المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وأما النساء الست اللاتى أهدر النبى صلى الله عليه وسلم دماءهن يوم الفتح - نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز - جـ ١

[رفاعة الطهطاوى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌[عملنا في هذا الكتاب]

- ‌مؤلفاته ومترجماته

- ‌الباب الأوّل فى مولده الشريف إلى بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌آباؤه:

- ‌طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم:

- ‌ومن كلام عمه أبى طالب:

- ‌[مولده] :

- ‌[أسماؤه صلى الله عليه وسلم] :

- ‌[طهارة مولده وشرفه] :

- ‌[زواج أبيه بأمه] :

- ‌[تعبده صلى الله عليه وسلم قبل البعثة] :

- ‌[رضاعه] :

- ‌الفصل الثانى فى ذكر عمل مولده الشريف، وإشهاره كلّ سنة وفيما جرى في مولده وفيما بعده من الوقائع

- ‌[الاحتفال بالمولد] :

- ‌والبدعة من حيث هى منقسمة إلى خمسة أقسام:

- ‌واجب:

- ‌وحرام:

- ‌ومندوب إليه:

- ‌ومكروه:

- ‌ومباح:

- ‌الفصل الثالث فى زواجه بخديجة بنت خويلد رضى الله تعالى عنها وما رزقه الله من الذرية منها

- ‌[أولاده من خديجة] :

- ‌الباب الثانى فى مبعثه صلى الله عليه وسلم، ودعائه الناس إلى الدين الحق. وهجرة المسلمين* إلى الحبشة، وخروجه إلى الطائف

- ‌الفصل الأوّل فى رسالته صلى الله عليه وسلم على رأس الأربعين إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا

- ‌كفالته عليّا:

- ‌[اشتداد الأذى عليه صلى الله عليه وسلم] :

- ‌الفصل الثانى فى الهجرتين إلى الحبشة

- ‌[مسألة الغرانيق وما سمّوه الايات الشيطانية] :

- ‌ وأما الهجرة الثانية:

- ‌الفصل الثالث فى خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف قبل هجرته إلى المدينة المشرّفة

- ‌الفصل الرابع في الإسراء به صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام وعروجه من المسجد الأقصي إلى السموات العلى

- ‌[مسألة رؤية الله] :

- ‌الباب الثالث فى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وما ترتب على ذلك من المظاهر الإسلامية والظواهر التعليمية. وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل فى الأسباب الباعثة علي هذه الهجرة والتمهيد لها

- ‌الهجرة إلى المدينة:

- ‌[التامر على الرسول صلى الله عليه وسلم في دار الندوة] :

- ‌الفصل الثانى فى سيره مهاجرا إلى المدينة مع صاحبه: صدّيقه رضى الله تعالى عنه وهو ابتداء التاريخ الإسلامى

- ‌مبدأ التأريخ الإسلامى:

- ‌[مسألة: الرسول صلى الله عليه وسلم والشّعر]

- ‌هجرة بقايا المسلمين من مكة:

- ‌[فرق اليهود] :

- ‌الأولى: التوراة، وهى خمسة أسفار

- ‌المرتبة الثانية: أربعة أسفار: تدعى الأولي:

- ‌المرتبة الثالثة: أربعة أسفار تدعى: الأخيرة:

- ‌المرتبة الرابعة: تدعى: الكتب، وهى أحد عشر سفرا:

- ‌الفصل الثالث في ذكر الظواهر الحادثة بعد الهجرة إجمالا

- ‌الباب الرابع فى تفاصيل الظواهر التى حدثت بعد هجرته عليه الصلاة والسلام إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل فى ظواهر السنة الأولى من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌[المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار]

- ‌الفصل الثانى في ظواهر السنة الثانية من الهجرة، وما فيها من الغزوات

- ‌[إسلام عمير بن وهب] :

- ‌الفصل الثالث في ظواهر السنة الثالثة من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل الرابع في ظواهر السنة الرابعة من الهجرة وما فيها من الغزوات

- ‌غزوة بنى النضير:

- ‌الفصل الخامس فى ظواهر السنة الخامسة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل السادس في ظواهر السنة السادسة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل السابع في ظواهر السنة السابعة ما فيها من الغزوات

- ‌الفصل الثامن في ظواهر السنة الثامنة وما فيها من الغزوات

- ‌ وأما النساء الست اللاتى أهدر النبى صلى الله عليه وسلم دماءهن يوم الفتح

- ‌الفصل التاسع في ظواهر السنة التاسعة وما فيها من الغزوات

- ‌الفصل العاشر فيما وقع من وفود العرب عليه صلى الله عليه وسلم، وفي حجة الوداع

- ‌الباب الخامس في وفاته صلى الله عليه وسلم وذكر بعض أخلاقه وصفاته، ومعجزاته، وأزواجه. وأعمامه، وعماته، وأخواله، ومواليه وخدمه، وحشمه صلى الله عليه وسلم، وفيه فصول

