الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الرضاع]
قوله: (وما رواه مردود بالكتاب، أو منسوخ به).
يعني ما رواه الشافعي من قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تحرم المصة، ولا المصتان، ولا الإملاجة ولا الإملاجتان" مردود بالكتاب إن كان بعده، أو منسوخ به إن كان قبله.
وفي هذا الحديث نظر، بل في أصل الحكم في المسألة، أما ما في هذا البحث من النظر فإن الحديث إذا صح واشتهر، وهو يقيد مطلق الكتاب أو يخص عمومه لا يقال إنه مردود بالكتاب أو منسوخ به، بل يقيد به مطلقة ويخص به عمومه كما قال أبو حنيفة/ في تقييد قوله تعالي:{فصيام ثلاثة أيام} بقراءة شاذة نقلت عن ابن مسعود رضي الله عنه: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات"، وكذلك قيد قوله تعالي:{وعلى الوارث مثل ذلك} بما نقل
عن ابن مسعود أيضًا أن قرأ " وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك" وكذلك خص بالإجماع عموم قوله تعالي: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها}.
وعموم قوله تعالي: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا قطع في ثمر ولا كثر"، وبقول عليه الصلاة
والسلام: "لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم" على ضعف الحديث، ونظائر ذلك كثيرة، أيضًا فإن الذي استدل به الشافعي رحمه الله على التقدير بخمس رضعات غير ما استدل به المصنف من قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تحرم المصة، ولا المصتان
…
الحديث"، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالي.
وأما ما في أصل المسألة من النظر، فإن ما استدل به الشافعي رحمه الله، ومن وافقه على التقدير بخمس رضعات حديث عائشة رضي الله عنها،
قالت: "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وهن ما يقرأ من القرآن" أخرجه الجماعة إلا البخاري.
وحديث سالم مولي أبي حذيفة "لما أمر النبي -صلي الله عليه وسلم- أمرأة أبي حذيفة بن عبتة ابن ربيعة أن ترضعه خمس رضعات" وهو في الصحيح أيضًا، وهو يدل على تقدير الرضعات المحرمة، سواء كان حكم رضاع الكبير مختصًا بسالم، أو
عامًا كما قالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وقالت طائفة تحرم الثلاث فصاعدًا، واحتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال:"لا تحرم المصة ولا المصتان" أخرجه الجماعة إلا البخاري والموطأ، وحديث أم الفضل قالت:"دخل أعرابي على رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، وهو في بيتي فقال: يا نبي الله إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحدثي رضعة أو رضعتين، فقال نبي الله -صلي الله عليه وسلم-: "لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان"،
وفي رواية: "لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان" وهذان الحديثان يدلان بمنطوقهما على أن الرضعة والرضعتين لا يحرمان وبمفهومها على أن الزائد على ذلك يحرم، والحديثان الأولان يدلان بمنطقوهما على التحريم بخمس رضعات، وبمفهومها على أن الأقل من ذلك لا يحرم؛ فتعارض في الثالثة والرابعة مفهومان فسقط التحريم بهما، واتفقت دلالة الأحاديث على التحريم بخمس رضعات فصاعدًا.
فإن قيل لم يثبت في الأول كونه قرآنا فلا يثبت كونه حجة.
قيل: معنا حديثان صحيحان مثبتان، وأحدهما يتضمن شيئين: حكمًا، وكونه قرآنا، فما ثبت من الحكم ثبت بالأخبار الصحيحة، وكونه قرآنًا وإن لم يثبت لا يسقط الاستدلال به على تقييد مطلق النص الآخر كما في قراءة ابن مسعود:"فصيام ثلاثة أيام متتابعات" ونحو ذلك، أو أن ذلك جاء نسخ رسمه وبقي حكمه كآيه الرجم.
ومن خالف هذه الأحاديث؛ منهم من لم يبلغه، ومنهم من اعتقد أنها ضعيفة، ومنه ممن ظن أنها تخالف ظاهر القرآن، واعتقد أنه لا يجوز تخصيص عموم القرآن، وتقييد مطلقة بأخبار الآحاد، وكلهم معذرون في تركها، فإن الله لا يكفل نفسًا إلا وسعها، ولا يوجب ذلك ترك العمل بها عند من بلغته وعلم صحتها، وظهر له صحة القول بجواز تقييد مطلق الكتاب، وتخصيص عمومه بالخبر الصحيح.
والتقدير بالخمس يشهد له أصول كثيرة في الشريعة؛ فإن الإسلام بني على خمس، والصلوات المفروضات خمس، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما [دون] خمس أوراق من الورق، ولا فيما دون خمسة أوسق.
