المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السابع في ظواهر السنة السابعة ما فيها من الغزوات - نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز - جـ ١

[رفاعة الطهطاوى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌[عملنا في هذا الكتاب]

- ‌مؤلفاته ومترجماته

- ‌الباب الأوّل فى مولده الشريف إلى بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌آباؤه:

- ‌طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم:

- ‌ومن كلام عمه أبى طالب:

- ‌[مولده] :

- ‌[أسماؤه صلى الله عليه وسلم] :

- ‌[طهارة مولده وشرفه] :

- ‌[زواج أبيه بأمه] :

- ‌[تعبده صلى الله عليه وسلم قبل البعثة] :

- ‌[رضاعه] :

- ‌الفصل الثانى فى ذكر عمل مولده الشريف، وإشهاره كلّ سنة وفيما جرى في مولده وفيما بعده من الوقائع

- ‌[الاحتفال بالمولد] :

- ‌والبدعة من حيث هى منقسمة إلى خمسة أقسام:

- ‌واجب:

- ‌وحرام:

- ‌ومندوب إليه:

- ‌ومكروه:

- ‌ومباح:

- ‌الفصل الثالث فى زواجه بخديجة بنت خويلد رضى الله تعالى عنها وما رزقه الله من الذرية منها

- ‌[أولاده من خديجة] :

- ‌الباب الثانى فى مبعثه صلى الله عليه وسلم، ودعائه الناس إلى الدين الحق. وهجرة المسلمين* إلى الحبشة، وخروجه إلى الطائف

- ‌الفصل الأوّل فى رسالته صلى الله عليه وسلم على رأس الأربعين إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا

- ‌كفالته عليّا:

- ‌[اشتداد الأذى عليه صلى الله عليه وسلم] :

- ‌الفصل الثانى فى الهجرتين إلى الحبشة

- ‌[مسألة الغرانيق وما سمّوه الايات الشيطانية] :

- ‌ وأما الهجرة الثانية:

- ‌الفصل الثالث فى خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف قبل هجرته إلى المدينة المشرّفة

- ‌الفصل الرابع في الإسراء به صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام وعروجه من المسجد الأقصي إلى السموات العلى

- ‌[مسألة رؤية الله] :

- ‌الباب الثالث فى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وما ترتب على ذلك من المظاهر الإسلامية والظواهر التعليمية. وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل فى الأسباب الباعثة علي هذه الهجرة والتمهيد لها

- ‌الهجرة إلى المدينة:

- ‌[التامر على الرسول صلى الله عليه وسلم في دار الندوة] :

- ‌الفصل الثانى فى سيره مهاجرا إلى المدينة مع صاحبه: صدّيقه رضى الله تعالى عنه وهو ابتداء التاريخ الإسلامى

- ‌مبدأ التأريخ الإسلامى:

- ‌[مسألة: الرسول صلى الله عليه وسلم والشّعر]

- ‌هجرة بقايا المسلمين من مكة:

- ‌[فرق اليهود] :

- ‌الأولى: التوراة، وهى خمسة أسفار

- ‌المرتبة الثانية: أربعة أسفار: تدعى الأولي:

- ‌المرتبة الثالثة: أربعة أسفار تدعى: الأخيرة:

- ‌المرتبة الرابعة: تدعى: الكتب، وهى أحد عشر سفرا:

- ‌الفصل الثالث في ذكر الظواهر الحادثة بعد الهجرة إجمالا

- ‌الباب الرابع فى تفاصيل الظواهر التى حدثت بعد هجرته عليه الصلاة والسلام إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل فى ظواهر السنة الأولى من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌[المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار]

- ‌الفصل الثانى في ظواهر السنة الثانية من الهجرة، وما فيها من الغزوات

- ‌[إسلام عمير بن وهب] :

- ‌الفصل الثالث في ظواهر السنة الثالثة من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل الرابع في ظواهر السنة الرابعة من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌غزوة بنى النضير:

- ‌الفصل الخامس فى ظواهر السنة الخامسة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل السادس في ظواهر السنة السادسة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل السابع في ظواهر السنة السابعة ما فيها من الغزوات

- ‌الفصل الثامن في ظواهر السنة الثامنة وما فيها من الغزوات

- ‌ وأما النساء الست اللاتى أهدر النبى صلى الله عليه وسلم دماءهن يوم الفتح

- ‌الفصل التاسع في ظواهر السنة التاسعة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل العاشر فيما وقع من وفود العرب عليه صلى الله عليه وسلم، وفي حجة الوداع

- ‌الباب الخامس في وفاته صلى الله عليه وسلم وذكر بعض أخلاقه وصفاته، ومعجزاته، وأزواجه. وأعمامه، وعماته، وأخواله، ومواليه وخدمه، وحشمه صلى الله عليه وسلم، وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل في ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بذلك

- ‌الفصل الثانى فى ذكر بعض أخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌وخصائصه صلى الله عليه وسلم على أضرب:

- ‌الأوّل الواجبات:

- ‌الثانى

- ‌الثالث المباحات:

- ‌الرابع ما

- ‌الفصل الثالث في ذكر معجزاته

- ‌[كيفية نزول القران] :

- ‌الفصل الرابع فى ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم وقرابته ومواليه

- ‌جدول يضبط ما تفرّق من الغزوات التي سبق ذكرها تفصيلا

الفصل: ‌الفصل السابع في ظواهر السنة السابعة ما فيها من الغزوات

‌الفصل السابع في ظواهر السنة السابعة ما فيها من الغزوات

* وفي هذه السنة من الهجرة كانت غزوة خيبر «1» ، فى منتصف المحرم:

و «خيبر» بلد بينها وبين المدينة ثمانية برد، ذات حصون، أعظمها يسمى القموص «2» لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية مكث بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم «3» ، ثم خرج إليها غازيا، فدفع اللواء إلى على، وسار، فلما أشرف قال لأصحابه: قفوا، ثم قال:«اللهم ربّ السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها، وشر ما فيها، أقدموا بسم الله» .

ونزلوا على خيبر ليلا، فلم يصح لهم تلك الليلة ديك، وكان صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتّى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وإلا أغار، فبات لم يسمع أذانا، فلما أصبحوا خرجوا إلى أعمالهم بمساحيهم ومكايلهم لعدم علمهم، فلما رأوه صلى الله عليه وسلم عادوا وقالوا «محمد والخميس» (أى الجيش سمى به لأنه خمسة أخماس: ميمنة وميسرة ومقدمة، ومؤخرة، وقلب) فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المئذرين» ، وبهذا استدلّ على أن إيراد ايات القران على سبيل الاقتباس والاستشهاد لا بقصد التلاوة والقراءة جائز فيما يحسن ويجمل، لا في المدح ولغو الحديث، وبه قال النووى في شرح مسلم: وقد جاء لهذا نظائر كثيرة، كما ورد في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم جعل يطعن في

(1) مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير، بينها وبين المدينة ثمانية برد، سميت باسم رجل من العماليق، وهو أخو يثرب الذى كانت المدينة في الجاهلية مسماة باسمه.

(2)

القموص: جبل بخيبر، عليه حصن ابن أبي الحقيق اليهودى، كذا في المراصد وفي هامشه: وفي البكرى: حصن من حصون خيبر.

(3)

فى السيرة الحلبية: «ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية أقام شهرا وبعض شهر ذى الحجة ختام سنة ست، ومن المحرم افتتاح سنة سبع، وقال مالك: كانت سنة ست» .

ص: 325

الأصنام ويقول- جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا- كما سيأتى، وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: «امنت بالذى خلقك فسواك فعدلك» ومما يدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: «كنت عند أبى فى وصيته، وهى: بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبى قحافة، عند خروجه من الدنيا، حين يؤمن الكافر ويتّقى الفاجر، ويصدق الكاذب، إنى استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فإن يعدل فذلك ظنى فيه، ورجائى فيه، وإن يجر ويبدّل فلا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون» .