- ‌الفصل الأوّل في ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بذلك

- ‌الفصل الثانى فى ذكر بعض أخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌وخصائصه صلى الله عليه وسلم على أضرب:

- ‌الأوّل الواجبات:

- ‌الثانى

- ‌الثالث المباحات:

- ‌الرابع ما

- ‌الفصل الثالث في ذكر معجزاته

- ‌[كيفية نزول القران] :

- ‌الفصل الرابع فى ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم وقرابته ومواليه

- ‌جدول يضبط ما تفرّق من الغزوات التي سبق ذكرها تفصيلا

الفصل: ‌ وأما النساء الست اللاتى أهدر النبى صلى الله عليه وسلم دماءهن يوم الفتح

والعاشر: وحشىّ بن حرب، قاتل حمزة، وكان كثير من المسلمين حريصا على قتله، ويوم فتح مكة هرب إلى الطائف وأقام هناك إلى زمان قدوم وفد الطائف إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فجاء معهم ودخل عليه، وقال: أشهد ألاإله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أنت وحشي؟ قال: نعم، قال: أأنت قتلت حمزة؟ قال: قد كان من الأمر ما بلغك يا رسول الله، قال: اجلس واحك لى كيف قتلته، ولمّا قصّ عليه قصة قتله، قال: أما تستطيع أن تغيّب وجهك عني!

وكان وحشى بعد ذلك إذا رأى النبى صلى الله عليه وسلم يفرّ منه ويختفى.

والحادى عشر: عبد الله بن الزبعري، وكان من شعراء العرب، وكان يهجو أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ويحرّض المشركين على قتالهم، ويوم الفتح لما سمع أن النبى صلى الله عليه وسلم أهدر دمه هرب إلى نجران وسكنها، وبعد مدة وقع الإسلام في قلبه، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما راه من بعيد قال: هذا ابن الزبعري، ولما دنا منه قال: السلام عليك يا رسول الله، أشهد ألاإله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.

*‌

‌ وأما النساء الست اللاتى أهدر النبى صلى الله عليه وسلم دماءهن يوم الفتح

.

فإحداهن هند بنت عتبة، وهى امرأة أبى سفيان.

روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال، أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر جالس أسفل منه يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند ابنة عتبة- امرأة أبى سفيان- وهى متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعت بحمزة في كونها مثّلت به ومضغت كبده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبايعكن على ألاتشركن بالله شيئا، فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا يسرقن، فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أصبت من ماله هناة؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت فهو لك حلال، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم وعرفها، وقال لها: وإنك لهند؟ فقالت: نعم فاعف عما سلف يا نبى الله، فقال: عفا الله عنك، فقال: ولا يزنين، فقالت: أتزنى الحرة؟! فقال: ولا يقتلن أولادهن، فقالت: ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا، فأنتم وهم أعلم (وكان ابنها حنظلة بن أبى سفيان قد قتل يوم بدر) ، فضحك عمر رضى الله عنه حتّى استلقي، وتبسم صلى الله عليه وسلم؛ ولما قال صلى الله عليه وسلم: ولا يأتين ببهتان يفترينه، قالت:

ص: 365

والله إن إتيان البهتان لقبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. ولما قال:

ولا تعصيننى في معروف؛ قالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في معروف، فلما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول: كنا منك في غرور.

الثانية والثالثة «قريبة» بالقاف والمواحدة مصغرا، «والفرتنا» بالفاء المفتوحة والراء المهملة الساكنة والمثناة الفوقية والنون- كذا صحّحه القسطلانى في المواهب اللدنية، وهما قينتان «1» أى مغنيتان لابن خطل؛ وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتلهما مع ابن خطل- فأما «قريبة» فقتلت مصلوبة؛ وأما «فرتنا» ففرت حتّى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمّنها؛ فامنت.

الرابعة: مولاة بنى خطل: وقتلت يوم الفتح.

الخامسة: مولاة بنى عبد المطلب: وقيل مولاة عمرو بن صيفى بن هاشم.

السادسة: سارة: وهى التى حملت كتاب حاطب بن أبى بلتعة من المدينة ذاهبة إلى مكة إلى قريش؛ وأعطاها عشرة دنانير علي أن توصّل الكتاب إلى أهل مكة؛ وكتب في الكتاب: «من حاطب بن أبى بلتعة إلي أهل مكة؛ اعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم؛ فخذوا حذركم» .