وأصول الإيمان خمسة كما قال تعالي: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} ، وقال تعالي:{ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر} ، وأولو العزم خمسة، وهم المذكورن في
سورة "الأحزاب" و"الشوري": نوح وإبراهيم وموسي وعيسي/ ومحمد -صلي الله عليه وسلم- وأمثال ذلك.
فتقدير الرضاع المحرم ليس بغريب في الشرع، فتبين الشارع لمقدار الرضعات المحرمة بمنزلة تبيينه نصاب السرقة، ونصاب الزكاة.
قوله: (كالأجل المضروب للدينين إلا أنه قام الدليل المنقص في أحدهما فبقي في الثاني).
يعني أن الآية تدل على أن مدة الحمل ثلاثة وثلاثون شهرًا، ومدة الفصال ثلاثون شهرًا، ولكن قام الدليل المنقض في الحمل، يشير به إلى ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"لا يبقي الولد في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بفلك مغزل" أخرجه البيهقي، ولم يثبت وكيف يصح دعوى تنقيص
المقدار الذي دلت عليه الآية؟! ولو كان معني الآية وحمله ثلاثون شهرًا، وفصاله ثلاثون شهرًا لما صحت دعوة تنقيص مدة الحمل بحال لأنه يكون خبرًا محضًا، والخبر المحض لا يحتمل النسخ، فكيف يقال: إن قول عائشة رضي الله عنها الذي لم يثبت دليل على تنقيص ذلك المقدار الثابت بنص الكتاب.
وفي التنظير بالأجر المضروب للمدينين نظر؛ فإن الأجل المضروب للمدينين غير الأجل المضروب لأمرين يكون أحدهما بعد الآخر، وإنما نظيره أن لو قيل: زمن الصبا والشبوبية ثلاثون سنة، ثم يدخل زمن الكهولة، ومثله يكون التقدير لهما لا لكل منهما، وقوله تعالي:{وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} .
قد استدل به على أن أقل مدة الحمل ستة [أشهر] لأن الله تعالي قال: {وفصاله في عامين} فيبقي للحمل ستة أشهر؛ فلم يكن هذا نظير الأجل المضروب للدينين، وأبو حنيفة ممن يوافق على تقدير أقل مدة الحمل بستة أشهر، وأخذ التقدير من هاتين الآيتين فظهرت قوة قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله.
ولا يقاوم هذا المعني الضعيف قوله تعالي: {وفصاله في عامين} ، وقوله تعالي:{والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} وماذا بعد التمام؟! يؤيده قوله -صلي الله عليه وسلم-: "لا رضاع بعد حولين"
وهو نكرة في سياق النفي فتعم.
وحمل الآيتين والحديث على مدة الاستحقاق تخصيص بغير مخصص.
وقول المصنف: لا بد من تغيير الغذاء لينقطع الإنبات باللبن، وذلك بزيادة مدة يتعود الصبي فيها غيره لا يقوي؛ لأن الطفل يألف الطعام قبل العامين؛ فإن عامه الأطفال يطعمون مع الرضاع فما تنقضي السنتان إلا وقد ألف الطفل الطعام، وخلاف هذا نادر.
قوله: (وهل يباح الإ {ضاع بعد المدة، قد قيل لا يباح لأن إباحته ضرورية لكونه جزء الآدمي).
تقدم حديث سالم مولي أبي حذيفة وهو في صحيح مسلم، وفيه: "فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها، وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها، ويدخل عليها- وإن كان كبيرًا- خمس
رضعات، ثم يدخل عليها"، وفي رواية: "إن امرأة أبي حذيفة لما قال لها النبي -صلي الله عليه وسلم-: أرضعية، قالت: كيف أرضعه وهو رجل كبير، فتبسم رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وقال: قد علمت أنه رجل كبير وكان قد شهد بدرًا".
والخلاف في أن إرضاع الكبير هل يتعلق به تحريم أم لا؟ معروف، والكلام في ذلك قديمًا وحديثًا، والقائلون بأنه يتعلق به تحريم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ومن وافقها، وممن وافقها علي، وعروة بن الزبير، وعطاء ابن أبي رباح، والليث بن سعد، وأبو محمد بن حزم.
وقد سلك من خالفهم في حديث سالم ثلاثة مسالك، أحدها: دعوي النسخ، الثاني: دعوي التخصيص بسالم، الثالث: أنه عام لكنه رخصة لحاجة لمن لا يستغني عن دخوله على المرأة، ويشق احتجاب المرأة عنه كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، ثمل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعة، وأما من عداه فلا يؤثر إلا رضاع الصغير.
