الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
قوله: (وحديث فاطمة-يعني- بنت قيس رده عمر رضي الله عنه فإنه قال: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة" ورده أيضًا زيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، وجابر، وعائشة رضي الله عنها.
في كلام المصنف هنا نظر من وجوه: أحدها: قوله: عن عمر-رضي الله عنه أنه قال: "لا ندري أصدقت أم كذبت" وهذا لم يثبت عن عمر رضي الله عنه، وإنما الثابت [في] الحديث:"حفظت أم نسيت" نسبها إلى السهو والنسيان ولم ينسبها لإلى الكذب وحاشاها منه.
الثاني: قوله: "عن عمر-رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة" فإن هذه الزيادة لم
تصح مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذكر أبو عمر بن عبد البر في التمهيد من كلام عمر نفسه أنه قال: "المطلقة ثلاثًا لها السكنى والنفقة ما دامت في العدة"، وهذا معروف من مذهبه رضي الله عنه.
وقال الإمام أحمد: لا يصح ذلك عن عمر رضي الله عنه يعني رفعه ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك قال الدارقطني.
ولو كان هذا عند عمر رضي الله عنه لخرست فاطمة بنت قيس ولا دعت إلى المناظرة، فإنها قالت لما بلغها إنكار مروان: بيني وبينكم القرآن، قال الله عز وجل:{لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} إلى قوله: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا} قالت: هذا لمن كان له مراجعة، فأي أمر يحدث بعد الثلاث؟! وقد جاء في طرق حديثها،
في مسند أحمد: "يا بنت آل قيس: إنما السكنى والنفقة على من كانت له رجعة".
الثالث: قوله: "ورده أيضًا زيد بن ثابت" فإنه لا يعرف فيه عن زيد نفي ولا إثبات.
والرابع: نسبته الرد أيضًا إلى جابر فإن المنقول عن جابر موافقته فاطمة بنت قيس في ذلك. حكى ذلك أبو عمر بن عبد البر في "التمهيد" عنه، وعن علي، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
وحاصل ما طعنوا به في حديث فاطمة بنت قيس أربعة أمور أحدها: أنها امرأة يمكن أن تكون قد نسيت، ولم تحفظ الحديث على وجهه.
الثاني: أن روايتها تضمنت مخالفة القرآن.
الثالث: أن خروجها من المنزل لم يكن لأنه لا حق لها في السكنى، بل لأذاها أهل زوجها بلسانها.
الرابع: معارضة روايتها برواية أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
أما الأول ففاسد والعلماء قاطبة على خلافة، وكم من سنة تلقتها الأئمة عن امرأة واحدة من الصحابة؟! فكيف مثل هذه السنة التي هي فيها صاحبة القصة؟!
وأما الثاني: وهو أن روايتها مخالفة للقرآن. فجوابه: أنها لو كانت مخالفة لعمومة لكانت مخصصة له كما خص من قوله تعالى: {يوصيكم/ الله في أولادكم} الكافر، والرقيق،
والقاتل، ومن قوله تعالى:{وأحل لكم ما وراء ذلكم} تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها ونظائره.
فإن القرآن لم يخص البائن بأنها لا تخرج، ولا تخرج، بل إما أن يكون النص يعمها ويعم الرجعية، وإما أن يخص الرجعية، فإن عم النوعين فالحديث مخصص لعمومه، وإن خص الرجعيات فالحديث مثبت لحكم آخر غير مخالف لما في القرآن.
وهذا الثاني: هو الذي يفهم بالتأمل من الآية من وجوه، وإليه أشارت فاطمة بنت قيس حيث قالت: فأي أمر يحدث بعد الثلاث.
وأما الثالث: وهو أن خروجها كان لفحش في لسانها، فقول لا دليل عليه، ولو كانت فاحشة اللسان -وقد أعاذها الله من ذلك- لقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ولسمعت وأطاعت: كفي لسانك حتى تنفضي عدتك، فلو قال لها النبي صلى الله عليه وسلم لما خالفته، ومن دونها كان يكفيه الكلام ويؤثر فيه.
وأما الرابع: وهو معارضة روايتها رواية عمر رضي الله عنه فإن أريد أن عمر عنده من السنة ما يعارض به روايتها فهذا لم يثبت، وإن كان غير ذلك
وهو ظن أن أصول السنة تقتضي خلاف ما روت، فلا نترك ما نقل إلينا من السنة لاحتمال مخالفته لأصل السنة.
وإذا كانت المسألة مسألة نزاع بين الصحابة فالسنة فاصلة بين المتنازعين، وقد ذكر السروجي في إبطال رواية فاطمة بنت قيس مسالك أخر، أحدهما: رد كبار الصحابة. وجوابه: إن كان البعض قد رده، فقد وافقه البعض كما تقدم، ولا تضر السنة مخالفة من خالفها بتأويل وإن كان مغفورًا له مأجورًا على اجتهاده.
الثاني: الاضطراب في الرواية فجاء "طلقها" وجاء "طلقها ثلاثًا"، و"ألبته" و"رجعية" و"آخر ثلاث" وجاء "مات". وجوابه: أن الطلاق كان آخر ثلاث تطليقات فالرواية المطلقة تحمل على هذه المقيدة، والمطلقة آخر ثلاث، مطلقة ثلاثًا ويصدق عليها أنها مطلقة ألبته؛ لأن البت القطع وهو موجود في الطلقة الثالثة، وهذه الروايات في الصحيح ولم تثبت رواية الرجعية، ولا رواية الوفاة، وليس مثل هذا الاضطراب مما يقدح في الحديث.
الثالث: أن سقوط النفقة والسكنى لها لسبب خاص، ولم تذكر في ذلك ما يمنع من العمل بحديثها، ويرد ذلك ما في مسند الإمام أحمد رحمه الله عنها رضي الله عنها فقالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة"، وفي لفظ:"فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى".
والمسألة مهيبة لما فيها من مخالفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكن في مسائل الخلاف لا ينظر إلى ذلك، ويقال في هذه المسألة نظير ما كان يقول له عبد الله بن عمر في متعة الحج؛ فإنه كان إذا سئل عنها يأمر بها، فيقال له: إنك تخالف أباك، فيقول: إن عمر لم يقل الذي يقولون، فإذا أكثروا عليه يقول: كتاب الله أحق أن تتبعوه أم [كلام] عمر؟.
* * *