وكانت تؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة؛ وتغيبت يوم الفتح حتّى استؤمن لها؛ فعاشت حتّى أوطأها رجل فرسا له في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها، وفي فتح البارى في شرح صحيح البخاري: أنها أسلمت.

* وأذّن بلال الظّهر على الكعبة، فقالت جويرية بنت أبى جهل: لقد أكرم الله أبى حين لم يشهد نهيق بلال على ظهر الكعبة. وقال الحارث بن هشام: ليتنى متّ قبل هذا. وقال خالد بن أسيد: لقد أكرم الله أبى فلم ير هذا اليوم. فخرج عليهم صلى الله عليه وسلم ثم ذكر لهم ما قالوه؛ فقال الحارث: أشهد أنك رسول الله؛ ما اطّلع على هذا أحد فنقول أخبرك. فقام على رضى الله عنه- ومفتاح الكعبة في يده- فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية. فقال صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن

(1) ومنه تعلم أن الغناء إنما هو من صناعة الخدم عند العرب.

ص: 366

طلحة؟ فدعاه؛ فقال: «هاك مفتاحك يا عثمان؛ إن الله استأمنكم على بيته؛ فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف.

وفي رمضان هذه السنة يوم الفتح أسلم أبو قحافة؛ والد أبى بكر رضى الله عنهما.

روى أن أبا بكر لما جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم بأبيه أبى قحافة ليسلم، قال له النبى صلى الله عليه وسلم: لم عنّيت الشيخ، ألا تركته حتّى أكون أنا اتيه في منزله؟! فقال أبو بكر:

بأبى أنت وأمي؛ هو أولى أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة أبى قحافة أم الخير- أم أبى بكر- قد أسلمت قديما في السنة السادسة من النبوة، واسم أبى قحافة عثمان بن عامر؛ توفى في السنة الرابعة عشرة من الهجرة، فى خلافة عمر، بعد وفاة أبى بكر رضى الله عنه بسنة، وكان ابن سبع وتسعين سنة.

قال ابن هشام: وبلغنى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة ودخلها، قام على الصفا يدعو وقد أحدقت الأنصار، فقالوا فيما بينهم: أترون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها؟ فلما فرغ من دعائه قال: ماذا قلتم؟ قالوا: لا شيء يا رسول الله. فلم يزل بهم حتي أخبروه، فقال صلى الله عليه وسلم:«معاذ الله، المحيا محياكم، والممات مماتكم» .

قال ابن إسحاق، وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة الاف، وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من رمضان سنة ثمان.

واستقرض صلى الله عليه وسلم من ثلاثة نفر من قريش: أخذ من صفوان بن أمية رضى الله عنه خمسين ألف درهم، ومن عبد الله بن أبى ربيعة أربعين ألف درهم، ومن حويطب بن عبد العزّي أربعين ألف درهم، فرّقها صلى الله عليه وسلم في أصحابه من أهل الضعف، ثم وفّاها مما غنمه من هوازن، وقال:«إنما جزاء السلف الحمد والأداء» «1» .

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حين فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة؛ ثم خرج إلى هوازن وثقيف، وقد نزلوا حنينا «2» .

(1) رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه عن عبد الله بن أبى ربيعة. بلفظ «الوفاء» بدل «والأداء» .

(2)

واد قريب من مكة، قبل الطائف، بجنب ذى المجاز سمى باسم حنين بن نائبة: رجل من العماليق؛ وكانت به الوقعة المشهورة.

ص: 367

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن خزاعة قتلت رجلا من بنى ليث، عام الفتح بقتيل لهم في الجاهلية، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بعد الظهر، مسندا ظهره الشريف إلى الكعبة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس: إنّ الله قد حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحلّ لأحد كان قبلي، ولا لأحد يكون بعدي، وإنما أحلت لى ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتى هذه، فلا ينفّر صيدها، ولا يختلى خلاؤها، ولا يعضّد شجرها، ولا تحلّ ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين؛ إما أن يود أو يقتد، فقال العباس بن عبد المطلب رضى الله تعالى عنه: إلا الإذخر: لصاغتنا ولسقف بيوتنا، قال صلى الله عليه وسلم:

إلا الإذخر «1» ثم ودي «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذى قتلته خزاعة، وهو ابن الأقرع الهذلى- من بنى بكر- فإنه دخل مكة وهو على شركه، فعرفته خزاعة فأحاطوا به، فطعنه منهم خراش بمشقص في بطنه حتي قتله، فلامه صلى الله عليه وسلم، وقال:

«لو كنت قاتلا مسلما بكافر لقتلت خراش «3» » -[والمشقص: ما طال من النصال وعرض]- قال ابن هشام: وبلغنى أنه أوّل قتيل وداه النبى صلى الله عليه وسلم.

