الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قوله: (ولنا ما روي: "أن النبي-صلي الله عليه وسلم- نهي المعتدة أن تختضب بالحناء، وقال: الحناء طيب"، وفي نسخة: "نهي المعتدة عن طلاق أن تختضب").
ومراده الاستدلال بهذا الحديث على أن المبتوتة عليها الحداد، والذي ورد في نهي المعتدة عن الخضاب إنما هو في عدة الوفاة، ولم يرد في حق المعتدة مطلقًا، ولا مقيدًا بالطلاق كما ذكر المصنف، ولا يصح الاستدلال به على مراده إلا أن يكون قد ورد النهي للمعتدة مطلقًا أو مقيدًا بالطلاق.
وقد مر على هذا المكان السروجي، والكاكي في شرحهما وذكرا أن النسائي روي أن النبي -صلي الله عليه وسلم-:"نهي المعتدة" ولم يقيدا، والذي رواه النسائي لفظه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:"دخل على رسول الله -صلي الله عليه وسلم- حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على صبرًا، فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ فقلت: [إنما هو] صبر يا رسول الله، ليس فيه طيب، قال: "إنه يشب الوجه، فلا تجعليه
إلا بالليل، ولا تمشطي بالطيب، ولا بالحناء فإنه خضاب"، وليس في الحديث، وقال: "الحناء طيب".
وقد جاء في حديث أم سلمة أن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرًا" أخرجان في "الصحيحين" وقد جاء في أكثر طرقة: "أن تحد على ميت"، فوجب العمل بهما على ما تقتضيه القاعدة من عدم حمل المطلق
على المقيد، فلا تحد المرأة على ميت ولا غيره، فوق ثلاث إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرًا، لئلا يلزم إلغاء المطلق، ولا يصح قياس المبتوتة على المتوفى عنها زوجها والحالة هذه.
قوله: (والإبانة أقطع لها من الموت، حتى كان لها أن تغسله ميتًا قبل الإبانة لا بعدها).
لا نسلم أن الإبانة أطع لنعمة النكاح من الموت، فإن الإبانة يمكن عود النكاح بعدها بطريقة، ولا يمكن ذلك بعد الموت، ولا يلزم من جواز تغسيلها إياه ميتًا قبل الإبانة لا بعدها، أن تكون الإبانة أقطع، لوجود القاطعين في
الموت بعد الإبانة، ولا كذلك قبلها، ولا شك أن عمل القاطعين أوى من عمل الواحد فانتفي الاستدلال بذلك على أن الإبانة أقطع من الموت.
فإن قيل: إنه إذا مات بعد الإبانة مات عنها وهي غير زوجة، فلم يظهر للموت في القطع عمل لوجود القاطع قبله، فلم يوجد قاطعان، بل قاطع واحد، وهو الإبانة.
قيل: بل وجد قاطعان، لكن القاطع الأول أبطل أصل النكاح، والقاطع الثاني أبطل اثره وهو النفقة والكسوة والسكني على أصلكم، ولو لم يبطل بوجوده شيء لا يخرج بذلك عن كونه قاطعًا.
قوله: (والذهن المطيب وغير المطيب إلا من عذر).
في المنع من غير المطيب إلا من عذر).
في المنع من غير المطيب من الأذهان نظر؛ فإنه لم يرد نهي عن الدهن، وإنما ورد النهي عن الطيب والزينة، لا عن الدهن المطلق، والدهن غير المطيب ليس منهما، خصوصًا السمن والشحم ودهن الآلية والله أعلم.
قوله: (قال عليه الصلاة والسلام: "السر النكاح").
يعني السر المذكور في قوله تعالي: {ولكن لأ تواعدوهن سرًا} وهذا
حديث لا أصل له، وإنما يروي من كلام ابن عباس رضي الله عنهما.
قوله: (ولا يجوز للمطلقة الرجعية، والمبتوتة الخروج من بيتها ليلاً ولا نهارًا) ثم قال بعد ذلك: (أما المطلقة فلقوله تعالي: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} ثم قال: (ولا كذلك المطلة؛ لأن النفقة داره عليها من مال زوجها) إلى آخر المسألة.
في منع المبتوتة من الخروج لحاجاتها كما تخرج المتوفي عنها زوجها نظر؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: طلقت خالتي ثلاثًا، فخرجت تجد نخلاً لها فلقيها رجل فنهاها، فأتت رسول الله -صلي الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له؛ فقال لها:"أخرجي فجدي نخلك، لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرًا" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
ولا يعارض هذا الحديث قوله تعالي: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن} الآية، فإن المراد بالإخراج والخروج في الآية، النقلة من المنزل المضاف إليها بالسكني حال وجوب العدة، فلا مطلق الخروج للحاجة، أي لا تخرجوهن من بيوتهن مكرهات إخراج نقلة، ولا يخرجن عنها هن باختيارهن.
وقد أجاب أبو جعفر الطحاوي عن حديث جابر المذكور بما رواه عنه [أنه] قال: "المطلقة والمتوفى عنها زوجها لا تخرجان من بيوتهما حتى توفيا أجلهما"، وأنه قد جابر بخلاف ما روي عن خالته في الخروج لجداد نخلها في عدتها، فدل على ثبوت نسخ ذلك عنده.
قال السروجي: ما أنصف الحافظ أبو جعفر في هذا، كيف يعارض حديث الجداد الثابت في صحيح مسلم بما رواه لهيعة الضعيف بالاتفاق، عن
أبي الزبير المدلس عن جابر بن عبد الله؟ ولا يجوز نسخ الصحيح بغير صحيح، انتهي كلا السروجي.
وليس بين حديث الجداد وبين ما رواه الطحاوي على تقدير صحته معارضه أصلاً، فإن الحديث الذي رواه الطحاوي إنما يدل على الخروج من المنزل على وجه النقلة؛ ولهذا جمع بين المطلقة والمتوفي عنها زوجها، وحديث الجداد يدل على الخروج للحاجة لا علي النقلة.
وقد روي الطحاوي أيضًا عن عائشة رضي الله عنها في حق المطلقة: "أنها تخرج من غير أن تبيت عن بيت"، وروي هو أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في المتوفى عنها زوجها والمطلقة ثلاثًا:"لا ينتلان ولا يبيتان إلا في بيوتهما"، ومفهومه أنها تخرج بالنهار وبعض الليل.
وقول المصنف: (ولا كذلك المطلقة؛ لأن النفقة داره عليها من مال زوجها)، مشكل أيضًا في حق المبتوتة لما يأتي من الكلام على حديث فاطمة بنت يس في النفقات، إن شاء الله تعالي، والمطلة الرجعية في حكم
الزوجات، فيكون خروجها مقيدًا بإذن الزوج كالزوجة التي لم تطل.
قوله: (وإذا خرجت المرأة مع زوجها إلى مكة فطلقها ثلاثًا، أو مات عنها، فإن كان بينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام، رجعت إلى مصرها؛ لأنه ليس بابتداء الخروج معني، بل هو بناء).
تقدم في أول كتاب الحج ما ورد من السنة في أقل مدة تمنع المرأة من السفر فيها، والتنبيه على ما في ذلك من المعنى.