الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الأيمان في الطلاق
قوله: (ولنا أن هذا تصرف يمين لوجود الشرط والجزاء فلا يشترط لصحته قيام الملك في الحال؛ لأن الواقع عند الشرط، والملك متين به عنده، وقبل ذلك اثره المنع، وهو قائم بالتصرف)، إلى آخر المسألة.
هذه مسالة تعليق الطلا بالنكاح وقد اعترف جماعة من الأصحاب بضع دليلها، والنكاح لم يشرع للطلاق، فإذا علق الطلاق بالنكاح فقد رتب عليه ضد مقتضاه فإن الله تعالي إنما شرع النكاح للاتصال الذي يتحصل معه مقاصد النكاح، وإنما شرع الله الطلاق عند الحاجة إلى مفارقة الزوجة بخلاف الإعتاق فإن شراء العبد لصد إعتاقة مشروع مندوب إليه، والفرق بينهما أيضًا أن العتق له قوة وسراية، ولا يعتمد نفوذ الملك التام فإنه ينفذ في ملك الغير كما هو مذهب أبي يوسف ومحمد رحمهما الله في العبد المشترك
إذا أعتقه أحد الشركات، ويصح أن يكون الملك لزواله بالعتق عقدًا وشرعًا، كما يزول ملكه بالعتق عن ذي الرحم المحرم بشرائه، وكما لو اشتري عبدًا ليعتقه عن كفارة، أو نذر، أو اشتراه بشرط العتق، وكل هذا يشرع فيه جعل الملك سببًا للعتق فإنه قربة محبوبة لله، فشر الله التوسل إليها بكل وسيلة مفضية إلى محبوبة، وليس كذلك الطلاق؛ فإنه بغيض إلى الله، وهو أبغض الحلال إليه، ولم يجعل ملك البضع بالنكاح سببًا لإزالته البتة، وفرق ثان وهو أن تعليق العتق بالملك من باب نذر القرب والطاعات كقوله: لئن آتاني الله من فضله لأتصدقن بكذا وكذا، فإذا وجد الشرط لزمه ما علقه به من الطاعات المقصودة، ولا كذلك تعلي الطلاق بالنكاح.
وقد استدل من قال بعدم وقوع الطلاق المعلق بالملك بأحاديث في السنن منها: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك" قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم[عن رجل] قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثًا، فقال:"تزوجها فلا طلاق إلا بعد النكاح"، وسئل عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، فقال:"طلق ما لا يملك"، رواهما الدارقطني.
ولكن ضعف الإمام أحمد الأحاديث الواردة في هذا الباب، وضعفها لا يمنع العمل بها لعدم المعارض، واحتمال الصحة وموافقتها للمعني الصحيح.
وذكر عبد الرازق عن ابن جريج قال: بلغ ابن عباس أن [ابن مسعود] يقول: "إن طلق ما لم ينكح فهو جائز"، قال ابن عباس:"أخطأ في هذا، إن الله عز وجل يقول: {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} ولم يقل: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن".
وثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: "لا طلاق [إلا] من بعد نكاح
وإن سماها" وهو قول عائشة رضي الله عنها، وهو مذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحابهم، وداود، وأصحابه، وجمهور أهل الحديث، وليس في مقابلة الأحاديث الوارة في نفي الطلاق بل النكاح ما يعارضها حتى نترك العمل بها لأجل المعارض، بل المعني يساعدها أو يتقوي بها، وقد وردت من طرق فقويت بذلك، قالوا: ولم يرد في الكتاب، ولا
في السنة ما يدل على وقوع الطلاق به ولا له نظير مساو يقاس به فلا يقع، وجميع ما ذكر من الأدلة على وقوعه محتملة فلا يقع بالاحتمال؛ فإن مقتضي القول بأنه تصرف يمين أن يشرع فيها الكفارة لعموم قوله تعالي:{ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان} الآية، ولهذا قال أبو حنيفة رحمة الله بالكفارة في قولة: إن فعل كذا فهو كافر، أو فلله عليه صوم كذا، ونحو ذلك.
قوله: (بخلاف ما إذا قال: إذا صمت، لأنه لم يقدره بمعيار وقد وجد الصوم بركنه وشرطه)
فيه نظر فإنه إذا صام ساعة ثم أطفر لم/ يوجد الصوم الشرعي فإنه لا يتجزأ، فإذا أبطلة بطل من أصله، وسيأتي لذلك زيادة بيان إن شاء الله تعالى.