المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[باب الإحصار] قوله: (ولنا أن الآية الإحصار فسرت بالمرض بإجماع أهل - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ٣

[ابن أبي العز]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحج

- ‌فصل

- ‌باب الإحرام

- ‌[فصل]

- ‌[باب القرآن]

- ‌[باب التمتع]

- ‌باب الجنايات

- ‌[فصل]

- ‌[باب مجاوزة الوقت بغير إحرام]

- ‌[باب إضافة الإحرام إلى الإحرام]

- ‌[باب الإحصار]

- ‌[باب الفوات]

- ‌[باب الحج عن الغير]

- ‌باب الهدي

- ‌[مسائل منثورة]

- ‌[كتاب النكاح]

- ‌[فصل في بيان المحرمات]

- ‌باب الأولياء والأكفاء

- ‌فصل في الكفاءة

- ‌(فصل في الوكالة في النكاح وغيرها)

- ‌[باب المهر]

- ‌[فصل]

- ‌[باب نكاح الرقيق]

- ‌[باب نكاح أهل الشرك]

- ‌[باب القسم]

- ‌[كتاب الرضاع]

- ‌[كتاب الطلاق]

- ‌[باب طلاق السنة]

- ‌[فصل]

- ‌[باب إيقاع الطلاق]

- ‌[فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان]

- ‌[فصل]

- ‌[فصل في تشبيه الطلاق ووصفه]

- ‌[فصل]

- ‌[باب تفويض الطلاق]

- ‌فصل في الاختيار

- ‌فصل في الأمر باليد

- ‌[فصل في المشيئة]

- ‌باب الأيمان في الطلاق

- ‌فصل في الاستثناء

- ‌باب طلاق المريض

- ‌باب الرجعة

- ‌فصل فيما تحل به المطلقة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الخلع

- ‌باب الظهار

- ‌[فصل في الكفارة]

- ‌باب اللعان

- ‌باب العنين وغيره

- ‌باب العدة

- ‌فصل

- ‌باب ثبوت النسب

- ‌باب الولد من أحق به

- ‌فصل

- ‌[باب النفقة]

- ‌فصل

- ‌[فصل]

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌[باب الإحصار] قوله: (ولنا أن الآية الإحصار فسرت بالمرض بإجماع أهل

[باب الإحصار]

قوله: (ولنا أن الآية الإحصار فسرت بالمرض بإجماع أهل اللغة، فإنهم قالوا: الإحصار بالمرض والحصر بالعدو)، وفي بعض نسخ الهداية (وردت في الإحصار بالمرض).

فيه نظر، ولا يصح تفسير الآية بالمرض وحده، ولا أن يكون قد وردت في الإحصار بالمرض وحده، ولابد من التنبيه على أن الحصر بالعدو مراد بالآية؛ فإن سبب نزول الآية هو الحصر بالعدو في عمرة الحديبية، حين صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن المسجد الحرام، ولابد من دخول حكم ما كان سبب نزول الآية فيها، ولهذا لم يقل أحد أن حكم الإحصار يكون بالمرض ولا يكون بالعدو، وإنما اختلفوا: هل يكون الإحصار بالعدو ولا يكون

ص: 1151

بالمرض، أو يكون بالعدو والمرض ونحوه من الأعذار على قولين. وهذا هو مردا المنصف. وقد صدر به الباب. والعبارة السديدة في ذلك أن الإحصار يكون أعم من الحصر، والحصر أخص منه، لا يكون إلا بعدو، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. والقول بأن الإحصار يكون بهما، والحصر بالعدو وحده منقول عن ابن قتيبة والفراء وأشار إليه ابن فارس

ص: 1152

والزمخشري. وقيل: حصر وأحصر بمعنى واحد، قاله أبو عمر الشيباني. وحكى ابن فارس أن ناسًا يقولون: حصره المرض، وأحصره العدو، ولا يصح ما ادعاه المصنف من إجماع أهل اللغة.

قوله: (فإذا جاز له التحلل يقال له، ابعث شاة تذبح في الحرم) إلى آخره.

اشتراط الذبح في الحرم أذا أمكن دخوله إلى الحرم، فإنه محله الأصلي؛ فإذا أمكن وجب، وإذا لم يمكن فحيث أمكن؛ إذ التكليف بحسب الوسع. قال المغني بعد أن ذكر المسألة وحكى الخلاف: وهذا والله أعلم، فيمن كان حصره خاصًا، وأما في الحصر العام فلا ينبغي أن يقوله أحد؛ لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحل لتعذر وصول الهدى إلى محله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا هداياهم في الحديبية، وهي من الحل. ومن قال: إن الذبح كان بالحرم فقوله مردود بقوله -تعالى-: {هم الذين كفروا وصدوكم عن

ص: 1153

المسجد الحرام والهدى معكوفًا أن يبلغ محله}.

