الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(168)
فَصْلٌ: وَالْمُسْتَحَبُّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنْ يَبُلَّ يَدَيْهِ ثُمَّ يَضَعَ طَرَفَ إحْدَى سَبَّابَتَيْهِ عَلَى طَرَفِ الْأُخْرَى وَيَضَعَهُمَا عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَيَضَعَ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى الصُّدْغَيْنِ، ثُمَّ يُمِرَّ يَدَيْهِ إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ. كَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ «فِي وَصْفِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَمَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ وَصَفَ الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ كَانَ ذَا شَعْرٍ يَخَافُ أَنْ يَنْتَفِشَ بِرَدِّ يَدَيْهِ لَمْ يَرُدَّهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَإِنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَنْ لَهُ شَعْرٌ إلَى مَنْكِبَيْهِ، كَيْفَ يَمْسَحُ فِي الْوُضُوءِ؟ فَأَقْبَلَ أَحْمَدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ مَرَّةً، وَقَالَ: هَكَذَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَنْتَشِرَ شَعْرُهُ. يَعْنِي أَنَّهُ يَمْسَحُ إلَى قَفَاهُ وَلَا يَرُدُّ يَدَيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ حَدِيثُ عَلِيٍّ هَكَذَا. وَإِنْ شَاءَ مَسَحَ، كَمَا رُوِيَ عَنْ الرُّبَيِّعِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ عِنْدَهَا، فَمَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ مِنْ فَرْقِ الشَّعْرِ كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمَصَبِّ الشَّعْرِ لَا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَسُئِلَ أَحْمَدُ كَيْفَ تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ: هَكَذَا. وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ، ثُمَّ جَرَّهَا إلَى مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ رَفَعَهَا فَوَضَعَهَا حَيْثُ مِنْهُ بَدَأَ، ثُمَّ جَرَّهَا إلَى مُؤَخَّرِهِ. وَكَيْفَ مَسَحَ بَعْدَ اسْتِيعَابِ قَدْرِ الْوَاجِبِ أَجْزَأَهُ.
[فَصْلٌ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ]
(169)
فَصْلٌ: وَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِهِ سَالِمٍ وَالنَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ وَالْحَكَمِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ الثَّلَاثُ أَفْضَلُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّهُمْ يَقُولُ: مَسْحُ الرَّأْسِ مَسْحَةً وَاحِدَةً.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَى عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ:«رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا. ثُمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ مِثْلَ هَذَا.» وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَى عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالرُّبَيِّعُ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا.» وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ، قَالَ:«هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ قَبْلِي» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَلِأَنَّ الرَّأْسَ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ، فَسُنَّ تَكْرَارُهَا فِيهِ كَالْوَجْهِ. وَلَنَا «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ «عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى طُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيَنْظُرْ إلَى هَذَا.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
«وَكَذَلِكَ وَصَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَالرُّبَيِّعُ، كُلُّهُمْ، قَالُوا: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً.» وَحِكَايَتُهُمْ لِوُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إخْبَارٌ عَنْ الدَّوَامِ، وَلَا يُدَاوِمُ إلَّا عَلَى الْأَفْضَلِ الْأَكْمَلِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حِكَايَةَ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اللَّيْلِ حَالَ خَلْوَتِهِ، وَلَا يَفْعَلُ فِي تِلْكَ الْحَالِ إلَّا الْأَفْضَلَ؛ وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ فِي طَهَارَةٍ، فَلَمْ يُسَنَّ تَكْرَارُهُ، كَالْمَسْحِ فِي التَّيَمُّمِ، وَالْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ، وَسَائِرِ الْمَسْحِ، وَلَمْ يَصِحَّ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ شَيْءٌ صَرِيحٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: أَحَادِيثُ عُثْمَانَ الصِّحَاحُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةً؛ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالُوا فِيهَا: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا، كَمَا ذَكَرُوا فِي غَيْرِهِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ: مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا. رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَخَالَفَهُ وَكِيعٌ، فَقَالَ: تَوَضَّأَ ثَلَاثًا. فَقَطْ. وَالصَّحِيحُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ «تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا.» هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَمَنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ سِوَى عُثْمَانَ، فَلَمْ يَصِحَّ، فَإِنَّهُمْ الَّذِينَ رَوَوْا أَحَادِيثَنَا وَهِيَ صِحَاحٌ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ضَعْفُ مَا خَالَفَهَا
، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرُوا فِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. أَرَادُوا بِهَا مَا سِوَى الْمَسْحِ؛ فَإِنَّ رُوَاتَهَا حِينَ فَصَّلُوا قَالُوا: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَالتَّفْصِيلُ يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْإِجْمَالِ، وَيَكُونُ تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا يُعَارَضُ بِهِ، كَالْخَاصِّ مَعَ الْعَامِّ، وَقِيَاسُهُمْ مَنْقُوضٌ بِالتَّيَمُّمِ. فَإِنْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَسَحَ مَرَّةً لِيُبَيِّنَ الْجَوَازَ، وَمَسَحَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِيُبَيِّنَ الْأَفْضَلَ، كَمَا فَعَلَ فِي الْغَسْلِ، فَنُقِلَ الْأَمْرَانِ نَقْلًا صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ.
