الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثانى فى الهجرتين إلى الحبشة
* الهجرة الأولى إلى الحبشة: ولما رأى ما يصيب أصحابه من البلاء والتعذيب في الإسلام، والفتنة، ورأى ما هو فيه من العافية من الله تعالى، ثمّ من عمه أبى طالب، وأنه لا يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، أذن صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة في رجب سنة خمس من النبوة، وقال لهم:«إن بها ملكا لا يظلم الناس ببلاده، فتحوّزوا «1» عنده حتّى يأتيكم الله بفرج منه» .
وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش، فخرجوا متسللين سرا وعدّتهم اثنا عشر رجلا وأربع نسوة، وكان فيهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلوا بسفينتين للتجارة كانتا مسافرتين لذلك، حتى وصلوا للنجاشى ملك الحبشة، فكانت هذه هى أوّل هجرة في الإسلام. وكان قد خرج أثر المهاجرين جعفر بن أبى طالب مع أصحابه وزوجته أسماء بنت عميس، فتتابع المسلمون إلى الحبشة؛ فمنهم من هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه، ولهذا صحّ للمسلمين قديما وحديثا الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام، ومن ديار الفسق إلى ديار الطاعة «2» ؛ فعلى المسلم أن ينتقل إلى الأرض التى يخفّ فيها الفسق أو الكفر إذا لم يجد دارا محضة لأهل الإسلام والتقوي، ويشهد لذلك هجرة المسلمين من مكة، وهى إذ ذاك دار كفر وجاهلية إلى أرض الحبشة، وهى دار كفر وأهل كتاب.
(1) يقال: تحوّز الرجل: تمكّث وتلبّث.
(2)
قول غير صحيح على إطلاقه؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية» وذلك لأن المسلمين في وقت الدعوة في مكة لم يكن أمامهم إلا الهجرة، أما وقد فتحت مكة، فقد فتحت الأرض بعدها سهولها وجبالها وأوديتها للمسلمين ينشرون فيها الإسلام، وأصبحت بلاد المسلمين واسعة الأطراف، فإذا كان في بلد من بلاد المسلمين بدعة من البدع، فالثبات هو الفرض على كل مسلم لإزالة هذه البدعة، والخروج من هذه البلاد فرار يعاقب عليه. والهجرة نفسها لم تكن هروبا، وإنما كانت بحثا عن أرض تصلح للدعوة، فلما أمروا بالمدينة رجعوا إليها واستقرت بها الأمور، وكان الفتح المبين، ونصر الله دينه وأعزه، فلا هجرة بعد ذلك ولكن جهاد ونية. والله تعالى أعلم.
وإنما تجب المهاجرة من أرض البدعة ما لم يتمكن المقيم بها من وظيفة حسنة كالإرشاد والهداية، فالمقام بهذا القصد أولي؛ لأن الخروج سلامة، والمقام كرامة، ولهذا لم يهاجر إلى الحبشة إلا البعض ممن حسنت هجرته، لا سيما المستضعفين «1» .
* وفي أثناء مكث المهاجرين بالحبشة في الهجرة الأولى أسلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه سنة خمس من النبوة بعد إسلام حمزة رضى الله عنه بثلاثة أيام. قال ابن عباس: لما أسلم عمر بن الخطاب قال جبريل للنبى صلى الله عليه وسلم: يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر، فإن المشركين قالوا: قد انتصف القوم اليوم منا، وأنزل الله تعالى على المصطفى صلى الله عليه وسلم: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64] وكان أمر المسلمين قبله على غاية من الخفاء، وبعده على غاية من الظهور.
وسبب إسلامه أنه وجد مع أخته بعض ايات من القران من سورة الأنبياء، وكانت خبّأتها عنه، فسلبها من يدها غصبا، فقرأها، فحلت في قلبه محل الإعجاب، وأفحمه لفظها ومعناها، فذهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأسلم على يديه، وكان ذلك إجابة لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك:
عمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام» (اسم أبى جهل) فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب، فكان عز الإسلام بعمر بن الخطاب.
وذكر الدار قطنى أن عائشة قالت: إنما قال النبى صلى الله عليه وسلم: «اللهم أعزّ عمر بالإسلام» لأن الإسلام يعزّ ولا يعز، وكان دعاؤه صلى الله عليه وسلم بذلك يوم الأربعاء، فأسلم عمر يوم الخميس، وكان عمر لا يرام ما وراء ظهره، فامتنع به وبحمزة الصحابة.
وفي البخاري: «لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره وقالوا: صبأ عمر، فبينما هو في داره خائفا إذ جاءه العاص بن وائل، وقال له: ما لك؟ قال: زعم قومى أنّهم يقتلوننى إن أسلمت، قال: أمنت؛ لا سبيل إليك. فخرج العاص فلقى الناس
(1) هم الذين كانوا يعذّبون في مكة.