبكى رحمه الله، وكان القضاة والأعيان مجتمعين عنده، فلما وصل المنشد في قوله:

* وأن ينهض الأشراف عند سماعه*

إلى اخر البيت، قام الشيخ في الحال على قدميه امتثالا لما ذكره الصرصري، وقام الناس كلهم وحصلت ساعة طيبة. ذكر ذلك ولده التاج السبكى في ترجمته من طبقاته.

ص: 71

* قال أبو أمامة ابن النقاش رحمه الله: وليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة:

أحدها: أن ليلة المولد ليلة ظهوره صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر معطاة له، وما شرف بظهور ذات المشرّف من أجله أشرف مما شرف بسبب ما أعطيه، ولا نزاع في ذلك، فكانت ليلة المولد بهذا الاعتبار أفضل.

الثاني: أن ليلة القدر شرفت بنزول الملائكة فيها، وليلة المولد شرفت بظهوره صلى الله عليه وسلم فيها، ومن شرفت به ليلة المولد أفضل ممن شرفت بهم ليلة القدر على الأصح المرتضى من تفضيل الأنبياء على الملائكة، فتكون ليلة المولد أفضل.

الثالث: أن ليلة القدر وقع التفضيل فيها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وليلة المولد الشريف وقع التفضيل فيها على سائر الموجودات، فهو الذى بعثه الله رحمة للعالمين، فعمّت به النعمة على جميع الخلائق، فكانت ليلة المولد أعم نفعا، فكانت أفضل، كذا قيل.

وقوله في الوجه الأوّل «ولا نزاع في ذلك» يوهم أن ما ذكر قاعدة متفق عليها، قال أستاذنا: ولا أعلم من قالها، ويمكن دفع الفساد عنها بأن المراد ما كان شرفه لإعطائه، أعنى فقط، فلا يرد القران والنبوّة والإيمان والإسلام مثلا؛ لأن شرفها لذاتها لا لإعطائها فقط، والمراد ما كانت جهة شرفه محصورة في الإعطاء.

وقوله في الوجه الثالث: «وقع التفضيل فيها على سائر الموجودات» ، أى فساوتها وزادت عليها، والأزيد بالتفضيل فيه أزيد فضلا من غيره. وقد يقال: إن المراد أمة الدعوة لا أمة الإجابة، وغير المكلّفين لا نظر إليهم لا إعطاء ولا منعا لتعذّر ظهور الثمرة فيهم.

واعلم أن المراد من ليلة المولد خصوص تلك الليلة مع خصوص ليلة القدر التى نزل فيها القران.

* وأما النظائر فينبغى أنّ نظائر ليلة القدر أفضل من نظائر ليلة الولادة من جميع الأعوام، ويبقى النظر في ليلة الولادة وليلة الإسراء، وينبغى على القول بأن ليلة القدر أفضل منها أن تكون ليلة المولد أفضل منها، وانظر على القول

ص: 72

بأنها أفضل من ليلة القدر وحرّره؛ فإنّي لا أعلم من سبقنى إلى هذا المبحث بالخوض والتحرير: (يكفى في تفضيل ليلة المولد على ليلة الإسراء أنه لم يقع مفاضلة بينها وبين ليلة الإسراء، وإنما وقع التفضيل بين ليلة الإسراء وليلة القدر، وبين ليلة المولد وليلة القدر، حتى لو قيل بتفضيل ليلة الإسراء على ليلة القدر، لا ينتج منه فضل ليلة الإسراء على ليلة الولادة، وسيأتى في كلامه ما يؤيد ذلك في الكلام على تفضيل الليل على النهار. وسيأتى أيضا فى كلام الشيخ ما يؤيده، ثم هاهنا تنبيه وهو أنهم لم يتكلموا على ليلة حمله صلى الله عليه وسلم بحسب المفاضلة، مع أنها أوّل زمان ظهوره الخارجي، وتنبيه اخر: وهو أنهم لم يخصوا ذلك باللحظة التى خرج فيها من الرحم، مع أنه ينبغى أن يقصر عليها لأنها لحظة الظهور، وباقى الليلة خال عنه، فحكمه حكم باقى أيام وجوده، وأما ليلة القدر فجميعها ظرف لنزول القران وقسم الأرزاق ونزول الملائكة ومحق الذنوب وإعطاء المطلوب. وانظر على القول بأنه ولد نهارا، وينبغى أن تلك اللحظة أو جميع اليوم أفضل من ليلة القدر، ومن يوم ليلة القدر، وإن كان العمل في يومها كالعمل في ليلتها، فإن قلت: فما معنى أفضلية ما ذكر من الليل وغيره لكونه خصّ بما وجد فيه دون غيره أو في نفسه؟ وما معنى أفضليته في نفسه، والزمان لا يفضّل بعضه على بعض؟