وسرقت امرأة، فأراد صلى الله عليه وسلم قطع يدها، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد بن حارثة رضى الله عنهم، يستشفعون به، فلما كلّمه أسامة فيها تلوّن وجهه صلى الله عليه وسلم، وقال:

«أتكلمنى في حدّ من حدود الله تعالى؟!» فقال أسامة: استغفر لى يا رسول الله.

ثم قام صلى الله عليه وسلم خطيبا، فأثنى علي الله بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد، فإنّ ما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف

(1) وفي رواية: «إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ألا فإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ألا وإنها حلت لى ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتى هذه، حرام لا يختلى شوكها، ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها، إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يعقل، وإما أن يقاد أهل القتيل» متفق عليه، ورواه الإمام أحمد، وأبو داود. والخلا: الرطب من الحشيش، أى ولا يؤخذ حتّى حشيشها الرطب.

(2)

أعطى ديته.

(3)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل مسلم بكافر» رواه أحمد والترمذى وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وروى ابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» .

ص: 368

أقاموا عليه الحد، والذى نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها «1» » .

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرأة فقطعت يدها «2» .

ثم قام أبو شاه- رجل من أهل اليمن- فقال: اكتبوا إليّ يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا إلي أبى شاه. [قال الأوزاعي: يعنى الخطبة التى سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم] .

* وفي هذه السنة كانت غزوة حنين، وهي: غزوة هوازن.

وحنين اسم واد بقرب الطائف- بينه وبين مكة ثلاث ليال- وتسمّى غزوة «أوطاس» «3» وهو واد لهوازن.

وسبب غزوة حنين أنه لما فتحت مكة تجمعت هوازن بخيولهم وأموالهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقدّمهم مالك بن عوف النضري، وانضمت إليهم ثقيف، وهم أهل الطائف، وبنو سعد بن بكر، وهم الذين كان النبى صلى الله عليه وسلم مرتضعا عندهم «4» ، وحضر بنو جشم، وفيهم دريد بن الصمة، وقد جاوز المائة لرأيه، وقال رجزا:

يا ليتني فيها جذع

أخبّ فيها وأضع

فلما سمع النبى صلى الله عليه وسلم باجتماعهم، خرج من مكة لست خلون من شوال سنة ثمان من الهجرة، وكان يقصر الصلاة بمكة من يوم فتحها إلى خروجه هذا، وخرج معه اثنا عشر ألفا؛ ألفان من أهل مكة، والعشرة الاف التى كانت معه وفتح الله بها مكة، وانتهى إلى حنين، والمشركون بأوطاس، وقال رجل من

(1) وحاشاها أن تفعل، ولكنه مثال ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن الحدود لا يعفى منها أحد، ولو كان المحدود ابن الحاكم المؤتمر بأوامر الله لأقام عليه الحد كما فعل عمر بن الخطاب مع ابنه. وبهذا تستقيم الأمور، ويلتزم كل إنسان حده؛ لأنها أحكام الله، لا أحكام البشر.

(2)

هي امرأة من بنى مخزوم، والحديث في الصحيحين وأغلب كتب الحديث.

(3)

واد في ديار هوازن، فيه كانت وقعة حنين. (كذا في المراصد) .

(4)

قوم حليمة السعدية أم النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاعة رضى الله عنها.

ص: 369

المسلمين- لمّا رأى كثرة جيش المسلمين-: لن يغلب هؤلاء من قلة، وفي ذلك نزل قوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً [التوبة: 25] فلما التقوا انهزم المسلمون، لا يلوى أحد على أحد، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين في نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته، واستمر صلى الله عليه وسلم ثابتا، وتراجع المسلمون «1» واقتتلوا قتالا شديدا، وقال النبى صلى الله عليه وسلم لبغلته الدلدل «البدى البدي» فوضعت بطنها على الأرض، وأخذ حفنة من تراب فرمى بها في وجه المشركين، وقال:«شاهت الوجوه» (أى خضعت وذلت) فلم تبق عين إلا دخل فيها من ذاك التراب، فكانت الهزيمة عليهم، ونصر الله المسلمين، وأنزل الله تعالى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: 17] وقال عليه الصلاة والسلام: «أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب» «2» وهذا يدل على كمال شجاعته وتمام صولته وقوته صلى الله عليه وسلم؛ إذ في هذا اليوم الشديد اختار ركوب البغلة التى ليس لها كرّ ولا فرّ، كما يكون للفرس، ومع ذلك توجّه نحو العدو واحده، ولم يخف صفته ونسبه، وما هذا كله إلا لوثوقه بالله وتوكله عليه، وليس قوله صلى الله عليه وسلم:«أنا النبى لا كذب» إلى اخره من الشعر؛ لأن شرطه، كما تقدّم في بناء المسجد الشريف، أن يكون عن قصد ورويّة، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب، ولم يقل أنا ابن عبد الله؛ لأن العرب كانت تنسبه صلى الله عليه وسلم إلى جده عبد المطلب لشهرته، ولموت عبد الله فى حياته، فليس من الافتخار بالاباء الذى هو من عمل الجاهلية، كما تقدّم في قوله صلى الله عليه وسلم:«أنا ابن العواتك» «3» .