وروى أن عثمان بن عفان يوم الدار أشرف من داره على الناس، وقد أحاطوا به فقال: وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود: 89] ، يا قوم لا تقتلونى، كنتم هكذا، (وشبك بين أصابعه) » . فكلّ هذا كغزوة خيبر، وحديث فتح مكة يدل على جواز الاقتباس. انتهى.

وفرّق صلى الله عليه وسلم الرايات- ولم تكن الرايات إلا بخيبر، وإنما كانت الألوية- وكانت رايته يومئذ سوداء تسمى العقاب، لكون لون العقاب أسود، ثم حاصرهم وضيّق عليهم وأخذ الأموال، وفتح الحصون حصنا حصنا حتّى انتهى إلى حصنهم «الوطيح» والسلالم، وكان اخر الحصون افتتاحا، وكان حصارهم بضع عشرة ليلة، وأخذ سبايا منهم صفية بنت كبيرهم حيىّ بن أخطب، اصطفاها صلى الله عليه وسلم لنفسه وتزوجها وجعل عتقها صداقها، وبهذا أخذ الإمام أحمد رضى الله عنه حكم مذهبه، وهو من مفردات مذهبه وقال غيره: إن هذا من خواصه صلى الله عليه وسلم، وكانت صفية رأت في المنام وهى عروس- بكنانة بن أبى الربيع بن أبى الحقيق- أن قمرا وقع في حجرها، فذكرته لزوجها فقال: ما هذا إلا أنك تتمنين ملك الحجاز محمدا، ولطمها. وعرّس صلى الله عليه وسلم بها في الطريق في قبة، فبات أبو أيوب الأنصارى متوشحا بالسيف يحرسه، فلما أصبح راه النبى صلى الله عليه وسلم فقال:

ص: 326

ما لك؟ قال: خفت عليك من امرأة قتلت أباها وزوجها وقومها، وهى حديثة عهد.

وكانت الراية مع أبى بكر رضى الله تعالى عنه، فكان يقاتل قتالا شديدا، ثم أخذها عمر فقاتل قتالا شديدا، فقال صلى الله عليه وسلم:«أما والله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرّارا غير فرّار، يأخذها عنوة» «1» فتطاول المهاجرون والأنصار إليها، يرجو كل واحد أن يكون هو صاحب ذلك، وكان علي بن أبى طالب رضى الله عنه قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه، فلما أصبحوا جاء عليّ فتفل النبىّ صلى الله عليه وسلم في عينيه «2» فما اشتكى رمدا بعدها، ثم أعطاه الراية وعليه حلّة حمراء فنهض بها وأتى خيبرا، فأشرف عليه رجل من يهودها، وقال: من أنت؟ قال: علي بن أبى طالب، فقال اليهودى: غلبتم يا معشر اليهود. فخرج «مرحب» صاحب الحصن من الحصن، ولم يكن في أهل خيبر أشجع من مرحب، وعليه يمانى، وعلى رأسه بيضة «3» ، وله رمح سنانه ثلاثة أسنان، ونادى: من يبارز؟ وهو يرتجز ويقول:

قد علمت خيبر أنّى مرحب

شاكى السلاح بطل مجرّب

أطعن أحيانا، وحينا أضرب

إذا الحروب أقبلت تلهّب

إنّ حماى للحمى لا يقرب

فخرج على كرم الله وجهه، وهو يقول:

أنا الذى سمّتنى أمى حيدره

أكيلكم بالسيف كيل السندزه

ليث بغابات شديد القسورة

[والسندرة: مكيال معلوم، ومعلوم أن حيدرة اسم من أسماء الأسد، وهو أشجعها أشار بذلك إلى أن أمه فاطمة لما ولدته سمّته باسم أبيها، وكان أبو

(1) حديث ثابت صحيح، انظر في «الرياض النضرة في مناقب العشرة» ص 197 و 198 ج 3.

(2)

حديث ثابت صحيح، انظر في «الرياض النضرة في مناقب العشرة» ص 197 و 198 ج 3.

(3)

البيضة: الخوذة تتخذ من حديد وقاء للرأس.

ص: 327

طالب حينئذ غائبا، فلما قدم سماه عليا، ولذلك قال عليّ رضى الله عنه يوم خيبر: أنا الذى سمتنى

إلى اخره، فغلب عليه ما سماه أبوه] .

فاختلفا بضربتين، فسبقه على رضى الله عنه فقدّ البيضة والمغفر ورأسه، فسقط عدو الله ميتا.

وكان فتح خيبر في شهر صفر، على يد على رضى الله عنه بعد حصار بضع عشرة ليلة. وإلى ذلك يشير بعضهم:

وشادن «1» أبصرته مقبلا

فقلت من وجدى به: مرحبا

قدّ فؤادى في الهوى قدّه «2»

قدّ عليّ في الوغى مرحبا

وفتح المسلمون حصون خيبر كلها عنوة، إلا حصن «الوطيح» «3» وجصن «سلالم» «4» - بضمّ السين المهملة- فإنهما فتحا صلحا، وكان أعظم حصون خيبر حصن «القموص» «5» كصبور من حصون الكتيبة «6» «الثلاثة» ، وكان منيعا حاصره المسلمون عشرين ليلة ثم فتحه الله على يد عليّ رضى الله عنه ومنه سبيت صفية رضى الله عنها، وقيل: إن اسمها قبل أن تسبى زينب، فلما صارت من الصفى سميت صفية، والصفىّ ما كان يصطفيه صلى الله عليه وسلم لنفسه من الغنيمة قبل أن تقسم، وكان في الجاهلية لأمير الجيش ربع الغنيمة، ومن ثم قيل له: المرباع «7» .

(1) الشادن: اغزال، إذا قوى وطلع واستغنى عن أمه.

(2)

«قدّه» الأولى بمعنى قسمه شطرين، و «قدّ» الثانية من القد، وهو الطول والعرض، و «قد» الثالثة: مبنية على الفتح خلف حركة الجر، أى كقدّ على رضى الله عنه مرحبا حين ضربه فقسم رأسه.

(3)

«الوطيح» : حصن من حصون خيبر، وهو بفتح الواو وكسر الطاء.

(4)

«السلالم» : حصن من حصون خيبر كان من أحصنها، وكان اخرها فتحها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(5)

«القموص» : جبل بخيبر، عليه حصن ابن أبي الحقيق اليهودى.

(6)

الكتيبة: حصن من حصون خيبر، وفي كتاب الأموال لأبى عبيد: الكتيبة بالثاء المثلاثة.

(7)

المرباع: ما يأخذه الرئيس، وهو ربع المغنم.

ص: 328

قال السهيلى رحمه الله: «كانت أموال النبى صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أوجه: الصفى»

، والهدية، وخمس الخمس» هذا كلامه. ولا يخفى أنه يزاد على ذلك «الفىء» .

وباقى حصون الكتيبة الثلاثة هو حصن «الوطيح» وحصن «سلالم» المتقدمين.

وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من النساء المسلمات، فرضخ لهنّ عليه الصلاة والسلام من الفىء، ولم يضرب لهنّ بسهم «2» ، وقيل «3» ضرب لهن أيضا بسهم كامل، وكانت قد خرجت معهم عشرون امرأة.

وفي حديث ابن أبي الصلت عن امرأة غفارية سمّاها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من غفار، وهو يسير إلى خيبر فقلنا: يا رسول الله، قد أردنا الخروج معك لنداوى الجرحى ونعين المسلمين ما استطعنا، فقال: على بركة الله، قالت: فخرجنا معه، فلما افتتح خيبر رضخ لنا من الفىء.

واستشهد بخيبر من المسلمين نحو من عشرين رجلا، منهم عامر بن الأكوع عم سلمة بن الأكوع- وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في مسيره إلى خيبر:

انزل يا ابن الأكوع فاحد «4» لنا من هنيهاتك «5» ، فنزل يرتجز برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

والله لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

وقتل عامر بن الأكوع رضى الله عنه بسيف نفسه، رجع عليه وهو يقاتل فكلمه كلما* شديدا، فمات منه.

(1) الصفى: ما يصطفيه الرئيس من الغنيمة قبل القسمة.