فقد قال إمام العلماء العز بن عبد السلام: «إن الأزمنة والأمكنة كلها متساوية، ويفضلان بما يقع فيهما، لا بصفات قائمة بهما، ويرجع تفضيلهما إلى ما ينيل الله العباد فيهما، وإن التفضيل الذى فيهما أن الله يجود على عباده بتفضيل أجر العاملين فيهما» قلت: بل الأزمنة والأمكنة يفضل بعضها على بعض بتفضيل الله تعالى، ولا مانع أن يخص الله تعالى بعض مخلوقاته من زمان أو مكان بفضل ليس في الاخر، كما خصّ الله بعض الادميين والملائكة.

وقال الإمام تقى الدين السبكى عقب حكايته لكلام ابن عبد السلام:

«وأنا أقول: قد يكون التفضيل لذلك، وقد يكون لأمر اخر فيهما، وإن لم يكن عملا؛ فإن القبر الشريف ينزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة، وله عند الله من المحبة ولساكنه ما تقصر العقول عن إدراكه، وليس ذلك لمكان غيره،

ص: 73

فكيف لا يكون أفضل الأمكنة؟ وليس محل عمل لنا، فهذا معنّى غير تضعيف الأعمال فيه. انتهى

ولكن تفضيل الزمان والمكان إنما يظهر أثره غالبا باعتبار ما يقع فيه، ذكره النجم الغيطى في بعض تعاليقه. انتهي.

قال الشيخ الرحمانى في حاشيته على التحرير: «أفضل الليالى ليلة المولد، ثم ليلة القدر، ثم ليلة الإسراء، فعرفة، فالجمعة، فنصف شعبان، فالعيد. وأفضل الأيام يوم عرفة، ثم يوم نصف شعبان، ثم الجمعة، والليل أفضل من النهار» .

وعلى ذكر المولد الشريف فقد ذكر الإمام العلامّة عبد العزيز الزمزمى في همزيته المفتوحة، التى عارض بها همزية البوصيرى المضمومة التى أولها:

كيف ترقي رقيّك الأنبياء

يا سماء ما طاولتها سماء

وهمزية القيراطي المكسورة، التي أولها:

ذكر الملتقى على الصفراء

فبكاه بدمعة حمراء

ذكر الزمزمى المولد الشريف، فناسب أن نذكر من هذه القصيدة طرفا، قال فى المطلع:

أثغور منها الصباح أضاء

أم بروق علي النّقا تتراءى

إلى أن قال:

يوم ميلاده وليلة مسرا

هـ ازدهى الليل والنهار ازدهاء

وسما القدر منهما بفخار

طبّق الأرض سوددا والسماء

ملئت مكة سرورا ولم

لا يملأ البشر قطرها سراء

وهي أرض بها الولادة والمو

لود فيها منها ابتدا الإسراء

كان ترداده ومرباه فيها

فجلا نور شمسه البطحاء

وعلا الأنس والوقار جبالا

راسيات بها خصوصا حراء

كان مبدا ظهوره من حراء

حين أنهي الخلوّ فيه خفاء

شقّ صدر له هناك وشقّ

البدر، فالشرط كان ثمّ جزاء

أرضعته حليمة بلباها

فغدا الحلم وصفها والحياء

ص: 74

وعلا جدّها وأسعد سعد

إذ سقت بنته النبيّ الغذاء

فتعجّب لجدها ولها، كي

ف حكى الوصف منهما الأسماء

تتعاطى رضاعه وهو في

كلّ قليل ينمو بذاك نماء

خلوبا من جزالة البدو

ما حيّر مبداه عربها العرباء

فبنى قوله على حسن وضع

رفع اللفظ رتبة علياء

أفصح الناطقين بالضاد لما

أن يجارى من نطقها الفصحاء

إلى أن قال:

جاء في محكم الكتاب مديح

بالغ فيه: أخرس البلغاء

حسدته أهل الكتابين من

«فاتحة» الأمر فامتلت شحناء

«بقرت» عن جحود من ساد قدما

«ال عمران» ، قومهم و «النساء»