قوله: (ولهما أن الحلق إنما عرف قربة بناء على أفعال الحج، فلا يكون نسكًا قبلها. وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ليعرف استحكام عزيمتهم على الانصراف).

قول أبي يوسف رحمه الله أن الحلق نسك في حق المحصر أيضًا أظهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر بفعله؛ ففي قصة الحديبية أنه صلى الله عليه وسلم ((لما فرغ من قضية الكتاب قال: قوموا فانحروا، ثم احلقوا، قال: فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم

أحد، دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله: أتحب ذلك؟ اخرج، ولا تكلم أحدًا منهم كلمةً حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. قال: فخرج فلم يكلم أحدًا منهم، حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا ....)) الحديث، أخرجه البخاري وغيره. واستحكام عزيمتهم على الانصراف يعرف بفعل الانصراف. والرجوع لا يحتاج إلى علامة.

ص: 1154

قوله: (وإن كان قارنًا بعث بدمين لاحتياجه إلى التحلل عن إحرامين).

تقدم ما كان قول القارن محرمًا بإحرامين من الكلام، وأن الإحرام لا مانع من التداخل فيه؛ فإنه شرط عند أبي حنيفة، والشروط تقبل التداخل؛ ففي إيجاب دمين عليه إذا أحصر أو جني إشكال.

قوله: (بخلاف الحلق لأنه في أوانه؛ لأن معظم أفعال الحج وهو الوقوف ينتهي [به]).

ظاهر كلام المصنف أن ركن الوقوف بعرفة أعظم من ركن الطواف بالبيت الحرام، وفيه نظر، بل الطواف أعظم من الوقوف، وإنما يفوت الحج بفوات الوقوف لكونه مؤقتً بوقت معين من السنة لا يتقدمه ولا يتأخر عنه، وهو مقدمة للطواف بمنزلة القيام مع السجود في الصلاة، والمقصود الأعظم حج البيت، قال -الله تعالى-: {ولله على الناس حج البيت

} الآية. و-قال تعالى-: {وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج} إلى أن قال: {ثم محلها إلى البيت العتيق} . و-قال تعالى-: {وإذ

ص: 1155

جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا} الآيات، وقال صلى الله عليه وسلم:((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) متفق عليه. وأمثاله في السنة كثيرة، فكل المناسك بالنسبة إليه تبع؟

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة)) لم يروه أهل الصحيح، وإنما أخرجه أحمد وأهل السنن الأربعة. ولفظه:((الحج عرفة))، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج))؛ فآخره يبين المراد بأوله، وهو أنه يفوت الحج بفواته؛ لأنه مؤقت بيوم معين. ولقد عجبت من قول ((صاحب البدائع)) في إقامة الليل على كون الوقوف بعرفة ركن، حيث يقول: الدليل عليه -قوله تعالى-: {ولله على الناس حج البيت} ثم فسر النبي صلى الله عليه وسلم الحج بقوله: ((الحج

ص: 1156

عرفة)) أي الحج الوقوف بعرفة؛ إذ الحج فعل وعرفة مكان، فلا يكون حجًا، فكان الوقوف مضمرًا فيه، فكان تقديره: الحج الوقوف بعرفة، والمجمل إذا التحق به التفسير يصير مفسرًا من الأصل، كأنه تعالى قال:{ولله على الناس حج البيت} والحج الوقوف بعرفة، فظاهره يقتضي أن يكون هو الركن لا غير، إلا أنه زيد عليه طواف الزيارة بدليل. انتهى.

وهذا أبلغ من كونه معظم أفعال الحج، بل قد جعل الوقوف بعرفة هو حج البيت، والطواف بالبيت ثبت بدليل آخر ولم يقل ذلك الدليل ما هو، والوقوف بعرفة وإن كان ركنً عظيمًا لكن الطواف بالبيت أعظم منه، كما أن الوقوف في الصلاة ركن عظيم، ولكن السجود أعظم منه، ولهذا شرع تكريره سبعًا، كما شرع تكرير السجود في الركعة مرتين؛ ولهذا تشترط النية، وتجب الطهارة في الطواف دون الوقوف، حتى لو وقف بعرفة ولم يعلن أنها عرفة أجزأه، ولو طاف بالبيت يطلب غريمًا لا يجزيه لعدم النية، والوقوف في الحل، والطواف بالبيت الحرام أول بيت وضع للناس، قبله أهل الأرض في المسجد الحرام، داخل الحرم، فكيف يكون الوقوف أفضل من الطواف؟ وقد صرح شمس الأئمة السرخسي في المبسوط

ص: 1157

بأن الطواف عبادة مقصودة، وأن الوقوف عبادة غير مقصودة، وقال: ولهذا يتنفل بالطواف دون الوقوف.

قوله: (والمحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجة وعمرة، وهكذا روي عن ابن عباس وابن رضي الله عنهما).