(2)

فيه دلييل على أن المرأة ليست من أهل الحرب والقتال. وذلك لأن الجندى في جيش المسلمين يأخذ نصيبه من الغنائم قسمة، وغير الجندى يرضخ له رضخا إذا حضر القتال. والله تعالى أعلم.

(3)

إذا عبر بلفظ «قيل» فذلك لأنه ضعيف.

(4)

من حدا يحدو الإبل، أى ساقها وحثها على السير

(5)

من هينهاتك: أي من كلماتك ومن أراجيزك.

* أى: جرحه جرحا شديدا.

ص: 329

* وفي غزوة خيبر أهديت للنبى صلى الله عليه وسلم الشاة المسمومة، فأخذ منها قطعة وأكلها، وأكل القوم، فقال:«ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتنى أنها مسمومة» ، فمات بشر بن البراء، وكان بشر قد أساغ تلك اللقمة والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يسغها لكنها أثرت في فمه ولهواته قبل أن ينطق الله له ذراعها بالتحذير مما دسّ فيها من السم القاتل من ساعته، ودعا صلى الله عليه وسلم باليهودية فاعترفت، ثم قال لها:«ما حملك على ما صنعت؟ قالت: إن كنت نبيا لم يضرّك الذى صنعت، وإن كنت ملكا أرحت الناس منك، فقال: «ما كان الله ليسلطك على ذلك» ، ولم يعاقبها؛ لأنه كان لا ينتقم لنفسه، وإلى ذلك يشير صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله:

ثم سمّت اليهودية الشا

ة وكم سام الشّقوة الأشقياء

فأذاع الذراع ما فيه من ش

رّ بنطق إخفاؤه إبداء

وبخلق من النّبىّ كريم

لم تقاصص بجرحها العجماء

[أى ثم جعلت اليهودية السمّ القاتل في الشاة، ومرات كثيرة يطلب الشقوة ويتحلّى بها الاشقياء، الذين لا خلاق لهم، فأخبر ذلك الذراع النبىّ صلى الله عليه وسلم بالنطق بما فيه من سم، وإخفاء ذلك النطق عن الحاضرين إبداء وإظهار له صلى الله عليه وسلم، وبسبب ما تحلى به صلى الله عليه وسلم من كمال الحلم والعفو، لم تقاصص تلك المرأة بجرحها، أى بجرح سمّها، لأن السم يجرح الباطن، كما يجرح الحديد الظاهر] .

وما قيل: إنه أمر بها فقتلت به قصاصا، لعله هو عين ما يروى عن ابن عباس أنه دفعها إلى أولياء بشر بن البراء، بهذا يفسّر قول ابن إسحاق «أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل اليهودية التى سمّته» وقال النبى صلى الله عليه وسلم في مرض موته:«إن أكلة خيبر لم تزل تعاودنى، وهذا زمان انقطاع أبهرى» «1» [والأبهر عرق في الظهر وقيل: هو عرق مستبطن القلب، فإذا انقطع لم تبق بعده حياة، وقيل: الأبهر «2» عرق منشؤه من الرأس، ويمتد إلى القدم، وله

(1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زالت أكلة خيبر تعاودنى كل عام حتّى كان هذا أوان قطع أبهرى» [رواه ابن السنى وأبو نعيم في الطب عن أبى هريرة] .

(2)

الأبهر: الظهر، عرق فيه، ووريد العنق، والأكحل، وهو: عرق في اليد، وهو عرق الحياة.

ص: 330

شرايين تتصل بأكثر أطراف البدن؛ فالذى في الرأس منه يسمى «النأمة» «1» .

وقولهم: أسكت الله نأمته أى حياته، ويمتد إلى الحلق ويسمّى فيه الوريد «2» ، ويمتد إلى الصدر فيسمى الأبهر، ويمتد إلى الظهر فيسمى الوتين «3» والفؤاد معلق به، ويمتد إلى الفخذين فيسمّى النّسا «4» ويمتد إلى الساق فيسمّى الصافن «5» .

ولم يكتب ليهود خيبر كتابا بإسقاط الجزية عنهم، وإنما ساقاهم النبى صلى الله عليه وسلم على النصف من ثمارهم، ويخرجهم متى شاء.

ثم في زمن خلافة القائم بأمر الله، ظهر يهودى رئيس الرؤساء ببغداد، وأظهر كتابا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة الصحابة رضى الله عنهم، منهم: علي بن أبى طالب رضى الله عنه، فحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء، ووقع الناس منه في حيرة، فعرضه على الحافظ أبى بكر «6» خطيب بغداد، فتأمله وقال: إن هذا مزوّر، فقيل له: من أين ذلك؟ فقال: فيه شهادة معاوية رضى الله عنه، وهو أسلم عام الفتح سنة ثمان من الهجرة، وفتوح خيبر سنة سبع من الهجرة، ولم يكن مسلما في ذلك الوقت، ولا حضر ما جرى، وفيه شهادة سعد بن معاذ رضى الله عنه، ومات سعد يوم بنى قريظة بسهم أصابه، ذلك قبل فتح خيبر بسنتين «7» . انتهى.

* وفي هذه السنة فتح «فدك» «8» ، وهى قرية بينها وبين مدينة النبى صلى الله عليه وسلم مرحلتان، وقيل ثلاث مراحل. قال أهل السير: لما أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم حوالى خيبر،

(1) ويقال: النامّة، بالتشديد.

(2)

فى القاموس: الوريدان: عرقان في العنق.

(3)

الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه.

(4)

النسا: عرق من الورك إلى الكعب.

(5)

الصافن: صفن الفرس يصفن صفونا: قام على ثلاث قوائم وحرف الرابعة، ومنه قوله تعالى: الصَّافِناتُ الْجِيادُ وصفن الرجل: صفّ قدميه.

(6)

هو الخطيب البغدادى صاحب كتاب الكفاية في علم الرواية والله أعلم.

(7)

ومن مثل هذه القضية نعلم أن اليهودى لا يترك بضاعته أبدا وبضاعته التى لا يتركها: «الكذب، والزور، والدجل، وتلبيس إبليس» هذه بضاعتهم أخزاهم الله ولعنهم.

(8)

«فدك» بالتحريك، واخره كاف: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم. بها عين فوارة ونخل.

ص: 331

بعث محيصة بن مسعود الحارثى إلى فدك، يدعو أهلها إلى الإسلام، فدعاهم إليه، فخوّفهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى حربهم كما أتى إلى حرب أهل خيبر، وقالوا:«إن عامرا وياسرا وحارثا وسيد اليهود مرحبا في حصن نطاه معهم ألف مقاتل، وما نظن أن يقاومهم محمد» ، فمكث محيصة فيهم يومين، ولما رأى ألاميل لهم في الصلح، أراد أن يرجع، فقالوا له: اصبر نستشير أكابر قومنا ونبعث معك من يصالح محمدا، وبينما هم في ذلك الرأى إذ أتاهم خبر حصن «الناعم» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحه، فوقع في قلوبهم خوف عظيم، فأرسلوا جماعة من يهود فدك إلى النبى صلى الله عليه وسلم حتّى يصالحوه، فبعد القيل والقال الكثير، استقر الأمر على أن يعطوا النبى صلى الله عليه وسلم نصف أرض فدك، ولهم نصفها، فرضى النبى صلى الله عليه وسلم، فصالحهم على ذلك. وكانوا يعملون على ذلك حتّى أخرجهم عمر وأهل خيبر إلى الشام، واشترى منهم حصّتهم «النصف» بمال بيت المال، كما سيأتى فكان خيبر للمسلمين، وفدك خالصة له؛ لأنها فتحت بغير إيجاف (أى تحريك وإتعاب في السير) ولا ركاب فلم يقسمها ووضعها حيث أمره الله، وانصرف صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادى القرى فحاصرها وافتتحها عنوة، وقسمها.