فغدت بالضلال «مائدة» الر

أس تحاكى «أنعامهم» والشاء

أنكرته «أعرافهم» فأباح

السيف «أنفالهم» له والدماء

منه نلنا «براءة» من لظى النا

ر بها «يونس» الغريق النجاء

شيّبته «هود» و «يوسف»

تحكيه مع الشيب منظرا وبهاء

خفق «الرعد» فى قلوب الأعادي

فرقا منه، فانثنوا أصدقاء

أظهر المصطفى إلى دين «إبر

اهيم» فى «الحجر» والمقام الدعاء

إن يلاقى أذى «فللنّحل» لسع

لم يضر من أراد منه اجتناء

همّ قوم به «فسبحان» مولى

صرف السوء عنه والفحشاء

لم نخف قط إذ أوينا إليه

نعم «كهفا» منه لنا وإواء

إن تسد «مريم» بعيسى، «فطه»

ساد عيسى والرسل و «الأنبياء»

شرع «الحجّ» فاجتلى «المؤمنون»

«النّور» إذ تمّ نورهم والضياء

قام يتلو «الفرقان» فى حسن نظم

جمعه اللفظ حيّر «الشعراء»

نطق «النمل» مفصحا عن معاني

«قصص» فيه أسكت الخطباء

قصد المصطفى العدا فكسته

نسجها «العنكبوت» منهم وقاء

غلب «الروم» فارسا مثل ما قا

ل وحاشاه أن يقول الخطاء

حكم تاه فهم «لقمان» عنها

عند ما فات سرّها الحكماء

ص: 75

أوجب الشكر «سجدة» فى المصلي

حين سيل «الأحزاب» صار جفاء

صيّرتهم أيدى «سبأ» نفخة من

«فاطر» العالمين جلّ ثناء

حاط «يس» بالملائكة «الصا

فات» ممن أراده الأسواء

صادهم «نصره» وأهلك منهم

«زمرا» أظهروا له البغضاء

أفسدت ذات بينهم حيلة المؤ

من فيهم فخالفوا الخلفاء

أجمل المخبر القضية لكن

«فصّلت» حين أظهروا الأنباء

حيلة بيّتت من الليل «شوري»

زادها «زخرف» الحديث انطلاء

أضمرت نارها بغير «دخان»

زعزع تملأ المعى أقذاء

أكفأت في القدور «جاثية

الأحقاف» ريح تكافيء الأكفاء

فكفاه القتال ربّ البرايا

ثم «بالفتح» بعد ذلك جاء

ليت شعرى أرى له «حجرات»

خلفها حرّم الإله النداء

كل «قاف» سبيله ليس يخشي

«ذاريات» الضلال والأهواء

«طور» مرقاه قاب قوسين يهوي

دونه «النجم» لو أراد ارتقاء

طاعة في السما له «القمر» انشقّ

لنصفين ثم عاد سواء

قد حباه «الرحمن» فى هذه «الوا

قعة» السؤل منه والإرضاء

«بالحديد» اقتضت «مجادلة» القو

ل له أن يجالد الأعداء

أحكم الرعب «حشرهم» فى حصون

حكم الامتحان فيه الجلاء

يقدم «الصفّ» إن أتى الرجف

و «الجمعة» ثبتا أعظم به إيتاء

خادعته «المنافقون» فصاروا

في نهار «التغابن» الأشقياء

حين بتّ «الطلاق» من زهرة الد

نيا بتحريمها استتمّ التقاء

ما ارتضى «الملك» بل تواضع حتي

خال ذا النون قد حكاه اعتلاء

ترفع «الحاقة» المعارج إذ نو

ح ينادى نفسى ويغدو «براء»

