الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الظهار
[فصل في الكفارة]
قوله: (ولا يجوز مقطوع إبهام اليد لأن قوة البطش بهما، فبفواتهما يفوت جنس المنفعة).
فيه نظر؛ فإن الضابط إذا كان قد جعله فوت جنس المنفعة، وقال: إن اختلالها لا يمنع؛ فمقطوع إبهام الدين لم يفت في حقه جنس منفعة البطش، ولكن اختلت بدليل أنه يجب فيهما خمس الدية لا كلها، وغاية ما فيهما أن الانتفاع بالإبهام أقوي من غيرها فكأنها في مقابلة الأصابع الأربع الباقية بمنزلة النصف، هذا أعلى أحوالها، مع أن الشارع أسقط اعتبار التفاوت بين الأصابع وسوي بينها في وجوب الدية، وإذا كانت بمنزلة النصف ففوت الإبهامين
بمنزلة يد واحدة فيكون فوتهما من باب اختلال المنفعة لا فواتها، ألا تري أن الأصم يجزي إذا كان على حال لو صيح عليه يسمع، وعد ذلك من اختلال المنفعة، فهذا كذلك، وفي تعليل المصنف تناقض فإن قوله:(لأن قوة البطش بهما) يدل على أن البطش يضعف عند قوتهما، إذا ضد القوة الضعف، وقوله بعده:(فبفوتهما يفوت جنس المنفعة) / يناقضه مناقضة ظاهرة.
قوله: (ولا يجزي المدبر).
وقال الشافعي وأحمد وغيرهما بإجزائه، والخلاف فيه مرتب علي جواز بيعه عندهم، ويأتي الكلام على ذلك في باب التدبير إن شاء الله.
قوله: (فإن أعتق نصف عبد مشترك وهو موسر فضمن قيمة باية، لم يجز عند أبي حنيفة، وعندهما يجوز) ثم استدل لأبي حنيفة (بأن نصيب صاحبة ينتقص على ملكه، ثم يتحول إليه بالضمان ومثله يمنع الكفارة).
وفي ذلك نظر؛ فإن البض الحاصل ي العبد بسبب الإعتاق ينبغي أن لا يمنع بمنزله ما لو أضجع شاه للذبح فانكسر رجلها بسبب الإضجاع؛ فإنه يجوز التضحية بها فكذا هذا؛ ولأنه بأداء الضمان ملك حصة شريكة مستندًا إلى وقت وجود السبب، فصار نصيب الساكت ملكًا للمعتق زمان الإعتاق، فكان النقصان في ملكه حكمًا، وما أجيب به عن الاعتبار بالأضحية من تعمد النقصان في العت دون الإضجاع للتضحية، يمكن أن يقال فيه: النقص بالإعتاق حكمي؛ فلا فرق بين إعتاق بكلام واحد، أو بكلامي، فيستوي عمده وخطؤه، وفي الأضحية حقي فيعذر في الخطأ دون العمد، وما أجيب به عن اعتبار استناد الضمان من أن الملك في الضمان يثبت بصفة الاستناد في ح الضامن، والمضمون له لاحق في غيرهما، والكفارة غيرهما، يمكن أن يقال فيه: لما كان البعض بالإعتاق حكميًا فسواء وجد في ملكه بين إعتاق نصفه وإعتاق باقية، أو في ملك غيره بين الإعتاقين؛ لأنه لو كان ينافي كمال الرقبة لمنع مطلقًا.
قوله: (وإن أعتق المولي، أو أطعم عنه، لم يجزه: لأنه ليس من أهل الملك فلا يصير مالكًا بتمليكه).