وأصاب بها غلامه مدعما» سهم غرب (بفتح الراء والإضافة، وبتسكين الراء بلا إضافة: وهو الذى لا يعرف راميه) فقتله. وقال صلى الله عليه وسلم فيه لما شهد له أناس بالجنة: «كلا إن الشملة التى أخذها يوم خيبر من المغانم قبل القسم لتشتعل عليه نارا» ، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم:«شراك من نار أو شراكان من نار» .

وعن أبى حميد الساعدى، قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أسد على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدى لى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: فهلا جلس فى بيت أمه أو في بيت أبيه فينظر أيهدّى إليه أم لا، فو الذى نفسى بيده لا يأخذ منها أحد شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، وإن كان شاة جاء بها تيعر (بفتح المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية بعدها مهملة مفتوحة، ويجوز كسرها) أى لها صوت شديد- ثم رفع يديه حتّى رؤيت صفرة إبطيه، ثم قال:«اللهم هل بلّغت، اللهم هل بلغت» .

وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر فروة بن عمرو البياضى أن يجمع غنائم خيبر في

ص: 332

حصن «نطاه» ، فجمع، وكان في أثناء الغنائم صحائف متعددة من التوراة، فجاءت يهود تطلبها، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بدفعها إليهم، ويوم جمع غنائم خيبر وأخذ سباياهم أمر النبى صلى الله عليه وسلم مناديا ينادى: أنّ من امن بالله واليوم الاخر «أن لا يصيب أحد امرأة من السبى غير حامل حتّى يستبرئها» (أى حتّى تحيض) .

وفي لفظ: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه ينادى: «أنّ من امن بالله واليوم الاخر لا يسق بمائة زرع الغير «1» ، ولا يطأ امرأة حتّى تنقضى عدتها (أى حتّى تحيض) » «2» .

ولم يزل يهود خيبر وأهل فدك على شروطهم بعد الفتح إلى أن أجلاهم عمر رضى الله عنه منها، ومن غيرها من بلاد العرب، وهى الحجاز- مكة والمدينة واليمامة وطرقها وقراها كالطائف لمكة وخيبر للمدينة- حيث بلغه أن النبى «3» قال في مرضه الذى مات فيه:«لا يجتمعن دينان بأرض العرب» «3» ، وفي رواية «بجزيرة العرب» ا. هـ.

والعرب أفضل الأجناس، وأعزهم نفسا، وأكرمهم أخلاقا، وأرقهم طباعا، وأكثرهم وفاء، وأجمعهم للخلال الكريمة، وأبعدهم عن الأخلاق الذميمة، وهم بحور الكرم والوفاء.

قال الأصمعى: وخصّت العرب بإطعام الطعام والأنفة من الضيم.

وقال المأمون: فضّلت العرب على سائر الأجناس يالسؤدد، ولو لم يكن فيهم إلا أنهم لا يصلحون للاسترقاق لكفى.

وأرق العرب طبعا: قريش، وأهل الحرمين.

وقال: اختصت العرب من بين الأنام بثلاث: العمائم تاجها، والسيوف سياجها، والشعر ديوانها. وإنما قيل الشعر ديوان العرب؛ لأنهم كانوا يرجعون

(1) كناية عن أنه لا يجوز له وطء امرأة حامل.

(2)

أو تضع حملها إن كانت حاملا. والله تعالى أعلم.

(3)

وفي لفظ لئن عشت إن شاء الله لاخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العربية رواه الترمذى والنسائى عن عمر، وفي لفظ اخر «لاخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتّى لا أدع إلا مسلما. رواه مسلم، وأبو داود، والترمذى عن عمر رضى الله عنه.

ص: 333

إليه عند اختلافهم في الأسباب والحروب ولأنه مستودع علومهم، وحافظ ادابهم، ومعدن أخبارهم، ولهذا قيل:

الشعر يحفظ ما أودى الزمان به

والشعر أفخر ما ينبى عن الكرم

لولا مقال زهير «1» فى قصائده

ما كنت تعرف جودا كان من هرم «2»

وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «العمائم تيجان، فإذا وضعوها وضع الله عزتهم» «3» .

ومن أعزّ العرب نفسا وأشرفهم همما الأنصار، وهم الأوس والخزرج، أبناء قيلة، لم يؤدوا إتاوة قط في الجاهلية إلى أحد من الملوك، وكتب إليهم تبّع أبو كرب يدعوهم إلى طاعته ويتوعدهم إن لم ينقادوا له، فكتبوا إليه:

العبد تبّع كم يوم قتالنا

ومكانه بالمنزل المتذلل

إنّا أناس لا ننام بأرضنا

عض الرسول هنا لأم «4» المرسل

فلما دنا لقتالهم كانوا يقاتلونه نهارا ويخرجون إليه القرى ليلا، فندم على «5» قتالهم، ورحل عنهم. وحسب الأنصار من الفضل ما يروى أنهم لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته يزداد وجعا طافوا بالمسجد، فأشفقوا من موته صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه الفضل فأخبره بذلك، ثم دخل عليّ رضى الله عنه فأخبره بذلك، ثم دخل عليه العباس فأخبره ذلك، فخرج صلى الله عليه وسلم متوكئا على عليّ والفضل، والعباس أمامه، والنبى صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس يخطّ برجليه حتّى جلس على أسفل مرقاة من المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وخطب خطبة ختمها بقوله:

«وأوصيكم بالأنصار خيرا؛ فإنهم الذين تبوّؤا الدار والإيمان من قبلكم، يحبون من هاجر إليهم، ألم يشاطروكم في الثمار؟ ألم يوسعوا لكم في الدنيا؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟» أ. هـ.

وبالجملة فكلّ واحد من العرب يرى في نفسه العزة، وأنه سيّد حيّه وقبيلته،

(1) الشاعر زهير بن أبى سلمى.

(2)

هرم بين سنان من أجواد العرب، مدحه زهير بن أبى سلمى.

(3)

وفي لفظ رواه الديلمى في مسند الفردوس عن أبى عباس العمائم تيجان العرب فإذا وضعوا العمائم وضعوا عزهم» ورواه البيهقى بزيادة «واعتمّوا تزدادو حلما» ورواه القضاعى أيضا.

(4)

الهن: الفرج، وهو استهزاء به وشتم له، والمقصود بالرسول هنا: الرسول الذى جاءهم بخطاب التهديد.

(5)

فى الأصل «ندم من» والأصح «على» .

ص: 334

وأكرمها، لا سيما رؤساؤهم الذين هم فيهم كالملوك، قال الشاعر:

وإذا سألت عن الكرام وجدتنى

كالشمس لا تخفى بكل مكان

(رجع) ثم سار صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان قد كتب إلى النجاشى يطلب منه بقية المهاجرين، ويخطب أمّ حبيبة- رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية ابن عبد شمس- فزوّجها للنبى صلى الله عليه وسلم ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بالحبشة، وأصدقها النجاشىّ عن النبى أربعمائة دينار، وبعثها مع شرحبيل بن حسنة في سنة سبع، وكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يدخلوا الذين حضروا من الحبشة في سهامهم من مغنم خيبر، ففعلوا، فما أحسن زواج الحضرة النبوية بهذه الكريمة الزكية على يد هذا الملك الموفق، والتابعى «1» الذى طلع بدره على سنية الإيمان وأشرق، فقد فاق هذا الملك النجاشى بما له من حميد الخلال نجاشى كافور الخال، الذى هو ملك الجمال.

وعلى ذكر الكافور فيحسن إيراد هذا الخبر المأثور، وهو: أنه لما جرح بعض الصحابة في بعض الغزوات، فعولج أن ينقطع دمه فلم ينقطع، فقال حسان:

ائتونى بكافور، فجىء له به، فلما وضعه على الجرح انقطع دمه، فقال له صلى الله عليه وسلم:

ممّ أخذت هذا؟ قال: من قول امرئ القيس:

فكّرت ليلة وصلها في هجرها

فجرت مدافع مقلتى كالعندم

فظفقت أمسح مقلتى بخدّها

إذ عادة الكافور إمساك الدم

فقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ من الشعر لحكمة» «2» .