لم يثبت ذلك عنهما، وإنما هو مذكور في كتب الأصحاب، والكلام في لزوم القضاء على المحصر؛ فإن الأئمة الثلاثة وكثير من العلماء على أن المحصر لا قضاء عليه إلا أن يكون أحصر عن حجة الإسلام، أو عن حجة منذورة؛ فإنها باقية في ذمته، وهذا أظهر؛ -لقوله تعالى-:{فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى} ، وجعل الهدى هو جميع ما على المحصر دل عل أنه يكتفي به منه، فإيجاب القضاء زيادة على النص يحتاج إلى دليل؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالعمرة سنة ست، ومعه ألف وأربعمائة. كذا في ((الصحيحين)) من حديث جابر فأحصر، ثم عاد في الأخرى ومعه جمع

ص: 1158

يسير، فلو وجب عليهم القضاء لبينه لهم، وقال أحمد في رواية: يجب القضاء على المحصر في النفل، وهو قول جماعة من السلف، وقد اختلف في لزوم القضاء في حق فائت الحج، واللزوم إنما يكون بدليل لا معارض له، ولم يوجد. أما لزوم قضاء عمرة مع الحج في حق المفرد، وعمرة أخرى مع الحج والعمرة في حق القارن فهو من مفردات أبي حنيفة.

ص: 1159

قوله: (ولأن الحجة تجب قضاء لصحة المشروع، والعمرة لما أنه في معنى فائت الحج).

في اعتباره بفائت الحج نظر؛ لأن فائت الحج إنما يتحلل بأفعال العمرة من الطواف، والسعي، والحلق، أو التقصير؛ لأنه يقدر على ذلك و [هو] بعض الحج ألأكبر، وهذا يسمى الحج الأصغر، فإن الحج الأكبر هو الحج المشتمل على الوقوف، ورمي الجمار، ويسمى العمرة الحج الأصغر لخلوها عن ذلك. -قال تعالى-:{وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} ، والمراد الحج نفسه، لا أنه يجب عليه عمرة ابتداء، بل يأتي في ذلك الإحرام بالطواف والسعي. ويتحلل بالحلق والتقصير، أو ينقلب إحرامه إحرام عمرة عند من يقول بذلك، بخلاف المحصر بالحج؛ فإنه لا يقدر على إحرام عمرة عند من يقول بذلك، بخلاف المحصر بالحج؛ فإنه لا يقدر على الطواف فيأتي بالذبح بدل الطواف والسعي، ولا يجب في ذمته إنشاء عمرة بإحرام جديد بالقياس على فائت الحج القادر على الطواف والسعي.

قوله: (وقال مالك: لا يتحقق لأنها لا تتوقت).

يعني أن الإحصار في حق العمرة لا يتحقق عنده، وليس الأمر كذلك،

ص: 1160

وإنما يروى عن أحمد، والصحيح من مذهبه خلافه، وهو ضعيف لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أحصر عن العمرة. قال السروجي: وفي ((الذخيرة المالكية)) المحصر بعدو غالب، أو فتنة في حج أو عمرة، يتحلل في موضعه إذا يئس. وقال ابن القاسم: ليس للعمرة حد بل يتحلل وإن لم يخش الفوت.

قوله: (فإن بعث القارن هديًا وواعدهم أن يذبحوه في يوم بعينه ثم مازال الإحصار) إلى آخر المسألة.

لا فائدة تخصيص القارن بالذكر، ولو قال: فإن بعث المحصر هديًا كان أولى ليشمل المفرد والقارن.

قوله: (وإن كان الحج دون الهدي جاز له التحلل استحسانًا) ثم قال: (وجه الاستحسان أن لو ألزمناه التوجه لضاع ماله؛ لأن المبعوث على يديه الهدي يذبحه، ولا يحصل مقصوده، وحرمة المال كحرمة النفس).

فيه نظر؛ فإن هذا المعنى إنما يتم إذا قلتم إنه لا يقضي، أما إذا قلتم إنه يقضي فقد حفظتم شاته، وضيعتم عليه أضعافها في نفقة قضاء الحج. ولا نسبه بين قيمة شاة وكلفة قضاء الحج والعمرة.

قوله: (ومن وقف بعرفة ثم أحصر، ولا يكون محصرًا لوقوع الأمن

ص: 1161

عن الفوات).

فيه نظر؛ فإن طواف الزيارة هو الركن الأعظم في الحج على ما تقدم، ووقوع الأمن عن الفوات لا يمنع من جواز التحلل كما هو مذهب الشافعي، وأحمد، كما في العمرة فإنها لا تفوت، وقد شرع فيها جواز التحلل لما في تطويل الإحرام من الحرج، وقولهم إنه لم يبق عليه من الإحرام إلا الامتناع من النساء وهو يسير.

جوابه: أن الحرج مدفوع شرعًا قليله وكثيره ل -قوله تعالى-: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} .

ص: 1162