واستشهد من المسلمين أربعة، وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا، وأفضى المسلمون في القتال إلى الذرية، فنهاهم عن ذلك، ونادى مناديه:«من قتل قتيلا فله سلبه» «4» .

(1) أى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

متفق عليه، ورواه الإمام أحمد، والنسائى عن البراء. وللحديث روايات أخرى، منها:«أنا النبى لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، أنا أعرب العرب، ولدتنى قريش، ونشأت في بنى سعد بن بكر، فأنّى يأتينى اللحن» رواه الطبراني عن أبى سعيد.

(3)

ولفظ الحديث كما رواه سعيد بن منصور الطبراني: «أنا ابن العواتك من سليم» .

(4)

وفي لفظ: «من قتل كافرا فله سلبه» متفق عليه، ورواه أبو داود، والترمذى عن قتادة، وأحمد وأبو داود عن أنس، وأحمد وابن ماجه عن سمرة.

ص: 370

ولما فرغ صلى الله عليه وسلم من حنين بعث عبيدا [أبا عامر الأشعري] لغزوة أوطاس لطلب دريد بن الصمة وأصحابه، فهزمهم وقتلهم، واستشهد أبو عامر رضى الله عنه بعد قتله جماعة منهم، وكان في السبى الشيماء أخته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، واسمها «حذافة» ، وإنما غلب لقبها، فلا تعرف في قومها إلا به «1» .

ولما هزم رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، وأمر بطلبهم، قال لجيشه:«إن قدرتم على بجاد- رجل من بنى سعد- فلا يفلتنّ منكم» ، فأخذته الخيل وضمّوه إلى الشيماء بنت الحارث (ويكني أبا ذؤيب كما يكنى بأبى كبشة) أخت النبي صلى الله عليه وسلم، وأتبعوهم فى السباق، وتعبت الشيماء بتعبهم، فجعلت تقول: والله أخت صاحبكم، فلم يصدّقوها، فأخذها طائفة من الأنصار، وكانوا أشدّ الناس على هوازن، فأتوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا محمد إنى أختك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما علامة ذلك؟ فأرته عضة بإبهامها، وقالت: هذه عضضتنيها وأنا متوركة بوادى السدر ونحن يومئذ نرعى بهم أبيك وأبي، وأمك وأمي، وتذكّر يا رسول الله حلابى لك عنز أبيك. فعرف رسول الله العلامة فوثب قائما فبسط رداءه، ثم قال: اجلسى عليه، ورحّب بها، ودمعت عيناه، وسألها عن أمه وأبيه فأخبرته بموتهما «2» ثم قال: إن أحببت فأقيمى عندنا محبّبة مكرّمة، وإن أحببت أن ترجعى إلى قومك وصلتك ورجعت إلى قومك» قالت: بل أرجع إلى قومى. فأسلمت وأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أعبد وجارية، وأمر لها ببعير أو بعيرين، وسألها من بقى منهم، فأخبرته بأخيها وأختها وبعمها، وأخبرته بقوم سألها عنهم، ثم قال:«ارجعى إلى الجعرانة تكونين مع قومك، فإني أمضى إلى الطائف» . فرجعت إلى الجعرانة،

(1) واسمها حذافة (بالحاء المهملة)، ويقال: جذافة (بالجيم والذال المعجمتين) بنت الحارث، ولقبها «الشيماء» أو الشمّاء، وقد أكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءت مسلمة، فهي أخت النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وصحابية جليلة رضى الله عنها.

(2)

كون أبيه وأمه من الرضاعة ماتا قبل ذلك غير صحيح؛ لأن حليمة السعدية رضى الله عنها (أمّ النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاع) جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم يوم حنين أيضا فقام لها النبى صلى الله عليه وسلم وبسط لها رداءه، وأسلمت. وروى حديث الرضاعة عنها: أبو يعلي، وابن حبان في صحيحه، وفي «السيرة الكبري» لابن إسحاق، ورواه أبو داود، وابن منده وغيرهم، وصرّحوا فيه برواية عبد الله بن جعفر عنها، وأبوه من الرضاع أيضا أسلم بعد انتقال النبى صلى الله عليه وسلم، أسلم وحسن إسلامه.