* وفي هذه السنة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبلة بن الأيهم [اخر ملوك غسان] ودعاه إلى الإسلام، قال: فلما وصل إليه الكتاب أسلم وكتب جواب

(1) والنجاشى تابعى، لأنه لم ير النبى صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع به.

(2)

رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، عن أبىّ، والترمذى عن ابن مسعود، والطبراني عن عمرو بن عوف، وعن أبى بكر وأبو نعيم في الحلية، عن أبى هريرة والخطيب البغدادى عن عائشة وعن حسان بن ثابت، وابن عساكر عن عمر.

ص: 335

كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمه بإسلامه، وأرسل الهدية، وكان ثابتا على إسلامه إلى زمان عمر بن الخطاب، وفي خلافته قدم مكة للحج، وحين كان يطوف فى المطاف وطىء رجل من فزارة إزاره فانحلّ، فلطم الفزارى لطمة هشم بها أنفه وكسر ثناياه، فشكا الفزارى إلى عمر واستغاثه، فطلب عمر جبلة وحكم بأحد الأمرين: إما العفو وإما القصاص، قال جبلة: أتقتصّ له منّى سواء وأنا ملك وهو سوقى!! قال عمر: الإسلام سوّى بينكما لا فضل لك عليه إلا بالتقوى، قال: فإن كنت أنا وهذا الرجل سواء في هذا الدين فأنتصّر «1» ، قال عمر: إذا أضرب عنقك، قال: فأمهلنى إليه حتّى انظر في أمرى، فلما كان الليل ركب في بنى عمه وهرب إلى قسطنطينية وتنصّر هناك ومات مرتدا.

وبعض أهل الإسلام على أن جبلة عاد إلى الإسلام ومات مسلما.

* وفي هذه السنة اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاتم؛ ثبت في صحاح الأحاديث أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشى وغيرهم من الملوك إلى الإسلام، قيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم، أو مختوما، فصاغ النبى صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب، واقتدى به ذوو اليسار من أصحابه، فصنعوا خواتيم من ذهب، فلما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه، لبسوا أيضا خواتيمهم، فجاء جبريل عليه السلام من الغد، وقال:«لبس الذهب حرام لذكور أمتك» فطرح النبى صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح أصحابه أيضا خواتيمهم، ثم اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما حلقة وفصّه من فضة «2» ، ونقش فيه «محمد رسول الله» فى ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر. واقتدى به أصحابه فاتخذوا خواتيمهم من فضة.

(1) فى الأصل «فانتصر» وهو خطأ.

(2)

«كان خاتمه من فضة: فصه منه» رواه البخارى عن أنس. «كان خاتمه من ورق، وكان فصّه حبشيا» رواه مسلم عن أنس. «كان يتختم بالفضة في يساره» رواه مسلم عن أنس، وأبو داود عن ابن عمر، «كان يختم في يمينه» رواه البخارى والترمذى، ومسلم، والنسائى عن أنس وأحمد والترمذى، وابن ماجة، عن عبد الله بن جعفر. «كان يتختم في يمينه، ثم حوّله في يساره» رواه ابن عدى عن عبد الله بن عمر، وابن عساكر عن عائشة.

ص: 336

وفي هذه السنة بعث صلى الله عليه وسلم رسله إلى الملوك، وقيل: كان إرسال الرسل في اخر سنة ست، وجمع بعضهم بين القولين بأن إرسال الرسل كان في السنة السادسة، ووصولهم إلى المرسل إليهم كان في السنة السابعة، وقد سبق الكلام على بعث الرسل إلى الملوك في الفصل الرابع عشر من الباب الأوّل من المقالة الرابعة من الجزء الأوّل من هذا التاريخ، وسيأتى ذلك في الفصل الرابع من الباب السادس.

* وفي هذه السنة- فى ذى القعدة في الشهر الذى صدّه المشركون- كانت عمرة القضاء، ويقال لها عمرة القضية. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضى قريشا أى صالحهم عليها، ومن ثمّ قيل لها:«عمرة الصلح» ويقال لها عمرة «القصاص» ؛ قال السهيلى رحمه الله وهذا الاسم أولى لقوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ «1» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فتحصّل من أسمائها أربعة: «القضاء» ، و «القضية» ، و «الصلح» و «القصاص» لأنها كانت في شهر ذى القعدة من السنة السابعة، وهو الشهر الذى صده فيه المشركون عن البيت منها سنة ست، وليست قضاء عن العمرة التى صدّ عن البيت فيها، فإنها لم تكن فسدت بصدّهم له عن البيت، بل كانت عمرة تامة معدودة في عمرة صلى الله عليه وسلم التى اعتمرها صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، وهى أربعة: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، لما قسم غنائم حنين، والعمرة التى قرنها مع حجة فى حجة الوداع، بناء على ما هو الراجح من أنه كان قارنا، وكلها في ذى القعدة إلا التى كانت مع حجه.

وخرج صلى الله عليه وسلم قاصدا مكة للعمرة على ما عاقد عليه قريشا في الحديبية من أن يدخل مكة في العام القابل معه سلاح المسافر، ولا يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام، وأمر أصحابه أن يستمروا قضاء لعمرتهم التى صدهم المشركون عنها بالحديبية، وألايتخلف أحد ممن شهد الحديبية، فلم يتخلف منهم أحد، إلا من استشهد منهم بخيبر ومن مات. وخرج معه صلى الله عليه وسلم قوم من المسلمين عمارا غير الذين شهدوا الحديبية، وكانوا في عمرة القضاء ألفين، واستخلف على المدينة أبا رهم الغفارى، وقيل غيره، وساق ستين بدنة وقلّدها [أى جعل في عنق كل بعير قطعة جلد ليعلم أنها هدى] وجعل عليها ناجية بن جندب، وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) سورة البقرة: 194.

ص: 337

السلاح والدروع والرماح، وقاد مائة فرس عليها محمد بن مسلمة رضى الله عنه، وعلى السلاح بشير «1» بن سعد، فلما انتهى إلى ذى الحليفة قدّم الخيل أمامه، فقيل: يا رسول الله حملت السلاح وقد شرطوا ألاتدخلها عليهم بسلاح إلا بسلاح المسافر!! [السيوف في القرب] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل عليهم الحرم بالسلاح، ولكن يكون قريبا منّا، فإن هاجنا الهيج من القوم كان السلاح قريبا منه. ثم إن قريشا بعثت مكرز بن حفص في نفر من قريش إليه صلى الله عليه وسلم، فقالوا:«والله يا محمد ما عرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر وتدخل بالسلاح في الحرم على قومك وقد شرطت عليهم ألاتدخل إلا بسلاح المسافرا» [السيوف في القرب] فقال صلى الله عليه وسلم: إنى لا أدخل عليه بسلاح، فقال مكرز: هو الذى تعرف به: البر والوفاء، ثم رجع مكرر إلى مكة سريعا، وقال: إن محمدا لا يدخل بسلاح، وهو على الشرط الذى شرط لكم.

فلما اتصل خروجه لقريش خرج كبراؤهم من مكة حتّى لا يروه صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت هو وأصحابه عداوة وبغضا وحسدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة راكبا ناقته القصوى، وأصحابه محدقون به قد توشحوا السيوف، يلبّون، ثم دخل من الثنية، وهى تنية كداء بفتح أوله والمد (وهى طلعة الحجون التى بأعلى مكة ينحدر منها إلى المقابر على درب المعلاة) على طريق الأبطح ومنى، وعبد الله بن رواحة اخذ بزمام راحلته، وهو يمشى بين يديه ويقول:

خلوا بنى الكفّار عن سبيله

خلّوا؛ فكلّ الخير في رسوله

قد أنزل الرحمن في تنزيله

بأنّ خير القتل في سبيله

فاليوم نضربكم على تأويله

كما ضربناكم على تنزيله

وجعل صلى الله عليه وسلم السلاح في بطن بأجج (كيسمع وينصر ويضرب: موضع قريب من الحرم) وتخلّف عنده جمع من المسلمين من أصحابه، عليهم أوس بن

(1) هو: بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس (بضم الجيم) الأنصارى الخزرجى، شهد بدرا، والعقبة، وأحدا، والخندق، والمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قتل سنة 13 هـ (ثلاث عشرة هجرية) بعين النمر- (بلدة في طرف بادية على غربىّ الفرات، أكثر نخلها القسب- التمر اليابس- ويحمل منها إلى سائر الأماكن) .