قُلْنَا: قَوْلُ الرَّاوِي: هَذَا طُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ طُهُورُهُ عَلَى الدَّوَامِ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ، رضي الله عنهم، إنَّمَا ذَكَرُوا صِفَةَ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِتَعْرِيفِ سَائِلِهِمْ وَمَنْ حَضَرَهُمْ كَيْفِيَّةُ وُضُوئِهِ فِي دَوَامِهِ، فَلَوْ شَاهَدُوا وُضُوءَهُ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى لَمْ يُطْلِقُوا هَذَا الْإِطْلَاقَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَمْ يُشَاهِدُوا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَدْلِيسًا وَإِيهَامًا بِغَيْرِ الصَّوَابِ، فَلَا يُظَنُّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَتَعَيَّنَ حَمْلُ حَالِ الرَّاوِي لِغَيْرِ الصَّحِيحِ عَلَى الْغَلَطِ لَا غَيْرُ؛ وَلِأَنَّ الرُّوَاةَ إذَا رَوَوْا حَدِيثًا وَاحِدًا عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ مِنْهُمْ عَلَى صِفَةٍ، وَخَالَفَهُمْ فِيهَا وَاحِدٌ، حَكَمُوا عَلَيْهِ بِالْغَلَطِ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً حَافِظًا، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ،
(170)
فَصْلٌ: إذَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى بَشَرَةِ الرَّأْسِ، وَلَمْ يَمْسَحْ عَلَى الشَّعْرِ، لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ انْتَقَلَ إلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ مَسْحُ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَوْصَلَ الْمَاءَ إلَى بَاطِنِ اللِّحْيَةِ وَلَمْ يَغْسِلْ ظَاهِرَهَا. وَإِنْ نَزَلَ شَعْرُهُ عَنْ مَنَابِتِ شَعْرِ
الرَّأْسِ، فَمَسَحَ عَلَى النَّازِلِ مِنْ مَنَابِتِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا، وَلَوْ رَدَّ هَذَا النَّازِلَ وَعَقَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَازِلٌ رَدَّهُ إلَى أَعْلَاهُ. وَلَوْ نَزَلَ عَنْ مَنْبَتِهِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَمَسَحَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ شَعْرٌ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ الْقَائِمَ عَلَى مَحَلِّهِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ ذِي شَعْرٍ. وَلَوْ خَضَبَ رَأْسَهُ بِمَا يَسْتُرُهُ أَوْ طَيَّنَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخِضَابِ وَالطِّينِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخِضَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ عَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةً فَمَسَحَ عَلَيْهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(171)
فَصْلٌ: وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ غَيْرِ مَا فَضَلَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَجَوَّزَهُ الْحَسَنُ وَعُرْوَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يَخْرُجُ عَنْ طُهُورِيَّتِهِ، سِيَّمَا الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ. وَلَنَا: مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ:«مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ.» وَكَذَلِكَ حَكَى عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ رَوَاهُنَّ أَبُو دَاوُد، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا.»
وَلِأَنَّ الْبَلَلَ الْبَاقِيَ فِي يَدِهِ مُسْتَعْمَلٌ، فَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ بِهِ، كَمَا لَوْ فَصَلَهُ فِي إنَاءٍ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ.
(172)
فَصْلٌ: فَإِنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْمَسْحِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ وَأَمَرَ بِالْمَسْحِ؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ، فَلَمْ يُجْزِئْ عَنْ النَّوْعِ الْآخَرِ، كَالْمَسْحِ عَنْ الْغَسْلِ. وَالثَّانِي يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جُنُبًا فَانْغَمَسَ فِي مَاءٍ يَنْوِي الطَّهَارَتَيْنِ، أَجْزَأهُ مَعَ عَدَمِ الْمَسْحِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ مُنْفَرِدًا؛ وَلِأَنَّ فِي صِفَةِ غَسْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْحًا؛ وَلِأَنَّ الْغَسْلَ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسْحِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ يَنْوِي بِهِ الْوُضُوءَ، وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ.
فَأَمَّا إنْ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مَعَ الْغَسْلِ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالْمَسْحِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ، حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إلَى مُقَدَّمِهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَوْ حَصَلَ عَلَى رَأْسِهِ مَاءُ الْمَطَرِ، أَوْ صَبَّ عَلَيْهِ إنْسَانٌ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَيْهِ يَقْصِدُ بِذَلِكَ الطَّهَارَةَ، أَوْ كَانَ قَدْ صَمَدَ لِلْمَطَرِ، أَجْزَأَهُ.
وَإِنْ حَصَلَ الْمَاءُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَجْزَأَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَاءِ عَلَى