امن الجن بالنبى وألقوا

لاستماع «المزمّل» الإصغاء

سوف يأتى مدّثرا بالمزايا

وتميز القيامة الإيتاء

نال هذا الإنسان كلّ كمال

نشرت مرسلاته الالاء

ص: 76

نبأ جاءه عظيم، رمى الأع

داء في النّازعات والبغضاء

عبس المقتفى العمى منه لما

كوّرت شمس نوره إطفاء

كبتت عصبة النّفاق به،

وانفطرت وانتكت أشد انتكاء

طفّفوا كيلهم له فغدا الويل

غدا للصفين جزاء

فزعوا لانشقاق إيوان كسري

والبروج التى أشيدت بناء

استعذ بالنبى من طارق الليل

وسبّح لربك الأسماء

هديه كم أزال غاشية عن

ذى ضلال والفجر يجلو الغشاء

كسيت منه هذه البلد الأنو

ار والشمس توضّح البطحاء

للحبيب: الإله بالليل الى

والضحيي، ما نوى له بغضاء

رفع الله ذكره في ألم نشرح

وأعلى به مكان حراء

فتمنّى مناله جبل التين

وطور الكليم من سيناء

علق منه برفع القدر ممن

لم يكن قط يعرف استعلاء

زلزلت من خيوله الأرض لما

ميّلت عادياتها الأرجاء

كم بدت من سطاه قارعة في

من حباه التكاثر الإلهاء

طيّب العصر ذكره والعداكم

همزة باغتيابهم مشّاء

زدّت الطير عن أقاربه الفيل

وجيشا له يسدّ الفضاء

أودع الله سرّه في قريش

فوعوا سرّه: فصان وعاء

أرأيت الذى يكذب في تفضيلهم

كيف أعظم الافتراء

كوثر المصطفى غدا وردهم إذ

يصدر الكافرون عنه ظماء

جاءه النصر والفتوح فتبّت

يدا من عاندت يداه الفضاء

نور إخلاصنا بخير البرايا

فلق الصبح من سناه أضاء

بك صرنا يا خاتم الرسل

للرسل علي الناس بالأدا شهداء

إلى أن قال:

فاز بالرفع مفلق لك وشّى

(كيف ترقى) وأفحم الشعراء

وبخفض الجناب جوزى منشى

(ذكر الملتقى) جزاء وفاء

ص: 77

جئت من بعد ذا وذاك أخيرا

فلهذا نظمى على الفتح جاء

ركضت حلبة السباق فكانا

سابقيها وخلفا الأكفاء

لهما تاليا أتيت وإن لم

أك ممّن يرى لذاك كفاء

وبفكرى في بحر شعرهما غص

ت وإن كان الغوص ليس سواء

بهما قد شرفت إذ صرت اسما

ثالث اثنين أعجز النظراء

أمنا أن يعززا منذ حين

بمثيل تفردا واعتلاء

فهما النيّران ما خال طرف

لهما ثالثا يحلّ السماء

بعد دلويهما رميت بدلوى

علّ لى حمأة تجيء وماء

وبزعمى زاحمت هذين أبغى

بهما اليمن، لا الرّيا والمراء

سعدا فارتجيت أسعد لمّا

سرت في الأثر أقتفى السعداء

حركات الهجاء عكس لسعدي

فغدا الفتح مبتداها انتهاء

فلعلى أجاز منك بفتح

حين أنهى الإنشاد والإنشاء

فأنلنى مناى واشمل قريضي

بقبول يكسو القريض السناء

وأجزنى على الصراط إذا ما

صاح هول الجواز: ألانجاء

يا ملاذى إذا الموازين رازت

عملي، وهو لا يوازى الهباء

يا عياذى إذا تطايرت الصحف

يمينا ويسرة ووراء

وبدت لى يوم الحساب أمور

ضلّ عنّى حسابها وتناءى

وتلوّت قوائمى عند ما الأو

صال صارت من رعدتى أشلاء

يا أماني من خيفتى هدّ روعي

إنّ روعى أغرى بها العرواء «1»

يا غياثى إذا دنا لهب الشمس

وأذكى لعابها الرّمضاء

أنت لى جنّة هناك ودرع

سابغ نتّقّى به اللأواء

يا عزيز الجناب دعوة عبد

لك في الرّقّ يستحق الولاء

كيف عبد العزيز عبدك يلقى

ذلة أو إضاقة أو شقاء

أو يخاف الظما غدا وهو منسو

ب لسقيا أبيك نعمت سقاء

(1) العرواء بضم ففتح: قوة الحمّي ومسها في أوّل رعدتها اهـ. (من هامش الأصل) .

