الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قوله: (وقيل: لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين، ولا يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة، وفي غيرهما من المحارم التقدير بسنة هو الصحيح).
في تصحيحه نظر فإن مبنى مثل هذا على العرف، والعرف فيه مختلف المقدار لا يمكن ضبطه بمدة، ومثل هذه الأمور قد فوضها الشارع إلى العرف وإن لم يكن في هذه المسألة نص خاص كقوله تعالى:{وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} ، وقوله تعالى:{فإمساك بمعروف} ، وقوله تعالى:{فأمسكوهن بمعروف} ، وقوله تعالى:{متاعًا بالمعروف حقًا على المحسنين} ، وقوله تعالى:{متاع بالمعروف حقًا على المتقين} ، وقوله تعالى:{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} .
وكقوله عليه الصلاة والسلام/ لهند زوجة أبي سفيان: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبته في الموقف الأعظم في حجة
الوداع: "ولهن عليكن رزقهن وكسوتهن بالمعروف"، فالتقدير بالجمعة، أو السنة أو نحو ذلك يختلف باختلاف الحال، والزمان، والمكان، والله أعلم.
قوله: (ولا يقضي بنفقة في مال الغائب إلا لهؤلاء) يعني الزوجة والأولاد الصغار والوالدين (ووجه الفرق هو أن نفقة هؤلاء واجبه قبل قضاء القاضي، ولهذا كان لهم أن يأخذوا فكان قضاء القاضي إعانة لهم، أما غيرهم من المحارم نفقتهم إنما تجب بالقضاء؛ لأنه مجتهد فيه، والقضاء على الغائب لا يجوز).
قال السروجي: وفي أدب القاضي للخصاف: قضاء القاضي، وأمره بالنفقة على الزوجات، والآباء، والأبناء، إعانة على استيفاء حقوقهم، لا إيجاب مبتدأ لأن سبب الوجوب سبق القضاء والأمر، وهو النكاح والولاد بخلاف نفقة الأقارب، فإن أمر القاضي بالإنفاق، وقضاؤه ابتداء إيجاب؛ لأنه مختلف فيه فلا يثبت إلا بالقضاء، والقضاء على الغائب لا يجوز.
قال السروجي: هذا الكلام فيه نظر، وليس ابتداء إيجاب لنفقة لم يجب بالشرع؛ لأن القاضي ليس له إيجاب ما لا يكون قد أوجبه الشرع؛ لأنه قد يكون قد شرع وليس ذلك لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى. وهذا ما قاله السروجي هو الصواب.
وكذا قولهم: إن نفقة الولد والوالدين وذوي الأرحام تسقط بمضي
الزمان، إلا أن يأذن لهم القاضي في الاستدانة فيه نظر أيضًا، وذلك أن القاضي إما أن يعتقد وجوبها وسقوطها بمضي الزمان أو لا، فإن كان يعتقده لم يسع له الحكم بخلافه، والإلزام بما يعتقد أنه غير لازم، وإن كان لا يعتقد سقوطها- مع أنه لا يعرف له قائل إلا في الطفل الصغير على وجه لأصحاب الشافعي، فإما أن يعني بالفرض الإيجاب، أو إثبات الواجب، أو تقديره، أو أمرًا رابعًا، فإن أريد الإيجاب فهو تحصيل الحاصل ولا أثر لفرضه، وكذلك إن أريد به إثبات الواجب ففرضه وعدمه سيان، وإن أريد به تقدير الواجب، فالتقدير إنما يؤثر في صفة الواجب من الزيادة والنقصان، لا في سقوطه وثبوته فلا أثر لفرضه في الوجوب ألبتة، هذا مع ما في التقدير من مضاد الأدلة التي تقدمت على أن الواجب النفقة بالمعروف فيطعمهم مما يأكل ويلبسهم مما يلبس، وإن أريد أمر رابع فلابد من بيانه لينظر فيه.
فإن قيل: إن نفقة غير الولد والوالدين من المحارم إنما تجب بالقضاء؛ لأنه مجتهد فيه كما قال المصنف.
فجوابه أن قضاء القاضي في مسائل الخلاف لا يكون ابتداء إيجاب، وإنما هو إلزام بما يعتقد لزومه شرعًا، كما لو قضى بشفعة
الجوار، فإنه لا يقال: إن الشفعة وجبت بقضاء القاضي، ولكن القاضي اعتقد مشروعية شفعة الجوار فقضى بما يعتقد مشروعيته، وألزم بما يعتقد لزومه شرعًا، وكذا كل مختلف فيه من الأحكام، ونفقة سائر المحارم واجبة بالنص عند من يقول بوجوبها كنفقة الولد، والوالدين، وإذا ثبت كونها واجبة قضى بها في مال الغائب كنفقة الوالدين، والولد، والزوجة كما يقضي بها في مال الصبي، والمجنون بل أولى، فإن الصبي والمجنون ليسا من أهل الوجوب، بخلاف الغائب.
وقد أجابوا الشافعي لما ألزمهم بها في وجوب الزكاة في مالهما بأن نفقة الأقارب مؤنة بخلاف الزكاة فإنها عبادة محضة، بل قد قالوا نعتق عليهما قريبهما إذا ملكاه، وتأتي المسألة في "الهداية" في كتاب الإعتاق، فالقول بإيجاب النفقة في مال الغائب أهون من القول بإيجابها في مال الصبي والمجنون بلا نزاع.
فإن قيل: إن المراد بالحكم عدم سقوط النفقة بمضي الزمان فهذا هو الذي أثر فيه حكم الحاكم وتعلق به؛ قيل: كيف يعتقد السقوط ثم يلزم ويقضي بخلافه، وإن اعتقد عدم السقوط فخلاف الإجماع، ومعلوم أن حكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته، فإذا كان صفة هذا الواجب سقوطه بمضي الزمان شرعًا/ لم يزل حكم الحاكم عن صفته.
فإن قيل: بقي قسم آخر، وهو أن يعتقد الحاكم السقوط بمضي الزمان ما لم تفرض، فإذا فرضت استقرت في حق الوالدين، والولد، وإذا زاد الإذن في الاستدانة استقرت في حق بقية الأقارب، فهو يحكم باستقرارها لأجل الفرض لا بنفي مضي الزمان.
قيل: هذا الجواب لا يجدي شيئًا، فإنه إذا اعتقد سقوطها بمضي الزمان وأن هذا هو الحق والشرع لم يجز له أن يلزم بما يعتقد سقوطه، ويحتاج الحاكم إلى إقامة الدليل على أنه يجوز للقريب أن يستدين ما ينفقه على نفسه في غيبة قريبة ثم يرجع به عليه إذا حضر، حتى يجوز له الإقدام على الحكم له بذلك، وإلا فإذا كان الحكم أنه من استدان ما أنفقه في غيبة قريبة ليس له الرجوع بذلك عليه إذا حضر، ليس للحاكم أن يحكم بخلاف ذلك لأنه يكون قد حكم بخلاف حكم الله.
قوله: (وفي هذه المسألة أقاويل مرجوع عنها فلم يذكرها).
الأقاويل جمع أقوال، والأقوال جمع قول فهو جمع الجمع وأقل ذلك تسعة أقوال، وليس في المسألة ذلك كله.