ص: 371

ووافاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، فأعطاها نعما وشاء، وكلّمته في بجاد: أن يهبه لها ويعفو عنه، ففعل صلى الله عليه وسلم.

وقد سبق بعض ذلك في الفصل الأوّل من الباب الأوّل من المقالة الخامسة من الجزء الثانى.

* وورد في الحديث النبوى أنه صلى الله عليه وسلم خرج وهو محتضن أحد ابنى ابنته رضى الله عنها وهو يقول: «إنكم لتجبّنون وتبخلّون، وتجهّلون، وإنكم لمن ريحان الله، وإنّ اخر وطأة «1» وطئها الله بوج «2» » انتهى.

قال العلماء: إن هذا الحديث من خفيّ التعريض وغامضه؛ فإن «وج» واد من الطائف، و «حنين» واد قبله، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة حنين؛ لأن غزوة حنين اخر غزوة أوقع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين، وأما غزوتا الطائف وتبوك اللتان كانتا بعد حنين فلم يكن فيهما وطأة، أى قتال، وإنما كانتا مجرد خروج إلى الغزو من غير ملاقاة عدوّ ولا قتال، ووجه عطف هذا الكلام، وهو قوله صلى الله عليه وسلم «وأن اخر وطأة وطئها الله بوج» على ما قبله من الحديث، وهو التأسف على مفارقة أولاده لقرب وفاته؛ لأن غزوة حنين كانت في شوال سنة ثمان، ووفاته كانت في ربيع الأوّل من سنة إحدى عشرة، وبينهما سنتان ونصف، فكأنه قال:

وإنكم لمن ريحان الله أى من رزقه، وأنا مفارقكم عن قريب، إلا أنه صانع عن قوله:«وأنا مفارقكم عن قريب» على سبيل التعريض بقوله «وإن اخر وطأة وطئها الله بوج» إشارة لما أراده وقصده من قرب وفاته، بحصول الغزوة المؤزرة.

* وفيها توفيت زينب. وفيها غلا السعر، فقالوا: سعّر لنا» .

(1) الوطأة: الضغطة، كما في الحديث الشريف «اللهم اشدد وطأتك على مضر» وفي «المقاصد الحسنة» للسخاوي، ما لفظه:«ومن حديث عمر بن عبد العزيز قال: «زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو محتضن حسنا وحسينا، وهو يقول: «إنكم لتجبّنون وتجهّلون، وإنكم من ريحان الله» وفيه بحث جيد فانظر ص 453.

(2)

«وج» واد بالطائف كانت به غزاة للنبى صلى الله عليه وسلم اهـ. مراصد.

(3)

فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله هو المسعّر القابض الباسط الرزاق، وإنى لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبنى بمظلمة في دم ولا مال» رواه الإمام أحمد وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، والبزار، وأبو يعلي. وصحح الحديث ابن حبان والترمذي.

ص: 372

وفيها ولد إبراهيم ابن النبى عليه الصلاة والسلام.

وفيها مات حاتم الطائي، وكان شاعرا مجيدا يضرب بجوده المثل.

وقيل: مما ورد أن الذين تأسّف عليهم النبى صلى الله عليه وسلم في زمن الفترة كانوا أربعة:

الأوّل: الملك أنوشروان لعدله، والثاني: أبو طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم لبرّه، والثالث:

حاتم الطائى لكرمه، والرابع: امرؤ القيس لشعره «1» .

ففى غزوة حنين وسرية أوطاس وقع من إعلاء كلمة الله وإظهار شوكة الإسلام ما لا مزيد عليه، ونال فيها كثير من المسلمين أجر الشهادة، وانهزمت ثقيف إلى الطائف، وكان هذا سبب غزوة الطائف.

وفي هذه السنة كانت غزوة الطائف: والطائف بليدة كثيرة الفواكه، وهي أبرد مكان بالحجاز، وربما جمد الماء في ذروة الجبل التى هى على ظهره، وأكثر ثمرها الزبيب، وهى طيبة الهواء ينتجع إليها أغنياء مكة أيام الصيف لذلك.

