الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب تفويض الطلاق]
فصل في الاختيار
قوله: (لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، ولأنه تمليك الفعل منها، والتمليكات تقتضي جوابًا في المجلس كما في البيع).
في دعوي إجماع الصحابة ودعوي أنه تمليك نظر، أما الأول فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما أمر رسول الله -صلي الله عليه وسلم- بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: إن الله عز وجل قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} الآية، {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة} ، قالت: فقلت: في هذا أستأمر
أبوي! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج رسول الله -صلي الله عليه وسلم- مثل ما فعلت" رواه الجماعة إلا أبا داود، قال ابن المنذر: واختلفوا في الرجل يخير زوجته، فقالت طائفة: أمرها بيدها فإن قامت من المجلس فلا خيار لها، روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وابن مسعود، وفي أسانيدها مقال، وبه قال جابر بن عبد الله، وعطاء، وجابر بن زيد، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، ومالك، وسفيان
الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وفيه قول ثان وهو: أن أمرها بيدها في ذلك المجلس وفي غيره حتى تنقضي منها، هذا قول الزهري، وقتادة، وبه قال أبو عبيد وابن نصر، وكلك نقول، ويدل على صحته قول النبي -صلي الله عليه وسلم- لعائشة: فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك"، انتهي وحكي "صاحب المغني" هذا القول عن علي رضي الله عنه، فكيف يثبت إجماع الصحابة والأمر كما تسمع؟! فأنظر إلى قول ابن المنذر روينا هذا القول عن عمر، وعثمان، وابن مسعود وفي إسنادها
مقال، وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة:"فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك" دليل على بقاء الأمر بيدها بعد المجلس.
وأما الثاني: وهو أن التخيير تمليك الفعل منها، والتمليكات تقتضي جوابًا في المجلس كما في البيع.
وفي "الذخيرة": إلا أن هذا التمليك بخلاف سائر التمليكات من حيث إنه يبقي إلى ما وراء المجلس إذا كانت غائبة ولا يتوقف على القبول لكن يرتد بالرد؛ لأن فيه معني الشرط، ولهذا لا يصح رجوعه عنه عندنا، وتقدم ما حكاه ابن المنذر عمن ذكرهم، اختاره هو أيضًا، وهو محكي عن مالك وهو قول الشافعي في القديم، وسيأتي بقية الكلام في ذلك في "فصل الأمر باليد" إن شاء الله.
قوله: (ثم الواقع بها بائن لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها، وذلك في البائن).
اختلف الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم فيما يلزم من اختيارها
نفسها، فذهب علي وعبد الله رضي الله عنهما إلى أن الواقع به واحدة بائنة، كما قال أبو حنيفة، وعن زيد بن ثبات رضي الله عنه أنه ثلاث، وهو قول الليث، وقال مالك رحمه الله: إن كانت مدخولاً بها فثلاث، وإن كانت غير مدخول بها قبل منه دعوي الواحدة، وقال أحمد والشافعي: واحدة رجعية، وهو قول عمر، وابن مسعود أيضًا، وعبد الله بن
عباس واختاره أبو عبيد، وإسحاق، والثوري، وابن أبي ليلي، وعمر بن عبد العزيز، وأبو ثور، وقد تقدم أن الذل دل عليه الكتاب أن الطلاق يعقب الرجعة إلا أن يكون قبل الدخول، أو تكن الطلقة ثالثة، واختيارها نفسها إذا قيل إنه طلاق ينقص به العدد، فحكم ثبوت الرجعة يترتب عليه ما لم يكن مكملاً للثلاث، وما ذكر من المعني لا يصلح أن يثبت به حكم شرعي، ويؤيد هذا ما ذكره المصنف في آخر الفصل أنه لو قال لها:(أمرك بيدك في تطليقه أو اختاري تطليقه؛ فاختارت نفسها فهي واحدة يملك الرجعة) وما ذكر من الفرق، وهو: أنه جعل لها الاختيار بتطليقه، وهو معقبة للرجعة، بخلاف ما إذا لم يذكرها لا يقوي؛ لأنه إذا لم يذكرها فقد نواها وأرادها فتكون معقبة للرجعة/ كما إذا ذكرها، والفرق بين ذكر الطلاق وعدمه يبطل
تعليله الذي ذكره للبينونة.
