الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الطلاق]
[باب طلاق السنة]
قوله: (وطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثًا بكلمة واحدة، أو ثلاثًا في طهر، وإذا فعل ذلك وقع الطلاق وكان عاصيًا).
قال السروجي رحمه الله: ووقوع الثلاث جملة قول جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة بعدهم، وكان طاوس وعطاء وسعيد بن جبير، وعمرو بن دينار، وأبو الشعثاء يقولون: من طلق البكر ثلاثًا فهي واحدة ذكره في "المغني".
وقال السروجي أيضًا في فصل الطلاق قبل الدخول: وفي "مصنف أبي بكر بن أبي شيبة" عن جابر بن زيد، وطاوس، وعطاء، أن الرجل إذا طلق امرأته [ثلاثًا] قبل أن يدخل بها فهي واحدة، ثم قال السروجي هنا: وقال
ابن رشد في القواعد، والصفاقسي في "شرح البخاري": ذهب أهل الظاهر وجماعة منهم الشيعة إلى أن حكمها حكم الواحدة ولا تأثير للفظ الثلاث.
قال القاضي أبو يوسف: كان الحجاج بن أرطأة يقول: الطلاق الثلاث ليس بشيء، وقال محمد بن إسحاق: واحدة كقول الشيعة.
وحجة هؤلاء قوله تعالى: {الطلاق مرتان} إلى قوله في الثالثة: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره} والمطلق بالثلاث مطلق واحدة لعدم مشروعية الزائد عليها.
واحتجوا أيضًا بما رواه مسلم عن ابن عباس قال: "كان الطلاق الثلاث
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين في خلافة عمر واحدة فأمضاها عليهم عمر"، وفي رواية مسلم وغيره: "كان طلاق الثلاث واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثًا من إمارة عمر [فلما] تتايع الناس في الطلاق أجازه عمر عليهم] وتتابع بالياء والباء.
واحتجوا أيضًا بما رواه ابن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال: "طلق ركانة بن عبد يزيد زوجته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا فسأله -صلي الله عليه وسلم- كيف طلقها؟ قال: طلقها ثلاثًا في مجلس واحد، قال: إنما ذلك طلقة واحدة فارتجعها".
ثم قال السروجي: قلت: حجتهم في ذلك قوية لصحة الحديث المتقدم،
وشغب من قال بإباحة إرسال الثلاث جملة بأحاديث منها: حديث عويمر العجلاني وفيه: "فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره النبي -صلي الله عليه وسلم- " متفق عليه، ولم ينقل إنكاره.
ومنها: [حديث] عائشة أن امرأة رفاعة قالت: يا رسول الله: إن
رفاعة طلقني وبت طلاقي، متفق عليه، ولم ينكره.
ومنها: حديث فاطمة بنت قيس " أن زوجها أرسل إليها ثلاث تطليقات"، ولأنه تصرف مشروع حتى يستفاد به وقوع الثلاث جملة، والمشروعية تنافي الحظر، بخلاف الطلاق في الحيض فإن المحرم تطويل العدة عليها لا الطلاق، إذ هو بعيد عند البعض، وللجمهور في التحريم ما رواه ابن عباس عن محمود بن لبيد - قال البخاري: له صحبه - قال: "أخبر رسول الله -صلي الله عليه وسلم- عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام
غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" ذكره القرطبي في شرح الموطأ، ورواه النسائي وهو نص أو دال على التحريم، هذا كله كلام السروجي، ثم ذكر بعد ذلك حديث "ابن عباس في إمضائه الثلاث على الذي سأله أنه طلق زوجته ثلاثًا".
وحديث الذي سأله "أنه طلق امرأته مائة طلقة" وحديث الذي "طلق
امرأته ثمان طلقات" وغير ذلك: ثم بحث ثم قال: والجواب عن حديث ابن عباس الذي رواه مسلم من وجهين:
أحدهما: الإنكار على من تحرج على نفسه الطلاق بإيقاع الثلاث، والإخبار عن تساهل الناس في مخالفة السنة في الزمان المتأخر عن العصرين كأنه قال: الطلاق الموقع الآن ثلاثًا كان في ذينك العصرين واحدة/ كما يقال: كان الشجاع الآن جبانًا في عصر الصحابة فيفيد تغير الحال بالناس. انتهي.
وهذا الجواب يرده قوله: (فلما تتابع الناس في الطلاق أجازه عمر عليهم) والتتابع في الشيء، الإكثار منه.
قال ابن الأثير: التتايع: الوقوع في الشر والتهافت من غير تماسك ولا توقف.