وسبب هذه الغزوة أنه لما انهزمت ثقيف من حنين إلى الطائف، وأغلقوا مدينتهم، سار النبيّ صلى الله عليه وسلم وحاصرهم نيفا وعشرين يوما، وقاتلهم بالمنجنيق، ودخل نفر من المسلمين تحت دبابة (بدال مهملة وباءين مواحدتين بينهما ألف لينة اخره هاء: الة تتخذ للحروب، فتدفع في أصل الحصن، فينقبون وهم في جوفها) ودنوا إلى سور الطائف، فصبّوا عليهم سلك الحديد المحمى ورموهم بالنبل، فأصابوا منهم قوما، وأمر صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم، ثم رحل عنهم ونزل

(1) لو أنه ورد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء لكان على العين والرأس، ولكنه قيل علي الظّنّة، ولذلك قال الحليمى رحمه الله تبارك وتعالى:«إطلاق العادل عليه لتعريفه بالاسم الذى كان يدعى به، لا لوصفه بالعدل والشهادة له بذلك، بناء علي اعتقاد المعتقدين فيه، إلى أن قال: «ولا يجوز أن يسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحكم بغير حكم الله عادلا» اهـ. وأما امرؤ القيس فقال فيه عليه الصلاة والسلام: «امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار» رواه الإمام أحمد، وقال أيضا:«امرؤ القيس قائد لواء الشعراء إلى النار؛ لأنه أحكم قوافيها» رواه أبو عروبة في الأوائل، وابن عساكر. ومن المعروف أن أهل الفترة ناجون إلا جماعة ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاسم منهم امرؤ القيس، ومن المعروف أن امرأ القيس كان رجل خمر ونساء، وذا لسان مقذع في وصف النساء، مما كان يهيج العرب ويوقع بعضهم ببعض، والله تعالى أعلم.

ص: 373

بالجعرانة، واجتمعت فيها الغنائم، وأتى إليه بعض هوازن ودخلوا عليه يستعطفونه، وقالوا: قد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، وإنّ فيمن أصبتهم الأمهات والأخوات، والعمات والخالات (يريدون: عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتى كن يكفلنك لأن مرضعته صلى الله عليه وسلم من هوازن) ونرجو عطفك. فقال صلى الله عليه وسلم:

«إنّ أحسن الحديث أصدقه؛ أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ فاختاروا إحدى الطائفتين، إما السبى وإما المال» ، فقالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا، اردد علينا نساءنا وأبناءنا، فهو أحب إلينا ولا نتكلم في شاة ولا بعير. فردّ عليهم نصيبه ونصيب بني عبد المطلب، قائلا:«أما ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم، وإذا أنا صليت الظهر بالناس فقوموا وقولوا: إنّا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في نسائنا وأبنائنا، فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم، فلمّا صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر قاموا إليه فتكلموا بالذى أمرهم به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أثنى على الله بما هو أهله: «أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء جاؤا تائبين، وإنى رأيت أن أردّ إليهم سبيهم فمن أحبّ أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظّ حتّى نعطيه إياه من أوّل ما يفيء الله علينا فليفعل، هؤلاء القوم جاؤا مسلمين، وقد خيّرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئا، فمن كان عنده من النساء سبى وطابت نفسه أن يردّه فليردّه» ، قال الناس: رضينا وسلّمنا. فردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم، ثم لحق مالك بن عوف مقدّم هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه، واستعمله في قومه وعلى من أسلم من تلك القبائل، وكانت عدة السبى الذى أطلقه ستة الاف.

وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه سبى هوازن، كان ممن عرض عليه بنت حاتم الطائي، فقالت: يا رسول الله أنا بنت من كان يحمل الكلّ (أى الشيء الذى يحصل منه التعب) ويكسب المعدوم (أى يعطيه له تبرعا) ويعين على نوائب الزمان، أنا بنت حاتم الطائي، فمنّ عليها صلى الله عليه وسلم وردّ لها مالها: وقال:

«أكرموا عزيز قوم ذلّ، وغني قوم افتقر» ، فقالت: يا رسول الله وصويحباتي؟

فقال: «وصويحباتك، كريمة بنت كريم» فقالت: يا رسول الله أتأذن لى أن أدعو لك بدعوات؟ فأذن لها، وقال لأصحابه: أنصتوا وعوا، فقالت: «شكرتك يد افتقرت بعد غني، ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر، وأصاب الله بمعروفك مواضعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلبت نعمة عن كريم إلّا وجعلت

ص: 374

سبيا لردّها، وحسبك هذا في اصطناع المعروف وإغاثة الملهوف» وقد سبق التنويه إلى ذلك في الفصل الثانى من الباب الخامس من المقالة الخامسة من الجزء الثانى من هذا التاريخ.

قال القاضى محمد بن سلامة القضاعى في كتاب «الأنباء» : كان بها من السبايا ستة الاف، ومن الإبل والغنم ما لا يدرى عدده، واستعمل أبا الجهم بن حذيفة بن غانم القرشى على النفل (أى الغنيمة) يوم حنين.

وذكر ابن الأثير في «الكامل» في أخبار يوم حنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسبايا والأموال فجمعت إلى الجعرانة (وهى ما بين الطائف ومكة) وجعل عليها بديل بن ورقاء الخزاعي، انتهى.

وبالجعرانة قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الغنائم.