ص: 338

خولى، وقعد جمع من المشركين بجبل «قعيقعان» «1» ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه وهم يطوفون بالبيت، وقد قال كفار قريش: إن المهاجرين أوهنتهم حمى يثرب، ثم قال صلى الله عليه وسلم:«رحم الله امرا أراهم من نفسه قوة» فأمر أصحابه أن يرسلوا الأشواط الثلاثة، أى ليروا المشركين أن لهم قوة، فعند ذلك قال بعضهم لبعض: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد أوهنتهم؛ إنهم لينفرون نفر الظبى؟!

وإنما لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالرمل في الأشواط كلها رفقا بهم، واضطبع صلى الله عليه وسلم بأن جعل وسط ردائه تحت عضده الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، ففعلت الصحابة رضى الله عنهم كذلك، وهذا أوّل رمل واضطباع في الإسلام، فكان ابن عباس يقول: كان الناس يظنون أنها ليست سنّة عليهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صنعها لهذا الحى من قريش، للذي بلغه عنهم حتّى حجّ حجة الوداع، فلزمها، فدلّ على أنها سنّة. ثم طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على راحلته، فلما كان الطواف السابع عند فراغه وقد وقف الهدى عند المروة، قال:«هذا المنحر، وكلّ فجاج مكة منحر» فنحر عند المروة وحلق هناك، وكذلك فعل المسلمون.

وأقام صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام، فلما تمت الثلاثة التى هى أمد الصلح، جاءه حويطب بن عبد العزى ومعه سهيل بن عمرو رضى الله عنهما- فإنهما أسلما بعد ذلك- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوانه إلى الخروج هو وأصحابه من مكة، فقالوا: نناشدك الله والعقد إلا ما خرجت من أرضنا، فقد مضت الثلاث. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه من مكة، وكان صلى الله عليه وسلم تزوّج ميمونة بنت الحارث الهلالية رضى الله عنها، وكان اسمها برّة، فسمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، وهى أخت أم الفضل زوج العباس رضى الله عنها، وأخت أسماء بنت عميس لأمها- زوج حمزة رضى الله عنه- وكان تزوّجه بها صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم بالعمرة وقيل: بعد أن حلّ منها، وقيل:

وهو محرم. وبنى بها في عوده من مكة بمحل يقال له «سرف» ككتف، بقرب التنعيم، على ثلاثة أميال من مكة، واتفق فيما بعد أنها ماتت بسرف ودفنت فيه، وفي بعض السير أنها لما اعتلّت بمكة قالت: أخرجونى من مكة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنى أنى لا أموت بها، فحملوها حتّى أتوا بها سرف، إلى الشجرة التى بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، فى موضع القبة، فماتت هناك سنة ثمان وثلاثين، وهناك عند قبرها سقاية.

(1) فى الأصل «قينقاع» وهو خطأ، وفي «المراصد» قعيقعان: جبل بمكة، الواقف عليه يشرف على الركن العراقى:(يعنى من الحرم الشريف) .

ص: 339

وفيها تحريم الحمر الأهلية، والنهى عن أكل كل ذى ناب من السباع، وفيها النهى عن متعة النساء بالضم والكسر، وهى أن يتزوج امرأة ليتمتاع بها مدة ثم يخلى سبيلها، وتحصل الفرقة بانقضاء الأجل بغير طلاق، ثم حلّلها يوم حنين، ثم حرّمها تحريما مؤبدا «1» .

وفيها جاءته مارية القبطية بنت شمعون، أهداها له المقوقس ملك مصر وإسكندرية وأختها سيرين مع هدية من ذهب وقدح من قوارير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب فيه، وهدية من عسل من بنها العسل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعسل بنها بالبركة، وبغلته دلدل- بضم الدالين، ولم يكن في العرب غيرها، وهى أوّل بغلة رؤيت في الإسلام وكانت بيضاء، وقيل شهباء، أهداها له أيضا المقوقس، وكان يركبها في السفر، وعاشت بعده حتّى كبرت وسقطت أضراسها، وكان يحشّ لها الشعير، وقيل: كانت ذكرا لا أنثى، وكل ذلك مع حاطب بن أبى بلتعة.

* وفي هذه السنة أيضا كان تزوّجه بأمّ حبيبة.

وفيها أسلم أبو هريرة، وعلى أشهر الأقوال اسمه «عبد شمس بن عامر» ، فسمّى فى الإسلام عبد الله»

، وقيل له: لم كنوك بأبى هريرة؟ قال: كنت أرعى غنم قومى، وكانت لى هريرة صغيرة ألعب بها، فكنونى بأبى هريرة، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا هرّ، وكان أحفظ أصحابه لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم واثاره، ولم يشتغل بالبيع ولا بالغرس، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين مختارا للعدم والفقر، ومروياته في كتب الأحاديث خمسة الاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثا.

* وفي هذه السنة قدم جعفر بن أبى طالب وأصحابه من الحبشة، وكان قد خرج في أثر المهاجرين، الهجرة الأولى التى كان أميرها عثمان بن عفان رضى الله عنه، فهاجر جعفر بن أبى طالب مع أصحابه وزوجته أسماء بنت عميس، فتتابع المسلمون إلى بلاد الحبشة، منهم من هاجر بأهله، ومنهم من هاجر بنفسه، ثم بلغ المهاجرين أن المشركين قد لانوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعوا إلى مكة، ثم

(1) قال صاحب «الروضة الندية» : «وهذا نهى مؤبد وقع في اخر موطن من المواطن التى سافر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعقبه موته بعد أربعة أشهر، فوجب المصير إليه» . وفي الصحيحن من حديث على: «أن النبى- صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر.

(2)

الأشهر أنه: عبد الرحمن بن صخر، ولم يختلف الناس في اسم كما اختلفوا في اسمه، لأنه اشتهر بكنيته رضى الله عنه.

ص: 340

بلغهم أنهم عادوا له بالشرّ، فرجعوا إلى الحبشة، ولم يدخل أحد منهم مكة إلا ابن مسعود فإنه دخل ثم خرج ومعه عدد كثير من المسلمين، وهذه هى الهجرة الثانية كما سبق التنويه إلى ذلك في الفصل الثانى في الهجرتين إلى الحبشة من الباب الثانى، وقد سبق أن المهاجرين يزيدون على مائة نفس. أحسن النجاشىّ جوارهم، ومكثوا امنين على دينهم، يعبدون الله كما يحبون، فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جمعت قريش مالا من كل ما يستطرف من متاع مكة، وأهدوه إلى النجاشى وبطارقته جميعا، وبعثوا به عمرو بن العاص وعمارة بن أبى معيط، فقدما على النجاشى والمهاجرون عنده بخير دار وأحسن جوار، فلما دخلا عليه سجدا له وقرّبا هداياهم إليه، فقبلها منهما، وقالا له: إن قومنا يحذرونك من هؤلاء الذين قدموا عليك؛ لأنهم قوم رجل خرج فينا يزعم أنه رسول الله، ولم يتابعه أحد منا إلا السفهاء، وقد كنا ضيّقنا عليهم فجاؤوا إليك؛ ليفسدوا عليك دينك وملكك فادفعهم إلينا لنكفيكهم. فغضب النجاشى عند ذلك، وقال:«والله لا أسلمهم إليكما حيث اختارونى على من سواى، حتى أدعوهم وأسألهم عمّا يقولون، فإن وجدت أنهم على خلاف ما تقولون أحسنت جوارهم ما جاورونى» . فأرسل إليهم ليجمعهم، فدخلوا عليه في مجلسه، وعمرو بن العاص عن يمينه وصاحبه عن يساره، والقسيسون والرهبان جلوس عنده، فلما انتهوا إليه قالوا لهم: اسجدوا للملك، فلم يسجدوا له، فلما سألهم النجاشى عن ذلك قالوا: ما نسجد إلا للذى خلقك وملّكك، وقد علّمنا نبيّنا الصادق تحية أهل الجنة، وهى: السلام. فعرف النجاشى أن ذلك حق، وأنه في التوراة والإنجيل، فقال: اختاروا من يتكلم عنكم، فقال جعفر: أنا أستأذن وأتكلم. فأذن له فقال جعفر للنجاشى: سل هذين الرجلين (يعنى عمرا وصاحبه) : أعبيد نحن أم أحرار؟ فقالا: بل أحرار كرام، فقال جعفر: سلهما هل أهرقتا دماء بغير حق فيقتص منا؟ فقال عمرو: لا، ولا قطرة، فقال جعفر:

سلهما هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤه؟ فقال النجاشى: إن كان قنطارا فعلىّ قضاؤه، فقال عمرو: ولا قيراط، فقال النجاشى: فما تطلبون منهم؟

قال عمرو: كنا وإياهم على دين واحد، وأمر واحد، على دين ابائنا، فتركوا ذلك واتبعوا غيره، فبعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من ابائهم وأعمامهم وعشائرهم لتدفعهم إلينا، فهم أعلم بما عابوا عليهم وعاينوه منهم. فقال النجاشى لجعفر وأصحابه: ما هذا الدين الذى اتبعتموه وفارقتم فيه دين قومكم، فلم تدخلوا في

ص: 341

ديتى ولا في دين أحد من الأمم؟ فقال جعفر: أيها الملك أمّا ما كنّا عليه فهو دين الشيطان؛ لأننا كنا قوما جاهلية، نكفر بالله ونأكل الميتة، ونأتى الفاحشة، ونقطع الأرحام، ونسىء الجار، ويأكل القوىّ منا الضعيف، وأما الدين الذى تحوّلنا إليه فدين الإسلام؛ فإن الله عز وجل بعث إلينا رسولا منا، نعرف صدقه وأمانته وعفافه، وهو الذى بشّر به عيسى ابن مريم عليه السلام فقال:(ومبشرا برسول يأتى من بعدي اسمه أحمد) ، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحّده ونعبده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة، (وعدّد إليهم أمور الإسلام) ، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر، وأن نخلع ما كنا نعبد نحن واباؤنا دونه من عبادة الأصنام من الحجارة والأوثان، فصدّقناه وآمنّا به، ومعه كتاب كريم مثل كتابكم الذى أنزل على عيسى بن مريم عليه السلام. فقال النجاشى:«تكلمات بأمر عظيم، فعلى رسلك» ، ثم أمر بضرب الناقوس، فاجتمع إليه كل قسيس وراهب، فلما اجتمعوا عنده، قال لهم: أنشدكم الله الذى أنزل الإنجيل على عيسى؛ هل تجدون بين عيسى وبين القيامة نبيا مرسلا؟ فقالوا: اللهمّ نعم، قد بشّرنا عيسى ابن مريم عليه السلام، وقال: من امن به فقد امن بى، ومن كفر به فقد كفر بى. فقال النجاشى: ماذا يقول لكم هذا الرجل؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟ قالوا: يقرأ علينا كتاب الله عز وجل، ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر، ويأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الجوار، وصلة الرّحم، وبرّ اليتيم، وكفّ الأذى، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل اليتيم وقذف المحصنات، فحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله عز وجل، وأن نستحلّ من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشق علينا ذلك، وحالوا بيننا وبين ديننا؛ خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، فأعجب النجاشى قوله، ثم قال له: هل عندك مما جاء به عن الله من شىء؟ قال جعفر: نعم، فقال النجاشى: اقرأه عليّ. فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم ففاضت عين النجاشى وأصحابه من الدمع، وقالوا: زدنا يا جعفر من هذا الحديث الطيب. فقرأ عليهم سورة الكهف، فقال النجاشى: إن هذا الكلام والذى أنزل على عيسى ليخرجان من مشكاة واحدة. ثم أقبل على جعفر وأصحابه، وقال: مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، وأنا أشهد أنه رسول الله الذى بشّر به

ص: 342

عيسى، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتّى أقبّل أعتابه، أمكثوا في أرضى ما شئتم. وأمر لهم بكسوة وطعام، وقال لعمرو بن العاص وصاحبه: انطلقا فو الله لا أسلمهم إليكما أبدا، ولا أكاد. فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لاتينهم غدا ولأعيبنّهم عنده بما استأصل به خفارتهم «1» ، فقال له صاحبه- وكان اتقى الرجلين-: لا تفعل؛ فإنهم أرحامنا، وإن كانوا قد خالفونا، قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن المسيح ابن مريم عبد، فلما كان الغد غدا إليه فقال له:

أيها الملك، إنهم يقولون في المسيح قولا عظيما، فأرسل إليهم واسألهم. فأرسل إليهم، فلما دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ [عليه الصلاة والسلام] فقال له جعفر: نقول فيه الذى جاءنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو عبد الله وروحه ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. ثم قرأ عليهم صدرا من سورة مريم فبكى النجاشى حتّى اخضلت لحيته بدموعه، وبكا «2» أساقفته حتّى اخضلت مصاحفهم «3» حين سمعوا ما تلى عليهم، وقال: والله يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد فيما يقولون عن ابن مريم. ثم قال لجعفر وأصحابه: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضى (والسيوم: الامنون) من سبّكم أو اذاكم غرم، ثم من سبكم أو اذاكم غرّم [ثلاث مرات] وقال: أبشروا ولا تخافوا، فلا دهونة «4» اليوم على حزب إبراهيم، فقال عمرو: يا نجاشى: ومن حزب إبراهيم؟ قال: هؤلاء الرهط، وصاحبهم الذى جاؤا من عنده ومن اتبعهم، فقال عمرو: بل نحن حزب إبراهيم، فاختصم الفريقان في إبراهيم، [فأنزل الله تعالى في ذلك اليوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة قوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [ال عمران: 68]، فقال النجاشى: إنما هديتكم لى رشوة فاقبضوها، فو الله ما أخذ الله منى الرشوة حين ملّكنى. فخرجا من عنده خائبين مردودا عليهما ما جاا به، وأقام جعفر وأصحابه ثم في خير دار وأحسن جوار.

ويفهم من فيض عين النجاشى وأصحابه بالدموع حين سمع قراءة جعفر رضى

(1) الخفارة: شدة الحياء، والخفير: المجاور، والمجير، والمعنى أنه يستفزه فلا يجيرهم بعد ذلك فيطردهم، وذلك يذهب بهاء وجوههم في زعه.

(2)

فى الأصل «وبكوا أساقفته» .

(3)

المصاحف: الصحف التى يقرؤن فيها، ومنه سمى المصحف مصحفا لأنه يكتب في صحائف.

(4)

أى لا تحريض ولا أذى.

ص: 343

الله عنه سورا من القران، أن له ولأصحابه معرفة بالعربية الفصيحة، فلعلّ بلاد هذا النجاشي المتملّك عليها هى الأراضى المجاورة لأرض اليمن، ويبعد أن تكون هذه السور ترجمت لهم من العربية بلسانهم، لأن الترجمة لا تؤثر في قلوبهم، حتى تفيض دموعهم، ويدلّ عليه فيض دموع الحبشة القادمين مع جعفر رضى الله عنه، لما تلا عليهم سورة يس، وقد تقدم في غزوة بدر أنّ غضب النجاشى على عمرو وأصحابه كان بحضور عمرو بن أمية الضمرى، وأن عمرو بن العاص طلب من النجاشى قتله! والخطب سهل؛ فلعل الواقعة تعددت، وبالجملة فالنتيجة واحدة: وهى أنه لم يقبل من عمرو بن العاص صرفا ولا عدلا في استجارة أصحابه صلى الله عليه وسلم.

