الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
قوله: (ومالك رحمه الله، إن كان يقول بأن أول وقته بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس. فهو محجوج عليه بما روينا).
مذهب مالك مثل مذهب أبي حنيفة والشافعي أن أول وقت الوقوف إذا زالت الشمس، وإنما دخول وقت الوقوف من أول النهار مذهب أحمد كذا نقل ابن قدامة في المغني وغيره.
قوله: (ومن اجتاز بعرفات نائمًا أو مغمى عليه أو لا يعلم أنها عرفات جاز عن الوقوف).
فيه نظر، وقياسه على الصوم مشكل؛ فإن الصوم قد وجدت فيه النية وهو ركن واحد، وأفعال الحج تؤدي في أماكن وأزمنة مختلفة متفرقة ففارقت الصلاة، والأعمال بالنيات فينبغي أن تشترط النية لكل فعلٍ كما تشترط
النية لكل يوم من رمضان، وللطواف؛ فإنه لو طاف بالبيت يطلب غريمًا لا يجزيه لعدم النية فكذا ينبغي أن يكون الوقوف بعرفة.
وقد فرق بعض الأصحاب بين الوقوف والطواف بفروق كلها ضعيفة، أحدها أن المقصود من الوقوف الحصول بعرفة في هذا الوقت وقد حصل، بخلاف الطواف فإن المقصود العبادة ولا تحصل إلا بالنية.
والجواب: أن المقصود من الوقوف العبادة أيضًا وكلاهما ركن، بل قد قال كثير من الأصحاب أن الوقوف أعظم من الطواف. وسيأتي الكلام على تضعيفه.
الثاني: أن الوقوف ركن يقع في نفس الإحرام فنية الحج مشتملة عليه فلا يفتقر إلى تجديد نية، وأما الطواف فيقع خارج العبادة؛ فلا تشتمل عليه نية الحج فافتقر إلى النية. وهذا الفرق أفسد من الأول؛ لأن الوقوف والطواف كلاهما من أجزاء العبادة فكيف تضمنت نية العبادة بهذا الركن دون هذا؟! وأيضًا فإنه محرم عن النساء حتى يطوف للزيارة؛ فالطواف يقع في الإحرام كالوقوف، وأيضًا فإن طواف العمرة يقع في الإحرام.
الثالث: أن الوقوف ليس بعبادة مقصودة؛ ولهذا لا يتنفل به، والطواف عبادة مقصودة؛ ولهذا ينتفل به، فوجود أصل نية الحج يكفي في الوقوف دون الطواف لذلك. وهذا فاسد أيضًا؛ لأن كليهما ركن، وإن كان الوقوف مقدمًا على الطواف كتقديم الوسيلة، فلا يستغنى عن النية كما في القيام مع الركوع والسجود في الصلاة. وقال أبو عمر بن عبد البر: الذي يدخل علينا في هذا أن الوقوف بعرفة فرض يستحيل أن يتأدى من غير قصد بالنية والعمل. هذا هو الصحيح في هذا الباب، والله الموفق للصواب. ووافق أبو حنيفة مالكًا فيمن شهد عرفة مغمى عليه ولم يفق حتى انصدع الفجر، وخالفهما الشافعي فلم يجز للمغمى عليه وقوفه بعرفة حتى يصح، ويقف عالمًا بذلك، قاصدًا إليه، وبقول الشافعي قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود وأكثر الناس.
قوله: (ومن أغمى عليه فأهل عنه رفقاؤه جاز عند أبي حنيفة، وقالا: لا يجوز).
وقولهما أظهر، وقول بقية الأئمة الثلاثة وغيرهم أظهر من قول الأصحاب في عدم جواز إهلال غيره عنه بإذنه أو بغير إذنه، لأنه عذر لا يمتد غالبًا فكان قاصرًا، والعبادة بدنية، ولم يرد نص بجواز الاستنابة فيه، وقياسه على الصبي لا يقوى.
قوله: (وتكشف وجهها، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إحرام المرأة في وجهها").
تقدم أنه لم يرد هذا الكلام مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا روي من كلام ابن عمر، والصحيح عنه خلافه.
قوله: (ولو سدلت على وجهها شيئًا وجافته جاز. هكذا روي عن عائشة رضي الله عنها.
ليس في حديث عائشة رضي الله عنها المجافاة عن وجهها وقد تقدم أنه
لم يرد أمر المرأة بكشف وجهها في الإحرام، وإنما ورد أنها لا تنتقب، ولا تلبس القفازين.