وهذا المسلك من أحسن المسالك لمن تأمله، ولولا خوف التطويل لبسطت الكلام في ذلك، والغرض هنا التنبيه على إباحة الإرضاع للكبير، لأن خلاف السلف إنما هو في تعليق التحريم برضاعة أم لا، لا في جواز رضاعة، وحديث سالم نص في جواز الرضاعة للكبير، وفي التعليل بكونه/ جزء الآدمي نظر، فإن تعليل في مقابلة النص فكان باطلاً، وليس اللبن نظير غيره من أجزاء الحيوان، بل هو بمنزلة الريق [وقد] طيبت عائشة رضي الله عنها السواك لرسول الله -صلي الله عليه وسلم- فاستاك به فاجتمع ريقها مع ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم في
فيه، وقد ورد أنه كان يمص لسانها رضي الله عنها.
قوله: (ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؛ للحديث الذي روينا إلا أم أخيه من الرضاع ولا يجوز ذلك أن يتزوجها، ولا يجوز أن يتزوج أم أخيه من النسب لأنها تكون أمه، أو موطوءة أبيه بخلاف الراضع، ويجوز تزوج أخت ابنه من الرضاع، ولا يجوز ذلك من النسب؛ لأنها لما وطيء أمها حرمت عليه ولم يوجد هذا المعني في الرضاع).
قال السروجي: وهو تخصيص للحديث بدليل عقلي قال: وفي "المحيط" أيضًا استثني امرأتين كما في الكتاب.
قال: وفي الإسبيجابي كل من يحرم من جهة النسب يحرم من جهة
الرضاع ولم يستثن، والصواب الاستثناء، وجمع بعض الفقاء المسائل التي تفارق حكم الرضاع حكم النسب في النكاح فقال مرتجزًا:
يفارق الإرضاع حكم النسب ..... في خمسة مسطورة في الكتب
أم أخ وأم أخت سيدي .... وأم أم الابن فاحفظ سندي
وهكذا وفقت أخت الولد .... فاقتبس العلم لكيما تهتدي
وأم عم ثم أم عمة .... فافهم مقالي لا لقيت غمة
وأم خال ثم أم خالة .... والحق لا يخفي من الجهالة
نكاحهن في الرضاع واقع .... وما عداه فالدليل مانع
انتهي كلام السروجي، ثم إني كنت تتبعت هذه المسألة فوجدت صورتين أخريين قد استثنيت فنظمت بيتين تجمع الصور المستثناة كلها وهما:
يفارق النسب الرضاع في صور .... كأم نافلة وحدة الولد.
وأم عم وأخت ابن وأم أخ .... وأم خال وعمة ابن اعتمد
ثم إني تأملت فوجدت الاستثناء المذكور غير صحيح، ووجدت
فخر الدين الزيلعي في شرح الكنز قد نبه على أن الاستثناء غير صحيح، ونبه غيره على ذلك أيضًا والنص على عموم [ـه] بحمد الله تعالي والاستثناء تلبيس دخل علي من لم يتأمل المعني من المتأخرين: فنظمت بعد البيتين المذكورين ثالثًا فقلت:
والحق أن أن [ال] حديث ما تناول هذه المسائل
فافهم فهم منتقد
وذلك أن الله تعالي لم يقل: "حرمت عليكم أمهاتكم وإخوانكم" وإنما قال: {حلمت عليكم أمهاتكم} ، وقال تعالي:{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} فحرم على الرجل أمه، ومنكوحة أبيه وإن لم تكن أمه،
فأما أمه من الرضاع فتحرم عليه إجماعًا.
وأما منكوحة أبيه من الرضاع فالمشهور عن الأئمة أنها تحرم ولكن فيها نزاع لكونها من المحرمات بالصهر لا بالنسب والولادة، وليس الكلام هنا في تحريمها فإنه إذا قيل تحرم منكوحة أبيه من الرضاعة وفينا بعموم الحديث، وأما أم الأخ التي ليست أمًا، ولا منكوحة أب فهذه لا توجد في النسب حتى يقال: إنها تحرم من النسب، ولا تحرم نظيرها من الرضاع.
وكذلك أخت الابن التي ليست بنتًا، ولا بنت مدخول بها فإنها لم تحرم من النسب لكونها أخت الابن، وإنما حرمت على رجل لكونها بنته أو بنت امرأته التي دخل بها، ألا تري أنه لما تصور لها نظير من النسب، كما إذا كانت أمة لرجلين فوطائها فأتت بولد فادعياه، أو ألحقته القافة، بهما عند من يقول ذلك، وكان لكل من الرجلين بنت من غير تلك الأمة، فإنه يحل
لكل منهما أن يتزوج بنت الآخر وإن كانت أخت ابنه، وكذلك الصور الباقية فتأمله.