وروت أمّ سلمة- رضى الله عنها- إذ نزل بالنجاشى من ينازعه في ملكه، قالت أم سلمة رضى الله عنها: فو الله ما علمنا حزنا قط أشد حزن حزناه عند ذلك تحرزا أن يظهر ذلك على النجاشى، فيأتى رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشى يعرفه، قالت: وسار النجاشى وبينهما ما عرض النيل «1» ، قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يخرج حتّى يحضر وقعة القوم؟ فقال الزبير بن العوام: أنا، فنفخوا له قربة فجعلها في صدره، ثم سبح عليها حتّى خرج إليهم وحضرهم، ودعونا الله للنجاشى بالظهور على عدوه، والتمكن له في بلده، فظهر واستوثق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* وفي سنة ست من الهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضّمرى- بفتح الضاد وسكون الميم- إلى النجاشى بكتاب يدعوه فيه إلى الإسلام، وكتب فيه ما صورته:

«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى النجاشى ملك الحبشة؛ أما بعد فإني أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أنّ عيسى ابن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة المطهّرة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه من روحه ونفخه كما خلق ادم بيده ونفخه، وإنى أدعوك إلى الله واحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن

(1) لأن النيل بينهم وبين بلاد من بلاد السودان فقد كانت الحرب هناك.

ص: 344

تتبعنى وتؤمن بى وبالذى جاءنى؛ فإني رسول الله، وقد بعثت إليكم ابن عمى جعفرا، ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاؤك فأقرهم «1» ودع التحيّر؛ فإني أدعوك وجنودك إلى الله تعالى، وقد بلّغت ونصحت، فاقبل نصيحتى. والسلام على من اتبع الهدى» .

فلما وصل إليه الكتاب أخذه ووضعه على عينيه، ونزل عن سريره وجلس على الأرض تواضعا وقرأه، وقال:«أشهد بالله أنه النبى الأمى الذى ينتظره أهل الكتاب، وأن بشارة موسى براكب الحمار «2» كبشارة عيسى براكب الجمل «3» » .

فأسلم وحسن إسلامه، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجابته وتصديقه وإسلامه على يد جعفر كتابا صورته:

«بسم الله الرحمن الرحيم.. إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشى أصحمة بن أبحر: سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته، لا إله إلا الله الذى هدانى للإسلام

أما بعد

فقد بلغنى كتابك يا رسول الله، فما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت «ثفروقا» «4» ، وقد عرفت ما بعثت به إلينا، وقد قرّبنا ابن عمك وأصحابه، وإنى أشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين، وقد بعثت إليك يا نبى الله ابنى أريحا، وإن شئت أن اتيك بنفسى فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته» .

[تنبيه] فتحصّل من ذلك أن النجاشى هذا هو أصحمة الذى هاجر إليه المسلمون في رجب سنة خمس من النبوة، وكتب إليه النبى صلى الله عليه وسلم كتابا يدعوه إلى الإسلام مع عمرو بن أمية الضمرى سنة ست من الهجرة، وأسلم على يد جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه، وتوفى في رجب سنة تسع من الهجرة، ونعاه النبى صلى الله عليه وسلم يوم توفى، وصلّى عليه بالمدينة، وأما النجاشى الذى ولى بعده وكتب إليه النبى صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام فكان كافرا لم يعرف إسلامه ولا اسمه، وقد خلط بعضهم ولم يميز بينهما.

(1) أى أحسن ضيافتهم.

(2)

عيسى عليه السلام.

(3)

محمد صلى الله عليه وسلم.

(4)

الثفروق (بضم الثاء) : قمع الثمرة أو ما يلتزق به قمعها.

ص: 345

ولما خرج جعفر رضى الله عنه من الحبشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث النجاشى أريحا ابنه في ستين رجلا من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركبوا سفينة في أثر جعفر وأصحابه، حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا، والحكمة في ذلك- والله سبحانه وتعالى أعلم- لو أنهم جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصلوا إليه، ربما كان الكفار والمنافقون يقولون:«إن محمدا ما به ملكة (أى قوة وسلطان) واشتد أزره بملك الحبشة وأصحابه» ، فأراد الله تعالى أن يظهر للناس كافة أن قوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله عز وجل، لئلا يشك في ذلك أحد أن قوته من ملك أو سلطان أو وزراء أو أعوان كما هو مصرّح به في بعض الكتب المعتبرة. ووافى جعفر وأولاده الثلاثة عبد الله، ومحمد، وعون، ومن دخل في الإسلام هناك على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر، فى سفينتين، وفيهم سبعون رجلا من الحبشة، عليهم ثياب الصوف، منهم اثنان وستون من الحبشة، وثمان من أهل الشام، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس إلى اخرها، فبكوا حين سمعوا القران، وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى، فأنزل الله تعالى: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى [المائدة: 82] ، يعنى وفد النجاشى الذين قدموا مع جعفر ابن أبى طالب، وكانوا من أهل الصوامع، وأما قوله تعالى: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ «1» الاية.

قال ابن عباس رضى الله عنهما (فى رواية عطاء) : يريد النجاشى وأصحابه، قرأ عليهم جعفر بالحبشة كهيعص [سورة مريم] ما زالوا يبكون حتّى فرغ جعفر من القراءة. كذا في تفسير البغوى رحمه الله تعالى.

ولما أقبل عليه صلى الله عليه وسلم جعفر رضى الله عنه، قام صلى الله عليه وسلم إلى جعفر وقبّله بين عينيه، وقال: ما أدرى بأيهما أسرّ بقدم جعفر أم بفتح خيبر؟.

وعن ابن عباس رضى الله عنهما لما قدم جعفر رضى الله عنه من أرض الحبشة، اعتنقه النبىّ صلى الله عليه وسلم وقبّله بين عينيه. وجعل ذلك أصلا لاستحباب المعانقة، وقال بعضهم إنها مكروهة، وحديث جعفر يحتمل أن يكون قبل النهى عنها، ولم يجب بذلك الإمام مالك رضى الله عنه؛ فإنه لما قدم سفيان بن عيينة رضى الله

(1) سورة المائدة: 82.

ص: 346

عنه فصافحه الإمام مالك، وقال: لولا أنها بدعة لعانقتك، فقال له سفيان: قد عانق من هو خير منك ومنى؛ النبى صلى الله عليه وسلم، قال الإمام مالك: تعنى جعفر بن أبى طالب؟، قال نعم: قال: ذاك حبيب خاص، ليس بعام، أى فذلك من خصوصياته، فقال له سفيان: أتأذن لى أن أحدثك بحديثك؟ قال: نعم. فقال:

حدثنى فلان عن فلان عن ابن عباس رضى الله عنهما، وذكر الحديث المتقدم عنه.

وأما المصافحة فقد جاء أن أهل اليمن لما قدموا المدينة صافحوا الناس بالسلام، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إن أهل اليمن قد سنّوا لكم المصافحة، وقال: من تمام محبتكم المصافحة «1» .

ولما رأى جعفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل، أى مشى على رجل واحدة، إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحبشة يفعلون ذلك للتعظيم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له:

«أشبهت خلقى وخلقى» ، وفي لفظ «جعفر أشبه الناس بى خلقا وخلقا» وكان صلى الله عليه وسلم يسميه «أبا المساكين» لأنه رضى الله عنه كان يحب المساكين، ويجلس إليهم، ويحدّثثهم ويحدثونه، وذكر بعضهم أنه لما قال له صلى الله عليه وسلم:«أشبهت خلقى وخلقى» رقص من لذة هذا الخطاب، ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم رقصه. وجعل ذلك أصلا لجواز رقص الصوفية عند ما يجدونه من لذة المواجدة في مجالس الذكر والسماع «2» .

(1) وفي رواية: «من تمام التحية الأخذ باليد» ، رواه الترمذى عن عبد الله بن مسعود.

(2)

لا لوم على المغلوب حقا، الذى سيطرت عليه لذة الذكر والسماع من وجد حقيقى لا ادعاء فيه، أما ما يتخذه شياطين اليوم من أدعياء التصوف فهو بدعة وضلالة، لا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنون، ولا من عنده ذرة من عقل.

ص: 347