وقيل: كانت عدّة الإبل أربعة وعشرين ألفا، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، ومن الفضة أربعة الاف أوقيه، وأعطى المؤلّفة قلوبهم مثل: أبي سفيان وابنيه (يزيد ومعاوية) وسهل بن عمرو، وعكرمة بن أبى جهل، والحارث بن هشام (أخا أبى جهل) ، وصفوان بن أمية، وغيرهم من قريش، وكذلك أعطى الأقرع ابن حابس التميمي، وعيينة بن حصن، ومالك بن عوف مقدّم هوازن، فأعطى لكل واحد من الأشراف مائة من الإبل، وأعطى الاخرين أربعين أربعين، وأعطى العباس بن مرداس السلمي أباعر لم يرضها، وقال في ذلك أبياتا:

أتجعل نهبي ونهب العبي

د بين عيينة والأقرع

وما كان حصن ولا حابس

يفوقان مرداس في مجمع

وما كنت دون امرئ منهما

ومن تضع اليوم لم يرفع

أى ومن تخفضه بعدم الإعطاء لا يرتفع بعد ذلك، والعبيد بضم العين اسم فرسه.

ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «اقطعوا عنّى لسانه «1» » فأعطى حتّى رضي،

(1) هذا من ألطف الكنايات وأجملها، إذ معناه أنه يقول لهم: سدوا حاجته حتّى لا يسأل بلسانه مرة أخرى، وفيه دعوة إلى أدب استعمال اللفظ.

ص: 375

ومدح النبى صلى الله عليه وسلم فقال:

رأيتك يا خير البريّة كلّها

نشرت كتابا جاء بالحق معلما

شرعت لنا دين الهدى بعد حودنا

عن الحق لمّا أصبح الحق مظلما

فمن مبلغ عنى النّبىّ محمدا

وكل امرئ يجزى بما كان قدّما

أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجه

وكان قديما ركنه قد تهدّما

تعالى علوّا فوق عرش إلهنا

وكان مكان الله أعلى وأعظما

ويقال إنه أنشد هذه الأبيات وامتدح بها النبى صلى الله عليه وسلم فأعطاه خلّة قطع بها لسانه، أى بقية من الغنيمة.

ولما فرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم ولم يعط الأنصار من ذلك شيئا، وجدوا في أنفسهم «1» ، فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال: إن قريشا حديثو عهد بالجاهلية، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ قالوا: بلي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار «2» ، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار» «3» .

ويومئذ قال ذو الخويصرة «من تميم» : لم تعدل هذه القسمة، ولا أريد بها وجه الله، فقال صلى الله عليه وسلم:«سيخرج من ضئضيء (أى أصل) هذا الرجل قوم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرميّة، لا يجاوز إيمانهم تراقيهم» فخرج منه حرقوص بن زهير البجلى المعروف بذى الثدية؛ لأن في رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض أوّل من بويع من الخوارج بالإمامة، وأوّل مارق من الدين.

والخوارج قوم يكفّرون مرتكب الكبيرة، ويحكمون بحبوط عمل مرتكبها،

(1) أى حزنوا في أنفسهم، وليست من موجدة الغضب: معاذ الله.

(2)

ولفظ الترمذى- كما جاء في الفتح الكبير- «إن قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، وإنى أردت أن أحبوهم وأ تألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادى الأنصار وشعبهم» .

(3)

رواه ابن ماجه بلفظ «رحم الله» والباقى سواء.

ص: 376

وتخليده في النار، ويحكمون بأن دار الإسلام تصير بظهور الكبائر فيها دار كفر، ولا يصلّون جماعة.

ثم اعتمر صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، وعاد إلى المدينة، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وهو شاب لم يبلغ عشرين سنة، وترك معه معاذ بن جبل يفقه الناس، فحجّ بالمسلمين هذه السنة عتّاب المذكور، وهو أوّل أمير أقام حج الإسلام، وكان عليه الورع والزهد، وحجّ المشركون على مشاعرهم.

وفي هذه السنة أسلم عروة بن مسعود الثقفى رضى الله عنه، وكان من حديث ثقيف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم من الطائف اتبع أثره عروة بن مسعود حتي أدركه قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنهم قاتلوك» فقال عروة: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبصارهم. وكان فيهم كذلك محيّبا مطاعا، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء ألايخالفوه لمنزلته فيهم، فلما أشرف لهم على عليّة «1» له وقد دعاهم إلي الإسلام، وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل جهة، فأصابه سهم فقتله، فقيل له: ما ترى في دمك؟ قال: كرامة أكرمنى الله بها، وشهادة ساقها الله إليّ فليس فيّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنونى معهم. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنّ مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه» .

(1) العليّة: الغرفة، وجمعها: العلالى.

ص: 377