الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ثبوت النسب
قوله: (ومن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها، فولدت لستة أشهر من يوم تزوجها فهو ابنه، وعليه المهر، أما النسب فلأنه فراشه؛ لأنها لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح، فقد جاءت به لأقل منها وقت الطلاق؛ فكان العلوق قبله في حالة النكاح، والتصور ثابت بأن تزوجها وهو يخالطها فواف الإنزال النكاح، والنسب يحتاط في إثبات، أما والمهر فلأنه/ لما ثبت النسب منه جعل واطئًا حكمًا فتأكد المهر به).
من المشايخ من قال: لا يحتاج إلى هذا التكلف، وقيام الفراش كاف، ولا يعتبر إمكان الدخول كما لو كان بينهما مسيرة سنة فجاءت بولد لستة أشهر يثبت نسبة عندنا.
قال السروجي: التصور فيه شرط ولهذا لو جاءت امرأة الصغير بولد لا يثبت نسبه منه، انتهي.
والأصل في ذلك أن الزوجة تصير فراشًا بنفس العقد، وإن علم أنه لم
يجتمع بها عند أبي حنيفة، وخالفه من أصحابه زفر، وبقية العلماء، وشرطوا كان الوطء.
وعن أحمد، أنه شرط مع العقد الدخول المحقق، لا إمكانه المشكوك فيه، حتى لا تصادقا على عدم الدخول لا يثبت نسب الولد كما في الأمة، ومن فرق بين الفراشين فالنص يرده؛ لأنه ورد في الأمة، وشموله للحرة باعتبار عموم لفظه.
وقد اتفق العلماء في الأمة أنها لا تكون فراشًا بالشراء قبل الدخول المحقق، إلا ما يروي عن مالك رحمه الله أنه جعل الأمة السرية التي تشتري للوطء عادة فراشًا بمجرد الشراء مع إمكان الوطء، وإن لم يعترف بالوطء، وإنما خالف أبو حنيفة رحمه الله في اشتراطه مع الاعتراف بالوطء الاعتراف بالولد، والمسألة معروفة.
وقولهم: يكفي تصور قبول العقد مع المخالطة في الجملة، لا في حق هذا الزوج الخاص حالة العقد عند الشهود.
جوابه: إنكم لم تجعلوا الفراش بانفراده كافيًا في ثبوت النسب كما في الصغير الذي لا يتصور منه علوق، وإمكان العلوق من الصبي حال صباه ممكن في الجملة غير محال لذاته، وإن كان محالاً عادة قد أجري الله العادة أنه لا يعلق حال صباه، ولازمها أنه لا يثبت النسب إلا ممن يتصور منه العلوق عادة.
فكما أن الصبي لا يتصور منه الولد في العادة كذلك مسألة المشرقي، والمغربية، والتي علق الطلاق بنكاحها.
وقولهم: إن المعلق بالشرط كالمرسل عند وجوده، فكأنه قال بعد القبول هي طالق، والطلاق يعقب التطليق.
جوابه: أن هذا لا يمكن ضبطه فإن معرفة كم مقدار ذلك الوقت من الليل
أو النهار إلى ستة أشهر من ذلك الوقت وتحريره في غاية البعد، يكاد يكون من قبيل الممتنع، ولا يبنى على مثل ذلك حكم.
وقوله: (إن النسب يحتاط فيه)، جوابه: نعم يحتاط، ولا يحمل عليه ولد غيره، أين الاحتياط فيمن اعترف أنه وطئ أمته فعلقت منه، وجاءت بولد، ولم يعترف أنه ولده؟! فهلا قلتم: إنه ولده لاعترافه بالوطء احتياطًا لنسب الولد؟ كيف وهذه القضية هي سبب قوله صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش"؟.
وكذلك الصغيرة التي يجامع مثلها إذا جاءت بولد لتسعة أشهر من وقت الطلاق لم يثبت نسبة عند أبي حنيفة ومحمد، وإذا ولدت المعتدة لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة إلا أن يشهد بولادتها رجلان، أو رجل وامرأتان إلا أن يكون هناك حبل ظاهر، أو اعتراف من فبل الزوج، وستأتي المسألتان في هذا الباب، هلا قلتم: إن النسب يحتاط فيه، ورجحتم قول أبي يوسف في المسألتين؟! ورجحانه في غاية القوة.
ومن تزوج أمه فطلقها، ثم اشتراها فجاءت بولد لستة أشهر منذ يوم اشتراها سيأتي في هذا الباب أنه لا يلزمه. هلا قلتم: إن النسب يحتاط فيه؟ فالحاصل أن القول بثبوت الفراش في الزوجة بمجرد العقد من غير تصور الاستفراش في غاية الإشكال؛ فإن الفراش كناية عن الحال فيه، وهو الدخول بالزوجة؛ فإذا لم يتصور أن تكون مستفرشة كيف تسمى فراشًا؟ وإذا ظهر الإشكال في ثبوت النسب ترتب عليه حكم تكميل المهر.
وقد تقدم التنبيه على الطلاق المعلق بالنكاح، فلا يقع الطلاق في مسألة الكتاب عند من يمنعه ويستريح من مؤونة التعب في تصويرها، إلا أن تصور على صفة أخرى فيمن قال: قبلت نكاحها وهي طالق.
قوله: (وإن جاءت به -يعني المبتوتة- لتمام سنتين من وقت الفرقة لم يثبت؛ لأن الحمل حادث بعد الطلاق، فلا يكون منه؛ لأن وطأها حرام. قال: إلا أن يدعيه؛ لأنه التزمه، وله وجه بأن وطئها بشبهة في العدة).
فيه نظر من وجهين، أحدهما: أن أكثر مدة الحمل /عند أبي حنيفة
وأصحابه سنتان، وسيأتي ذكر ذلك في هذا الباب، فعلى هذا يجب أن يقول: لأكثر من سنتين. وهكذا جاء في "الإيضاح" و"شرح الطحاوي" و"شرح الأقطع".
الثاني: أن اسم المبتوتة يشمل المطلقة ثلاثًا وعلى مال، وسيأتي في كتاب الحدود أن النسب لا يثبت بوطئها في العدة ولو ادعاه الواطيء.
قوله: (قال عليه الصلاة والسلام: "شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه").
هذا اللفظ لا يعرف وإن كان العمل على ذلك، ولكن روى
ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري: "مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادات النساء وعيوبهن". وصح ذلك عن أميري المؤمنين عثمان وعلي وعن ابن عباس رضي الله عنه.
قوله: (لقول عائشة رضي الله عنها: "الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل").
أخرجه البيهقي بمعناه، وأنكره مالك رحمه الله، وليس في تقدير مدة
الحمل ما يعتمد عليه، ولذلك قال أبو عبيد: ليس لأقصاه وقت يوقف عليه. وقدره الشافعي بأربع سنين، وهو ظاهر مذهب مالك وأحمد. وقدرة الليث بثلاث سنين، وعباد بن العوام بخمس سنين.
وعن الزهري قال: قد تحمل المرأة ست سنين وسبع سنين، ومثله عن ربيعة بن عبد الرحمن.
قوله: (لأن الحاجة إلى تعيين الولد، ويثبت ذلك بشهادة القابلة
بالإجماع).
دعواه الإجماع غير صحيحة؛ فإن الشافعي يعتبر فيما لا يطلع عليه الرجال شهادة أربع نسوة عدول، ومالك شهادة امرأتين، ولا يصح أن يكون المراد من الإجماع اتفاق الأصحاب، كما قاله بعض الشراح لما فيه من الإيهام.
* * *