قوله: (وله أن هذا الوصف لغو؛ لأن المجتمع في الملك لا ترتيب فيه كالمجتمع في المكان، والكلام للترتيب، والإفراد من ضروراته، فإذا لغا في حق الأصل لغا في حق البناء).
يعني فيما إذا قال لامرأته: اختاري، اختاري، اختاري فقالت: اخترت الأولى، أو الوسطي، أو الأخيرة فإنها تطلق ثلاثًا عند أبي حنيفة، وواحدة عند صاحبيه، وهذا التعليل له، وفيه نظر؛ فإن الترتيب ثابت في اللفظ وإن لم يكن ثابتًا في المعني، صدق وصفها بالأولى والوسطي والأخيرة باعتبار أن قوله: اختاري، اختاري، اختاري جملة بعد جملة بعد جملة بعد جملة مشتملة كل جملة على فعل وفاعل مضمر، ومفعول محذوف، سواء كان التكرار للتأسيس أو للتأكيد؛ ففي إيقاع طلقتين زائدتين عليها، والحالة هذه لا يقوي، واختار الطحاوي أيضًا قولهما.
قوله: (ولو قالت: قد طلقت نفسي، أو اخترت نفسي بتطليقه، فهي واحدة يملك الرجعة؛ لأن هذا اللفظ يوجب الانطلاق بعد انقضاء العدة، فكأنما اختارت نفسها بعد العدة).
قال السروجي: في كلامه مسامحات، وقد ذكر المسألة في الجامع، والزيادات، وجوامع الفقه، وقال: "يقع واحدة بائنة، وفي بعض نسخ الجامع الصغير، قال: يملك الرجعة كما ذكره هنا وهو غلط من الكاتب، انتهي. وكذلك السغناقي أيضًا نسب الغلط إلى الكاتب، وهذه مشكل؛ لأنهما نفيًا الغلط عن المصنف ونسباه إلى الكاتب إلا أن يكون المراد الكاتب الأول وهو المصنف.
وقول السروجي: إن في كلام المصنف مسامحات ولم ينبه عليها مما لا ينبغي فعله أيضًا، بل التنبيه عليها أولاً تكميلاً لفائدة الشرح، وتلك المسامحات في مواضع، أحدها: ما تقدم التنبيه عليه من غلطه في النقل، لثاني: غلطة في التعليل لما ظنه أنه الحكم، ومن هنا يظهر أن الغلط منه لا من
الكاتب؛ لأنه لو غلط الكاتب وترك "لا" من قوله "يملك الرجعة" وكان حقه أن يقول:"لا يملك الرجعة" فالتعليل يدل على أن الغلط من المعلل. الثالث: في قوله: (لأن هذا اللفظ يوجب الانطلاق)، فإن الانطلاق لا يستعمل في الطلا، إنما يستعمل في الانطلاق الحسي، الرابع: في قوله: (فكأنها اختارت نفسها بعد العدة)، بل اختيارها نفسها والحالة هذه سبب للعدة؛ فإن اختيارها نفسها بعد التفويض إليها بلفظ "اختاري" من غير ذكر الطلاق بمنزلة قوله:"اختاري تطليقه" فإذا اختارت نفسها وقع الطلاق الذي فوضه إليها الزوج، والطلاق يعقب الرجعة بالنص.
وما ذكر من الفرق وهو أن الواقع هنا بلفظ الطلاق وهو صريح، وهناك بلفظ الاختيار وهو من الكنايات فرق مرتب على المذهب، والمذهب يستدل له لا يستدل به، ولو اختارت نفسها بعد أن قال لها:"اختاري تطليقه" لا يقال: كأنها اختارت نفسها بعد العدة فكذا هنا.