قوله: (وامرأة أبيه وامرأة ابنه من الرضاع لا يجوز أن يتزوجها كما لا يجوز ذلك من النسب لما روينا، وذكر الأصلاب في النص لإسقاط اعتبار التبني على ما بيناه).
تقدم في فصل المحرمات التنبيه على أن هذه المسألة/ من مسائل الخلاف وأن في شمول قوله عليه الصلاة والسلام: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وفي رواية: "من الولادة"، لزوجة الابن، وزوجة الأب، نظرًا لأن المذكورتين ليست حرمتهما من جهة النسب، وإنما حرمتهما من جهة الصهرية، وقد قال تعالي:{وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربك قديرًا} .
والرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال: "يحرم من الرضاع ما يحرم منا لنسب"، ولم يقل من النسب والصهر، وقوله من قال من الفقهاء أن ذكر الأصلاب في النص لإسقاط اعتبار التبني لا لإحلال حليلة الابن من الرضاع يحتاج إلى دليل فإنه مجرد دعوي.
قوله: (وفي أحد قولي الشافعي رحمه الله: لبن الفحل لا يحرم).
في نقله هذا عن الشافعي نظر؛ فإن المنقول عنه في كتب الشافعية أنه يتعلق به التحريم كقول الجمهور، وإنا قال بذلك سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، والنخعي، والقاسم، وأبو قلابة والظاهرية، وحديث أفلح حجة عليهم، وعموم قوله عليه الصلاة والسلام:"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب".
قوله: "وإذا تزوج الرجل صغيرة وكبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمتا على الزوج).
هذا قول أكثر أهل العلم، وتقدم التنبيه على أن هذا من باب الصهر لا من باب النسب، وفي دخوله في عموم قوله عليه الصلاة والسلام:"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" نظر.
قوله: (وقال مالك رحمه الله: يثبت).
يعني الرضاع بشهادة امرأة واحدة إذا كانت موصوفة بالعدالة، قال السروجي: وإنما ذلك قول ابن حنبل، وحكي قبل ذلك أن مذهب مالك أن الرضاع يثبت بشهادة شاهدين، فإن شهدت امرأتان وفشا ذلك من قولهما كان كالأول.
قوله: (ولنا أن ثبوت الحرمة لا يقبل الفصل عن زوال الملك في باب النكاح، وإبطال الملك لا يثبت إلا بشهادة رجلين بخلاف اللحم لأن حرمة التناول تنفك عن زوال الملك فاعتبر أمرًا دينيًا).
عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج بنتًا لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقال: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله -صلي الله عليه وسلم- بالمدينة قال: فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-:"كيف وقد قيل؟ ففارقها عقبة، ونكحت زوجًا غيره" رواه البخاري.
وفي رواية: "فجاءت امرأة سوداء فقال: قد أرضعتكما، فأتيت النبي -صلي الله عليه وسلم- فذكرت له ذلك فقال: وكيف وقد زعمت [أنها قد أرضعتكما؟ دعها عنك"] قال في "المغني": وجملة ذلك أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع إذا كانت مرضية، وبهذا قال طاوس، والزهري، والأوزاعي، وابن أبي ذئب، وسعيد بن عبد العزيز، انتهي.
والتعليل بأن ثبوت الحرمة بالرضاع لا يقبل الفصل عن زوال الملك في باب النكاح بخلاف اللحم فيه نظر، فإن من اشتري لحمًا فأخبره إنسان أن هذا اللحم ذبيحة مجوسي أو أنه ميتة حرم وزال ملكه عنه؛ لأن ذبيحة المجوسي ميتة، وهي غير مال فلا يقبل الملك، وقد اعتذروا لذلك وقالوا: إن المراد أن حرمة التناول تنفك عن زوال الملك في الجملة كما في جلد الميتة والخمر.
وهذا وإن كان مذهب أبي حنيفة وأصحابه ولكن حديث أنس رضي الله عنه: "أن النبي -صلي الله عليه وسلم- سئل عن الخمر تتخذ خلاً، قال: لا" رواه مسلم وأحمد
وأبو داود والترمذي وصححه حججه لمن خالفهم.
وقد يكون إخبار المرأة بالرضاعة قبل عقد النكاح فلا يلزم منه زوال الملك بل المنع منه، وقد يكون في الأمة فينفك عن زوال الملك فيحرم على المولي وطء الأمة ولا يزول ملكه عنها، مع أن ملك الزوج في الزوجة إنما هو حل الاستمتاع، وذلك من باب الديانات/ فيقبل فيه قول العدل، كيف وإن الرضاعة مما لا يطلع عليه الرجال غالبًا، وما روي أنه أعرض عن سؤال عقبه أولاً في بعض طرق الحديث يحتمل أنه كان لعدم ظهور عدالة المخبر.