ص: 78

إنه قارف الذنوب وأخطا

وبك الله عنه يمحو الخطاء

فيك ظنّى ألاتخيّب ظني

وبهذا اكتفيت نعم اكتفاء

فسلام عليك ثم صلاة

بقضاء الفروض قامت أداء

وسلام عليك ثم صلاة

تمنح النفس من رضاك الرّضاء

وعلى الك الذين ولا هم

من يد الكرب ينقذ الأولياء

عدّتى عند شدتى وملاذي

عند ما ترسل الخطوب البلاء

عقد دينى ودادهم وهواهم

منه قلبى امتلا أتمّ امتلاء

هم إلى جودك الوسيلة إن ردّ

نى الذنب دونه إقصاء

وعلى صحبك الجميع خصوصا

من حوى السبق وابتدا الخلفاء

الذى جيّش الجيوش وقوّي

عزمه يوم أمّر الأمراء

الصدّيق الصديق أفضل من ا

من بالله ما عدا الأنبياء

ثم من بعده على مقتفيه «1»

سننا ينتهى إليك انتماء

ترجمان المحدّثين فكم فا

هـ بكشف فوافق الإيحاء

ثم من طال في بناء المعالى «2»

عند ما شاد بابنتيك البناء

الحييّ الذى استحت منه أملا

ك السما مذ سما وزاد حياء

وعلى المرتضى وليّك وابن العمّ

من حاز بالخصوص الإخاء

خير صهر وعاصب زوّجته

خيرة الله: بنتك الزهراء

أصل ريحانتيك «3» بورك أصلا

طاب فرعاه مغرسا ونماء

أيّ سبطين قد علا بك جدا

لهما طيب النّماء والزكاء

خير نجلين ينميان لأمّ

أنجبت من كليهما الشرفاء

سادت الأمّ في الجنان وسادا

فأعزّوا شبّانها والنساء

(1) عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(2)

عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(3)

هم «علي، وفاطمة، والحسن، والحسين» رضي الله عنهم أجمعين، جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كساء واحد، ثم قال:«اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فطهرهم تطهيرا» . وهو حديث مشهور جدا.

ص: 79

وسلام عليك ثم عليهم

وعلى كل من تسجّى الكساء «1»

وعلي عمّك «2» الذى طيّب الله

بأنفاس روحه الشهداء

وعلى صنوه «3» الذى بك أبقي

لبنيه الخلافة القعساء

وسلام عليك ثمّ على أز

واجك اللاء نلن منك الحياء

وسلام عليك ثم صلاة

بشذا المسك يختمان الثناء

ما ابتدا مدحك امرؤ عند كرب

فانجلى حين وافق الانتهاء

ولما بلغ صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة عرض لأبى طالب شخوص إلى الشام في تجارة، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يألفه، فسأله إخراجه معه، فأبى عليه صيانة له، فاغتم وبكي، فأخرجه، فراه راهب من الأحبار يقال له «بحيرا» وقد أظلته غمامة، فقال لأبى طالب: من هذا منك؟ قال: ابن أخي، قال:«أما ترى هذه الغمامة كيف تظله وتنتقل معه؟ والله إنه لنبى كريم، وإنى لأحسبه الذى بشّر به عيسى عليه السلام، فإنّ زمانه قد قرب، وينبغى أن تتحفظ به خشية أن تقتله اليهود» فردّه أبو طالب إلى مكة.

ولما جاوز سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم العشرين قال له أبو طالب: يا ابن أخي إن خديجة بنت خويلد امرأة موسرة ذات تجارة عريضة، وهى محتاجة إلى مثلك فى أمانتك وطهارتك ووفائك، فلو كلّمناها فيك فوكلتك ببعض أمرها وتجارتها.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افعل يا عمّ ما رأيت. فسعى أبو طالب إليها فكلّمها في توكيل النبى صلى الله عليه وسلم ببعض تجارتها، فسارعت إلى ذلك ورغبت فيه، ووجّهته إلى الشام ومعه غلام لها قيّم يقال له «ميسرة» ، فلما فرغ مما توجّه إليه، وقدم مكة أخبرها ميسرة بأمانته وطهارته ويمن طائره، وما يقول أهل الكتاب فيه، وما ظهر له من البركة وكثرة الأرباح وسهولة الأمور، وكانت خديجة امرأة حازمة عاقلة برزة «4» مرغوبا فيها لشرفها ويسارها، فدسّت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرض عليه أن يتزوجها، فرغب في ذلك.

(1) الحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنهم.

(2)

حمزة بن عبد المطلب.

(3)

العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.

(4)

في القاموس: امرأة برزة: بارزة المحاسن، أو متجاهرة، كهلة جليلة، تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدثون وهي عفيفة. اهـ. (من هامش الأصل) .

ص: 80