قوله: (وتلبس من المخيط ما بدا لها).
ينبغي أن يستثنى القفازان، لأنها قد نهيت عن لبسهما كما تقدم، وقد ذكر الأصحاب أنها تلبس القفازين.
وكأنه لم يبلغهم النهي عن لبسهما، وهو أحد قولي الشافعي، والصحيح من مذهبه أنها لا تلبسهما ذكره النواوي. والقفاز شيء يلبس في اليد لتغطية الكف والأصابع.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "من قلد بدنه فقد أحرم").
هذا الحديث غير معروف. قال السروجي: وتمسك في الكتاب بقوله صلى الله عليه وسلم-
في حديث جابر بن عبد الله أنه قال: "كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقد قميصه من جنبه حتى أخرجه من رجليه فنظر القوم إليه فقال: أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم، وتشعر على مكان كذا وكذا. فلبست قميصي ونسيت، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي. وقد كان بعث ببدنه وأقام بالمدينة". ثم قال: صاحب الكتاب ذكره بالمعنى، انتهى. وهذا كلام غير سديد؛ أعني قوله: وصاحب الكتاب نقله بالمعنى ويمشيه هكذا. وليس قوله: "من قلد بدنه فقد أحرم" معنى ما ذكر في حديث جابر، فإنه فيه الإشعار ولم يذكره المصنف، وهو على تقدير صحة الحديث يكون قيدًا في صيرورته
محرما؛ مع أن الحديث ضعيف. وهو حجة على المصنف لو صح؛ فإن مذهب أبي حنيفة لا يصير محرمًا بالتقليد وحده، ولا ببعثه مع غيره، وإنما يصير محرمًا بالسوق والتوجه معه، أو إدراكه بعد بعثه.
قوله: (والإشعار مكروه عند أبي حنيفة فلا يكون من النسك في شيء).
قد أنكر ذلك عليه قديمًا. وأجيب عنه بأن أبا حنيفة إنما كره إشعار أهل زمانه لمبالغتهم فيه على وجه يخاف منه السراية. وقيل: إنما كره إيثاره على التقليد؛ ففي كونه ليس من النسك في شيء نظر.
قوله: (وتقليد الشاة غير معتاد. وليس بسنة أيضًا).
عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم، أهدى مرة إلى البيت غنمًا
قلدها" رواه الجماعة. وقالت: "كنا نقلد الشاة فنرسل بها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حلال لم يحرم عليه شيء".
قال ابن المنذر: وقال عطاء بن أبي رباح، وعبيد الله بن أبي يزيد، وعبد الله بن عبيد بن عمير، ومحمد بن علي: رأينا الغنم تقدم مقلدة.
وقال بعضهم: رأينا الكباش مقلدة. وكان الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، يرون تقليد الغنم. وأنكر مالك وأصحاب الرأي تقليد الغنم، قال أبو بكر بن المنذر: وبالقول الأول أقول للثابت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كنت أفتل قلائد الغنم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبعث بها ثم يمكث حلالاً".
قوله: (والصحيح من الرواية في الحديث: كالمهدي جزورًا) يعني
المتعجل إلى الجمعة.
قال السروجي: لم يذكر في كتب الحديث كالمهدي جزورًا فيما علمت، انتهى. في رواية لمسلم:"فالأول: مثل الجزور ثم نزلهم حتى صغر إلى مثل البيضة"، ولكن في الصحيحين، ذكر البدنة، ثم البقرة، فلا يصح قوله:(والصحيح من الرواية كالمهدي جزورًا)؛ فإن مراده أن الرواية الأخرى التي فيها لفظ البدنة غير صحيحة، وليس الأمر كذلك، بل الرواية التي فيها لفظ البدنة أصح، وهي التي اتفق الشيخان على تصحيحها، وتلك من أفراد مسلم، ولكن لا يلم من ثبوت لفظ البدنة، وعطف البقرة عليها نفي اسم البدنة عن البقرة. وذلك من باب ذكر أحدهما بالاسم العام، والآخر بالاسم الخاص، وكأن إطلاق اسم البدنة على البعير أولى من العكس؛ لأنه أبدن من البقرة. وهذا نظير اسم الكافر [ين] والمنافقين؛ فقد عطف المنافقون على الكافرين في القرآن ولا يخرجهم ذلك عن شمول اسم الكافرين لهم،
وكذلك عطف القرآن على التمتع لا يخرجه عن شمول اسم التمتع له. ولهذا اتفق الأئمة على أن القارن عليه دم. وفي الآية: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} ، ونظائره كثيرة.