وأيضًا فإن في بعض طرق الحديث أن أبا الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: "أما علمت [أنا الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة علي عهد رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: بلي"، وفي لفظ آخر:"أن أبا بكر وثلاثًا من إمارة عمر؟ فقال ابن عباس: نعم"، وهذا نص في جعل الثلاث واحدة.
ثم قال: الوجه الثاني أن قول الزوج: أنت طالق، طلقة واحدة عندهم محمولاً على التأكيد والخبر، وصار الناس بعدهم يحملونه على التجديد والإنشاء فألزمهم عمر ذلك لما ظهر قصدهم إليه، يدل عليه قول عمر:"إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة" وهذا الجواب يرده ما تقدم.
وأيضًا فمن أن هذا كان مرادهم؟ وليس له اطلاع على إرادتهم، ولا يدل عليها قول عمر كما أدعي! وإنما يدل قوله على أن الله تعالي شرع الطلاق مرة بعد أخرى للحاجة، فالذي يطلق ثلاثًا يقصد استعجال إيقاعها، وكان لهم عن ذلك غنية؛ فإن الغرض يحصل بالواحدة فزيادة الثانية والثالثة زيادة على المشروع من غير حاجة؛ ولهذا يحصل لهم الندم غالبًا فرأي عمر رضي الله عنه إلزامهم بتعجيل ما قصدوا تعجيله من إيقاع الثانية والثالثة ليرتدعوا عن الطلاق بمنزلة التعزيز لمن يفعل ذلك؛ فإن التعزيز إلى رأي الإمام، وعمر رضي الله عنه رأي أن التعزيز بإلزامهم بحكمها رادع لهم عن إيقاعها، لا أنه غير حكم الطلاق عما كان عليه فإن هذا لا يظن لمن هو دون عمر رضي الله عنه.
ثم قال: وأما حديث عكرمة عن ابن عباس، وطاوس عنه أن
ركانة بن عبد يزيد طلق زوجته سهيمة ثلاثًا وهم، وقال الحافظ أبو جعفر: منكر، وقد خالفهما من هو أولى منهم وعد من خالفهما.
وجوابه: أن حديث ركانة روي من طرق ضعف بعضها وصحح بعضها، ولا ريب أن ابن عباس عنه روايتان صحيحتان إحداهما توافق هذا الحديث، والأخرى تخالفه، فإن أسقطنا رواية برواية سلم الحديث، وليس هذا بأول حديث خالفه راوية، فمن قال: الأخذ بروايته فقد كفي مؤنة الجواب.
ومن قال: الأخذ برأيه فقد تقدم التنبية على ما في كلامه من النظر في فصل الأسار، مع أن السنة مقررة لما دل عليه الكتاب، فإن قوله تعالي:{مرتان} لا يفهم منه إلا مرة بعد أخرى، فإذا قال: أنت طالق ثلاثًا، هذا مرة، كمن رمي الجمرة بحصاتين أو أكثر رمية واحدة كانت له مرة، حتى لو رماها بالسبع جملة كانت له رمية، وبقي عليه رمي ست حصيات ست مرات، ولو قال عقيب الصلاة: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، هكذا من غير
تكرير، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، وكذلك، والله أكبر أربعًا وثلاثين كذلك، لم يكن هذا كما لو كرر التسبيح، والتحميد، والتكبير، بهذا العدد، وكذا الإقرار الزنا، لو قال المقر بعد إقراره: أقر أربع مرات، أو قال في اللعان: أشهد بالله إني لمن الصادقين أربعًا، هكذا من غير تكرير لا يكفي حتى يكرر القول أربع مرات.
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة كانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي" لا يحصل هذا إلا بقولها مرة بعد مرة.
وقد صنف في هذه المسألة الشيخ تقي الدين ابن تيمية مصنفات، لكنه منفرد عن الجماع'ن والمسألة مهيبة لأن الأئمة الأربعة على وقوع الثلاث.
قوله: (ويجوز أن يطلقها ولا يفصل بين وطئها وبين طلاقها بزمان) - يعني الآيسة والصغير - (وقال زفر رحمه الله: يفصل بينهما بشهر).
وفي "الذخيرة" قيل: إذا كانت/ صغيرة يرجي منها الحيض أو الحبل، فالأفضل أن يفصل بينهما بشهر انتهي، وهذا الذي ينبغي أن يكون لأن بالجماع تفتر الرغبة، واحتمال الحبل فيها موجود واشتباه وجه العدة أيضًا فيخاف لحوق الندم.
قوله: (ولنا أنه محتمل لفظه لأنه سني وقوعًا من حيث إن وقوعه عرف بالسنة لا إيقاعًا).
يعني غير مسنون، ووقوعه سني، وقد تقدم الكلام في وقوع الثلاث جملة.