قال في "المغني": وعن أحمد رواية أخرى: إن أذن له سيده في التكفير بالمال جاز، وهو مذهب الأوزاعي وأبي ثور، وحكى ابن المنذر في
"الإشراف" عن مكحول أنه يعتق بإذن مولاه وحكي ابن المنذر أيضًا أن العبد يملك التسري بإذن مولاه عند ابن عمر، وابن عباس، والحسن البصري، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، والزهري، ومالك، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وهو القديم من قولي الشافعي انتهي، وال ابن عبد البر في "التمهيد" بعد أن حكي الخلاف في أن العبد يملك بالتمليك: وحجتهم قول رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "من باع عبدًا وله مال" فأضاف المال إليه، قال الله عز وجل في الإماء:{فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف} فأضاف أجورهن إليهن إضافة تمليك، وهذا كله قول داود أيضًا وأصابه، إلا أن داود يجعله مالكًا ملكًا صحيحًا ويوجب عليه
زكاة الفطر، والزكاة من ماله، ومن الحجة لمالك أيضًا أن عبد الله بن عمر كان يأذن لعبيده في التسري يما بأيديهم ولا مخالف له من الصحابة، ومحال أن يتسري فيما لا يملك لأن الله تعالي لم يبح الوطء إلا في نكاح، أو ملك يمين، ثم قال بعد ذلك: وقال مالك: وابن شهاب، وأكثر أهل المدينة: إذا أعتق العبد تبعه ماله، وفي البيع لا يتبعه ماله وهو لبائعه انتهي، وقال الله تعالي:{وانكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم} فأخبر تعالي أن العبيد والإماء يكونون فقراء، ويكونون أغنياء، وذلك دليل على ملكهم، وقد أجيب عن استدلال من استدل على أن العبد لا يملك، وليس له شهادة بقوله تعالي:{ضرب الله مثلاً عبدًا مملوكًا لأ يقدر على شيء} بأن العبد في الآية نكرة في سياق الإثبات فلا تعم، مع أنه لم يقل أحد بعموم هذا السلب فإنه يقدر على أنواع من التصرفات بإذن السيد، وأنواع بغير إذنه بالنص والإجماع.
والمراد التنبيه على أن العبد لا مانع من أن يملك إذا ملك، وإضافة المال إليه فوق إضافة السرج إلى الدابة، فجعله داود، وأصحابه بمنزله الحر في الملك، وجعله أبو حنيفة والشافعي في قوله الجديد، ومن وافقها بمنزلة
الدابة لا تقبل التمليك/ وتوسط غيرهم وجعل لهم حالة أخرى في الملك فوق حال الدابة، ودون حال الحر، ولم يرد ما يمنع من ذلك وهو ظاهر، فإن تسوية العبد بالحر لا يصح لقصور قدرته، وتسويته بالبهيمة لا يصح لأن العبد يثبت له اختصاص يفيده تصرفًا شرعيًا بالنص والإجماع لا يكون مثله البهيمة، وقد اتقوا على أن العبد إذا أحرم بإذن المولي وأحصر فأراق المولي عنه الدم، أو أراق هو بإذن المولي يجو له التحلل بذلك.
ولكن من قال إنه لا يملك بالتمليك، أجاب بأن هنا العبد مضطر إلي تملك؛ لعدم مشروعية الصوم في حالة الإحصار بخلاف الظهار، ويمكن أن يال: إن الصوم بدل عن الإعتاق لا يصار إليه إلا إذا لم يجد رقبة، وهذا واجد للرقبة بتمليك المولي وإذنه له في إعتاقها، وقد وافقتمونا على أنه أهل لأن يملك في الاحصار فوافقونا في الظهار، وقد أخبرناكم عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم بما سمعتم فأخبرونا من خالفهما من الصحابة وقد قال
صاحب "الكافي شرح الوافي" لقوله [عليه] الصلاة والسلام: "لا يملك العبد ولا يملكه مولاه" وكأنه من كلام بعض الفقهاء، وإلا فلا يعرف في شيء من كتب الحديث.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أوس بن الصامت، وسهل بن صخر "كل مسكين نصف صاع من بر").
الصواب سلمه بن صخر قال: "فأطعم وسقًا من تمر بين ستين مسكينًا" قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين، وما أملك لنا طعامًا،
قال: "فانطلق إلى صاحب صدقة بن زريق، فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكينًا وسقا من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها"، والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
وفي حديث أوس بن الصامت عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، ورسول الله-صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول:"اتقي الله فإنه ابن عمك»: فما برح حتى نزل القرآن {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} إلى الفرض، فقال: "يعتق رقبة" فقالت: لا يجد، قال: "فيصوم شهرين متتابعين" قالت: يا رسول
الله: إنه شيخ كبير ما به من صيام قال: "فليطعم ستين مسكينًا"، قالت: ما عنده من شيء يتصدَّق به، قال:"فإني سأعينه بعرق من تمر"، قلت: يا رسول الله فإني أعينه بعرق آخر، قال:"قد أحسنت اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينًا، وارجعي إلى ابن عمك، والعرق ستون صاعًا" رواه أبو داود، ولأحمد معناه لم يذكر قدر العرق وقال فيه:"فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر" ولأبي داود في رواية أخرى: "والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعًا.
وقال: هذا أصح انتهى. وقد روي بروايات مختلفة وأكثرها مراسيل وليس في شيء منها ذكر البر.